وعد الربّ لأبرام

وعد الربّ لأبرام

فصل 15

الحلقة 30

وبعد ذلك تراءى الربّ لأبرام وقال له: »لا تخف يا ابرام، أنا ترس لك وأجك عندي عظيم جدٌّا« فقال أبرام »يا سيّدي الربّ ما نفع ما تعطيني وأنا سأموت عقيمًا ووالد بيتي هو أليعازار الدمشقيّ«.

وقال أبرام أيضًا: »ما رزقتني نسلاً وربيب بيتي هو الذي يرثني« فقال له الربّ: »لن يرثك أليعازار بل من يخرج من صلبك هو الذي يرثك« وقاده إلى الخارج وقال له: »هكذا يكون نسلك«. فآمن أبرام بالربّ، فبرّره الربّ لإيمانه. وقال له الربّ: »أنا الربّ الذي أخرجك من أور الكلدانيّين لأعطيك هذه الأرض ميراثًا لك«. فقال أبرام »يا سيّدي الربّ كيف أعلم أنّي أرثها«. فقال له الربّ: »خذ لي عجلة عمرها ثلاث سنوات وعنزة عمرها ثلاث سنوات وكبشًا عمره ثلاث سنوات ويمامة وحمامة«. فأخذ له هذه كلها وشطرها أنصافًا وجعل كلّ سطر مقابل الشطر الآخر. فأمّا الطائر فلم يشطره وانقضت الطيور الكاسرة على الجثث فأخذ أبرام يحذّرها. فلمّا صارت الشمس إلى المغيب، وقع أبرام في نوم عميق فاستولى عليه رعب ظلام شديد فقال له الربّ إعلم جيّدًا أنّ نسلك سيكونو غرباء في أرض غير أرضهم فيستعبدهم أهلها ويعذّبونهم أربعمئة سنة ولكنّي سأدين الأمّة تستعبدهم فيخرجون بعد ذلك بثروة وفيرة وأنت تموت وتنتقل إلى آبائك بسلام وتدفن بشيبة صالحة وفي الجيل الرابع يرجع نسلك إلى هنا لأنّي لم أطرد الأموريّين إلى أن يرتكبوا من الإثم ما يستوجب العقاب. فما إن غابت الشمس وخيّم الظلام حتى ظهر تنور الدخان ومشعل نار عابر بين تلك القطع من الذبائح. في ذلك اليوم قطع الله مع أبرام عهدًا وقال لنسلك أهب هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات وهي أرض القينيّين والقنزيّين والقدمونيّين والحثيّين والفرزيّين والرفائيّين والأموريّين والكنعانيّين والجرجاشيّين واليبوسيّين.

قرأنا فصل 15 وعد الرب لأبرام: نحن هنا في لقاء بين الربّ وصديقه وخليله أبرام، أبراهيم الخليل. يبدأ النصّ فيقول ترأى الربّ، تراءى يعني سمح لأبرام أن يراه فالربّ هو غير منظور، لا نستطيع أن نراه يعيوننا ولا أن نسمعه بآذاننا ولا أن نلمسه بأيدينا، هو يسمح لنا أن نراه، هو يرفعنا إلى مستواه وهذا ما فعله مع أبرام ودومًا حين تكون الرؤيا هناك الخوف، هناك خوف بعيد. يخاف الإنسان من الله الآتي ليضربه هذا الخوف ليس هنا مع أبرام الذي يعيش مع الربّ كصديق مع صديقه. وهناك خوف آخر، خوف الإنسان الخاطئ أمام الله. هذا هو خوف أبرام خوف كلّ واحد منّا. نحن أمام الله خطأة ولا يحقّ لنا أن نقترب منه إن لم يسمح لنا هو بذلك. نتذكّر مومسى حول العليقة، قال له الربّ »اخلع نعليك من رجليك فالمكان الذي أنت فيه مقدّس. نتذكّر أشعيا الذي قال: ويل إذا هلكت، فأنا رجل دنس الشفتين وأقيم وسط شعب خاطئ. هذا الخوف هو الذي يفهمنا المسافة التي بين الإنسان وبين الله، بين الإنسان الخاطئ والله القدّوس. ولمّا زال الخوف عن ابرام أو لمّا سمح له الربّ أن يقترب، بدأ الربّ يتكلّم: »أنا ترس لك« الترس هو أداة تحامي عنّا، تمنع عنّا سيف العدوّ، تمنع عنّا سهام العدوّ. تحدّثنا في الفصل السابق عن حرب خاصّة خاضها ابرام هي حرب الإيمان، لا يقول الكاتب شيئًا تقريبًا عن هذه الحرب، يقول فقط أطبق عليهم في الليل هو ورجاله. إذًا من قام بهذه الحرب، الحرب الخاصّة هو الله. أنا ترس لك، هو الترس الذي يحمي أبرام من كلّ شرّ، من كلّ حرب، من كلّ قتل، من كلّ موت. ويتابع أجرك عندي عظيم جدٌّا بما أنّك سلّمت أمرك إليّ فأنا أعرف كيف أواجرك، كيف اكافئك. كلّ خير لك قال له ملكيصادق مبارك أنت، الربّ هو الذي باركومنحك كلّ خير لذلك. قال الربّ لأبرام أجرك عندي عظيم ولكن أبرام ينقصه أهمّ خير. ينقصه النسل، ينقصه ابن يرث كلّ هذا الخير الذي في يديه. قال ما نفع ما تعطيني وأنا سأموت عقيمًا. يعني السعادة التي يعرفها العبراني والشرقي بشكل عام والعبراني بشكل خاصّ، هذه السعادة التي يعرفها العبراني والشرقي بشكل عام والعبراني بشكل خاص، هذه السعادة تستند إلى ثلاثة أمور: الخيرات الكثيرة، الأولاد العديدون ثم الصحّة والعمر الطويل. نال أبرام الخير ولكن لم يكن له العقب، لم يكن له النسل، لم يكن له الأولاد. خاف أن يذهب الخير الذي له إلى ربيب بيته، إلى أكبر الخدّام الذي في بيته، ولكنّ الربّ عندما يعطي فهو يعي كلّ شيء، هو يعطي يغزارة. لا يعطي بيد مقبوضة بل بيد مفتوحة وسيقول بعد ذلك لأبرام بآية 16 »أنت تموت وتنتقل إلى آبائك بسلام وتدفن بشيبة صالحة« 15/15 سيكون لك العمر الطويل مع الصحّة وتنتقل إلى آبائك بسلام يعني بعد أن تكون شبعت من الأيّام. أعطي أبرام الخير الوفير وأعطي العمر الطويل يبقى الأبناء. وهو الربّ يعد أبرام آية 4 قال الرب: »لا يرثك اليعازار بل من يخرج من صلبك هو الذي يرثك«. نلاحظ بأنّ هذا النص كتب بعد الأحداث بسنوات عديدة وأنّ كلّ ما في هذا الترائي هو يقين إبراهيم بأن الربّ الذي أعطى لا يتوقّف عند عطاء واحد بل هو يكثر العطاء ويحيط عطاءه بالمؤمنين. يقول النصّ في آية 6 »فآمن أبرام بالربّ فبرّره الربّ بإيمانه«. يعود الكاتب إلىالوراء وحين يرى أنّ أبرام الذي كبر في السنّ، الذي طارت به الأيّام أنّ أبرام هذا في الواقع كان له ولد، هذا يعني أنّ الربّ وعد وسبق له فوعد بأن يكون له ولد، وقراءة ثانية عندما يفهمنا الكاتب كيف أنّ نسل أبرام بمصر سيكونون غرباء في أرض غير أرضهم 15/13 فيستعبدهم أهلها ويعذّبونهم 400 سنة. الكاتب يقرأ الماضي على ضوء الحاضر. يعود إلىالماضي ويقول أنّ الربّ هيّأ كلّ هذا الماضي من أجل أحبّائه. في نظرنا نحن هي عودة إلىالماضي. امّا في نظر الربّ، فالربّ ينظر إلى المستقبل فهناك مشروعه، هناك مخطّطه الخلاصيّ. نلاحظ أحبّائي كم مرّة: فقال الربّ، قال أبرام إلخ... نحن هنا أمام حوار بين الربّ وبين تقيّه، بين خليله إبراهيم. لا نتصوّر أحبّائي أنّ الربّ يكلّم أبرام كأنّ يكلّم الواحد صديقه، كلام في أعماق القلب، هي لمسة في أعماق القلب، في أعماق العاطفة، في أعماق الروح. ومتى نعرف أنّ الربّ كلّمنا، في الواقع، في الحاضر، نحسّ بالراحة، بسعادة، بنار تحرق قلبنا، نعرف بأنّ الربّ كلّمنا، لامس قلبنا لكنّنا لا نستطيع أن نعبّر عمّا قاله الربّ لنا إلاّ بعد الأحداث، إلاّ بعد ما يتحقّق ما طلبناه من الربّ سيفهم أبرام فيما بعد أنّ الربّ كلّمه عندما أعطى له الولد. وفي آية 6 والكلمة المهمّة جدٌّا الذي سيستعيدها بولس الرسول في الرسالة إلى روما وغلاطية: »آمن أبرام بالنار، آمن أبرام بالربّ، يعني استند، يعني تقوّى أبرام بالربّ. فبرّره لإيمانه، أعطاه البرارة، سمح له أن يقترب منه جعله في خطّ مشيئته، في خطّ وصاياه. برّره لإيمانه جعله قديمًا بسبب هذا الإيمان الذي عاشه تجاه الربّ وهنا يجعلنا الكاتب في ذبيحة، ذبيحة عجلة، عنزة، كبش، يمامة وحمامة. أخذ أبرام هذه كلّها وشطرها طبعًا لم يشطر الطيور لأنّها صغيرة جدٌّا. ونكون أمام مشهدين:

- مشهد أوّل: الطيور الكاسرة تهجم على الجثث فكأنّي بهذه الطيور الكاسرة وبعضها نجس يريد أن يسابق الربّ على هذه الذبيحة التي قدّمها له أبرام. ولكنّه سيفهم ما معنى هذه الطيور الكاسرة. سيفهم خلال ندمه. كان هناك ثبات عميق مثل آدم لمّا خرجت حوّاء من جنبه. كان هناك ثبات عميق، كان هناك ظلام، كان هناك رعب، كلّ هذا اكتشفه شعبه بعد مئات السنين وعلى إنّه حياة من العبوديّة، حياة من الضيق. فكأنّي بالربّ يتخلّى عن شعبه ويتركه يتألّم ويتعذّب. في خطّ أوّل إذًا كأنّي بالشرّ يتغلّب، كأنّي بمخطّط الله يسقط الربّ الذي يريد كنعان أرضه لشعه لكي يستعدّ هذا الشعب لاستقبال المؤمن الحقيقي يسوع المسيح، ابن الله، كأنّي بهذا المخطّط بدا يتعثّر بل بدأ يخرب. استولى على أبرام رعب ظلام شديد ونحن نعرف ما معنى الظلام؟ الظلام عكس النور. إذا كان الرب حاضرًا مع شعبه من خلال عامود النار. فمع الظلام يعني أنّ الربّ بعيد عن شعبه وهناك أيضًا علامة رعب 15/1ظ هناك الخوف وهناك الرعب، الرعب أمام الشرّ، أمام الموت، أمام القتل. أمّا المخافة كما قلنا فقد تكون عاقبة الإنسان تجاه الله. وأعطانا الكاتب من خلال هذا الحلم من خلال هذه الرؤيا صورة سريعة عن شعب الله في مصر، عن الشعب العبراني في مصر، كيف سيكونون عبيدًا ولكنّهم سيخرجون من مصر، يخرجون بعد ذلك بثروة وفيرة. ونفهم أبرام أو يفهم قارئ التاريخ فيما بعد أنّ الـ 400 سنة في نظر الربّ ليست بالكثير. الف سنة في عينيك يا ربّ كيوم أمس الذي عبر. ونقرأ في آية 17 فما إن غابت لاشمس وخيّم الظلام حتّى ظهر تنور دخان ومشعل نار عابر بين تلك القطع من الذبائح. ماذا يعني هذا الكلام؟ التنّور والنّار يدلّ على حضور الله، الله هو الذي يعبر بين الذبائح. في الماضي، كان الإنسان يمرّ بين الذبائح المشطورة ويقول إن أنا كنت خائنًا للعهد فلأقطع كما تقطع هذه الذبائح. فالإنسان يأخذ عهدًا على نفسه لأنّ يتمّم العهد مع الذي هو أعظم منه. أمّا هنا فالإنسان لا يفعل شيئًا. هو الليل وأبرام نائم. لا يستطيع أن يفعل شيئًا هو بوضع يشبه الموت، فغياب الشمس نتذكّر  على مصر هو الموت وشروق الشمس هو الحياة. غياب الشمس والظلام هو الموت إذًا أبرام لا يفعل شيئًا فالربّ هو الذي يفعل كلّ شيء، هو الذي يدخل بين تلك القطع بشطل تنّور. لا ننسى أنّ النار تدلّ على حضور الربّ. ويقول النصّ: في ذلك اليوم قطع الربّ عهدًا ليس هناك معاهدة بين اثنين متساويين، كلاّ. هناك الربّ، يقطع الربّ، الربّ هو الذي يبرم العهد، هو الذي يأخذ المبادرة، هو الذي يبدأ ويطلب من أبرام أن يتجاوب مع ندائه. هذه هي قصّة الله مع كلّ واحد منّا. هو الذي يبدا، يعطي، يدعو، ينادي ونحن ما لنا إلاّ نفتح ايدينا لنتقبّل عطاياه، نفتح آذاننا لنسمع صوته، نفتح قلوبنا لنفهم ما يقوله لنا من هنا نفهم ما معناه قطع العهد كما أنّ أبرام قطع الذبائح قطعتين، قطع العهد يرتبط بقطع الذبائح. وكما قلت يقول الإنسان إن لم أكن أمينًا للوعد فلأقطع كما قطعت هذه الذبائح. أمّا هنا وهنا أشدّد فليس الربّ هو الذي ينتظر من أبرام الخطوة الأولى بل الربّ هو الذي يفعل الخطوة الأولى، يخطو الخطوة الأولى ويقول لنسلك أهب هذه الأرض من أرض مصر إلى النهر الكبيرن نهر الفرات. كما قلنا نسل إبراهيم هو نسل المؤمنين، وهؤلاء المؤمنون في كلّ الأرض المعروفة من الفرات إلى مصر، كانت تلك الأرض المعروفة، كلّ هذه أرض الربّ. وهناك يعيش نسل الربّ، نسل إبراهيم.

هذا أحبّائي هو معنى الفصل 15 من سفر التكوين »وعد الربّ لأبرام«. الربّ وعد وهو يفي. وعد أبرام بالنسل وهو يعطيه النسل، وعده بالخرات وأعطاه، وعده بالعمر الطويل وأعطاه. الربّ يعد يكفي أن نؤمن. آمن إبراهيم بالربّ فنال ما انتظره من الربّ. آمن إبراهيم بالربّ فبرّره الربّ بإيمانه.

وهذا ما يقوله بولس الرسول في رسالته إلى روما، ورسالته إلى غلاطية، إيماننا هو الذي يعطينا البرارة، يعطينا القداسة، يعطينا حياة من السعادة مع الله.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM