سفر التكوين 2 / 4-17 (1)

سفر التكوين 2 / 4-17 (1)

تشديد وهو أن قراءتنا للعهد القديم هي قراءة إيمان. لا قراءة تاريخ ولا قراءة جغرافيا ولا قراءة علوم. فإذا نحن لا نؤمن بأن هذه الكلمة هي كلمة ا؟، الأفضل أن لا نسمع لأن الأمور سوف تتجاوزنا ولن نفهم شيئًا. نكون كما يقول يسوع المسيح في مثل الزارع كأنّنا أرض لا تخرقها كلمة ا؟، لا تثمر فيها كلمة ا؟، هذه الكلمة هي كلمة ملهمة، فيها تعليم من عند الله. وهذا ما أراد الربّ أن يبيّنه لأنبيائه حين كتبوا ما كتبوا. ثمّ عندما نقرأ أي نص من نصوص الكتاب المقدّس يحب أن لا نرجع إلى الوراء بل ننطلق من الحاضر يعني التاريخ غير معروف. كيف خُلِق الإنسان الأوّل، كيف خُلقت العائلة الأولى هذا ما لا يعرفه أحد أبدًا ولكن ماذا فعل الكاتب الملهم، انطلق من الحاضر، انطلق من اليوم، انطلق من الإنسان الذي يعرفه. إنطلق من آدم وآدم ليس اسم علم. صار إسم علم بعد ذلك. ولكن في الأصل هي لفظة تعني »الترابي« المأخوذ من التراب. عندنا في اللّغة العربيّة لفظة »آدِمة« يعني وجه التراب، عندنا أيضًا »آديم« السماء، »أديم« الوجه يعني كل ما يظهر. إذًا آدم هو الترابي أي المأخوذ من التراب. لا نعتبر آدم هو إسم إنسان من الناس. اليوم عندنا أسماء مثل آدم وحواء وغيرهما ولكن في العائلة الأولى، التي لا يعرف عنها شيئًا، الكاتب الملهم إعتبر أنّ الإنسان هو ذاك المخلوق من الأرض مثلاً: كما نقول يوحنا الصغير لأنّ غيره كبير أو يوحنا الكبير أو انطونيوس الكبير إذا هذا الكبير ليس اسم علم ولكنّها صفة وآدم هنا يدلّ على الإنسان المأخوذ من الأدمة يعني من التراب.

- الفكرة الثالثة وهي عندما نقرأ نص من النصوص، يجب أن نفكّر لماذا كتب الكاتب الملهم هذا النص، لماذا كتبه؟ ما هو الهدف الذي توخّاه من هذه الكتابة.

وهنا لماذا كتب الكاتب هذا النص الذي عنوانه »جنّة عدن« ونستطيع أن نسمّيه خلق الإنسان.

في المرّة السابقة تحدّثنا عن الله الذي خلق الإنسان رجلاً وامرأة: هنا الخلق سيكون له معنى آخر من نوع آخر. يخلق الربّ أوّلاً آدم يعني الرجل أو بإمكاننا أن نقول الرجل والمرأة ثم يتحدّث عن خلق المرأة وارتباطها بالرجل.

الكاتب هنا أراد أن يبيّن أوّلاً:

- أن الله هو الذي خلق الإنسان.

- أن الله خلقه من التراب.

- أن الله جعل في الإنسان نسمة الحياة، جعل فيه نفسًا حيّة.

- أن الله جعل الإنسان في جنّة، جنّة غنيّة جدٌّا وإن الله طلب من الإنسان أن يساعده على العمل في هذه الجنّة.

فإذًا هنا يرتبط الإنسان بالله لا إرتباط العبد بسيّده بل إرتباط الصديق بصديقه.

سوف نرى فيما بعد كيف أن الله كان يتمشّى في الجنّة ولا شك مع آدم عند نسيم المساء عندما لم يبق في شعب وفي برودة، يتمشّى الربّ مع آدم، كما يتمشّى الصديق مع صديقه نتذكّر دائمًا هذه الفكرة التشبيهيّة الأنتروبوفيمة يعني الله يشبه الإنسان، الله يتمشّى كما يتمشّى الإنسان، كما يتمشّى الآب مع إبنه، كما يتمشّى الله مع آدم.

كيف بدت الخليقة حين بدأ الربّ يعمل؟

»يقول يوم صنع الربّ الإله الأرض والسموات لا شجر، لا عشب لا نبات«.

هنا نحن في أرض صحراويّة. نحن في الصحراء، لا حياة فيها، لا ماء فيها. لا شيء ينبت، لا شجر لا عشب، لا حيوان، لا إنسان.

الفصل الأوّل الأرض المرويّة بالقناة أي الريّ.

أمّا هنا فالأرض تنتظر المطر. بدون لامطر لا تعطي الأرض نباتًا، لا تعطي عشبًا ولا تعطي شجرًا.

يعطينا الكاتب نظرة. أوّلاً لا حياة هناك. الربّ لم يمطر والإنسان غير موجود حتّى يفلح الأرض.

إذًا طبيعة صحراويّة، طبيعة قريبة من الحرش مع عالم الفراغ ويبدأ الربّ عمل الخلق ليس وحده لكن مع الإنسان.

آية 7: نلاحظ هنا عكس الفصل السابق. بالفصل السابق، الأوّل بدأ الربّ فخلق الشمس، خلق القمر، خلق الكواكب، خلق النبات خلق الحيوان وأخيرًا خلق الإنسان.

أمّا هنا فتبدأ الخليقة مع الإنسان لأنّ الإنسان سيشارك الله في خلق الكون، في جمال الكون، في عظمة الكون، في ترتيب الكون، في تنظيم الكون (ملاحظة الإنسان سيشارك الله بالخلق) فكيف تصوّر الكاتب الملهم خلق الإنسان:

إعتبر أنّ الربّ هو الفخّاري (الفخّاري هو الذي يصنع الفخّار، يصنع إبريقن جرّة، إناء من فخّار فبهذا الإناء ويقول مار بولس شيء للكرامة وشيء للهوان. هنا الربّ هو كالفخّاري. الفخّاري الذي يفبرك شيئًا جديدًا شخصًا جديدًا. هنا نتذكّر أنّ الفخّاري في تلك الأيّام غير الفخّاري في هذه الإيّام. في هذه الأيّام الفخّاري غير موجود، أصبح قليل جدٌّا. هناك مكنات تخرج إبريق 2 - 3 - 10 - 1000 ألخ... وكلّها تشبه بعضها. في الزمن القديم كلاّ فالربّ هو كالفخّاري كلّ قطعة هي فريدة والقطعة تأخذ معه يومين، ثلاثة، أربعة حتّى تنتهي ويمكن إن لم تعجبه يعيدها من جديد وعيد صنعها حتّى تصبح تحفة من الجمال.

الفخّاري لا يصنع مجموعات مثل المعامل ولكن الفخّاري هو الذي يعمل كل قطعة فريدة وليس هناك من قطعة تشبه الأخرى. هذا مهم جدٌّا. لماذالله لأنّه يدلّ علىالطريقة التي بها خلق الله آدم، خلق الله الإنسان، خلق الله كلّ إنسان. خلقني أنا، أنتَ، أنتِ إلى آخره. كلّ واحد خلقه وكأنّه فريد مهم جدٌّا ولا إنسان يشبه الآخر. نلاحظ بالحياة ليس من إنسان يشبه الآخر. لا بوجهه، ولا بعقليته ولا بتفكيره، ولا بإهتمامه ولا بعواطفه أبدًا، كلّ إنسان هو فريد. لأن كل إنسان فريد في عيني الله. هنا خبر امرأة عندها إبن وحيد تقول لجارتها التي عندها 13 ولد، كيف يمكنك أن تحبّي 13 ولد؟ أحبّهم كأن كل واحد منهم وحيد. هكذا هو الربّ. وإذا أردنا أن نأخذه على مستوى العهد الجديد. ظهر الربّ يسوع مرّة لأحدى القدّيسات وقال لها هذه الكلمة العظيمة. إذا عرفت إنّ مرضى النفس تحتاج إلى الخلاص فأنا مستعدّ من جديد أن أتجسّد وأن أعيش على الأرض وأن أموت على الصليب وأن أقوم من أجل نفس واحدة«. وهنا نرى بأيّة محبّة، بأيّة حنان، بأيّة عطف ربّنا جبل آدم. جبل الإنسان، جبل كلّ إنسان. أنا بولس... أشخاص عديدون، كل واحد منا جبلهُ، كونه الربّ، خلقهُ الربّ كأنّه وحده على هذه الأرض. هنا نعرف كم نحن كبار في عين الله، كم نحن عظماء في عين الله، كل واحد منّا فريد في عين الله، كلّ الذين يتكلّمون عن التقمّص وعن الحياة الجديدة تخرج النفس وتدخل في جسد، في جسد إنسان، في جسد حيوان، في نبات. هنا نحسّ أن الإنسان هو شيء، هو كرة، هو طابة يلعب بها الله، كلاّ... الله جدّي عندما يخلقنا، عندما يكوّننا، عندما يجبلنا، إنّما يجبلنا من أجل الأبديّة فنحن كائنات لن نموت أبدًا، نموت لا شكّ على مستوى الجسد، ولكن على مستوى الروح، على مستوى الحياة العميقة التي فينا نحن خالدون مع الربّ الإله... وهذا الخلود يبدأ منذ هذه الأرض ويتواصل عبر الموت ويبقى إلى الحياة مع الله لا تزول... هذا الإله أخذ ترابًا من الأرض فالإنسان هو من التراب وإلى التراب يعود، هذا ما نعرفه بما أنّه تراب فإذًا أُخذ من التراب. لم يفلسف الأمور الكاتب الملهم وقال: كذا كميّة من المياه في الهيدروجين، في الأوكسجين في الأمور العديدة كلاّ... الإنسان عندما يموت يوضع في التراب، يعود إلى التراب. هذا يعني أنّه أخرج من التراب، أخذ من التراب. ولكن لو كان الإنسان ترابًا فقط، لو كان يموت ولا يقوم، لما إحتجنا إلى أن ينفخ الله في أنفه نسمة حياة. لكن يموت كالحيوان. لا شكّ خارجيٌّا يقول سفر الجامعة الإنسان يموت، والحيوان يموت ويدفن الواحد والآخر تحت التراب. ولكن هذا من الوجهة الخارجيّة. من وجهة الإنسان التي تتوقّف حياته عند الطعام والشراب والنوم والتكاثر فقط. لكن عندما نكون على مستوى الإنسان، هناك أبعد ممّا يُرى هناك ما لا يُرى في الإنسان. وهذا الذي لا يُرى إنّما هو للسماء ويبدأ حياته منذ الآن في السماء. الربّ نفخ في أنفه نسمة حياة.

ما الذي يجعل الإنسان أرفع من الحيوان ما الذي يجعله على مستوى الله هو نسمة حياة التي وضعت فيه، التي وضعها الله فيه لهذا صار الإنسان نفسًا حيّة.

في المرّة السابقة وما قبلها تحدّثنا عن هذا الإنسان الي هو وحده مخلوق على صورة الله ومقاله. وهنا الكاتب يقول لنا بطريقة ثانية أن هذا الإنسان هو عظيم من عظمة الله لأن فيه من حياة الله، صار آدم نفسًا حيّة، صار إنسان يحمل الحياة، الحياة التي تأتي من الله.

وهنا نتذكّر أساطير قديمة، كتبت وتحدّثت عن خلق الإنسان مثلاً في بلاد الرافدينن في بلاد العراق وقسم من إيران، ماذا يقولون مثل الآلهة ومن دمهم وُلِد سبعة رجال وسبعة نساء، نلاحظ الرقم 7 رقم الكمال ونلاحظ إنه من الدم وجدت الحياة لأنّ في الشرق كانوا يقولون إنّ الحياة هي في الدم وهذا التقليد نجده أيضًا في الكتاب المقدّس، في التوراة. ولهذا يمنع على الإنسان أن يأكل دم الحيوان عند الشعب اليهودي لأن فيه الدم الحياة. أمّا نحن المسيحيّين، فلا نهتم لهذه الأمور نحن نأكل اللحم والدم ولا مشكلة في ذلك، فالحياة هي من عند الله ولا تتوقّف عند دم أو غير شيء في الإنسان.

هذه الأسطورة الشرقيّة هي تقليد واسع، أخذت منه بلاد الرافدين وأخذ منه الكتاب المقدّس. لا تقول أبدًا إن في الكتاب المقدّس أساطير كلاّ. لا مكان للخرافات في الكتاب المقدّس.

الوحي هو الذي يعطي البداية لتفكير الكاتب الملهم، هو يعرف شيئًا هامٌّا: الله هو الذي خلف، وحاول أن يعبّر عن هذا العمل الإلهيّ بالطريقة البشريّة. وأخذ هذا التقليد القديم هذه الصورة، صورة الفخّاري التي هي أبعد ما تكون عن صورة هذه الآلهة السبعة التي قتلت وأعطت سبعة رجال وسبعة نساء. كلاّ هو الله يعمل، والله وحده يعمل ويعمل بمحبّة ويعمل بحنان. هكذا نستطيع أن نقول كيف أن الربّ جعل جنّة عدن أو بالأحرى قبل أن يخلق جنّة عدن، جعل الإنسان على تلك الأرض. جعل الإنسان لكي يساعده حتى يكون في جنّة عدن. في الأصل، قلنا في المرّات السابقة، رأى الله جميع ما خلقه فإذًا هو حسن ولما خلق الإنسان فإذا هو حسن جدٌّا. هنا تبدأ الحياة حياة الإنسان، يبدأ التاريخ في جنة عدن. سوف نتحدّث عنها في مرّة لاحقة ولكن منذ الآن نعرف أن هذا الإله خلق الإنسان خلقًا فريدًا. أعطاه نسمة حياة، أعطاه حياة من حياته، فصار نفسًا حيّة وهو يستطيع أن يعمل مع الله ليجعل من الكون كلّه جنّة تشبه من بعيد أو قريب الجنّة الحقيقيّة السماء. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM