برج بابل

برج بابل

تكوين 11/1

- آية 2: في سهل شنعار،شنعار المنطقة المحيطة ببابل. منطقة في أرض العراق. الربّ دائمًا هو السبب الأوّل لكلّ ما يحدث على الأرض. في الواقع تشتت الناس لأنّهم لم يستطيعوا أن يتفاهموا. لكنّ الكاتب الملهم جعل سبب هذا التشتت الربّ فالكبرياء التي لعبت في رؤوس البشر هي التي لعبت في رؤوس البشر، هي التي فصلت الواحد عن الآخر ولكن هذه الكبرياء أساسه ترفّع على الله. وهذه الكبريء ترتبط بلفظة نُفم لنا إسمًا وحده الله له إسم أمّا البشر فهم يرتبطون بالله. الإسم يدل على الشخص وإقامة الإسم هو عمل الله وحده. »وكان لأهل الأرض كلّها لغّة واحدة وكلامًا واحد«. نلاحظ لفظة واحدة وواحد في البداية هي الوحدة نتذكّر الفصل 2 على مستوى العائلة الوحدة تسبق الإنفصال الرجل عن المرأة. العائلة هي الأساس ومنها يتفرّغ الرجل والمرأة والطلاق هو قطع للحياة الموجودة في العائلة الواحدة. الطلاق هو موت والرجل لا يستطيع أن يكون له أكثر من امرأة واحدة وإلاّ كان الزواج قضيّة مصطنعة لا ترتبط بالله. صار الزواج بحثًا عن اللّذة والشهوة ولم تعد المرأة مساوية للرجل بل صارت عبدة لشهواته وخادمة لأولاده ونقول الشيء عينه هنا في الأساس، الأرض كلّها واحدة، لغّتها واحدة وكلامها واحد، هنا نتذكّر نظرة علميّة ظهرت أخيرًا وهي تقول إن أحد العلماء إستطاع أن يكتشف انطلاقًا من 150 كلمة وعبارة. أن لغّات الأرض التي تتعدّى 4 آلاف أو 5 آلاف لغّة. لغّات الأرض ولهجاتها تعود في الأصل كلّها إلى أصل واحدة، أمّا التنوّع هو الإبتعاد، هو عمل التاريخ والجغرافيا وعمل المناخ... لغّة واحدة وكلام واحد يدلّ على التفاهم عندما لا أتكلَّم وأخي ذات الكلام. فإذا هناك إختلاف بيني وبين أخي. إذا في الأصل كانت الأرض حسنة في الأصل، لعائلة كانت واحدة في الأصل، الأرض كلّها كانت لغّة واحدة وكلامها كلام واحد. كيف عرف الكاتب هذا الشيء؟ لا شك من وحي إلهي. هذا التوقان في قلوبنا إلى الواحدة، وحدة بني الدول، وحده بين اللّغات، وحده بين القلوب، هذا التوقان قد زرعه الربّ في قلب الإنسان ومهما تشتت البشر وتباغضوا وتنافروا وانفصل بعضهم عن بعض. مهم يحنّون إلى هذه الوحدة على جميع المستويات وكيف ظهر هذا التكبّر في تصرّف البشر، في البناء، بناء المدينة وبناء البرج، نحن هنا أمام خبرين: الخبر الأوّل بناء مدينة والمدينة إسمها بابل والتاريخ يخبرنا كم كانت بابل كبيرة وعظيمة. وهي أرادت أن تتحدّى مدينة الله، مدينة أخرى هي مدينة أورشليم ولكن إن لم يبنِ الربّ البيت عبثًا يبني البناؤون. أرادوا أن يبنوا مدينة تُطال الربّ في السماء، تصال مدينة الربّ، تحدّث الربّ بأعلى سمائه بهذا قال برجًا رأسه في السماء. أرادوا إذًا أن يعملوا دون الله وأن يقيموا لهم إسمًا على غرار إسم الله. الله وحده له الإسم هنا نتذكّر مرّات عديدة أولئك الذين يضعون لوحات تذكاريّة على ما بني في عهدهم سواء كانوا من عالم السياسة أو من عالم الدين بنيت هذه الكنيسة في عهد فلان، رمّم هذا الموضع في عهد فلان، نريد أن نضع أسماءنا ومرّات عديدة يكون إسمنا شاهد زور لأنّنا أو أنّنا لم نبنِ هذا المكان بل بناه من عاونونا أو نبني هذا المكان على جثث القتلى، على الظلم، على الضرائب الكبيرة التي تُخلّد شخصًا على حساب عددًا كبيرًا من العبيد أو من الفقراء الذين دفعوا الضرائب لكي يتمجّد إسم رجل من الناس لا إسم إلاّ إسم الله لهذا نقول في صلاة الأبانا »ليقدّس إسمك«. ليكن إسمك مقدّسًا منفصلاً عن سائر الأسماء، أسماء البشر تبقى محدودة في الزمان والمكان. أمّا إسم الربّ فوق الزمان والمكان، إنّه الإسم المجيد. هنا نتذكّر يسوع المسيح الذي يحدّثنا عنه القدّيس بولس في فيليبّي »اعطاه إسمًا إسم الربّ وحده هو الذي يسيطر على الكون والبشر واسمائهم زائلون«. وهنا نتذكّر سرّ العماد ونحن نعمّد بإسم الآب والإبن والرّوح القدس يعني نرتبط بهذا الإسم الذي لا إسم يضاهيه أراد البشر أن يكون لهم إسم على مثال إسم الله ونسوا ارتباطهم بالله. الكبرياء هي التي جعلت آدم يخسر كلّ ماله. أمّا ارتباطنا بالله هو ارتباط الغصن بالشجرة والعضو بالجسم فهو يبس ويموت ويستحقّ النار. أراد البشر أن يتكاتفوا بمعزل عن الله وربّما ضدّ الله على مثال ما فعل آدم حين سمع لصوت الحيّة. أرادوا أن يكونوا واحدًا ولكن الربّ هو الذي يردنا واحدًا، هو الذي يريد وحدتنا ولكن وحدة لا تكون وحدتها الله ومحبّة الله تبقى وحدة مهدّدة بالضياع، مهدّدة بالتشتّت، سريعة العطب وهكذا كان بالنسبة للذين بنو مدينة بابل وبرج بابل ذاك البرج الذي يرتفع سبع طبقات ليصبح الإنسا قريبًا من الله.

آية 5: »نزل الربّ لينظر« ملاحظة الربّ لا ينزل ولا يصعد ولكن هي طريقة تجعل الربّ قريبًا من الإنسان تجعلنا نفهم أنّ الله يهتم بما يفعله الإنسان وإن كان ما يفعله لخير إخوته ولخير وطنه، فالربّ يبارك. »نزل الربّ« و»نظر الربّ« هي طريقة بشريّة فيها نتحدّث عن الله وهذا يعني أنّ الله قريب منّا في يسوع المسيح، صار بشرًا، سكن بيننا فأبصرنا فيه مجد الله ونزل الربّ لينظر المدينة والبرج الذي كان يبنيه آدم ببنونهما. هنا الربّ ينظر إلى أعمالنا العظيمة، أعمالنا الكبيرة اكتشاف الأرض وتسلّطه عليها وسوف نرى في الفصل الثاني كيف أنّ الربّ أعطى لآدم أن يفلح الأرض، أن يستغلّها، أن يستثمرها فقال الربّ ها هم شعب واحد ولهم جميعًا لغّة واحدة، الوحدة عظيمة أمّا إذا كانت الوحدة مبنيّة على العداوة للآخر على رفض الآخر، كل وحدة لا ترتبط بالله الواحد تبقى وحدة مهدّدة بالتشتت، تبقى وحدة ضعيفة سريعة العطب ما هذا الذي عملوه بداية ولن يصعب عليهم شيء ممّا يبنون ويعملون. هنا نلاحظ أنّ الكتاب المقدّس وهو الذي ولد في الصحراء في البريّة يضع دائمًا علامة استفهام على بناء المدن وبناء الهياكل. فالمدن تذكّره بمصر وعبادة الآلهة الوثنيّة والأبراج، تذكّر بتلك الهياكل المبنيّة على رؤوس الجبال من أجل إله السماء، من أجل إله الشمس وإله القمر ولهذا كان الكاتب ينظر إلى هذه الأبنية نظرة يرتاب فيها، في المدينة هناك الزنى، هناك الخطايا في المدينة تزول المساواة بين شعب الله فيصبح الغني أكثر غنى والفقير أكثر فقرًا. لهذا ما أراد الربّ مثل هذا، فلننزل ونبلبل هناك لغّتهم حتّى لا يفهم بعضهم لغّة بعض الواقع بما أن هذا البناء لم يتم تحت نظر الله، لن يستطيع البشر أن يتفاهموا ولكن كما قلنا الكاتب يجعل الله السبب في كلّ هذا، هو الذي بلبل لغّة البشر »فلننزل ونبلبل«. الله هو الذي يعمل، الله هو الذي يتدخّل في أمور الإنسان، أعمال الإنسان ولكن عندما يتحدّث الكاتب هنا عن تدخّل الله فهو يريد أن يبيّن لنا أن الربّ هو سيّد التاريخ وحين نعرف أن المدينة المذكورة هي بابل التي كانت من عجائب الله السبع، التي كانت من أعظم مدن العالم القديم نفهم أنّ بابل مع كلّ عظمتها لا تستطيع أن تقف في وجه الربّ فشتّتهم الربّ من هناك على وجه الأرض كلّها إنطلق الكاتب من الوضع الذي عرفه العالم في القرن الخامس قبل المسيح رأى البشريّة مشتّته في شعوب وقبائل ولغاتٍ والسنة وبحث عن السبب هناك سبب بشري مع العالم أن الإنسان القديم كان بإستطاعته أن يمشي في اليوم قرابة 50 كلم هذا يعني أن تشتت البشريّة الذي تمّ منذ 30 أو 40 ألف سنة تمّ بسرعة كبيرة وتباعد الناس وتنظّموا في قبائل وعشائر ومدن ودول. تشتّت البشر على وجه الأرض فما إستطاعوا أن يبنوا المدينة فكفّوا عن بناء المدينة ولهذا سمّيت بابل. بابل في الأصل معناها باب إيل أو باب الإله. لكن الكاتب اعتبر إن باب إيل بابل لم تعد بابل اليوم لم تعد باب الله لأنّها تعبّدت للأوثان بعد أن جعلت الظلم والقتل والموت في كلّ مكان صارت بابل مركز البلبلة مركز الفوضى، مركز الضياع، لأنّ الربّ هناك بلبل لغّة الناس جميعًا ومن هناك شتّتهم الربّ على وجه الأرض كلّها. انطلق الكاتب من دمار مدينة من المدن حيث عمّت البلبلة وكان الدمار وكان الخراب. نحن نعرف مثلاً أن نينوى دمّرت سنة 612 ق. م. وكلّ هذه الصورة تصوّر الكاتب الملهم دمار المدن الكبيرة التي تحاول أن تتحدّى الله التي تبني الأبراج التي هي في الأصل هياكل للآلهة الوثنيّة تدخّل الربّ لأنّه سيّد التاريخ ولأنّه يريد للإنسان أن يبني حياته مع الله حاولت بابل أن تكون بدون نالله فخسرت كلّ شيء وتشتّت كل سكّانها. أمّا إبراهيم الذي جعل حياته بيد الله فستكون له البركة والبركة المضاعفة. بابل موضع التشتّت بابل موضع الضياع سيقابلها أورشليم. أورشليم يوم العنصرة كانت هناك شعوب عديدة »لغّات عديدة«، »ألسن عديدة« ولكن الربّ جعلهم يتفاهمون جعلهم يفهمون بعضهم بعض لا لغة الإتّفاق، الإتّفاق ضدّ الغير، الإتّفاق ضدّ الخير المشترك. هذا هو معنى الخير برج بابل، كانت البشريّة واحدة تضعضعت وهي اليوم تتطلّع إلى يوم تعود فيه واحدة كانتالبداية يوم العنصرة في أورشليم. البشريّة كلّها حلّ عليها روح الربّ وهو لا يزال يحلّ يجعل من البشريّة كلّها شعب احد ولكن هذا لا يتم في النهاية إلاّ بيسوع المسيح على ما تقول الرسالة إلى أفسس أن يسوع في عمله الخلاصي سيجمع في شخصه كلّ ما في السماء وعلى الأرض ما تاق إليه أهل الأرض وما يتوق إليه اليوم البشر من وحدة سيكوّنه في يسوع المسيح الذي يجمع البشريّة شعبًا واحدًا وقلبًا واحدًا لعبادة الثالوث الأقدس. الآب والإبن والرّوح القدس.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM