العهد والختان

الحلقة 32 الفصل 17:

العهد والختان

ولمّا بلغ إبرام التاسعة والتسعين، تراءى له الربّ وقال: أنا الله القدير، اسلك أمامي وكن كاملاً، فأجعلُ عهدي بيني وبينك وأُكثرُ نسلك جدٌّا. فوقع إبرام على وجهه ساجدًا، وقال له الله: هذا هو عهدي معك، تكون أبًا لأممٍ كثيرة ولا تُسمّى إبرام بعد اليوم بل تُسمَّى إبراهيم. لأنّي جعلتك أبًا لأممٍ كثيرة. سأنميك كثيرًا جدٌّا وأجعلك أممًا. وملوك من نسلك يخرجون، وأقيم عهدًا أبديٌّا بيني وبينك. وبين نسلك من بعدك جيلاً بعد جيل، فأكدّن لك إلهًا ولنسلك من بعدك. وأعطيك أنت ونسلك من بعدك أرض غربتك كلّ أرض كنعان ملكًا مؤبّدًا وأكون لهم إلهًا.

وقال الله لإبراهيم: إحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك جيلاً بعد جيل. وهذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك، أن يُختن كلّ ذكرٍ منكم، فتختنون الفُلفة من أبدانكم ويكون ذلك علامات عهد بيني وبينكم، كلُّ ذكرٍ منكم إبن ثمانية أيّام تحتنونه مدى أجيالكم، ومنهم المولودون في بيوتكم أو المقتنون بمالٍ وهم عزباء عن نسلِكُم. فيختن المولودون في بيوتكم والمقتنون بما لكم ليكون عهدي في أبدانكم عهدًا مؤبّدًا. وأيُّ ذكرٍ لا يُختَن ويُقطع من شعبه لأنّه نقض عهدي. وقال الله لإبراهيم: أما ساراي إمرأتك فلا تُسمِّها ساراي بل سارة وأنا أباركها وأعطيك منها إبنًا. أباركها فيكون منها أمم وشعوب ويُخرج من نسلها ملوك. فوقع إبراهيم على وجهه ساجدًا وضحك وقال في نفسه، أيولد ولد لإبن مئة سنة أم سارة تلدُ وهي ابنة تسعين سنة؟ فقال إبراهيم ؟، ليت اسماعيل يحيا أمامك.

فقال الله: بل سارة إمرأتك ستلد لك ابنًا وتسمّيه اسحق وأُقيم عهدي معه عهدًا مؤبّدًا لنسله من بعده. وأمّا إسماعيل فسمعتُ لك وها أنا أباركه وأنمّيه وأكثره جدٌّا ويلد اثني عشر رئيسًا وأجعل نسله أمة عظيمة. ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده سارة في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة. قال الله لإبراهيم هذا الكلام وارتفع عنه* وجميع المولودين في بيته والذين اقتناهم بماله، أي كلّ ذكرٍ من أهل بيته. فختن الفلفة من أبوا فهم في ذلك اليوم ذاته كما أمره الله. وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة، واسماعيل ابنه في الثالث عشر عند ختانهما، في ذلك اليوم ذاته اختُتن إبراهيم وإسماعيل ابنه وجميع رجال بيته المولودون فيه أو الذين اقتناهم بماله من الغرباء. هؤلاء اختُتنوا معه.

* فأخذ إبراهيم إسماعيل ابنه.

نتوقّف عند بعض التفاصيل:

1 - إبرام إبن تسع وتسعين سنة.

هنا نفهم أنّ إبراهيم سارت حياته إلى النهاية. لا نأخذ أن تسعٍ وتسعين سنة هي سنة بسنة بسنة. كلاّ، يعني صرنا بالجيل الثالث هذا يعني أنّ إبرام لا يستطيع أبدًا أن يكون لها أولاد. يعني كلّ الوسائل البشريّة زالت. كلّ الطرق البشريّة لم يعد لها موضع هنا. فإسحق سيكون ابن الله.

هو الله يُرسله إلى رجلٍ لا يستطيع بعد أن يكون له أولاد وإى امرأة لا تستطيع بعد أن تكون أولاد كما تقول مات أحشاؤها.

كما قُلت لا نتوقّف عند التفاصيل ونقل: تسعين وتسعين كأنّ 45 سنة كافية للمرأة حتى تستطيع بعد أن تلد أولاد.

ما يريد الكاتب في هذا التضخيم هو أن يقول لنا ساعة لم ييعد إبرام ينتظر ولدًا. الربّ أعطاه ولدًا. وساعة يئست سارة أُعطي لها ولد.

ترائ كما قُلنا يعني سمح له الربّ أن يراه. كان هناك حديث، كان حوارًا في أعماق القلب بين الله وبين إبرام.

نلاحظ أيضًا أنّ الربّ غيّر اسم إبرام بآية - 5 - لا تُسمّى إبرام بعد اليوم بل إبراهيم. بدَّل له اسمه يعني بدَّل له حياته، كأنّه هالتسع وتسعين سنة كانت سنوات من الضياع والآن تبدأ حياة إبراهيم الحقيقيّة.

وكما بدَّل اسم إبرام صار إبراهيم كذلك بدَّل إسم ساراي فصارت سارة.

هي أيضًا ستبدأ رسالة جديدة.

في الماضي تعاملت كما يتعامل الناس. لا ولد لها، جاءت بجاريتها وقدّمتها إلى زوجتها، هكذا يفعل الناس، أمّا الآن فهي لن تنتظر أبدًا من الناس أن يتحقّق فيهم مشروع الله، الربّ هو الذي يحقّق مشروعه.

وأخيرًا قال إبراهيم ؟ ليت إسماعيل يحيا يعني إبراهيم يقدِّم للربّ وسائل بشريّة. نُلاحظ أو وسيلة قرأناها في الفصول السابقة كما يقولُ له ربيب بيتي أليعازر الدمشقي هو الذي يرثيني، هو الذي يكون نسلي، كلا، هو نسلُ البشر.

أمّا هنا فتبدَّل اسم إبراهيم وتبدَّل إسم سارة لأنّنا على مستوى نسلٍ من نوعٍ آخر سنصل به في شخص المسيح.

إذًا وسائل البشر الواحدة بعد الأخرى، ستسقط، الربّ هو الذي يفعل، هو بدأ يقول مار بولس وهو يكمِّل.

هو الذي دعا إبراهيم، أُترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك، وهو الذي يتابع هذه المسيرة مع إبراهيم كما قلنا حتى يصل بها إلىالمسيح.

ونلاحظ شيئًا مهمٌّا هو أنّ ما قاله الربّ لإبراهيم سيقوله لسارة.

يقول لإبراهيم جعلتك أبًا لأممٍ كثيرة، أجعلك أممًا وملوك من نسلك يخرجون.

يقول عن سارة بـ 17 - 16:

فيكون منها أممٌ وشعوب ويخرُجُ من نسلها ملوك، إذًا ما قاله الربّ عن إبراهيم يقوله عن سارة، رُغم هذا الجوّ الذي فيه صارت المرأة عبدة للرجل ولشهواته. صارت المرأة خادمة تُشرى وتباع. صارت مُلكًا من أملاكه مع حماره وثوره وعبده وآمته، ومع ذلك ما يقوله الربّ لإبراهيم يقوله لسارة. مالإثنان معًا هما على صورة الله.

والرجل تُجاه المرأة كمن هو تُجاه جسده. يقول مار بولس: يخدمُه، يهتمّ به، يعتني به، فإن أحبّ الرجل إمرأئه، يكون وكأنّه أحبّ جسده.

ما قاله الربّ لإبراهيم، يقوله لسارة، وهنا نستطيع أن نصل الإنجيل مع إنجيل لوقا حيث يجعل دائمًا المرأة تُجاه الرجل.

في الفصل 2 من سفر التكوين هذه المرأة عظمٌ من عظمي ولحم من لحمي، هي تُجاه الرجل. ويتحدّث الكتاب عن العهد، عن العهد المعاهدة بين ملك وملك، »أو إذا بدّنا« العهد عهد الزواج بين شابٍّ وفتاة.

الربّ كأنّه يتزوّج إبراهيم، هو العريس وإبراهيم هو العروس، هناك زواج، هناك وفاق بين الله وإبراهيم لا يترك أحد الآخر.

على مستوى الزواج، الموت يفصل الرجل عن المرأة، أمّا مع الله فلا فصل حتّى بعد الموت. فالمحبّة عند الله أقوى من الموت. ومن هو الله الذي يقيم عهدًا مع إبراهيم؟

يقول أنا الله القدير،

هذا الذي هو كلّي القداسة، يريد أن يقيم عهدًا مع البشر الضعفاء، مع إبراهيم، وماذا يُطلب منه؟ فقط أسلك أمامي وكن كاملاً، كما الولد يمشي أمام أبيه كذلك إبراهيم يمشي أمام الله في طريق الكمال، في طريق الوصايا.

الربُّ بكلمته يدعو إبراهيم، وإبراهيم يُجيب، آية 3 - فوقع أبرام على وجهه ساجدًا، يعني أنا بأمرك يا ربّ.

أنت تطلب منّي أن أسلك أمامك وأنا حاضر وأريد أن أعيش بالكمال، أعيش بحسب الوصايا، هنا نظرة بعيدة إلى إنجيل متّى 5 - 48، كما يقول يسو: كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ كامل هو.

هذا الكمال الذي يدعو الربّ إليه إبراهيم، يسوع يدعونا إليه ولا يزال الربّ يدعو كل واحد منّا إلى هذا الكمال، إلى هذه الحياة تحت نظر الله في وصايا الله، في يسر الله بحسب مشيئة الله على ما نقول في الأبانا: لتكن مشيئتك كما هي في السماء لتكن على الأرض، لتكن فينا ولتكن في حياتنا.

الربّ يقول 7 أقيمُ عهدًا أبديٌّا، كما قلت العهود البشريّة تنتهي بالموت أمّا العهد مع الله فهو عهدٌ أبدي$ - هنا نتطلّع أيضًا إلى ما فعله يسوع في العشاء السريّ.

هذا هو جسدي للعهد الأبدي، لا عهدَ أبديٌّا إلاّ بين إله وإله، إذا بدّنا نقول هالشي هيدا.

إذًا بين البشر لا يمكن أن يكون العهد أبديٌّا لأنّ الإنسان هو محدود في الزمان والمكان، لأنّ الإنسان هو مائت ولكن الله في شخص ابنه يسوع المسيح هو الذي قدَّم العهد وتقبّل العهد. هذا العهد الأبدي لن يكون أبديٌّا حقٌّا إلاّ في شخص يسوع المسيح.

من هيك يقول الكتاب: فأكون لك إلهًا ولنسلك من بعدك. وما هي علامة هذا العهد؟ هي علامة خارجيّة - هي الختان - عمليّة صغيرة في عضو الإنسان، عضو الذكر التناسليّ - الختان هذا العمل الذي اعتادت عليه كلّ شعوب الشرق، لكن أخذ معنًا دينيٌّا في العالم العبراني في شعب الله. في الأصل كان الختان عمليّة جراحيّة بسيطة للذكر الذي يستعدّ للزواج. ولكن مع الشعب العبراني وخصوصًا بعد المنفى؛ صار الختان علامة على انتماء إلى الشعب العبراني إلى شعب الله. وحده المختون هو من شعب الله. أمّا اللامختون يقول النص: وأيُّ ذكرٍ »الآية 14« وأيّ ذكرٍ لا يُختَن يُقطع من شعبه لأنّه نقض عهدي. يعني إذا رفض أن يُختن يُعتبر أنّه رفض أن يكون من شعب الله. يني رفض أن يعيش في عهد مع الله، في عهد زواج مع الله، كأنَّه طلّق الله، كأنّه هجر الله، كأنّه أراد أن يبتعد عن الله.

هذا العهد هو إذًا حوار داخلي بين الله وإبراهيم، أمّا العلامة الخارجيّة فهي هذا الختان. هنا نتذكّر كلّ الأسرار في حياة الكنيسة. هناك عمل خارجيّ يدلّ على حقيقة داخليّة، حقيقة إلهيّة، حقيقية سماويّة. مثلاً حتى قبل الأسرار مع يوحنّا المعمدان: يتوبون، يأتون إليه تأبين، ما الذي يدلّ على توبتهم الداخليّة، على عودتهم إلى الله؟ ما يدلّ هو أنّهم يغتسلون في نهر الأردن. يقيمون في نهر الأردن. هذا العمل الخارجي، يدلّ على العاطفة الداخليّة على الموقف الداخليّ. وكذلك الختان هذا العمل الخارجيّ يدلّ على خطبة بين الله والإنسان.

الإنسان هو خطيب الله، متعاهد مع الله، وعلى مستوى الأسرار يُغسل الولد في الماء فكأنّي به صار إبن الله.

في الخارج، العمل الخارجيّ يدلّ على عمل داخليّ، الخبز والخمر على المذبح، هذا علامة تقدمتنا للربّ، يُصبح جسد المسيح ودمه بل نصبح نحن كلّنا جسد المسيح ودمه.

وهذا الختان هذا العهد مفتوح على الجميع.

ليس فقط على إبراهيم وإسماعيل إبن إبراهيم بل على الجميع. العبد الذي في البيت، المقتنى بمال، الغريب، كلّ هؤلاء يمكن أن يدخلوا في العهد، هذا العهد مفتوح ولا يمكن أن يكون منغلقًا. فإذا انغلق لم يعد أمام شعب الله، بل أمام شيعة من الشيع. وهذا هو الصراع الذي سيعيشه الشعب العبراني، أن يكون مفتوحًا أو منغلقًا على ذاته، أن يعتبر عطايا الله للجميع أو يحصُرُها في نفسه، أن يعتبر نفسه سيّد الناس أو هو خادم للناس يحمل إليهم عبادة الله الواحد، يحمل إليهم كلام التوراة.

دائمًا نفهم أنّ ما يعطيه الربّ، يعطيه للبشريّة كلّها - وهكذا نفهم أنّ الربّ بارك اسحقًا كما بارك إسماعيل - لم يترك إسحق خارج البركة ولا خارج العهد. ولا ترك إسماعيل خارج البركة وخارج العهد. هو يبارك إسماعيل ويجعلُهُ 12 رئيسًا وكذلك يبارك إسحق ويجعله 12 رئيسًا. نلاحظ هنا وجود الرقم 12، لماذا؟

لأنّ المعبد بين القبائل تخدمُه 12 قبيلة، وكلّ قبيلة تخدمه شهرًا من السنة. هكذا كان الوضع بالنسبة للشعب العبراني، إن كان في شكيم أو في الجلجل، تخدم القبيلة المعبد شهرًا من السنة. وهكذا كان بالنسبة لبني إسماعيل، وهكذا كانت الشعوب العربيّة. كانت أيضًا تخدم كلّ قبيلة، تخدم المعبد مرّة في السنة. ونقول الشيء عينه عن اليونان في معبد دلف في اليونان، كان هناك قبيلة تخدم الهيكل المعبد شهرًا في السنة. لهذا السبب كانت تقسم الشوب إلى 12 قبيلة وكلّ قبيلة تؤمّن خدمة الهيكل مرّة في السنة.

هذا هو معنى الفصل 17 من سفر التكوين الذي قرأناه الآن: العهد والختان.

حاولنا أن نكتشف أوّلاً المعنى الروحي:

الربّ هو حاضر في حياة أبرام ويمكن أن يكون حاضر في حياتنا. هذه الصلاة المسائيّة أو الصباحيّة تُرافقها كلمة الله، لا يُمكن إلاّ أن تكون حوار مع الربّ. في هذا الحوار يتراءى لنا الربّ، يظهر لنا الربّ.

هي صلاة فيها السجود. السجود أوّلاً أجعلُ عهدًا بيني وبينك، سجد إبراهيم - أعطيك إسحق. سجد إبراهيم - هذا السجود يدلّ على موق الإنسان تجاه الله، هو عاطفة الإنسان تجاه الله، وكما نال إبراهيم البركة نالت سارة - وكما نال إسحق إبن سارة البركة في نسل من 12 رئيسًا كذلك إسماعيل سيحيا أمام الربّ ويكون له نسلٌ.

فهذا العهد مفتوح على الجميع. مفتوح على البشريّة كلّها. لا على شعب واحد ولا على عشيرة واحدة. أي الختان الذي هو علامة خارجيّة تدلّ علىعاطفة داخليّة على روح تقويّة. فقد صار في المسيحيّة المعموديّة.

بالختان أن ينتمي كلّ مؤمن إلى الشعب اليهودي. وبالمعموديّة ينتمي كلّ واحد منّا إلى الكنيسة، إلى الشعب المسيحي. يبقى علينا أن ندخل في هذا العهد ونفتحه للجميع، فنكون كلّنا في العالم كلّه شعب الله الواحد الذي يريدُه أن يكون له حاملاً بركاته إلى جميع الأمم. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM