الحلقة 22 عهد بين السّماء والأرض

الحلقة 22 عهد بين السّماء والأرض

تكوين 9/8-17

تعليق:

الربّ هو الذي يرافقنا في قراءتنا، هو صوت الله من خلالِ صوت البشر، هو كلام الله في كلام البشر، نستطيع أن نقول أنّ الله كتب الكتاب المقدّس كلّه، والإنسان كتب الكتاب المقدّس كلّه، فكأنّ يد الله أمسك بيد الإنسان لتكتب، وكأنّ فم الله أخذ فم الإنسان حتّى يتكلّم باسمه. وحتّى اليوم أحبّائي، كلّ يوم نصل كلمة طيّبة من أب إلى ابنه، من أم إلى ابنتها، من كاهن، من صديق، تكون هذه الكلمة كلمة اللهز لا شكّ ليست على مستوى الكتاب المقدّس والإلهام ولكنّها تنطلق من الكتاب المقدّس والإلهام فتكون كلّ كلماتنا امتداد لكلام الله. وبقدر ما تكون كلماتنا أمينة لصوت الله، أمينة لكلمة الله، نستطيع أن نقول ما زال الله يتكلّم اليوم وغدًا وفي كلّ وقت، على ما قيل عن يسوع هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. آمين

الكلمة المهمّة هي العهد:

والعهد نفهمه في زواج بين الرجل والمرأة، العهد علامته محبس، خاتم يضعه الرجل في إصبعه والمرأة في إصبعها، وهذا العهد بعلامة خارجيّة يدلّ على تفاهم تام، على مسيرة مشتركة بين الواحد والآخر، هذا هو معنى كلمة عهد في هذا المقطع.

- هناك هد بين الله وبين البشر، فكأنّي بالله يريد أن يمشي مع البشر. فصل -3- نتذكّر الربّ كان يتمشّى في الجنّة عند برودة السّماء، لا شكّ مع آدم وحوّاء، وهنا الله يريد أن يقيم عهدًا بينه وبين نوج وبنيهْ، بينهُ وبين البشر لا بل بينهُ وبين كلّ خليقة حيّةٍ من الطيور والبهائم أو وحوش الأرض. الربّ يريد أن يتابع المسيرة مع الإنسان ومع الحيوان ومع كلّ خليقة، هنا نتذكّر أنّ الخلق ليس فعلاً قد تمّ منذ كذا مليار من السنين وانتهى، كلاّ، الخلق هو عمل دائم، الخلق هو عمل حاضر. الآن الربّ يخلق، يخلقني وأنا أتكلّم ويخلقكم وأنتم تسمعون، هذا هو معنى العهد.

- العهد رفقة الله للإنسان والحيوان كلّ خليقة على وجه الأرض، كأنّ الربّ قد نقضى عهده لأنّ الإنسان قد نقض العهد، ولهذا جاءت المياه التي هي علامة الشرّ، علامة القتل، علامة الموت، علامة الخطيئة. لمّا جاء الطوفان، كأنّ الربّ ترك العالم يسير إلى الهلاك، إلى الدمار، إلى الموت.

ولكن كانت تلك ساعة في حياة العالم، والربّ وإن سمح في بعض المرّات، لسببٍ من الأسباب أن يكون موت في زلزال، في فيضان، في غيره من الأمور، نقول سمح لأنّ لا كلمة لنا غير هذه الكلمة ولكن نستطيع أن نقول العالم يتطوّر، العالم ينمو وفي نموّه، هناك بعض الضرر، بعض الموت، بعض القتل، بعض الجروح، إن يكن الله قد سمح في بعض الأوقات، إلاّ أنّهُ لا يريد موت الإنسان بل حياته، هو يريد الحياة، الله هو الحيّ.

ولهذا يقول في آية 11 »أقيم عهدي معكم« يعني أنا معكم دومًا، أنا دومًا« معكم في اتفاق، في مسيرة مشتركة، »فلن ينقرض ثانية« بمياه الطوفان أيّ جسدٍ حيّ«. سبق وقلنا أنّ الطوفان كان في منطقة محدّدة ولكن الكاتب اعتبره شاملاً للكون، شاملاً جميع البشر، لأنّ جميع البشر خطأة.

أمّا الآن نحن نفهم أنّ هذا الطوفان كان محصورًا في منطقة من المناطق وعمليٌّا لم يمت جميع الناس ولكن المعنى الروحيّ لا يعيش إلاّ الأبرار، لا يبقى على قيد الحياة إلاّ الأبرار، وهنا نستطيع أن نقول بالنسبة للأبرار، »تعالوا يا مباركي أبي«، الأبرار هم الذين يباركهم الله، يمنحهم كلّ خير، وعكس ذلك يقول الربّ للخطأة، إذهبوا عنّي يا ملاعين، يعني نقصتكم بركة الله، فحلّت بكم اللّعنة.

- بين العريس والعروس، بين الزوج والزوجة، هناك علامة عهد.

فما هي علامة العهد بين الله والإنسان؟ العلامة هي قوس قزح.

قوس قزح هي شيء طبيعيّ، عندما تقول نقاط المياه نازلة، يأتي نور الشمس ويعطينا سبع ألوان، وهذا معروف أنّهُ عندما تكون هناك قوس قزح، تتوقّف الأرض عن تقبّل المطر.

يتوقّف المطر، ولكن الفكرة هنا، كأنّ الربّ تخلّى عن قوسه، والقوس بالسهام تدلّ على الحرب. فكأنّ الله في الطوفان حمل القوس وأراد أن يُصْلي الإنسان الحرب، أن يحمل القتل إلى الخليفة كلّها. والآن وقد جعل قوسه في السحاب أو على السحاب، تخلّى عن قوسه، فكأنّهُ رفع العلم الأبيض، وقال إنتهى الحرب، وبدأ عهد سلام. نعم أحبّائي، الربّ يريد لنا عهد سلام، لا يريد الحرب. كم بعيدون عن من يقولون إنّ الله يحسد الإنسان، هذه فكرة وثنيّة أنّ الله لا يريد أن يكون الإنسان كبيرًا، أن يكون الإنسان ناجحًا، كلاّ ثمّ كلاّ. عظمة الله، مجد الله في أن يكون الإنسان كبيرًا، في أن يكون الإنسان ناجحًا، في أن يسيطر علىالأرض، في أن يجعل الأرض له كلّها، ويجعلها للمسيح، والمسيح يجعلها ؟. إذًا الله يريد السلام كما يقول المزمور لشعبه، ولأتقيائه، وقد قال لنا يسوع في الإنجيل »طوبى لفاعلي السلام« فإنّهم أبناء الله يدعون«، نعم أبناء الله يدعون، أو نستطيع أن نقول طوبى للذين يعملون من أجل السلام، طوبى للذين يحبون السلام.

وقد اعتادت الكنيسة أن تعيّد في بداية السنة، يوم السلام.

إنّ الحرب موجودة على الأرض وفي أماكن عديدة والربّ حيّ، جعل قوسه في السحاب. كأنّه يريد أن يبيّن أنّهُ توقّف عن الحرب، أنّهُ يريد للإنسان الحياة، أنّهُ يريد أن يعمّ السلام في الأرض كلّها.

- يقول في سفر التكوين فصل 9/13 »جعلتُ... الأرض«. نلاحظ أنّ هذا العهد ليس فقط بين الله والإنسان. لا شكّ أنّ الإنسان هو الذي يعمل باسم الخليقة كلّها، باسم الحيوان، باسم النبات، باسم الجماد.

الإنسان هو الذي يرفع الصلاة إلى الله الخليقة، هو الذي يمجّد الله باسم الخليقة، هو الذي يشكر الله باسم الخليقة. ولكنّه ليس وحده، الخليقة هي معه، وعهد الله ليس فقط مع الإنسان بل مع كلّ حيوان، مع النبات ومع كلّ خليقة على الأرض.

نتذكّر القدّيس بولس في رسالته إلى روما »فصل 8« كيف أنّ الخليقة تئِنّ، تتأوّه، تنتظر أن تكون مع الله على مثال الإنسان.

نتذكّر آية 11 »أقيم عهدي معكم« 3 كلمات مهمّة جدٌّا، الربّ هو الذي يقيم العهد، دون معاهدة، يعني أنا على مستوى الله، كلاّ، لستُ على مستوى الله. المبادرة هي من الله والله هو الذي يقيم العهد، هو كليّ الغنى، وأنا كليّ الفقر، هو كليّ القدرة وأنا كليّ الضعف، هو كليّ القداسة وأنا كليّ الخطأ، هو كلّ شيء وأنا لستُ بشيء. الله هو الذي يعمل والإنسان هو الذي يتقبّل عطيّة الله، أن يتقبّل الله، أن يكون أمينًا لهذا العهد. وعندما يقيم الربّ عهدًا معنا، فهذا يعني أنّهُ معنا. هنا نتذكّر في الكتاب المقدّس »جدعون أنا معك«، »داود أنا معك«، »الأنبياء أنا معكم« مرّات عديدة، »العذراء مريم أنا معك«، الربّ هو معنا، هو رفيقنا، هو حاضر في حياتنا، في أعمالنا وفي تطلّعاتنا.

هذه علامة عهدٍ بيني وبين الأرض. كان قد سبق فقال في 8/22 »ما دامت الأرض باقية فالزرع يكون في وقته« أي في الخريف »والحصاد في وقته« أي على أبواب الصيف، »والبرد في وقته« أي في الشتاء، »والحرّ في وقتهج أي في الصيف، ثمّ الصيف له أشهرهُ والشتاء له أسهرهُ والليل له وقته والنهار له وقته، هذه كلّها باقية، هذه كلّها لا تُقتل أبدًا، هذا هو معنى العهد، عهد الله بينه وبين الأرض، بين السّماء وبين الأرض. ولهذا نقرأ أيضًا في 8/21 »لن ألعن الأرض مرّة أخرى أبدًا«. الأرض ستكون موضع بركة الله، والربّ اعتاد أن يبيّن التنوّع في الخلائق، وليس من خليقة مرفوضة من الله، ليس من خليقة تحمل الشرّ، ليس من خليقة نجسة، ليس من خليقة غير طاهرة. كلاّ، عهد الله هو مع كلّ خليقة حيّة، طيور، بهائم، وحوش الأرض، حتّى الأسد الذي يفترس الإنسان، حتّى الذئب، حتّى الضبع، حتّى الدبّ، أو النمر.

ربّنا الله يقيم عهد معها، يباركها فتبقى حيّة على وجه الأرض.

ويرتبط هذا العهد بالسفينة، كما قلنا أنّ السفينة هي رمز إلى الخلاص الذي حمله الله، رمز إلى الحياة التي أعطاها الله وما زال يعطيها، فإذا كان الربّ حفظ الإنسان، نوح، وبَنيهْ، حفظ الحيوان، طيور السّماء، الوحوش، البهائم، حفظها من الموت في السفينة، فلأنّهُ يريدها أن تحيا، أن تمتدّ في الحياة، أن تنمو وتكثر وتتوالد في الأرض.

لن ألعن الأرض مرّة أخرى، إنّه سيعطيها البركة وكما قال في 8/21 لعن الأرض بسبب الإنسان والآن بسبب الإنسان، بسبب نوح الذي هو بار، ستعود البركة إلى الأرض وهنا يقول في آية 14 »متى غيّمتُ على الأرض، وظهرت القوس في السّماء«، يعني هنا لدينا كلمتين متقابلتين، غيّمتُ على الأرض أي جاء الغيم على الأرض، والغيم يحمل المطر ويحمل المياه، وقد تكون غزيرة وقد تحمل الموت. وكأنّ الربّ يريد أن يصدي الأرض حربًا. يقول في غيمة، متى صار الغيم، تظهر القوس. يتذكّر الربّ أنّه وضع سلاحه جانبًا وأنّه لا يريد أبدًا أن يعود إلى قتال إنسان رغم الشرّ الذي في قلبه منذ حداثته. يقول في آية 15 »ذكرتُ« الربّ يذكر ولا ينسى، والصلاوات في المزامير تقول للربّ لا تنسني، لا تنساني، اذكرني يا ربّ. هنا الربّ يذكرنا فلا ينسانا،يذكرنا، فيرسل إلينا البركة والحياة. وأصعب شيء يحسّ به المؤمنن حين يعتبر أنّ الله أدار وجهه عنه، أنّ الربّ أراد وكأنّه يريد أن ينساه.

يقول المزمور يمكن أن تنساني أمّي، أن ينساني أبي ولكنّ الربّ لا ينسى. ولكن هناك نحسّ أنّ الربّ نسيَ، ما عاد يذكرنا، كأنّه تركنا وحدنا كأنّه تخلّى عنّا. هذا ليس بصحيح. لكن هذا شعور عند الإنسان وقد يصل به هذا الشعور إلى اليأس، إلى القنوط، إلى الضياع في حياته. »ذكرتُ عهدي«. الربّ يذكر ولا ينسى أبدًا، كما تذكر الأمّ ابنتها، كما يذكر الأب أولاده، هكذا الربّ يذكر عهده، يقول »ذكرتُ عهدي الذي بيني وبينكم، بيني وبين كلّ نفس حيّة في كلّ الأرض، فلا تكون المياه أيضًا« طوفانًا يهلك جسدًا حيٌّا«. يتذكّر الربّ ويوقف الطوفان والمياه وما يمكن أن تحمله من موت على الأرض.

»تكون القوس في السحاب لأذكر العهد الأبديّ«. ليس هذا العهد قضيّة مؤقّتة، لساعة أو ساعات، لسنة أو سنوات. كلاّ العهد أبديّ. الله لا يتراجع عن عهده عن محبّته، ولكلّ ما يعمله يدوم إلى البد. هذا يعني أنّ الخليقة لن تفنى، أنّ البشر لن يفنى، يمرّون بالموت هذا معروف، ولكن الإنجيل يقول »موت الجسد«. ولكن عهد الله مع الخليقة كلّها هو عهدٌ أبديّ، وكما قلنا هذه السماء التي نعرفها ستصبح سماءً جديدة، هي ذاتها والأرض التي نعرفها ستصبح أرضًا جديدة، وأجسادنا بما فيها من موت وفساد وانحلال ستصبح أجسادًا جديدة، أجسادًا ممجّدة.عهد الله هو عهد أبديّ. هنا نتذكّر في القدّاس عندما يقول الكاهن، هذا الخير هو العهد الأبديّ، هذه الخمر هي العهد الأبديّ، يعني عطايا الله تدوم إلى الأبديّة. وهذا العهد الأبديّ ليس فقط على مستوى الخلاص بل هو أيضًا على مستوى الخلق. الربّ يرافق بالبركة، يرافق بالحياة حتّى نهاية العالم وبعد نهاية العالم. هو عهد أبديّ بين الله والإنسان. في هذا الإطار نفهم أحبّائي، ليس فقط الإنسان هو عظيم، هو على صورة الله، ليس فقط الحيوان عظيم لأنّ الربّ خلقه، انظروا كم هناك جمالات عند الحيوان، كم هناك حكمة عند الحيوان، النملة، النحلة، حتّى النبات انظروا جمال الأزهار. يقول يسوع المسيح انظروا زنابق الحقل. عندما يتكلّم عن الزرع وعن سنابل القمح وعن القطاف وعن الكرمة وعن العنب، كلّ هذا جميل جدٌّا.

في البداية قال رأى أنّ ذلك حسنٌ جدٌّا. لماذالله لأنّ كلّ هذا إرتبط بالله، بعهدٍ أبديّ، الربّ هو الذي يرافق الإنسان والحيوان والنبات وكل الأشياء. لهذا يُطلب منّا أن نحافظ على البيئة، لأنّ الربّ طبعها بجماله، بعظمته، بقدرته، فلا يجب أن نشوّهها.

- نعم أيّها الربّ، هذا العهد منذ أيّام نوح، ستجدّده في أيّام إبراهيم وخصوصًا ستجدّده بيسوع المسيح كالعهد الأبديّ، لغفران الخطايا، لحياة البشر ولعالمٍ جديد. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM