نوح بنوه

نوح بنوه

تكوين 9/8

- هنا من بعد العهد بين الله والبشر، بين الله والأرض، من أجل نظام جديد للعالم، من أجل مسيرة بين الله والإنسان. وهو الإنسان يعود إلى الخطيئة هو الإنسان الذي ينقد العهد.

- أوّل نقد على مستوى السُّكر. فسَكَرَ نوح بعد أن شرب من الخمر.

والخطيئة الثانية هي الزنى، وخاصّةً زنى الأقاربن وسيكو الكتاب المقدّس قاسيًا بالنسبة إلى هذا الزنى. نلاحظ أن حام زنى بأبيه. يقول الكتاب المقدّس بنظرة تخفيفيّة »نظر عورة أبيه« أي نظر أعضاءه التناسليّة والنظر يقول إلى أبعد النظر، وحين أخبر أخويه، اعتبر نفسه أنّهُ عمل عملاً عظيمًا، ودعا أخويه ليعملا مثله. فالخاطئ يريدْ أن يقود البار في خطيئته، لا يريد أن يكون وحده وكما يقول المثل الدارج »الطنجرة اللّي شحترتني تشحتر كلّ الناس«. كأنّ حام يريد أن يكون أخويه مثله ونعود إلى النصّ. »وكان بنو نوح الذين كانوا في السفينة«. وهكذا يعود الكاتب إلى السفينة. كانت رمز الخلاص التي دلّت على حضور الله، مثل هيكل، التي دلّت على الحياة التي يحملها الله.

بنو نوح ثلاثة، والعدد ثلاثة معروف عدد مقدّس في عالم الشرق القديم، فالآلهة عند بلاد الرافدين في مصر هم ثلاث دائمًا حتّى تكتمل الألوهة. مثلاً في مصر: أوزيريس - إيزيس - حوروس. في بلاد الرافدين والبلاد العربيّة: اللاث وعُزّة و....

إذًا دائمًا المثلث هو رقم مقدّس. من هؤلاء الثلاثة يقول الكتاب المقدّس إنتشر الناس. هنا ينطلق الكاتب من نظرة عُرفت في القرن الخامس للمسيح فقسمت الناس إلى ثلاثة أنسال.

النسل الأوّل نسل حام في أفريقيا، النسل الثاني هو نسل يافس في أوروبا، والنسل الثالث هو نسل سام آسيا. وبشكل خاص في الشرق الأوسط. وسوف نرى في الحلقة اللاحقة كيف أنّ الله ترك إلى النهاية نسل سام، لأنّه من هذا النسل سوف يخرج إبراهيم الذي هو أب الشعب العبراني الذي سيستعدّ لإستقبال يسوع المسيح. ولكي يُذاع الخبر قال حام هو أب كنعان، لأنّ اللعنة ستحلّ بكنعان بسبب حام. هنا نتذكّر أنّنا ما زلنا على مستوى القديم بل على مستوى الوثنيّين، كيف أنّ الاباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون. حام هو الذي زنى وكنعان هو الذي يدفع ثمن زنى أبيه وجدّه.

ويفتح لنا الكتاب نافذة على عالم الزنى، فكما كان لآدم في الفصل الثاني أن يفلح الأرض، أن يغرسها. هكذا كان لنوح أن يغرس الأرض، وهنا غرس الكرمة، العنب، الخمر. وهذا أمرٌ معروف في الشرق، في قسم كبير من الغرب. ولكن ما الذي حدث؟ الكرم هو في خدمة الإنسان، هو في غذائه، هو من أجل فرحه، هو من أجل جمع الناس بعضها ببعض. لكن نوح شرب وما عرف أن يتوقّف. بدل أن تكون الخمر في خدمة نوح، صار هو في خدمتها، استُعبد بها. صار عبدًا لها. لهذا يقول الكتاب المقدّس سَكِرَ. والكتاب المقدّس رغم أنّه يقول الخمر تفرح قلب الإنسان وقد استعملت الخمر مرّات عديدة كدواء في العالم القديم. تذكّروا أحبّائي السامري الصالح لمّا صبّ على جراح هذا الذي وقع بين اللصوص، صبّ عليها زيتًا وخمرًا، فكما أنّ الكاتب يشدّد على ما في الخمر من خير، فهو يشدّد أيضًا على ما في السكر من شرّ. الأمير الذي يسكر، فلا يعد يعرف كيف يقضي بين الناس، لا يعود يعرف كيف يدير إمارته، والملك لا يعرف كيف يدير مملكته، والقاضي لا يعرف أن يقضي بين الناس، فيصبح عبدًا ويخسر إنسانيّته. وهذا ما حدث لنوح، خسر إنسانيّته، وكيف عبّر الكاتب عن هذا الخسران. قال تعرّى. الحيوان هو عريان، الإنسان وحده يلبس الثياب. ولمّا تعرّى نوح أي خلع ثيابه، أي لم يرد بعدُ على جسمه ثوب كان وكأنّهُ صار على مستوى الحيوان، ما يميّز افنسان عن الحيوان هو اللباس وما يميّز شعبًا عن شعب هو هذا اللباس الذي يتبدّل بتبدّل الحضارات والشعوب والبلدان.

- شرب نوح من الخمر، كان يمكن أن تكون هذه الخمر للفرح فصارت للسكر، للعبوديّة وللإنحدار من مستوى الإنسان إلى مستوى الحيوان. ونحن كلّنا نعرف تأثير الخمر على الإنسان إن كان في حوادث السير أو كان في أمور عديدة. وعندما يخسر الإنسان كرامته يصبح تصرّفه مثل تصرّف الحيوان.

- أوّل خطيئة اقترفها الإنسان من بعد أن أقام الله عهدًا معهُ، هو أنّه سكر. عاش السكر وهذه خطيئة يندّد بها كثيرًا الكتاب المقدّس، وكم من الخطايا تقترف بعد السكر ولا سيّما الزنى وغيرها. خطيئة نوح هي السكر. أمّا خطيئة حام هي الزنى. والزنى مع الأقارب. هناك زنى من نوع مع الأقارب وزنى مع الأعزاب.

- »فرأى حام أبو كنعان عورة أبيه«. نظر عليها ونفهم من هذه الكلمة التخفيفيّة أنّه زنى بأبيه لم يكن أبوه واعيًا. أمّا هو فكان واعيًا. وكما قلب أخبر أخويه وهما خارجًا. كان الأب في الخيمة وحام معه. وكان الأخوان خارجًا، خارج الخيمة وذهب يخبرهما بما فعل. يخبرهما بهذا الأب وهنا نفهم ليس فقط الزنى، هذا الإحتقار للوالدين. هذا الإحتقار للأب الذي سيكون الكتاب المقدّس قاسيًا من جهّته. فيقول الكتاب من جدّف على أبيه يُقتل قتلاً، ومن زنى بأبيه، فنحن هنا أمام خطيئة كبيرة تستحقّ القتل، تستحق العقاب الكبير. وسوف نرى ما يكون هذا العقاب.

هنا عندنا لوحتين. اللوحة الأولى حام واللوحة الثانية سام ويافس.

- حام هو رجل زنى، ينظر، يتطلّع، يعرف. أمّا الثاني سام ويافس فهما على ما يقول الشاعر، و»أغضُّ طرفي ما بدت لجارتي حتّى تواري جارتي مأواها«. سام ويافس رفضا أن ينظرا إلى عورة أبيهما. رفضا حتّى النظر، لأنّ بعد النظر توجد أمور عديدة. ويقول الكاتب أنهما مشيا إلى الوراء وألقيا الثوب على أكتافهما حتّى لا ينظرا عورة أبيهما. وماذا فعلا أيضًا سترا عورة أبيهما. هنا نلاحظ نظرتين إلى عالم الجنس. نظرة أولى لا تعرف النفس أن تمتلك ذاتها، لا يعرف الإنسان أن يمتلك ذاته والنظرة الثانية من يعرف أن يمتلك نفسه، فلا يترك لها مداها، وهذا ما كان من سام ويافس.

وفي المشهد اللاحق، لما أفاق نوح من سكره، علم بما فعل ابنه الصغير. أفاق نوح من سكره، عاد إلى رشده، عاد إنسانًا من الناس ولا شكّ أنّه عاد، فلبس ثيابه واستطاع أن يحمل بركة الربّ، وغفرانه لابنه. في الواقع هو سيعطي صورة عمّا يصل إليه حام في ابنه كنعان، يقول: ملعونٌ كنعان عبدًا ذليلاً يكون لإخوته. نتذكّر هنا 3 مرّات كلمة اللعنة خرجت من فم الله. مرّة أولى ضدّ الحيّة، ملعونةٌ أنتِ ستسيرين على الأررض تأكلين من تراب الأرض أيضًا بسبب خطيئة قايين، هذه الأرض التي شربت دم هابيل. هنا لا تأتي اللعنة من الله بل من نوح، من الوالدين. في العهد  القديم سنرى مرّات عديدة أهميّة بركة الوالدين وأهميّة لعنة الوالدين، فكأنّها تأتي من عند الربّ ولكن لا ننسى في المقال ما يفول المزمور: »أنت تلعن والربّ يبارك«، فالربّ يريدنا أن نبارك حتّى لو كُنّا والدين ولنا من سلطة على أولادنا، علينا أن نبارك.

قال نوح: »ملعونٌ كنعان عبدًا ذليلاً يكون لإخوته. هنا لَسْنا أمام كلمة تذهب إلى المستقبل بل نظرة إلىالواقع. والواقع لماذا كان كنعان عبدًا. كان عبدًا لأنّه عاش الزنى وخاصّةً زنى الأقارب، كنعان صار مستعبدًا لسام وهذا ما حصل حين سيطر سام على أرض كنعان، فكأنّه سيطر على كلّ كنعان وصار كنعان يستحق أن يخسر أرضه، أن يخسر مدنه، أن يخسر بلاده بسبب خطيئته. فكأنّي بالله يقول للإنسان إن أنت أخطئت، خسرت أعظم ما عندك، خسرت الأرض التي أعطيتك إيّاها، وكأنّ الكتاب، يبرّر ما فعله الساميون حين احتلّوا أرض كنعان بشخص ابراهيم وابنائه. ويتابع النص ويقول: تبارك الربّ إله سام، الربّ الإله هو مبارك. نحن لا نعطي البركة للربّ أحبّائي ولكن نقول هو مبارك. يعني منه تأتي كلّ بركة علينا. نحن لا نبارك الربّ وكأنّنا أكبر منه. فالبركة تأتي من الأكبر إلى الأصغر. ولكن عندما يقول الأصغر تبارك فهو يتمنّى أن تأتي عليه بركة الأكبر.

ويزيد الله يافس. هنا يعود الكاتب إلى معنى كلمة يافس التي تعني زاد. زاد ونما. فبيّن كيف أنّ الله بارك سام، بارك يافس وهو يدلّ ربّما هنا على حضور اليونان في عالم الشرق. ويقول: »فيسكن في خيامي سام ويكون كنعان عبدًا له. ربّما يكون هذا النص مرتبطًا بمجيء الإسكندر سنة 333 في الشرق ويافس يدل على بلاد أوروبا، كيف أن يافس اختلك بالشعب اليوناني وجاء وسكن هنا في خيام سام، أي سيطر على عالم الشرق، على عالم الساميين واستعبد كنعان. ويتابع النص بنظرة أخيرة. وعاش نوح 350 سنة وكانت كلّ أيّام نوح 950 سنة عندما مات. هنا نتذكّر 350 هي رقم سنة في بعض الشعوب، يعني عاش نوح بعد الطوفان سنة كاملة من السنين. فالربّ أعطاه ملئ الكون. في الفصل »5« نعرف مع أخ نوح أنّه عاش 365 سنة يعني سنة كاملة من السنين. وهنا طريقة ثانية، تجعل نوح قريبًا من أخنوح، وكانت كلّ أيّام نوح 950 سنة عندما مات. نتذكّر ما قلناه عندما قرأنا الفصل الخامس من سفر التكوين أنّ هذه السنين لا تعني أبدًا أن الإنسان عاش 950 سنة. فالإنسان هنا يبقى الإنسان أي يعيش 60-70-80 سنة كما يقول المزمور وإذا زاد يصل إلى المئة. ولكن ما أراد الكاتب أن يقوله، هو أنّ الإنسان ليس خالدًا مثل الله. الله وحده يصل إلى ألف سنة، لكن الإنسان يبقى تحت الألف سنة. بطل الطوفان أوتونافستين ظلّ خالدًا وزاد عمره على الألف سنة، أمّا نوح فلم يصل إلى الألف سنة، والكاتب حين ذكر خطيئة نوح وذكر خطيئة حام، فكأن به يقول الإنسان يبقى دومًا خاطئًا، الإنسان يبقى دومًا ابن الخطيئة ولهذا لن يكون له الخلود. الخلود هو ؟ وحده وإن حصل لبعضهم أن يأخذهم الله مثل أخنوح وإيليّا فهذا التشديد على برارة بعض الأشخاص لا يعني أنّهم نجوا من الموت. الجميع سيموتون. إذا كان يسوع المسيح ابن الله مات وقام فجميع الناس سوف يموتون. ولكن الكاتب بيّن لنا في نوح الذي يكون آخر من يكون عمره كبيرًا، بيّن أن هذا الرجل الذي كان بارٌّا جدٌّا، ومع ذلك لم يصل إلى الخلود، نتذكّر هنا ما قلناه حين قرأنا التكوين، بداية الطوفان، حين قرأنا قلنا الربّ ندم لأنّه صنع البشر وقال يكون عمر الإنسان 120 سنة يعني 3 أجيال فقط، يعني الرجل يرى ابنه وابن ابنه فقط، لن يكون له أن يرى أجيال وأجيال وأجيال بعده.

أمّا نوح فكان آخر الآباء، كان قبل الطوفان، وقت الطوفان وبعد الطوفان. كان بارٌّا لكنّه عرف الخطيئة، لهذا لم يستطع أن يكون له الخلود. فيقول الكتاب عند النهاية كانت أيّام نوح 950 سنة ولكنّه في النهاية مات.

هذا أحبّائي هو معنى هذه الفصول 6-7-8-9- التي فيها تحدّثنا عن الطوفان. زال عالم وبدأ عالم جديد. عالم جديد مع نوح على مثال عالم الذي كان مع آدم. يبقى على البشريّة أن تنمو وتتكاثر وتملأ الأرض، يبقىعلى البشريّة أن تعرف أنّها خاطئة وأنّها ذاهبة إلى الموت، ولكنّ الله عاد معها ويرافقها، يرافق البشريّة، يرافق الحيوان، يرافق النبات، يبارك الطبيعة كلّها. فيبقى علينا أن نعرف أنّ الله معنا وهذا ما يقول لنا الإنجيل، الله

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM