أبناء الله وبنات الناس

أبناء الله وبنات الناس

الفصل السادس

آية 1: »بنو الله وبنات الناس« ما معنى هذا الكلام. في أصل الخبر هناك تقاليد أسطوريّة جاءت من العالم الشرقي والعالم الغربي على السواء ولكن مع الكتاب المقدّس لم يعد من وجود للأساطير ولم يعد من وجود للآلهة، فليس هناك إلاّ الله. وتجاه الله، الإنسان ترك الأساطير جانبًا ونتوقّف عند فئتين من الناس: أبناء الله وبنات الناس. من هم أبناء الله؟ هم أبناء شيت وأنوش وغيرهما. لماذا لأنّ البركة تمرّ في الذكور ولهذا السبب أبناء النور هم أبناء البرارة، أبناء الإيمان، أمّا بنات الناس فهنَّ يرتبطن بنسل قايين. إذًا أبناء الله هم الأبرار. وبناس الناس هم الأشرار. ويشدّد النصّ على أنّ بنات الله كنّ حسان يعني الدمال. هو سيف ذو حدّين من جهّة الجمال، يمجّد الله من جهّة ثانية. قد تستعمل المرأة جمالها لكي تستغوي الرجل، لكي تعيش الزنى وغيرها. وهكذا يكون كل شيء في الإنسان ذا حدّين: هو للخير وهو للشرّ بحسب الإستعمال الذي نقوم به يقول النصّ. إنّ أناء الله تزوّجوا من بنات الناس. حين نتذكّر أنّ هذا النصّ كتب في القرن السادس أو الخامس قبل المسيح يعني حين نتذكّر أنّ عزرا ونحميا رفضا الزواج من البنات الأجنبيّات لئلاّ يضيع شعب الله إيمانه ولغّته. نفهم هنا أنّ الكاتب الملهم رفض زواج أبناء الله ببنات الناس، رفض هذا الزواج واعتبر أنّ أبناء الله إنحطّوا إلى مستوى بنات الناس. وسوف نرى طوبيا يقول لإمرأته سارة نحن لا نتزوّج كما يتزوّج الناس. نحن أبناء الله المباركون وزواجنا لكي يبقى لنا نسل يمجّد الله، يبارك الله مثل هذا الزواج لم يرضَ عنه الله. زواج شخص غريب عن إيماننا، بشخص غريب عن معتقدنا يجعلنا نخسر إيماننا. ربّما وأولادنا يخسرون أهمّ شيء في الحياة لهم أي الإيمان. لهذا نقرأ آية 3: »فقال الربّ لا تدوم روحي في الإنسان إلى الأبد« روح الله هي في الإنسان، روح الله هي التي تعطي الحياة للإنسان، روح الله هي التي توجّه الإنسان، روح الله هي التي تعلّم الإنسان وصايا الله. لماذا لا تدوم روح الله في الإنسان لأنّه بشر، لأنّه من لحم ودم، لأنّه ضعيف، لأنّه يميل إلى الشرّ، لأنّه يميل إلى الخطيئة وبعد أن كانت الأعمار 900 سنة علامة على بركة الله في الناس، يقول: »تكون أيامه 120 سنة يعني ثلاثة أجيال 40 - 40 - 40. يرى إبنه وإبن إبنه فقط. ولكن لا يرى عشرة أجيال أو أكثر على الأرض. هكذا يكون عقاب الإنسان من قبل الربّ العمر القصير الذي لا يتعدّى الثلاثة أجيال. وقال وكان على الأرض في تلك الأيام رجال أشدّاء هنا نتذكّر بين عاناق الذين رآهم الجواسيس الآتون من صحراء سيناء. قالوا هم كبارًا جدٌّا. وعاد النص إلى الجبابرة الذي ذاع اسمهم من قديم الزمان ظلّ النص الإلهيّ مرتبطًا بالأساطير القديمة التي كانت تتكلّم عن الجبابرة، عن رجال أشدّاء ولكنّه ترك كل هذا يتوقّف على فئتين من الناس عند الأبرار والأشرار. وحين نعود إلى إنجيل متّى مثل الزؤان ومثل القمح نفهم أن العالم مليء بالأبرار والأشرار. وهناك مثل آخر مثل الشبكة وفيها السمك من كلّ جنس، من يفصل الأبرار عن الأشرار، من يفصل القمح عن الزؤان، من يفصل السمك الصالح عن السمك السيّء. سننتظر نهاية العالم. قالوا لربّ البيت »أتريد أن نقتلع الزؤان؟ أجاب كلاّ لئلاّ تقطلع القمح معه بل انتظروا نهاية العالم. في نهاية العالم يجمع الزؤان ويحرق ويجعل القمح في الأهراء. في نهاية العالم ترمى السمكات الرديئات بالبحر والسمكات الطيّبات تحفظ لطعام الإنسان. وهكذا لا نستطيع أبدًا أن نميّز أبناء الله من بنات الناس، الله وحده يميّز، الله وحده يعرف القلوب، الله وحده يعرف القلوب، الله وحده يميّز الأبرار من الأشرار ولكن يجب أن نعلم أنّ الشرّ يمرّ فينا، لا يمرّ بيني وبين الآخر. إن قلت هذا صرت كالفرّيسي والعشّار الذي يعتبر نفسه قدّيسًا بارٌّا ويعتبر الآخرين خطأة وأشرارًا. نتذكّر في إنجيل لوقا الفصل 18 هذا الفصل عن الفرّيسي والعشار، ماذا قال الفرّيسي في صلاته: »أشكك ربّي لست مثل الناس الخطأة والفجّار ولا مثل هذا العشّار« لا نستطيع نحن أن نحسب أنفسنا أبرار. فالربّ هو الذي يعرف القلوب. أمّا نحن فنستسلم إليه ونعتبر نفوسنا خطأة مثل العشار الذي هتف من بعيد،صاح من بعيد، »إرحمني يا ربّ أنا الخاطئ« وسيقول الإنجيل ذهب العشّار مبرّرًا مقدّسًا، نال نعمة الله، نال غفران الله. أمّا الفرّيسي فلا. فصل 6 / 5 »ورأى الربّ أنّ مساوئ الإنسان قد كثرت على الأرض وإنّهم يتصوّرون الشرّ في قلوبهم ويتهيّئون له نهارًا وليلاً. فندم الربّ أنّه صنع الإنسان على الأرض وتأسّف في قلبه.

»أمحوا الإنسان الذي خلقت عن وجه الأرض هو والبهائم والدواب وطيور السماء لأنّي ندمت أنّي صنعتهم«. أمّا نوح فنال رضى الربّ، نلاحظ أنّ الكاتب يتحدّث عن الله وكأنّه إنسان جعل في الله عواطف الإنسان وهذا ما عرفناه في السابق. فالله جبل الإنسان، هو كالفخاري، الله أخذ ضلعًا من الرجل فكأنّه طبيب جرّاح. وهنا نقرأ ندم الربّ، من يندم؟ يندم الشخص الذي يخطئ في عمل من الأعمال. هنا يقول ندم الربّ هل أخطأ الربّ؟ كلاّ ثمّ كلاّ. ويكمل النصّ تأسّف في قلبه بسبب الذي فعل وأخيرًا يقول »ندمت لأنّي صنعتهم«، ثلاث كلمات تدلّ على حزن الله العميق لأنّه صنع الإنسان. لا لأنّه صنع الإنسان لكن بسبب الشرّ الذي في الإنسان. أجل الإنسان يستطيع أن يحزن الله لذلك يقول مار بولس: »لا تحزنوا، روح الله القدّوس الذي به ختمتم ليوم الخلاص واتركه ينتزع منكم كلّ مرارة وسخط وشرّ«. ندم الربّ بسبب شر الإنسان. هنا نفهم أن العهد القديم لا يميّز بين الشرّ والأشرار. يريد أن يقتلع الشرّ ويحسب أنّه إقتلع الأشرار، إقتلع الشرّ معهم. ولكنّه ينسى أنّ الشرّ هو في داخل الإنسان مهما عمل الإنسان فهو ما زال على الأرض يعرف الشرّ يميل قلبه إلى الشرّ. تكثر مساوئه. لماذا شدّد الكاتب على عواطف الربّ وجعلها عواطف إنسان، لأنّه يعتبر أنّ الله قري من الإنسان، يحدّثنا النصّ أنّه كان يتمشّى في المساء مع إبراهيم عند برودة المساء. هنا كم نحن بعيدون عن الإله المجرّد عن اللاهوت، الالوهيّة، كما نحن بعيدون عن هذا الإله الذي يعيش في أعلى سمائه ولا يتحرّك من هناك مهما حدث للبشر يقول سفر الخرود »حين صرخ الشعب في شقائه، سمع الربّ صراخهم«. للربّ عاطفة، له أذنان يسمع بهما، له عينان يرى بهما، له قلب يحسّ به، له عواطف، له شعور، له يدان، له رجلان، ليس إلهًا ميّتًا، إلهًا جامدًا كالأوثان، كالأصنام. هنا هذه الفكرة الرائعة أن نعرف أنّ الله قريب منّا. لا شكحين نعبّر عنه بلغّة البشر، ننزله، نحدره من عظمته، من أزليّته، من أبديّته، من سموّه ولكنّه هو ما خاف أن ينزل حين تجسّد في شخص الإبن حين صار إنسانًا، حين صار طفلاً ملفوفًا في القمطات، حين أراد أن يعطش على بئر يعقوب، أن يجوع، أن يتألّم، أن يموت. لا شكّ نحن ننزل الله إلى مستوى البشر ولكنّه هو أراد أن يكون على مستوى البشر لكي لا يبقى. فالمسيح الذي تواضع، تواضع حتّى الموت على الصليب، إرتفع فسجد له جميع البشر. وهذا الإله القريب هو في الوقت عينه، هو بعيد وحين نحسب أنّنا أمسكناه بأيدينا فليس بأيدينا سوى ثنم ووثن. هو فينا وأبعد منّا، هو معنا وخارج عنّا، هو يسير معنا وهو يدعونا لأن نلتقي به. هذا الإله هو القريب، القريب وفي الوقت عينه البعيد البعيد. لماذا إستاء الله؟ لماذا تأسّف الله؟ لأنّ مساوئ الناس قد كثرت على الأرض وإنّهم يتصوّرن الشرّ في قلوبهم ويتهيّئون له نهارًا وليلاً. هذا يعني أنّ الشرّ سيطر على الإنسان في هذا يقول بولس الرسول »الشرّ الذي لا أريده إيّاه أفعل والخير الذي أريده لا أفعله« ويقدّم لنا الكاتب من جهة نتصوّر الشرّ، نتخيّله ثم نتهيّأ له وأخيرًا نفعله. نستطيع أن نقول أن هناك خطيئة في الفكر بالقول وبالفعل ليست قضيّة صدفة واتّفاق، هي من أعماق القلب نستعدّ للشرّ ونتهيّأ له ونفعله. والكاتب يقول مساوئ الناس كثرت على الأرض. هنا نتذكّر القدّيس بولس بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت. وهكذا عمّ الموت جميع الناس. كيف عرف الكاتب الملهم أنّ الشرّ تكاثر وإنّ مساوئ الناس تكاثرت بسبب الموت فالموت والمرض والألم كلّ هذا يدلّ على الشرّ الذي في البشريّة. وهذا الشرّ نتيجته الموت، نتيجته العذاب والمرض والآلام. وحين يأتي يسوع إلى أرضنا سوف نرى إنّه سشفي المرضى، لا شكّ أنّه لم يشفِ جميع المرضى ولكن شفاء مريض من المرض علامة إنّ هذا الشرّ بدأ ينحدر، بدأ يتراجع من قلب الإنسان، من الجماعة، من البشريّة وسيأتي يوم يقول سفر الرؤيا: »لم يبقَ هناك دموع في العيون، لن يبقى هناك بكاء موت خطيئة«. وسيحدّثنا أنّ البحر سيزول والبحر يدلّ على الشرّ والموت. ولكن بانتظار ذلك سيبقى الشرّ مسيطرًا في العالم وهذا الذي جعل الربّ يندم. كلّ هذا يهيّئ الطريق أمام الطوفان، يعني فيضان الأرض، مطر كبير ونبع وراء نبع يعطي الماء، فيفرّق الناس ويموتون. أراد الكاتب أن يبيّن أنّه إن حدث الطوفان، إن حدث الفيضان فهل لا يرجع إلى الله بل إلى الإنسان، الإنسان هو الذي يحمل الشرّ. الإنسان هو الذي يحمل الموت، الإنسان هو الذي يغرق البشريّة في الخطيئة. تحدّثنا عن الله القريب من الإنسان. هذا ما نسمّيه بالمعنى العلمي المرجع اليهوهي. يهوه يعني الربّ، الله الذي هو هذا المرجع اليهوي نسمّيه كذلك لأنّه يسمّي الله يهوه. »الربّ كيريوس« هذا المرجع يعطينا صورة عن الله القريب من الإنسان رغم الخطيئة ورغم كلّ شيء يبقى الله قريبًا من الإنسان. هذا التقليد سوف نراه يشدّد على بركة الله فصل 5 / 2 ذكرًا وأنثى خلقه وباركه. هذا هو التقليد اليهوهي تقليد البركة. الإنسان سوف نراه يقف في وجه الله بالشرّ الذي يقترفه، بالوصايا التي يتجاوزها هذا الإنسان يستعدّ شيئًا فشيئًا عن الله وبعده. في النهاية سيكون الموت وقبل الدخول في تفاصيل الطوفان التشديد هو على تقليدين اليهوهي وبعدئذ التقليد الكهنوتي أي تقليد الكهنة. التقليد اليهوهي هو تقليد الحكماء في أورشليم، تقليد الكهنة الذين يعيشون في ظلّ الهيكل وسوف نرى بعض الأمور البسيطة، تقليد اليهوهي يتحدّث عن ذبائح قبل عهد موسى. أمّا التقليد الكهنوتي لا يتحدّث عن ذبائح قبل موسى وسوف نرى أن الكتاب سيقول أنّ نوح جعل معه زوجًا من الحيوان حتّى يتكاثر بعد الطوفان. هذا التقليد الكهنوتي. أمّا التقليد اليهودي أو تقليد الحكماء، أنّ نوح أخذ معه سبعة أزواج. لماذا؟ لأنّه يحتاج إلى بعض الحيوان الطاهر ليقدّمه ذبيحة إلى الربّ بعد الطوفان ليشكره على نجاته من الموت. وهكذا هيّئنا الكاتب لنقرأ خبر الطوفان. هيّئنا وبيّن لنا أنّ الشرّ الذي فعله الإنسان هو الذي قاده إلى الموت. وهذا الموت هو من صنع الإنسان. الله خلق الإنسان من أجل الحياة ولكن الإنسان يبحث عن المومت.

الله خلق الإنسان من أجل البركة ولكن الإنسان يبحث عن اللعنة.

الله خلق الإنسان من أجل النعمة ولكن الإنسان يبحث عن الخطيئة.

هنا ننهي هذا المقطع عندما كان يسوع في أرض الجراسيّين. تغلّب على البحر، تغلّب على الشياطين ولكنّه ما تغلّب عن الإنسان لأنّ الإنسان حرّ خَلقهُ، الله حرّ وهو لا يتعدّى أبدًا على حرّيته وهو يحترم حرّيته حتّى لو أتت به إلى الموت. الله يحترمنا، يحترم شخصيّتنا، يحترم حرّيتنا وإن خطئنا. يتأسّف، يحزن، يندم، ينتظر عودتنا إليه كما عاد الإبن الضال إلى قلب أبيه تائبًا متأسّفًا. خطئت إلى السماء وإليك ولست مستحقٌّا أن أدعى لك ابنًا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM