أبرام وحرب من نوع خاص

أبرام وحرب من نوع خاص

فصل 14/...1.

الحلقة 29

كان في أيّام أمرافل ملك شنعار وأريوك ملك الآسار وكدرلعومر ملك عيلام وتدعال ملك حوييم، أنّهم حاربوا بارع ملك سدوم وبرشاع ملك عمورة وشنآب ملك أدمة، وشمئبير ملك صوييم وملك بالع وهي صوغر. هؤلاء جميعًا ثروة أهل سدوم وعمورة ومؤونتهم ومضوا. وأخذوا أيضًا لوطًا ابن أخ ابراهيم وثروته ومضوا. وكان لوط مقيمًا في مدينة سدوم. وجاء أحد النادين وأخبر أبرام العبراني وهو مقيم عند بلّوط الأموريّ. فلمّا سمع أبرام أنّ ابن أخيه في الأسر، جمع مواليه المولودين في بيته وعددهم 318 وتبعهم شمالاً إلى دان وهناك أطبق عليهم في الليل من كلّ جانب هو ورجاله فهزمهم وتبعهم إلى حوبا شمالي دمشق، فاستردّ جميع الثروة ولوطا ابن أخيه وثروته والنساء وسائر القوم. وعند رجوع أبرام منتصرًا على كدرلعومر والملوك الذين حاربوا معه. خرج ملك سدوم لملاقاته في وادي شوى وأخرج ملكيصادق ملك شليم خبزًا وخمرًا وكان كاهنًا ؟ العليّ فبارك أبرام بقوله: »مبارك أبرام من الله العلي خالق السماوات والأرض، وتبارك الله العلي الذي أسلم أعداءك إلى يديك« فأعطاه أبرام العشر من كلّ شيء. وقال ملك سدوم لأبرام أعطني القوم وخذ الثروة لك. فقال أبرام لملك سدوم: أرفع يدي وأحلف بالربّ الإله العلي خالق السماوات والأرض ألاّ آخذ خيطًا ولا رباط نعل من جميع ما لك لئلاّ تقول أنا أغنيت أبرام. ما عدا ما أكله الفتيان ونصيب الرجال الذين ساروا معي وهم عانر وأشكول وحمرا فهؤلاء يأخذون نصيبهم.

سفر تكوين فصل 14: قلت نحن أمام حرب من نوع خاص.

حاول الشرّاح أن يكتشفوا من هم هؤلاء الملوك. لا شكّ هناك شنعار يعني أرض بابل. وهنا علال أي الأرض عالية وهي قسم من العراق وقسم من إيران اليوم. وهناك كلمة هي غوييم يعني الوثنيّون الذين لا يعبدون الله الواحد. نلاحظ أنّنا أمام أربعة ملوك، مهم جدٌّا الرقم أربعة، يدلّ على الكمال، يدلّ على الملأ وكأنّي بملوك الأرض كلّها جاؤوا يحاربون هذه المنطقة، منطقة كنعان، يريدون أن يأخذوها. ويعود الكاتب الملوك الذين وقفوا في وجه هؤلاء الملوك الأربعة ولكنّهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا. فهؤلاء الملوك الأربعة أقوياء وأقوياء جدٌّا. لم أقرأ الفصل كلّه أحبّائي، لكن نستطيع أن نعرف كم تغلّب هؤلاء الملوك الأربعة على الحوريّين من سعير حتى حوران، في قادش إلخ... لم يتركوا ملكًا ولا بلدًا إلاّ وصلوا إليه. هنا نستطيع أن نقابل مع بداية سفر يهوديت، هذا الكتاب الذي هو كتاب تقوى، كتاب نريد أن يبيّن أنّ الربّ يحافظ على مدينته أورشليم فلا يستطيع أحدًا أن يأخذها إذا كانت أمينة للربّ ولوصاياه. يروي لنا الكاتب كيف أنّ نبوكدنصّر أرسل أليفانا فأخضع الملوك جميعًا واجتاح البلدان العديدة ووقفت أمامه ضيعة صغيرة بيت فلوى. هذه القرية الصغيرة وقفت بوجهه ومنعته من التقدّم فسوف تنتصر عليه لا إمراة فحسب بل إمرأة أرملة لا سند لها ولا معين، وحدها بصومها وصلاتها استطاعت أن تتغلّب على أكبر جيش في العالم، جيش نبوكدنصّر وقائده أليفانا. ونقول الشيء عينه في هذا الفصل: ابراهيم سوف ينتصر، ما هو عدد الرجال الذين معه؟

قول النص 318 فقط، هو عدد قليل جدٌّا لسنا أمام الألوف المؤلّفة، 318 هذا العدد الذي سيصبح رمز كلّ اجتماع من أجل عمل الربّ، من أجل انتصار قضيّة الله. هنا أقول بشكل عابر بأنّ آباء مجمع نيقيا يقول النصّ كانوا أيضًا 318. ابراهيم انتصر وكيف انتصر ابراهيم. فلم ينتصر بكثرة جنوده لكنّه انتصر بإيمانه. هنا نتذكّر جدعون في سفر القضاة، جدعون دعاه الربّ لكي يخلّص شعبه من الميديانيّين الذين كانوا على حدود بريّة سيناء. فجمع جدعون الجيوش والرجال للقتال فقال له الربّ: لماذا كلّ هذا الجيش فيظنّون إنّهم هم الذين انتصوا على ما قال المزمور: »هؤلاء بالعجلات وهؤلاء بالخيل«. كلاّ ليس بكثرة الجيوش يتمّ النصر وليس بقوّة المركبات يتم النصر بل بالإيمان بالربّ الواحد. تخلّى جدعون عن هذا الجيش الكبير وأبقى معه 300 رجل وهنا مع ابراهيم فقط 318 رجل. هؤلاء الملوك الأربعة الذين يمثّلون الكون كلّه، الذين لم يستطع أحد أن يقهرهم، أبرام، إبراهيم استطاع أن يتغلّب عليهم برجاله القليلي العدد، هزمهم وتبعهم إلى حوبا شمالي دمشق. نحن أحبّائي لسنا هنا أمام التاريخ الموثوق الذي يوثق الأرشيف. كلاّ نحن هنا أمام خبر دينيّ. قد يكون أن قبيلة من القبائل سبق لوطًا ورجاله وأخذت المال، ولحق بها إبراهيم وفي الليل أطبق عليهم، فهزمهم واستعاد أموال ابن أخيه وأصدقائه. هذا هو الخبر، قبيلة ضدّ قبيلة. وهذا ما نعرفه في هذا الشرق القديم، من عالم العبرانيّين غلى عالم الآراميّين، إلى العرب وكلّ الشعوب، خصوصًا تلك المقيمة على حدود الصحراء، قبيلة تهزم قبيلة في حرب لا تمتدّ أكثر من ساعة وإذا جاءت القبيلة خلال الليل تنتهي المعركة في بضع دقائق. إذًا في الأصل، نحن أمام خبر بسيط جدٌّا، قبيلة تغلّبت على لوط وأخذته أسيرًا وجاء إبراهيم وخلّص ابن أخيه، هذا الخبر كلّه. ولكن الكاتب جعل من هذه القبيلة كلّ شعوب الأرض وقد جاءت إلى أرض كنعان، إلى فلسطين، جاءت هنا، ولكن أبرام تغلّب عليها لا بقوّة رجاله، ولا بعدد رجاله، لا بحنكته السياسيّة والعسكريّة والحربيّة، تغلّب عليها بإيمانه. هو مع الربّ، الربّ معه. نتذكّر في الفصل السابق، قم وامشِ هو يمشي برفقة الربّ، هو يمشي مع الربّ فلا أحد يستطيع عليه، فلا أحد يقدر أن يهزمه. هذه هي الفكرة الأولى من هذا النص لاذي فيه أسماء العلم الكثيرة وفيه خصوصًا أكبر جيش في العالم، جيش شنعار، جيش بابل قهره إبراهيم بإيمانه. كأنّي أقرأ ما حدث وانتهى الأمر بهذه المدينة إلى الدمار وحريق الهيكل. فكأنّي بالكاتب يقول للشعب لماذا ولدتم؟ لماذا هزمتم؟ لأنّكم تركتم الله وتعلّقتم بمعاهدات مع ملوك، بمعاهدات مع أشخاص مرموقين، استندتم إلى الغنى، إلى الجيوش فتغلّبت عليكم الجيوش، يا ليتكم استندتم إلى الإيمان بالله على ما قال أشعيا الكلمة الرائعة، قالها لآحاب الملك بأيّامه »إن لم تؤمنوا، لن تأمنوا«. يعني إن لم يكن عندكم إيمان لن تعرفوا الأمان والسلام. هذا الخبر الذي ربط الكاتب الملهم بإبراهيم، بأبرام، يريد أن يفهم أورشليم ويفهمنا نحن أهميّة الإيمان، بالإيمان نستطيع أن تغلب كما قال يسوع تقووا أنا غلبت العالم. فكأنّي به يقول استندوا إليّ، تعلّقوا بي، ثقوا بي فأنا معكم نغلبُ العالم. هذه هي الحرب، هي حرب خاصّة، حرب من نوع خاص بين أبرام المؤمن وشعوب الأرض وكما قلت الغويين يعني هم الوثنيّين. لا يستطيعون أن يتغلّبوا على أبرام ما دام أبرام مرتبطًا بالربّ، مرتبطًا بوصاياه. والفكرة الثانية ترتبط بملكيصادق، عندما عاد أبرام من هذه الحرب إلتقى بملكيصادق. ملكيصادق يعني ملكي بار، ملكي صادق، هذا الملك يقول النصّ هو ملك شليم، شليم يعني تصغير أورشليم، الكتاب المقدّس ينظر إلى البعيد، إلى أورشليم واسم الملك هو اسم كنعانيّ معروف بهذا الشرق، ملك شليم ملكيصادق كان ملكًا وكان كاهنًا جمع في شخصه الملك والكهنوت. وهنا ايضًا يجعلنا النصّ في حقبة ما بعد السبي، جاء يشوع وزورأبابل. كان زورابابل من نسل ملكي، من نسل داود ولكنّه ما عتّم أن اختفى وترك الموضع كلّه ليشوع الكاهن العظيم الذي صار الكاهن والملك في الوقت عينه، جمع السلطة الدينيّة والسلطة السياسيّة، هذا ما نسمّيه التبوغرافيا. يعني حكم الله على الأرض بواسطة الكهنة. وما نلاحظه بأنّ ابراهيم سوف يقدّم إلى ملكيصادق، سوف يقدّم له العجول. نتحدّث عن ذلك فيما بعد. لكن نتوقّف أوّلاً عند ملكيصادق. هذا الكاهن الذي معه الخبز والخمر. الخبز إذًا عندما يأتي الضيف يستقبل بالخبز والماء أمّا هنا فكان استقبال ملوكي الخبز والخمر فكأنّي بأبرام هو ملك من الملوك وإنّه انتصر على هؤلاء الملوك، فهو أعظم من الملوك. استقبله ملكيصادق بالخبز والخمر، استقبله بأفضل ما يكون الإستقبال. نحن هنا كمسيحيّين نتذكّر بأنّ ذبحتنا ليست التيوس والعجول، ليست الحملان والكباش. ذبيحتنا هي الخبز والخمر. نحن نرى في الذبيحة القديمة، ذبيحة ملكيصادق أو بالأحرى تقدمة ملكيصادق، ملك شليم، ملك أورشليم، هذه التقدمة من الخبز والخمر نرى فيها صورة بعيدة عن الخبز الذي نحمله إلى الربّ فتصبح جسد المسيح ودم المسيح. ولكن مع إنّ إبراهيم هو الملك، ملك الملوك العظيم الذي انتصر. فالكاهن يبقى أعظم منه. يقول النص: »بارك أبرام بقوله«، يعني ملكيصادق هو الذي بارك أبرام باركه يعني دعى له بخيرات من عند الله، باركه يعني دعى له بالعمر الطويل، بالصحة، بالنصر، بالسلام. باركه باسم الله العليّ خالق السموات والأرض. باركه مباكتين: مباركة أولى بيد الله الخالق، الله العلي. وفي بركة ثانية لأنّه أسلم أعدائك إلى يدك يعني أعطاك الخلاص. هذه البركة لم تكن عطيّة من ملكيصادق إلى أبرام إنّما كانت ملاحظة لما فعله الله مع أبرام، هذا الإله القدير، هذا الإله العلي، هذا الإله الذي هو خالق السموات والأرض، هذا الإله هو الذي منح الخلاص لإبراهيم، فليس لإبراهيمأن يقول بيدي انتصرت برجالي، انتصرت بجيشي، انتصرت كلاّ. معونتنا باسم الربّ الذي صنع السموات والأرض وكما قلنا في المزمور »هؤلاء في العجلات وهؤلاء بالخيل. أمّا نحن فبإسم الربّ. انتصر أبرام باسم الربّ هذا ما أراد أن يقوله له ملكيصادق. الربّ الإله العلي، خالق السموات والأرض، هو الذي أعطانا النصرن هو الذي أسلم أعداءك إلى يدك. أحبّائي عندما نتحدّث عن الأعداء نفكّر حالاً بالموت والقتل والسبي والمنفى والسلب والنهب، كلاّ هناك أعداء وأعداء. وأعداء إبراهيم هم في الدرجة الأولى، أولئك يرفضون الإيمان بالله الواحد ولكن في النهاية، إبراهيم لن يكون له أعداء فجميع البشر مدعوّون إلى الإيمان بإيمان إبراهيم. ويتابع النصّ فيقول أعطاه أبرام العشر من كلّ شيء. هكذا كان يفعل الناس مع الكهنة يعطوهم العشر، عشر الغلّة، عشر الخيرات حتّى يؤمّنوا الخدمة في الهيكل ويهتمّوا باليتامى والأرامل ويقوم.......

والمقطع الثالث والأخير: يبيّن تجرّد أبرام نفسه الرفيعة. ما أراد أن يأخذ أبدًا شيئًا. قال له ملك سدوم: أعطني القوم وخذ الثروة، خذ المال. كلاّ لن آخذ شيء وحلف أبرام للربّ الإله العلي. النصر لم يكن من يده، بل من يد الربّ، إذًا يجب أن يعود كلّ شيء إلى الربّ وهنا كلّ شيء يعود إلى صاحبه. لا شك هناك ما أخذه الرجال من نصيب ولكن أبرام قال: لن آخذ خيطًا ولا رباط فعل من جميع ما لك. نلاحظ أحبّائي مرّتين خالق السماوات والأرض. هذا الربّ الذي تعرّفنا إليه منذ بداية الكتاب المقدّس، منذ سفر التكوين، في البدء خلق الله السماوات والأرض. هنا ملكيصادق يقول مبارك أبرام من الله العلي خالق السماوات والأرض. وأبرام يحلف: »أحلف بالربّ، بالله العليّ خالق السماوات والأرض«. هو الحاضر، هو الشاهد، هو العامل، هو القدير وحياتنا بين يديه فكيف نتعلّق بأمور الأرض، كيف نتعلّق بالجيوش، كيف نتعلّق بالخيول والمركبات، معونتنا باسم الربّ. هذا أحبّائي هو معنى الفصل 14 من سفر التكوين، سمّيناه حرب من نوع خاص، حرب قوّتها الإيمان، الإيمان بالله، لا شكّ كما قلنا هناك حرب بسيطة بين قبيلة وقبيلة ولكن الكاتب انطلق منها ليفهمنا أنّ الحرب الحقيقيّة لأبرام ليست بين قبيلة وقبيلة، الحرب هي حرب الإيمان، وقوّة أبرام من قوّة الله، وغنى أبرام من غنى الله، وإن هو استقبله ملكيصادق كاهن الله العليّ فلأنّ أبرام هو خادم الله العليّ وسيقوم أبرام بواجبه تجاه الكهنة كما يقوم كلّ مؤمن. أعطاه أبرام العشر من كلّ شيء، نال البركة منه، أبرام أبو المؤمنين، نال البركة والبركة كانت في الواقع نظرة من الله إلى أبرام عنده، خيرات يمنحها أيّاه، أبرام ربط حياته بالله العلي خالق السماوات والأرض. فكيف لا ينال ما يشاء بإيمانه، سيكون له كلّ هذا. سلّم أمره للربّ والربّ يكون معه. قم وامشِ في طول الأرض والعرض. مشى أبرام ومشى الربّ معه وكان له كلّ هذا النصر.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM