سفر التكوين

سفر التكوين

التكوين يعني خلق الكون، خلق الإنسان.

في المرّة السابقة تكلّمنا عن خلق الكون في ستّة أيّام وشدّدنا على أن هذه الستّة أيّام لا تتصل بالنظريات العمليّة، لا تتّصل بحقبات الأرض الستّة فهناك نظرة ثانية تقول حقبات الأرض الأربع. إذا تركنا النظريّة العلميّة التي تقول إنّ الكون خلق في أربع حقبات أو ست حقبات وكلّ يوم من هذه الأيام الستة يدل على حقبة من الحقبات، كلاّ. ثمّ كلاّ، فاليوم الذي يتكلّم عنه الكتاب هو يوم كأيّامنا. يعني يبدأ في المساء وينتهي في المساء أي 24 ساعة إذا بدأنا. مع العلم إن النهار هو الأهم. المساء تكون فيه وكأنّنا مائتون وكأننا نيام لا نستطيع أن نفعل شيئًا لنكون واضحين أنّ اليوم هو يوم كأيّامنا، هو نهار مثل النهارات التي نعيش فيها.

ستّة أيّام، لماذا ستّة أيّام؟ لأن الكاتب أدخلنا في عالم الليتورجيا وقال لنا عليكم أن تحافظوا على اليوم السابع وأعطانا مثال لا مثال من عند البشر بل مثال من عند ا؟. قال لنا هكذا فعل ا؟... ا؟ نفسه. ا؟ القديم الذي يستطيع أن يخلق في لحظة واحدة الكون كلّه، أراد أن يستريح في اليوم السابع. وتوزّعت أعمال ا؟ على ستّة أيّام ليكون اليوم السابع إكليل الأيّام الستّة وتابع الأيّام الستّة بدون اليوم السابع تبقى الأيّام الستّة ناقصة... هي عمل ا؟ على الأرض ولا يكتمل عمل ا؟ على الأرض إلاّ إذا ارتفع هذا العمل إلى مستوى السّماء...

فصل 2 / 1 - 4

ماذا نكتشف؟ نكتشف أوّلاً: كلمة عمِلَ وفَرِغ ا؟ من عمله الذي عَمِلَ جميع ما عَمِله، جميع ما عَمِلَ. كلمة عَمِلَ لماذا يقول عملَ: مع أنّه في الفصل السابق، قال لنا وقال ا؟ لتنبت الأرض، وقال ا؟ لتخرج الأرض، وقال ا؟ لنصنع الإنسان، وقال ا؟ لتجتمع المياه...

هناك خلق على مستوى الكلمة، كما قلنا عن مزمور 33: »قال فكان كلّ شيء وأمر فصار كلّ موجود«. يكفي أن يقول ا؟، يكفي أن يفكّر ا؟ حتّى تتِم الخليقة. لماذا؟ يشدّد الكاتب على كلمة ا؟ لأنّه يريد أن يوصلنا إلى من هو الكلمة إلى يسوع المسيح. يقول عنه يوحنا بالإنجيل: »به كان كل شيء ومن دونه لم يكن شيء مما دون. ويقول لنا مار بولس بالرسالة إلى كولوسي: أيضًا كيف أنّ بالمسيح خُلِق كلّ شيء بالمسيح تمّ الخلق كلّه. ا؟ خلق بكلمته، خلق بواسطة يسوع المسيح وبحلول الروح القدس هذا هو الخطّ الأوّل.

الخطّ الثاني العمل: يعني هناك في بعض التعب!! باللّغات السامية القديمة. العمل يدلّ على بعض التعب وهذا العمل يحتاج إلى الراحة... هنا ا؟ تنازل قبل أن نتحدّث عنه، كما نتحدّث عن إنسان من الناس. هو يعمل كما الإنسان يعمل. هو يتعب كما الإنسان يتعب. هو يرتاح بعد التعب كما يرتاح الإنسان بعد التعب، هو ينتهي ويفرغ من العمل كما يفرغ الإنسان. وهنا نتطلّع إلى البعيد، إلى يسوع المسيح الإله والإنسان، بالفصل 4 بيوحنّا يقول: إن يسوع جاء إلى مقاطعة السامِرة عند الظهر مع الحرّ، تعب يسوع من مسيرة الطريق، فجلس على حافة البئر، أراد أن يرتاح من تعب الطريق، من حرّ الشمس، ساعة الظهر. وا؟ هنا يرتاح بعد أن تعب من العمل. وتقولون ا؟ لا يتعب؟!!.

والآباء يشبّهون ا؟ بموسى الذي بضربة عصى فتح البحر، يشبّهونه بيسوع الذي بكلمة أوقف الشمس والقمر. وا؟ هل يتعب؟ كلاّ ثمّ كلاّ. ولكن الكاتب أراد أن يبيّن لنا أنّ ا؟ قريب جدٌّا من الإنسان، عواطفه عواطف إنسان، أفكاره أفكار إنسان. ولكن نحن لن نتوقّف عند هذه الفكرة، عند هذه النظرة بتسمية »تشبيهيّة والكلمة العلميّة أنتروبومورفيّة« ما معناها »انتروبوس« يعني الإنسان »مورمني« يعني الشكل. نجعل ا؟ على شكل الإنسان، كلاّ ا؟ هو علىشكل الإنسان حتّى يفهم الإنسان. ولكنّه بعيد كلّ البعد عن الإنسان. نعود أيضًا إلى إنجيل يوحنا، يخبرنا يوحنا أن الفرّيسييّن هاجموا يسوع لأنّه يعمل يوم السبت، لأنّه يشفي المرضى يوم السبت. كأنّهم يقولون له ا؟ بالذات إستراح في اليوم السابع، استراح في يوم السبت من العمل وأنت تعمل وتعتبر نفسك أنّك من عند ا؟، أنت تجدّف على ا؟ عندما تعمل يوم السبت!! ماذا كان جواب يسوعك أبي يعمل دائمًا وأنا أيضًا أعمل. عملُ ا؟ الخالق لا يتوقّف في الليل والنهار، في أيّام الأسبوع واليوم السابع عمل ا؟ لا يتوقّف ولكن حين أجرى يسوع المعجزات يوم السبت لأنّه أراد أن يمجّد أباه يوم السبتن يوم السبت اليوم السابع يوم الراحة، هو يوم المجد بالنسبة إلى يسوع المسيح. فلماذا لا يمجّد ا؟ في اليوم السابع. علىكلّ حال في الزمن المسيحيّ، اليوم السابع، يوم الراحة، لن يعود يوم السبت ولكن يوم الأحد. هنا إذا رجعنا إلى اللّغة العربيّة، نفهم معنى كلمة سَبَتَ: يعني استراح ا؟. يرتاح ولكن اليوم السابع يوم الراحة تبدّل في المسيحيّة وصار يوم الأحد، اليوم الأوّل. الأحد يعني الواحد: الأسبوع يبدأ في المسيحيّة يوم الأحد ويتوّج في اليوم الثامن يوم الأحد.

في سفر الخروج يعطينا الكاتب سببًا آخر للراحة. لماذا يجب أن يرتاح المؤمن في اليوم السابع، في يوم السبت. الإنسان يرتاح لأنّ ا؟ إرتاح من عمله، عمل ستّة أيّام وجاء اليوم السابع يتوّج أعماله في ستّة أيّام. أمّا في سفر الخروج فصل 20 وفي سطر التثنية فصل 5، نرى أن هناك سببًا آخر يدفع الإنسان إلى الراحة، يوم السبت وما هو؟ هو أنّه حين كان العبرانيّون في مصر عبيدًا، كانوا يعملون سبعة أيّام على سبعة أيّام، لا راحة لهم أبدًا. فلمّا حرّرهم ا؟ من العبوديّة، لمّا حملهم من أرض مصر، أرض النار والحديد، إلى البريّة، بريّة سيناء علّمتهم الراحة ولهذا يقول الكاتب: كنتم عبيدًا وعرفتم أن ترتاحوا يوم السبت، يوم الربّ، هكذا ينبغي عليكم أن ترتاحوا في كل سبوتكم«. وليس فقط أنت أيّها المؤمن، أنت أيّها العبراني، أنت أيّها الحرّ، أنت أيّها الإنسان. ترتاح أنتَ ويرتاح العامل في ديارك ويرتاح العبد والعبدة أو الأمّة ويرتاح النور والحمار حتّى البهيمة ترتاح يوم السبت، شيء عظيم جدٌّا، إذا أنتم كنتم عبيدًا وأعطاكم الربّ الراحة في اليوم السابع فيجب أن تتابعوا هذه الراحة وليس أنتم وحدكم لأنّكم أحرار لأنّكم أبناء، بل الجميع حتّى الذين تعتبروهم من درجة ثانية حتّى الحمار والثور، حتّى البهائم هم يرتاحون أيضًا في اليوم السابع.

إذا أردتم أن تتقدّس الأيّام الستّة، إرتاحوا اليوم السابع. إذا أردتم أن يتقدّس عملكم في الستّة أيّام قدِّسوها براحة يوم السبت. وأعتاد العبرانيّون أن يستفيدوا بعض المرّات من اليوم السابع مثلنا نحن اليوم. يوم الأحد، ننسى إنّه يوم الراحة خصوصًا في أوقات الحصاد، في أوقات الزراعة، كانوا يعملون يوم السبت. وكانت الشريعة قاسية جدٌّا. مرّة قيل لموسى أنّ شخصًا يحمل حطبًا يوم السبت، فعاقبه عقابًا كبيرًا، رُجِمَ، لماذا؟ لأنّه لم يعرف أن يكرّم السبت، لم يعرف أن يحترم اليوم السابع، يوم الراحة. لا شكّ أن في هذا العمل قساوة كبيرة، نحن لا نقبل بها أبدًا. والإيمان بالربّ وممارسة الحياة اليوميّة، لا يمكن أن تفرض فرضًا. الإيمان هو حوار مع ا؟. قد نخطىء ولكن الربّ يطيل باله علينا، يصبر علينا، ولكن الإنسان لا يعرف أن يصبر. وموسى لم يعرف أن يصبر بل أمر برجم هذا الإنسان الذي حمل بعض الحطب، وربّما كان بحاجة إليه لأنّه فقير. ولكن من خلال هذا الخبر القاسي، فهم الشعب أهميّة هذا اليوم المقدّس. ما معنى قدّس، قدّس: يعني كرّس، يعني خصّص هذا اليوم المقدّس، يعني لم يخصّك أيّها الإنسان، لم يعد لك أبدًا، هو مكرّس ؟، لا تعمل فيه إلاّ عمل ا؟ فقط. إذًا كلّ الأعمال الدنيويّة ممنوعة أبدًا. هذا اليوم لا يخصّ الإنسان إنّما يخصّ ا؟. لا نستطيع أن نتصرّف بيوم الأحد كما نريد أن نتصرّف بسائر الأيّام. مثلاً الكنيسة هناك بناء كبير تعمل به ما يشاء ولكن حين يُقدّس، عندما يكرّس، عندما يخصّص لخدمة ا؟، لا تستطيع أن تعمل به ما تشاء. صار ملك ا؟. مثلاً بالكنيسة لا نعمل حفلة راقصة، ليس لديّ الحق أبدًا. كلّ ما يقدّسه ا؟ كلّ ما يكرّس ؟، كلّ ما يخصّص ؟ لا تستطيع أن نتصرّف به كما نشاء وهذا ما نقوله عن اليوم السابع، عن يوم الربّ، الذي كان السبت بالنسبة إلى الشعب العبرانيّ والذي صار الأحد بالنسبة إلى الشعب المسيحيّ. وهنا نتذكّر بأنّ الأسبوع بسبعة أيّام. لم يكن يوجد إلاّ في العهد القديم في الكتاب المقدّس. قبل ذلك الوقت ما كان في اليوم السابع مثلاً بعالم الآراميّين. بعالم بلاد الرافدين. لم يكن يوجد اليوم السابع. كان هناك بداية القمر ونهاية القمر. ولكن هنا مع التوراة مع الكتاب المقدّس، انقسمت الأيّام، إنقسم الشّهر إلى أربعة أقسام، كلّ سبعة أيّام ترتاح أنت ويرتاح عبدك وأمّتك وترتاح البهيمة التي في بيتك. مهمّ جدٌّا أن نعرف هذا الشيء. مثلاً عند الرومان، كل عشرة أيّام ولكن مع ذلك ما كان في يوم الراحة.

للمؤسف بالقرن العشرين، وعلى مشارف القرن الحادي والعشرين هناك أناس لا يعرفون أن يرتاحوا يومًا في الأسبوع. وهناك أرباب عمل يشغّلوا الناس سبعة أيّام. أين هي شريعة ا؟؟ أين هو إحترام الإنسان؟ أين هي عظمة الإنسان؟ شريعة ا؟؟ أين هو إحترام الإنسان؟ أين هي عظمة الإنسان؟ ضاع كل هذا، لأنّنا نسينا أهميّة اليوم السابع، يوم الربّ، ذلك اليوم الذي نقدّسه. وانتقل اليوم السابع من السبت إلى الأحد. لماذا لأنّه يوم الأحد، ظهر يسوع لتلاميذه، يوم الأحد هو بداية العهد الجديد، بداية الكنيسة، بداية الأرض الجديدة والسّماء الجديدة. وفي يوم الأحد أيضًا، ظهر للتلميذين على طريق عمّاوس. وفي يوم الأحد أيضًا، ظهر لتوما وأراه يديه ورجليه. وفي يوم الأحد، حلّ الروح القدس على التلاميذ في يوم العنصرة. صار الأحد اليوم الأهمّ في الأسبوع المسيحيّ.تبدّل اليوم ولكن ظلّ المعنى العميق ليوم الربّ يوم الراحة. وكيف نرتاح وكيف نُقدّس هذا اليوم؟

1 - هو أوّل شيء يوم الصلاة، يوم القدّاس. نُقدّس هذا اليوم بالقدّاس، القدّاس الأسبوعيّ هو الذي يُقدّس يوم الأحد، إجتماع الجماعة مهمّ جدٌّا، هو اجتماع مقدّس يسمّيه الكتاب المقدّس محفل مقدّس، احتفال مقدّس.

إذًا أوّل شيء لهذا اليوم السابع نكون في القدّاس، في الإحتفال اللّيتورجي، في إحتفال الصلاة، في إحتفال الجماعة. وهذا اليوم يكون مقدّسًا. إذا قرأنا فيه الكتب المقدّسة، إذا كان اليوم تأمّل يوم صلاة، ويكون مقدّس عندما يلتقي الأخ بأخيه، والقريب بالقريب، نلتقي بالمرضى هذا اليوم نستطيع أن نعيش فيه ما قاله يسوع بالفصل 25 من إنجيل متّى: »كنت جائعًا فاطعمتموني«، نطعم الجائع نسقي العطشان، نزور المريض، نزور السجين، نكون قرب المتألّمين، قرب الحزين. نجعل الآخر يرتاح. ربّنا استراح، نحن نرتاح ونحمل الراحة إلى الآخرين. عندما يكون الإنسان في الحزن، في الألم في الضياع، في الفشل. كم هو مهمّ أن نزورُه، أن نكون بقربه، قد لا نقول شيئًا، ولكن نبقى بقربه نعيد إليه الراحة. قال يسوع في إنجيله »تعالوا إليّ أيّها المتعبون وتتقبّلوا الأحمال وأنا أريحكم«. يوم الأحد هو يوم الراحة، ويسوع يدعونا إلى الراحة، الراحة الحقيقيّة، الراحة التي يعطيها هو وحده ولا يُعطيها أحد غيره. هذا هو معنى اليوم السابع. عمل ا؟ ستّة أيّام واستراح.

هو يدعونا مثله أن نعمل ستّة أيّام ونستريح، هذا اليوم ليس لنا، هذا اليوم هو يوم الربّ، هو يوم يسوع المسيح، هو يوم القيامة، هو يوم العنصرة، فيه نتقبّل نعمة ا؟ الآب، نتقبّل خلاص الإبن، نتقبّل قداسة الروح القدس، من الآن وإلى الأبد. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM