وساطة إبراهيم وشفاعته

الحلقة 34

وساطة إبراهيم وشفاعته

تكوين: 18/16-33

لا ننسى أنّ هذا النصّ يرتبط بما قبله 18/1-15، حلّ الربّ ضيفًا على إبراهيم ومعه إثنان هما الحرس ربّما أو وجيهان من الوجهاء، وقد رأى فيهم التقليد المسيحيّ والإيقونوغرافي »الثالوث الأقدس«، يقول النصّ وقام الرجال من هناك من بعدما أكلوا، من بعد ما إستضافهم إبراهيم استضافة الملوك، مضوا من هناك وتوجّهوا نحو سدوم، هنا إنتقل من عالم البرارة، من عالم الصدق مع الربّ والإيمان إلى عالم الخطيئة، سوف نرى أنّ سدوم ترمز إلى الخطيئة، ولهذا السبب تستحقّ الموت، على مثال ما نعرف من سفر التكوين في البداية، »يوم تخطئون، يوم تأكلون من الشجرة تموتون موتًا«. إذن انتقال من عالم البرّ والقداسة مع إبراهيم إلى عالم الخطيئة والنجاسة والموت في سدوم، قام الرجال من هناك وسار إبراهيم معهم ليشيّعهم، فعل كما يفعل المضيف العظيم، رآهم آتين من بعيد، خفّ لاتقبالهم وسجد أمامهم، وبعد أن استضافهم، هو يرافقهم، يشيّعهم إلى البعيد البعيد حتّى يكونوا بعيدين عن كلّ خطر، هنا ما زلنا على المستوى الماديّ، وسنرى المستوى الروحيّ، بمعنى الإتّصال بين الله والإنسان، وهنا من الجميل أن نفهم كيف أنّ الله يدخل في حياتنا، نستطيع أن نتعرّف إلى شعوره، إلى عواطفه، بطريقتنا البشريّة ناقصة لا شكّ في هذا الأمر، ولكن هذه الطريقة تساعدنا على اكتشاف العمق العميق لقلب الله، وجهة ماديّةً بشريّةً، إستضاف إبراهيم ثلاثة رجال شيعهم وودّعهم ولكن هنا يبدأ عمل الله، في آية 17 فقال الربّ في نفسه، هنا سنفهم كيف أنّ الربّ رفع غبراهيم، لم يسمح له أن يكون غريبًا من الغرباء، فاعتبره من أهل البيت، فقال أخبره كلّ أسراري ومشاريعي، قال الربّ في نفسه: »هل أكتم عن إبراهيم كلّ ما سوف أفعله، إذن مشاريع الربّ هي أمام إبراهيم والمؤمنين كي يدخلوا فيها، حتّى يتعاملوا معها، الربّ لا يقوم بمشاريعه وحده، هو يحتاج للبشر لكي يساعدوه ويكونوا معه، وكأنّ به يطل من إبراهيم والصديقين أن يساعدون، لكي لا يهلك هذه المدينة الخاطئة سدوم، »هل أكتم عن إبراهيم ما أنوي أن أفعله«، كلاّ، هذا السؤال الذي يبدو في الخارج كأنّه تسائل، هو في الواقع تأكيد، فهكذا أرد الربّ أن يعلّم إبراهيم بما سيفعله والربّ أعطى الأسباب. ما هي الأسباب التي جعلت الله، بأن لا يكتم شيئًا عن إبراهيم؟ أوّلاً إبراهيم يدخل في هذا المشروع العظيم، يكون أمّة كبيرة وقويّة يتبارك فيه جميع أمم الأرض. أمّة إبراهيم واسعة تضمّ اليهود والمسيحيّين والمسلمين، أمّة إبراهيم هي أمّة الإيمان بالله الواحد، بعد أن عبد الوثنيّون الآلهة المتعدّدة، أمّة إبراهيم هي أمّة كبيرة، هو يتشفّع بالناس في أيّامه وتقول بعض المصادر، يتشفّع في أبنائه لدى الربّ بعد الموت، وفي إنجيل لوقا 16، لعازر والغني، سوف نرى في حضن إبراهيم يعني في سعادة الله، لعازر موجود في حضن إبراهيم بعد أن كان ذاك الفقير، الفقير إلى ربّه فقد وجد إبراهيم موضع السعادة، إبراهيم سيكون أمّة كبيرة قويّة، ويتبارك به جميع ممالك الأرض، أمّا عظمة إبراهيم وكماله وتمام إبراهيم سيكون في يسوع المسيح الذي هو النسل الحقيقي والأخير والنهائي لإبراهيم، إذن السبب الأوّل الذي جعل الربّ لا يكتم شيء عن إبراهيم، هو أن يكون إبراهيم أمة كبير سيكون أداة في يد الربّ يعمل بها، سيكون مثالاً للربّ يستعمله لكيّ يدعو البشريّة إلى الإيمان بالله الواحد.

والسبب الثاني: يقول الربّ أنا اخترته لكيّ يعلّم بنيه وأهل بيته بأن يسلكوا في طريقي ويعملوا بالعدل والإنصاف، أصبح إبراهيم مثل موسى أو قبل موسى أعطى وصايا لبنيه وأهل بيته، والسلوك بطريق الربّ، وكلمة مسلك تعني في المعنى المادي، مش في الطريق وهناك معنى آخر طريق الربّ هي الوصايا، أي الوصايا العشر. ويوضح الكاتب هذه الوصايا بكلمتين، يعمل بالعدل والإنصاف، صفات مهمّة جدٌّا نقصت في أيام إبراهيم وهي ناقصة في أيّامنا، هنا يتوجّه بهذين الكلمتين إلى الضعيف، إلى الفقير الذي ليس له من يدافع عنه هذا هو العدل، ليس أنا اعامل القويّ والضعيف على نفس المستوى، فالقويّ سوف يأكل الضعيف، الغني سوف يأكل الفقير، والعظيم سوف يأكل الصغير، أمّا عند الربّ عندما يعامل بالعدل والإنصاف، يرفع الصغير والضعيف والحقير حتّى يصير على مستوى الغني والعظيم والكبير، لأنّهم كلّهم أولاده، هذا ما قالته مريم العذراء في نشيد التعظيم »حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين، أشبع الجياع خبزًا والأغنياء أرسلهم فارغين، أوّل سبب قال الله: »أنا اخترته« سيكون أمة عظيمة، السبب الثاني: إخترته ليوصي بنيه ليعلّمهم، وأخيرًا أنا وعدته وسوف أفي بما وعدت به، أن يكون نسله كرمل البحر وكالكواكب في السماء وأنا سوف أفي بوعدي، وقال الربّ لإبراهيم كثرت الشكوى على أهل سدوم، إذن قال الربّ لا أكتم شيئًا عن إبراهيم، وهي يخبره بحالة هذه المدينة أو المدينتين سدوم وعامورة الخاطئتين، وبيّن الكاتب أنّ الربّ لا يعاقب أحدًا إلاّ بالعدل والإنصاف لهذا يقول في الآية 21، أنزل وأرى هل فعلوا ما يستوجب الشكوى التي بلغت إليّ؟ هنا النظرة البشريّة أنا أشتكي إلى القاضي والأخير يدرس الشكوى ووصلت الشكوى إلى الربّ بسبب شرّ سدوم وخطيئة عمورة، فأراد الربّ أن ينزل ويرى هل يستحقّون فعلاً هذه الشكوى، نلاحظ دائمًا هذه الطريقة البشريّة يشبّه الله بالإنسان، ينزل، تعتبر السماء فوق والأرض تحت، والربّ ينزل كما على سلّم إلى الارض ويرى، الربّ يرى، لا شكّ هو روح لا عيون له كعيوننا ولكنّه يرى هذا يعني الربّ قريب منّا، ويمشي معنا، يرى أفعالنا، أقوالنا، حياتنا كلّها، فيا ليته يرى فينا ما يريده هو بحسب وصاياه وطرقه، هو يرى الخير والشرّ ويجازي الإثنين، ويقول النصّ: »توجّه الرجلان من هناك إلى سدوم، نستطيع أن نقول هما ملاكان ذهبا ليعّدا العقاب التي تستحقّه سدوم من بعد هنا ابتدى الحوار الرائع بين إبراهيم وبين الربّ، غبراهيم يدافع عن المدينة الخاطئة، هو يعرف جيّدًا أنّه خاطئ وضعيف، أنّه تراب وماء، لا يحقّ له أن يتكلّم مع الربّ، ومع ذلك جعل نفسه موقع الخطر، ونرى إبراهيم يقول في آية 30، لا يغضب سيدّي إن غضب السيّد انتقم، عاقبن لكن إبراهيم لم يخف من العقاب هو يدافع عن هذه المدينة، وعن سلاحه، أي الأبرار، الذي يمكن أن يوجدوا في هذه المدينة، نتذكّر على مستوى الطوفان، نوح وأولاده الثلاث وعيالهم نجوا بفضل برارة نوح، وكذلك إبراهيم يريد أن يستند إلى الأبرار في المدينة حتّى ينجّيها من الدمار والخراب وما سينتظرها، ونلاحظ هذه المساومة وهو يطلب من الربّ أن يكون عادلاً، وفي 25 يقول إبراهيم: »أديان كلّ الأرض لا يدين بالعدل، أنت الإله العادل فكيف تدع الصديق يهلك مع الشرير، باستطاعة الربّ أن يفعل كما فعل مع نوح، ينجّيه بواسطة السفينة، التي هي في رمزها الأساسيّ هيكل الربّ باستطاعة الربّ أن يفل كما سيفعل في سدوم، ينجو لوط وامرأته وبناته مع أنّ إمرأته ستنظر إلى الوراء، ستبقى هناك تمثالاً من الملح، ولكن إبراهيم ربط أهل المدينة كلّهم مع بعضهم الصدّيقين مع الأشرار، ينجون مع بعضهم وبدأت المساومة، على مستوى خمسين صديق، أنهلكهما كلّها ولا تفضح عنها من أجل خمسين صديق، حرامٌ عليك، هنا نلاحظ كيف أنّ إبراهيم يتكلّم مع الربّ ببساطة كما الإبن مع أبيه، ليس هناك من حواجز بين الله وإبراهيم، هذا الخوف من الله، الخوف من غضبه، من عقابه، إبراهيم يساوم مع الله يتكلّم معه من أجل نفسه، كل ما يطلبه خلاص هذه المدينة خلاص الصدّيقين والاشرار معهم، والربّ يتنازل مع إبراهيم، يخفّف إبراهيم عدد الصدّيقين فيتقبّل الربّ معه، خمسين صديق أفصح عن المدينة إكرامًا لهم لن تهلك المدينة في المقطع الثاني في آية 27 يقول أنا تراب ورماد، يدلّ إبراهيم على تواضعه على وضعه كإنسان لا تنسى أنّنا من التراب وإلى التراب تعود، أيا ترى التراب يقف أمام الروح، أيا ترى التراب يقف أمام الله! الله سمح بذلك، هو الذي تنازل حين نزل، كما في آية 21 »أنزل« نزل الربّ إلينا فتنازل وأراد أن يصير مثلنا، أن يقبل شكوانا حتّى أن يقبل تجاديفنا، يقبلها بقلبه الأبويّ محاولاً أن يبدّلها، هنا إبراهيم: »أنا تراب ورماد« لا أستحقّ أن أطلب هذا الطلب ومع ذلك أنت تطلب، وتلاحظ لسياسة إبراهيم، لم يقل له ربّما كانوا أربعين، آية 28 ربّما نقصوا الخمسين خمسة، أتهلك كلّ المدينة بالخمسة.

فقال الربّ لا أهلكها إن وجدت هناك 45 ويتابع إبراهيم 40. ثمّ يقول لا يغضب سيّدي ثلاثين ثم عشرين وأخيرًا يقول: »أتكلّم آخر مرّة لن أتكلّم بعد ذلك، إن وجد هناك عشرة وتنازل الربّ وهو يقول: »لا أزيل المدينة إكرامًا للعشرة« هنا نفهم أهميّة وساطة الأبرار وشفاعتهم في الشعب، في الكنيسة بين المؤمنين، هناك أشخاص عديدون يرفضوا هنا أن يكون وساطة أو شفاعة لا وسيط إلاّ يسوع المسيح، وكلّ وساطة غير وساطته ترتبط بوساطته هي امتداد لوساطته وشفاعته، هو الشفيع الوحيد من أجلنا لدى الآب ولكن هو أراد أن تكون له مساعدة من قبل البشر وهنا نتذكّر كلام بولس الرسول برسالته إلى كولوسي يقول: »أنا أكمل في جسدي ما ينقص من جسد المسيح من أجل جسده الذي هي الكنيسة، كلّنا يعلم أنّ آلام يسوع كاملة، أنّ خلاصه وفدائه كاملين مع ذلك بولس يضم مجهوده إلى آلام المسيح وموته وقيامته، أيا ترى الله يحتاج إلى ذلك؟

بالمعنى المطلق كلاّ، عمل الله كامل لا ينقصه شيء، ولكن الربّ هو الذي أراد أن يكون للبشر مشاركة معه في عمل الداء، نقول ذلك على مستوى الأبرار والقدّيسين على مستوى مريم العذراء ونحن نراها نتشفّع في عرس قانا الجليل من أجل المكايين كيف أنّ أدميا تشفّع من أجل شعبه وهو الذي مات وما زال يتشفّع من أجل شعبه. إبراهيم وهذا القريب جدٌّا من الله يتكلم مع الله كان يكلمه وجهًا لوجه، هذه صلاة الأبرار من خلال صلاة إبراهيم، صلاة كلّ واحد منّا، لأنّ الكتاب يقول: »لأنّ الربّ لا يريد موت الخاطئ بل توبته ليحيا«، وعندما صلّى إبراهيم من أجل حياة شعب سدوم فقد تلاقى مع عمق قلب الله الذي لا يريد لسدوم الموت ولا لعمورة الخراب ولكن الربّ سمّاه إبراهيم هو العادل، أديّان كلّ الأرض لا يدين بالعدم ولهذا السبب نزل الربّ ليرى الشرّ الذي في سدوم ليعاقب هذه المدينة لعلّها تتوب أو لعلّ مدن أخرى تتوب إلى الربّ تعود إليه، شفاعة إبراهيم ووساطته هي شفاعة المسيح الدائمة، والقدّيسين والأبرار الصدّيقين لأجلنا يا ليتنا نصلّي بعضنا من أجل بعض فلا نموت بل نحيا، تكون لنا الحياة التي طلبها من إبراهيم بل طلبها يسوع بل مات لتكون لنا الحياة بوفرة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM