لا تسرق
ما زلنا في سفر الخروج، ما زلنا نتوسّع في وصايا الله العشر، هذه الوصايا التي كانت دستورًا للشعب العبرانيّ على مدِّ حياته قبل المسيح وما زالت بعد المسيح. هذه الوصايا التي أخذَتْها الكنيسة بعد أن ردَّدها يسوع وردَّدها الرسل، وهي تطلب منّا أقلّ شيء ممكن: احترام الآخر في حياته، في حياته الزوجيّة. في أملاكه وفي غيرها من الأمور.
1 - من وصيّة إلى وصيّة
نتذكّر ما قرأنا في خر 20: 13 - 16: لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد على غيرك شهادة زور. ونتوقّف اليوم بشكل خاصّ على هذه الوصيّة القائلة: لا تسرق.
بعد الوصيّة الخامسة لا تقتل التي تمنعنا النيل من حياة القريب، نصل إلى الوصيّة السادسة: حياة القريب هي ملك الله وليست ملكنا. الإنسان ذاتُه لا يحقّ له أن يقتل نفسه، أن ينتحر. وبالأحرى لا يحقّ لإنسان أن يأخذ حياة إنسانٍ آخر. ونتذكّر كلام موسى: من يقتل يُقتل.
تلك كانت الوصيّة الخامسة. والسادسة منعتنا المسّ بحياة الإنسان، بحياة قريبنا العائليّة، قالت لنا: لا تزنِ. وراح العهد الجديد يعمّق هذه المتطلّبة، هذه الوصيّة: لا تنظر إلى امرأة لكي تشتهيها، الشهوة كافية لتجعلك زانيًا. إن اشتهيتها كنت وكأنّك زنيتَ بها في قلبك.
والآن الوصيّة السابعة (لا تسرق)، تمنعنا أن نضع يدنا على ما لا يخصّنا، سواء أكان شيئًا أم إنسانًا. والوصيّة لا تمنع فقط سرقة شيء من الأشياء. في أيّ حال سوف نعود إلى سرقة الأشياء مع آ 17: لا تشته بيت غيرك ولا شيئًا له. ولكنّ التشديد الأوّل هو على سرقة البشر. ومن المؤسف أن تكون سرقة البشر ما زالت حاضرة اليوم كما في الماضي. يُسرق عدد من العبيد في أفريقيا ويباعون. اليوم، هذا العمل المشين ما زال يُعمل به.
يُسرَق أولاد ويُجعَلون من أجل الدعارة. هذا ما يحدث اليوم أيضًا، ويصبح الولد عبدًا يُشرى ويُباع. وهناك سرقات وسرقات. هناك انتقال هؤلاء الأشخاص ولا سيّما النساء من أجل الزنى ومن أجل الدعارة المنظّمة التي صارت تجارة عالميّة، بحيث لا يستطيع أحد أن يقف في وجهها، بل صارت مشرعة في بعض البلدان. سرقة الأشخاص أخطر بكثير من سرقة الأشياء.
لهذا قال الكتاب: من سرق إنسانًا من إخوته فجعله عنده أو باعه فليُقتل. وهكذا تَقتلع أيّها المؤمن الشرّ من وجهك. وعندما يدين عاموس الشعوب المحيطة بأرض فلسطين، كما دان شعوب فلسطين، سيكون قاسيًا ضدّ الذين باعوا إخوتهم بيع العبيد.
2 - سرقة مال، سرقة إنسان
عندما نبيع الإنسان بيع العبد أو بيع شيءٍ من الأشياء، أو بيع حيوان من الحيوانات، نجعله على مستوى الحيوان، نشوِّه صورة الله. هذا الإنسان الذي هو على صورة الله ومثاله، أحدَرْناه إلى صورة الحيوان، إلى صورة شيء من الأشياء. فمن استهان بصورة الربّ، فلينتظر العقاب الكبير. ولكن ما حيلتنا والمال هو الذي يحرِّك الإنسان، يحرِّك أعمال مجتمعاتٍ واسعة؟
لا تسرق. سرقة الأشياء وسرقة الأشخاص. ونبدأ بالحديث عن سرقة الأشياء، فالخيرات العائليّة ملك مقدّس، نحافظ عليه. والجماعة هي المؤتمنة علىالخيرات التي يملكها أفرادها. أجل ما نمتلكه ملك مقدّس، بعرق جبينك تأكل خبزك. ما امتلكناه، امتلكناه بعرق الجبين، ونحن نحافظ عليه لهذا قيل: قطع الأرزاق من قطع الأعناق.
عندما نأخذ رزقًا من أرزاق الناس فكأنّنا نقتلُه، فكأنّنا نقطع عنقَهُ. من أجل هذا تحافظ الجماعة، تحافظ السلطة في الجماعة على الخيرات التي يملكها كلّ فردٍ من أفرادها. والله نفسه يمنع مثل هذا التعدّي على خيرات القريب، جاءت الوصيّة في إطار تعليم الأنبياء والتشديد على مخافة الله.
جاء التشديد واضحًا على مخافة الله. لا مخافة أن يفتضح أمرنا فنُقتَل أو نُلقى في السجن، أو تُقطع يدُنا كما يُفعَل في بعض البلدان المتأخّرة. كلاّ. هذه المخافة ليست فقط من البشر. نخاف البشر لا شكّ في ذلك. ولكنّ المخافة الأولى هي مخافة الله، المخافة أن نغيظ ا؟ في تصرّفاتنا. وما قيل في سفر الخروج قيل في التقليد الاشتراعيّ مع سفر التثنية (5: 19).
ذُكرت وصيّة السرقة،الوصيّة التي تمنع السرقة، مع الوصايا التي تُنهي عن الزنى والقتل. وهذه الوصايا عرفتها التقاليد الشرقيّة منذ أيّام حمورابي في بلاد الرافدين أو العراق حتّى أيّام الفراعنة وكتب الموتى في مصر.
3 - المحبّة ملخَّص الوصايا
هذه الوصيّة وغيرها سنسمعها من فم يسوع. سأله شابّ عمّا يعمل لتكون له الحياة الأبديّة. فقال له يسوع: احفظ الوصايا. وما هي؟ فعدَّدها يسوع: لا تقتُل، لا تزنِ، لا تسرق (متّى 19: 16 - 18).
وهذا ما نقرأه أيضًا في إنجيل مرقس (10: 19) وإنجيل لوقا (18: 20). واعتبرَ القدّيس بولس أنّ الوصايا كلَّها تتلخّص في هذه الكلمة: أحبب قريبك كنفسك. فالمحبّة لا تعمل سوءًا للقريب (روم 13: 8 - 10). أجل المحبّة هي التي تمنعنا من الخطايا.
فالكلام واضح: أحبب قريبك كنفسك. فإذا كنت لا تؤذي نفسك، فلا تؤذ قريبك. وإذا كنت تحبّ نفسك، تحبّ قريبك. ويتابع بولس فيقول: المحبّة لا تعملُ سوءًا للقريب. قال القدّيس أوغسطينس: أحبب وافعل ما تشاء. فالمحبّ لا يفعل إلاّ ما يكون خيرًا لإخوته الذين حوله. والمحبّة هي إتمام الشريعة. تتوسّع الشريعة الموسويّة حول السرقة في حالات متنوّعة فتقول: إذا سرق أحد ثورًا أو شاةً وذبحه أو باعه، فليعوّض بدل الثور خمسة أضعاف، وبدل الشاة أربعة. نحن على مستوى العدالة، ولكنّها عدالة قاسية جدٌّا تفرض علىالسارق أن يردَّ خمسة أضعاف أو أربعة أضعاف. هكذا يهرُب كلّ إنسان من السرقة (خر 22: 1). وهذا الكلام نجده مطبّقًا في الخبر الذي حمله ناتان النبيّ إلى داود.
ماذا صنع داود؟ سرق امرأة أوريّا قائد أحد قوّاد جيشه. سرق له امرأته وأخذها له إلى بيته. عندئذٍ أعطى ناتان مثلاً لداود ليدلّه على خطيئته. فحدّثه عن رجلٍ غنيّ سطا على نعجة الفقير. كان له مئة خروف فلم يذبح منها واحدًا. لكنّه ذبح نعجة الفقير وهيّأها طعامًا لضيفه (2 صم 12: 4).
علم داود أنّ الكلام يصيبه بعد أن قال له ناتان ما قال. فعليه أن يردَّ للرجل الفقير أربعة أضعاف لأنّه ارتكب هذا الذنب ولم يشفق (آ 6).
وبما أنّ المظلوم هو فقير، زاد داود على هذا العقاب قائلاً: إنّ الجاني يستوجب الموت. وأعطى سفر اللاوييّن وصاياه ساعة كلَّم الشعب عن القداسة بفم الربّ. كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس. وكيف تكون القداسة؟ كيف يكون التكريس للربّ؟ كيف يكون تخصيص ذواتنا للربّ؟ بالصلاة، لا شكّ، بالتعبّد، لا شكّ، بالابتعاد عن الحلف، لا شكّ، بحفظ يوم الربّ، لا شكّ، بالراحة يوم الراحة، لا شكّ. وتكونُ قداسة تمتدّ أبعد من واجباتنا تجاه الله فتصل إلى القريب: لا تسرق، لا تكذب، ولا تغدر بصاحبك. لا تحلف باسمي كذبًا فتدنّس اسم إلهك، هذا ما قاله سفر اللاوييّن (19: 11).
فعندما نعمل عملاً من هذه الأعمال، من سرقة وكذب وغدر وحلف وكذب، إنّما ندنّس اسم ا؟، فاسم ا؟ قدّوس.
وكان الربّ قد قال في سفر اللاوييّن: كونوا قدّيسين لأنّي أنا الربّ إلهكم قدّوس. وتابع سفر اللاويّين كلامه في آ 12: لا تظلم قريبك ولا تسلُبْهُ، ولا تؤخِّر دفع أجرة أجيرك إلى الغد.
4 - أنواع السرقة
نلاحظ كيف توسّعت وصيّة السرقة. إذا أخذناها على حرفيّتها، لن نجد سراقًا كثيرين حتّى في أيّامنا. فأنا لم أدخل بيت إنسان خلسة وآخذ له شيئًا من أشيائه أو متاعًا من متاعه. ولكن الوصيّة واسعة جدٌّا. هناك السلب بالقوّة، هناك ظلم الغريب، الذي يعمل عندنا فلا نعطيه أجرته. ونستطيع أن نتوسّع في هذه الأمور: وإن لم تعطه أجرته، وإن تؤخّر دفع أجرته، فيجوع ويصرخ إلى الربّ. السرقة إذًا لها وجوه عديدة، مثلاً يأكل الإنسان حقّ أخيه الذي عمل عنده. في هذا المجال نقرأ سفر التثنية (24: 14 - 15)، الذي يقول: »لا تهضم أجرة مسكن ولا فقير من إخوتك«. هذا شيء طبيعيّ. ويزيد النصّ: »أو من الغرباء الذين يقيمون في أرضك وفي مُدنك«.
نعتاد مرّات عديدة أن نأكل، أن نهضم أجرة الغرباء، أجرة الفقراء الذين لا يستطيعون أن يدافعوا عن نفوسهم وخصوصًا الضعفاء. وسيكون الربّ قاسيًا بالنسبة للغرباء فيقول لشعبه: أنتم كنتم غرباء في أرض مصر. وهناك عُوملتم معاملة قاسية. فكيف تسمحون لنفوسكم وأنتم تألّمتم من هذه المعاملة أن تعاملوا الغرباء الذين يقيمون بينكم؟ الذين يقيمون في أرضكم وفي مدنكم؟
ويتابع سفر التثنية (ف 24): بل ادفع إليه أجرته في يومه. ينتهي عمله في المساء فتعطيه أجرته في المساء. بل يقول النصّ: قبل غياب الشمس، لا تغيب الشمس على أجرته. فهو يحتاج إلى هذا المال لكي يعيش هو وعياله. ادفع إليه أُجرته في يومه ولا تغيبُ عليها الشمس لأنّه فقير وبه يعول نفسه لئلاّ يصرخ عليك إلى الربّ فتكون عليك خطيئة.
5 - الربّ يسمع صراخ المساكين
يصرخ الإنسان والربّ يسمع. مرّاتٍ عديدة، الإنسان لا يسمع، وخاصّة إذا كان القويّ هو الذي يأكل أجرة الضعيف، والغنيّ أجرة الفقير. فمن يتجاسر أن ينبّه الغنيّ إلى عمله الشرّير، والقويّ إلى عمله الجائر؟ لكن إن كان الإنسان لا يسمع، إن كنت لا أسمع عندما أجور على قريبي أو على الغريب الذي عندي، فالربّ هو الذي يسمع. وكما أخرج الربّ شعبه من ظلم المصريّين والفراعنة الذين استعبدوا من استعبدوا، فهو يهتمّ أيضًا بكلّ فرد من أفراد شعبه، بكلّ فرد من الذين خلقهم على صورته ومثاله.
الربُّ يهتمّ حتّى بصراخ الحيوان، فكيف لا يهتمّ بصراخ الإنسان. يصرخ إلى ا؟ فتكون عليك خطيئة. والربّ يُعاقب مثل هؤلاء الخطأة. الشريعة تدافع عن الفقير بوجه الغنيّ، وعن المسكين بوجه المقتدر، وهي هي بالنسبة إلى القريب وإلى الغريب، تدافع عن الفقير، تدافع عن المسكين، فهي لا تميِّز بين شخص وآخر. فالقريب وابن البلد قد يجدان من يدافع عنهما. أمّا الغريب فهو أعزل ولا سلاح له، لهذا يستغلّه صاحب العمل. والله هو الذي يُدافع عنه.
إذا صرخ عليك، فالويل لك، ينتظرك العقاب القاسي من الربّ. وكيف نستطيع أن نهرب من وجه الديّان؟ لأنّ محبّتنا للقريب تنبع من محبّتنا لله. ولكنْ إساءتُنا إلى الغريب، ظلمُنا للغريب، جورُنا تجاه اليتيم، يجعلنا في خطّ إبليس. يعني نأخذُ خطّ المعارض كلّيٌّا ؟. من هنا يقول يوحنّا في رسالته الأولى: البعض هو أيضًا قتل للإنسان، ولا نقول فقط الظلم والسلب والسرقة والتعدّي على أملاك الغير. الله يدافع. فإذا صرخ عليك أيّها القويّ، أيّها الغنيّ، فالويل لك.
في هذا الإطار نقرأ كلام رسالة يعقوب القاسي ضدّ الذين لا يعطون الأجير حقّه. يقول في 5: 4: الأجور المستحقّة للعمّال الذين حصدوا حقولكم، التي سلبتموها يرتفع صياحها. أغنياء يمتلكون الأراضي الواسعة، وعمَّال فقراء مياومون يعملون كلَّ يوم بيوم وينتظرون في آخر النهار أجرهم العادل. هؤلاء العمال حصدوا الحقول ولكنّهم لم يأكلوا. فإذا صرخوا ارتفع صياحهم إلى الله. يرتفع صراخهم إلى الله أقلّهم ليأكلوا قمحًا من القمح الذي حصدوه، وحنطة من الحنطة التي اقتطفوها. الأجور هي مستحقّة للعمال. وصراخ الحصّادين وصل إلى مسامع الربّ القدير.
صراخ الحصّادين وصل إلى مسامع الربّ القدير. أجل أجرة العامل لها صوت. نلاحظ، أحبّائي، لم يقل العمّال يصرخون، كلاّ. لقد قال: الأجرة، الأجور يرتفع صياحها. صراخ الحصّادين وصل إلى مسامع الربّ. إذًا أجرة العامل لها صوت وهذا الصوت يصل إلى الله، وهذه الأجرة تُدفَع للعامل في آخر النهار وبعد العمل حالاً. وإلاّ نكون قد سرقناه. قد تكون الأمور تبدّلت اليوم، ولكن بعض الناس لا يدفعون للآخرين حقّهم ليستفيدوا هم من فائدة مالهم ولو جاع الآخرون. صراخُ الحصّادين وصل إلى مسامع الربّ القدير. تلك هي الخطوة الأولى في هذا الكلام عن الوصيّة السابعة، لا تسرق.
شدّدنا بشكل خاصّ على سرقة الأشياء، ونستطيع أن نعود إلى هذه السرقة. ولا ننسى أيضًا سرقة الأشخاص التي قال فيها الربّ في سفر التثنية: من سرق إنسانًا من إخوته فجعله عنده أو باعه فليُقتل. وهكذا وجود السارقين ينجِّس الأرض. انزعوا السارق من أرضكم فتصبح أرضَ الربّ. آمين.