دعوة إبراهيم

دعوة إبراهيم

تكوين 12/1-9

الربّ نادى وإبراهيم لبّى النداء، إرحل من أرضك وعشيرتك، فرحل كما قال له الربّ.

نداء إلى الإيمان وجواب في الإيمان. نحن أمام تأمل، تأمّل كتب بعد وقت طويل. فما حدث في الواقع، إبراهيم وإبن أخيه لوط. أبرام يعني الأب رفيع وساري الأميرة زوجته هم رعاة. نقص الماء، نقصت المراعي فأُجبروا على الرحيل من موضع ناشف، يابس عَمَّه القحط إلى أرض فيها الماء والأكل. هذا هو الواقع التاريخي الحياتي الذي يعيشه البدو في أماكن عديدة في هذا الشرق يطلبون الماء والمرعى.

الكاتب اكتشف سببًا آخر لرحيل إبراهيم: أوّلاً من أور جنوب العراق قرب البصرة إلى حاران إلى شمال العراق، وجد سببًا روحيٌّا هو نداء الربّ. نحن نعرف أن الربّ ينادينا في أعماقنا أعماق قلوبنا يدعو كلّ واحد منّا. ولكن دعوته تمرّ عبر الأشخاص المرشد. ونداء الربّ يصل عبر الظروف، ظروف الحياة. أجبر أبرام على ترك أرض العراق جنوبها وشمالها، فرأى الكاتب الملهم في هذا الرحيل، في هذا الإنطلاق، رأى نداءً من الربّ يتجسّد في الحياة اليوميّة ولكن نداء الربّ لا يتجسّد حقٌّا إلاّ إذا تجاوبنا معه. فإن لم نتجاوب مع نداء الربّ يبقى هذا الكلام كلامًا في الهواء إلى أن يتحقّق في شخص من الأشخاص. وقال الربّ لأبرام: إرحل من أرضل وعشيرتك وبيت أبيك. نلاحظ أن هذا الرحيل يبدأ واسعًا: الأرض. ويضيق فيصل إلى العشيرة ويضيق أيضًا فيصل بيت أبيك، إلى العائلة، العائلة في المعنى الواسع. إذًا رباطات واسعة مع الأهل، مع الإخوة والأخوات. وكان الكاتب حدّثنا عن أبرام وأخويه ناحور وحاران ووالده تارح إذا عن كل هؤلاء أراد أبرام أن يرتحل، أن يتجرّد، طلب منه الربّ ذلك. ونلاحظ أن الربّ لا يحدّد وجهة يذهب إليها أبرام. إرحل، أترك أرضك، عشيرتك، وبيت أبيك، إذهب؟ »إلى أين يا ربّ«، الربّ لا يقول له إلى الأرض التي أريك، التي أدلّك عليها. ولكن يا ربّ من يُريني هه الأرض، من يدلّني على هذه الأرض. ليس الأمر في إرادتنا، في مشيئتنا. الربّ هو الذي يخطّط وكل ما يطلب منّا هو أن ندخل في مخطّطه، هو يقول لنا متى شاء، هو الذي يقودنا، يدلّنا على الأرض التي يريد أن نصل إليها، علىالمهمّة، الرسالة التي يدعونا إليها. جرّد الربّ أبرام من كلّ ما يؤمّن له حياةً هادئة ومطمئنّة في الأرض وبين أفراد العشيرة وفي بيت أبيك وأخذه إلى المجهول بالنسبة للبشر ولكنّه معلوم بالنسبة إلى الله وحين يطلب الربّ من إنسان أن يقوم بمهمّة فهو يباركه، فهو يعطيه نعمته، فهو يَعيدُه بالمواعيد.

آية 2: أجعلك أمّة عظيمة، نحن نتكلّم هنا في القرن الخامس قبل المسيح يعني أن الأحداث إذا إعتبرت إبراهيم عائش في القرن الثامن عشر ق. م. نكون قبل 13 قرنًا من الزمن. بالواقع صار إبراهيم أمّة ومع اليهود والمسيحيّين والمسلمين في الواقع هو أمّة عظيمة، شعب عظيم، شعب المؤمنين بالله الواحد.

أجعلك أمّة عظيمة وأباركك: الربّ يبارك يعطي السلام، يعطي الخيرات، يعطي حضوره، يكون حاضرًا معه. نلاحظ هنا خمس مرّات كلمة أباركك. تكون بركة أباركك، مباركيك، يتبارك في آية 2-3 نجد خمس مرّات كلمة البركة. لماذا لكي تكون ردٌّا على اللعنة التي حلّت بالأرض: أوّل لعنة مع الحيّة - الثانية في الأرض - الثالثة التي بقايين بعد أن قتل أخاه هابيل. واللعنة التي رافقت الشعب الذي سبق نوح وأخيرًا لعنة كنعان الذي مارس الزنى وخاصة مع الأقارب. خمس لعنات في الماضي قابلتها أربع مباركات مع إبراهيم مباركيك في الجمع. أمّا لعننة في المفرد واللاعن هو الذي يحاول أن يأخذ منّا بركة الله ولكنّه لا يستطيع يقول المزمور »أنت تلعن والله يبارك«. هل تستطيع أن تتغلّب على الله؟ ماذا كانت المواعيد؟ أوّلاً أجعلك أمّة عظيمة، ثانيًا أباركك يعني أعطيك جميع الخيرات التي أنت بحاجة إليها. هنا نتذكّر صلاة الأبانا، أعطنا خبزنا كفاف يومنا، تدلّنا على موضوع البركة التي تنالها من الله.

ثالث وعد أعظّم اسمك: هنا نتذكّر ما قرأنا في فصل 11/4. أراد البشر أن يقيم لهم إسمًا. لا يستطيعون أن يقيموا لهم إسمًا. أمّا الربّ هو الذي يعطينا إسمًا هو الذي يعظّم إسمنا. يعظّم حياتنا هو الذي يجعلنا خالدين فيه. إذًا الإسم ليس عطيّة البشر للبشر لكنّه عطيّة الله للبشر. لا شك أنّنا على مستوى البشر أهلنا يعطونا الأسماء ولكن هذا يتمّ باسم الله ببركة الله وتتوزّع المواعيد على مستوى البركة.

أبارك مباركيك وألعن لاعنيك ويتبارك بك جميع عشائر الأرض. هنا عندا معنيّن:

1 - عشائر الأرض، عشائر أرض فلسطين حيث سيقيم إبراهيم إقاممة مؤقّتة بانتظار أن يدفن هناك ولكن عشائر الأرض يعني الأرض الماهولة، الأرض المسكونة وهكذا تمتدّ بركة الله لا إلى ثلاثة وأربعة أجيال بل إلى ما لا نهاية، إلى الأبد، كان يقول في الوصايا الفصل 20 أن الربّ يعاقب الأبناء في الجيل الثالث أو الرابع ولكنّه يجازي الأبناء إلى ألف جيل يعني إلى ما لا حدود له لأنّه يصل بنا في النهاية إلى الله. أجل بإبراهيم يتبارك جميع عشائر الأرض ولا ننسى كما يفعل العهد الجديد مع القدّيس بولس هناك عشائر الأرض لكن كل هذه العشائر تجتمع في شخص يسوع المسيح وهذه البركة الذي وعد بها إبراهيم ستكون ذروتها في شخص يسوع المسيح لن يكون فقط بركة بل البركة. نتذكّر القدّيس بولس في رومة بإنسان واحد دخلت الخطيئة العالم. وبالعالم، بالموت يعني دخلت اللعنة، إلى العالم لكن بإنسان واحد يسوع المسيح كثرت النعم، فاضت النعمة، كانت البركة وهكذا نفهم أن ما بدأ مع إبراهيم في وعد من الوعود صار تمامًا وتحقيقًا في شخص يسوع المسيح يقول إنجيل يوحنّا إنّ إبراهيم ثمن أن يرى بوحي فرآه وفرح. لا شك رآه من خلال وجه إسحاق الذي هو الضاحك والفرح لكن هذا الذي إنتظره أبرام سيراه نسله في شخص يسوع المسيح الذي ننشد له في الرسالة إلى أفسس: تبارك الله أب ربّنا يسوع المسيح الذي باركنا بكلّ بركة روحيّة في المسيح يسوع إختارنا، تبنّانا، غفر خطايانا وأعطانا فيراثه، دعى الربّ أبرام وأرفق دعوته بالممواعيد وأرفق دعوته خصوصًا ببركة لا تقف في وقت من الأوقات في مكان من الأمكنة بل بركة ترافق المؤمنين الذين ساروا على خطى إبراهيم ترافقهم حتّى النهاية. نلاحظ هنا أنّ البركة لا ترتبط بمكان بل بشخص من الأشخاص وحين سيبني سليمان الهيكل سيقول له الربّ أنا لا أتعلّق بمكان، لا أسجن بمكان، هنا نفهم الفرق بين كنيسة الحجر وكنيسة البشر المبنيّة التي تصبح في وقت من الأوقات مثل الصنم أمّا كنيسة البشر فهي حيّة كلّها دينامية حيث يكون الشعب أي شعب  هناك حضور الله، هناك بركة الله وبعد ذلك تكون كنيسة الحجر. أوّلاً كنيسة البشر جماعة الله ثم كنيسة الحجر حيث تجتمع هذه الجماعة. الإله الذي تراءى لإبراهيم هذا الإله يرتبط برجل اسمه إبراهيم يحمّله رسالة سيرتبط بشعب من الشعوب بقبائل من القبائل بل هو يرتبط بكل واحد منّا إذا اجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمي أكون بينهم. فرَحل أبرام كما قال له الربّ: »إرحل« فرحل وعندنا هذه الكلمة كما قال له الربّ يعني لولا النداء لما كان إبراهيم رحل، رحيله هو طاعة لأوامر الربّ ويعطينا الكتاب كلمة عن عمر إبراهيم 75 سنة هذا الرقم هو رمزي لإنّه 40 هو جيل واحد و80 جيليين. الجيل الأوّل هو إستعداد للرسالة والجيل الثاني هو رمز تحقيق الرسالة التي يطلبها الربّ من كلّ واحد منّا. ذاك هو وضع يسوع المسيح يُعرف عنه بعمر 12 صار إبن الوصيّة وعمر 30 لمّا بدأ الرسالة فماذا كان يفعل قبل ذلك، كان يستعدّ للرسالة في العمل اليوميّ، في الحياة اليوميّة بين أمّه ويوسف وهذا هو الوضع أيضًا بالنسبة إلى وضع كلّ واحد منّا نحن نستعدّ للرسالة. أبرام 40 سنة الأولى إستعدّ للرسالة وفي 40 سنة الثانية انطلق في الرسالة وكان الربّ معه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM