لا تزنِ
إذ نقرأ سفرَ الخروج، أطلنا الحديث عن الوصايا،الوصايا العشر: أنا هو الربّ إلهك لا يكن لك إله غيري. فهذه الوصيّة الأولى تُشرف على جميع الوصايا، ولا سيّما تلك التي تتعلّق بحياتنا مع القريب. وكان لنا كلام آخر: أكرم أباك وأمّك ليطول عمرُك في الأرض التي يعطيك الربّ إلهك. لا تقتل. واليوم نتأمّل في الوصيّة السادسة: لا تزنِ.
1 - المبدأ الأساسيّ
»لا تقتُل، لا تسرق، لا تزنِ، لا تشهد شهادة زور على غيرك، لا تشته بيت غيرك، لا تشته امرأة قريبِكَ ولا عبده ولا جاريته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئًا ممّا له«. (خر 20: 14) قرأنا الوصايا، ونتوقّف بشكل خاصّ على الوصيّة السادسة، لا تزنِ.
خُلق الإنسان على صورة الله ومثاله، خُلق الإنسان في الأصل واحدًا قبل أن يصير اثنين. وكان كلامُ القدّيس بولس في الرسالة إلى أفسس حول المقابلة بين الرجل والمرأة من جهة، والمسيح والكنيسة من جهة ثانية. في هذا المناخ تقف الوصيّة القائلة: لا تزن.
في عودة إلى الوراء إلى الفصل الأوّل من سفر التكوين، وبعد أن خلق الله جميع الخلائق التي على الأرض، خلق الكواكب والنجوم، الشمس والقمر، خلق النبات والحيوان. في النهاية قال: لنخلق الإنسان على صورتنا كمثالنا.
وهذا الإنسان، يقول الفصل الثاني من سفر التكوين، إنّه في الأصل واحدٌ، رجل وامرأة، ذكر وأنثى، يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته فيصير الاثنان جسدًا واحدًا.
هذا في العهد القديم في سفر التكوين الفصل الأوّل والفصل الثاني. والقدّيس بولس في رسالته إلى أفسس الفصل 5، سوف يقابل بين الرجل والمرأة من جهة، على مستوى المحبّة وعلى مستوى التضحية، وبين المسيح والكنيسة من جهة ثانية. ينطلق من المسيح والكنيسة فيُسقط على الزواج، على الرجل والمرأة، عظمةَ التضحية من قبل المسيح وعظمة الطاعة من قبل الكنيسة. لا طاعة العبيد ولكن طاعة المشاركة، طاعة العمل الواحد.
2 - ماهية الزنى
وهكذا نصل إلى الوصيّة التي تقول: لا تزنِ، فالزنى في الكتاب المقدّس يعني السلوك الأخلاقيّ السيّئ الذي تعيشه المرأة. سواء كانت متزوّجة أو ما زالت مخطوبة. كما يعني العلاقات الحميمة خارج الزواج بين رجل وامرأة متزوّجة. نلاحظ أوّل ما نلاحظ في العهد القديم أنّ الزنى لا يشير إلاّ إلى المرأة، لا إلى الرجل، والمرأة إذا كانت متزوّجة أو مخطوبة. أمّا إذا كانت المرأة غير متزوّجة، إذا كانت أرملة أو مطلّقة، فلا يُحسب عمل الرجل معها زنًى. وكذلك الرجل الذي يتجامع مع سريّة أو عبدة، لا يُحسب عملُه زنًى. بعبارة أخرى لا تتعدّى المرأة إلاّ على زواجها. إذا كانت متزوّجة تخطأ. أمّا إذا كانت غير متزوّجة فهي لا تخطأ. والرجل لا يخطأ إلاّ إذا تعدّى على زوجة قريبه. وهكذا صارت الوصيّة ترتبط بحقّ القريب. بما أنّ المرأة المتزوّجة هي ملكُ رجلٍ ما، فالزاني يتعدّى على هذا الملك. أمّا إذا لم تكُن المرأة مُلك أحد، فلا ضيْر على هذا الرجل. نلاحظ، أحبّائي، هذا المستوى الدنيء بالنسبة إلى المرأة. المرأة يمتلكُها الرجل كما يمتلك حيوانًا من الحيوانات. وسوف نقرأ في 20: 17، أنّ الإنسان يُمكن أن يشتهي امرأة قريبه وثوره وحماره. أمّا الزنى كزنًى حيث نحترم المرأة كمرأة، الرجل كرجل، فهذا لم يكن حاضرًا في العهد القديم.
المرأة هي ملك الرجل، وحين يزني رجل معها، فهو يُضرُّ صاحب المُلك لا أكثر ولا أقلّ. أمّا في المسيحيّة فالمرأة قيمة بحدّ ذاتها. والمرأة يمكن أن تكون زانية كما الرجل يمكن أن يكون زانيًا. والزنى يكون على مستوى المرأة المتزوّجة والرجل المتزوّج، كما يمكن أن يكون على مستوى المرأة غير المتزوّجة والرجل غير المتزوّج. فالزنى في الواقع هو تعدٍّ على الله. أنا هو الربّ، يقول النصّ. فالربّ هو الذي يعتبر كلّ واحد مقدّسًا، كلّ واحد منّا هو على صورة الله ومثاله.
أمّا إذا تحدّثنا عن امرأة يمتلكها رجُل فنكون على مستوى العادات، في العالم العبرانيّ خاصّة والعالم الشرقيّ عامّةً. المرأة مُلك الرجل، وربّما ما زال الرجل حتّى اليوم يتعامل مع المرأة على هذا الأساس. إن هو زنى لا بأس. أمّا إذا المرأة زنت فتنزل عليها جميع الصواعق. ويمكن أن يتمَّ الطلاق بسبب هذا الزنى.
نلاحظ أنّ المساواة بين الرجل والمرأة بعيدة كلّ البعد في العهد القديم، وبعيدة أيضًا اليوم في حضارتنا الممهورة بالطابع الشرقيّ القديم.
3 - واجب الرجل كواجب المرأة
أمّا القديس بولس فما يقوله واضح. إن كان من واجب على الرجل فهناك واجب على المرأة. وإن كان من حقّ للرجل فهناك حق للمرأة. لهذا لا بدّ أن نترك الوجه الاجتماعيّ الذي يسيطر على تفكيرنا، على علاقاتنا، على تصرّفاتنا، نترُك الوجه الاجتماعيّ ونتعلّق بالبعد الدينيّ. والبعد الدينيّ يذهب بنا أبعد بكثير من مثل هذا الكلام الذي يعتبر الزنى تجارة من التجارات. في الواقع، الزنى خطيئة، يُعاقَب عليها الإنسان. ونقرأ ما في سفر التكوين (20: 3). عندما أخذ الملك جرار أبيمالك، سارة امرأة إبراهيم. يقول النصّ إنّ الله هدّده بالعقاب.
أحسَّ هذا الملك بوخز الضمير عندما أراد أن يزني على سارة. هي ضعيفة، زوجها ضعيف. فليس من يُدافع عنهما. هذا على المستوى البشريّ. أمّا على مستوى الله، فالله يُعاقب الأقوياء ويعرف أن يُدافع عن الضعفاء. وفي خبر يوسف، نتذكّر أنّ يوسف بيع عبدًا لدى شخص في مصر اسمه فوطيفار. تعلّقت امرأة فوطيفار بيوسف، وأرادت أن تزني معه، أمّا هو فما لبّى رغبتها. لم يقل لها فقط: أنت مُلك رجُل اسمه فوطيفار ويمكن أن يقطع رأسي. رُبَّما قال هذا الكلام، ولكنّه لم يتوقّف عنده، لم يتوقّف عند نظرة تعتبر المرأة مُلك الرجل، لكنّه قال: كيف أصنع هذا الشرّ العظيم وأخطأ إلى الله.
رفع يوسف الفكرة إلى مستوًى عالٍ جدٌّا. أنا أخطأ إلى الله، لا شكّ في أنّه قال لها من قبل: إن معلّمي فوطيفار سلّمني كلّ شيء، ولم يمنعني عن شيء إلاّ عنك. هناك احترام أوّل من يوسف تجاه فوطيفار. احترام وأمانة. أمّا يوسف فارتفع أيضًا وقال: كيف أصنع هذا الشرّ العظيم، هذه الخطيئة الكبيرة، وأخطأ إلى الله؟ (تك 39: 9).
هنا نتذكّر أنّ مصر وأوغاريت في شمال اللاذقيّة وبلاد الرافدين أي العراق الحديث، اعتبرت الزنى خطيئة عظيمة يُعاقب صاحبها بالموت المبكّر. وفي أيّ حال ما زالت الأمثال تقول عندنا: بشّر القاتل بالقتل والزاني بخراب الديار.
4 - عودة إلى البدايات
وكانت الخطوة الأولى مع نشيد الخلق الأوّل: في البدء خلق الله السماوات والأرض. وخلق الربّ الرجل والمرأة، على صورة الله خلقهم رجلاً وأنثى، ذكرًا وأنثى، رجلاً وامرأة خلقهم، إذًا المرأة هي على صورة الله، شأنها شأن الرجل، فلماذا تُعامل وكأنّها أدنى منه؟ كلاَّ. بل هي مساوية له. هنا نتذكّر الفصل الثاني من سفر التكوين وخبر أوّل عائلة. إنّها نموذج كلّ عائلة.
قال الربّ: أخلق لآدم ما يوازيه، ما يناسبه. الحيوانات تعينُهُ ولكنّها لا تُناسبُه، ليست على مستواه، أمّا المرأة فعلى مستوى الرجُل، والرجُل على مستوى المرأة. وكما يُحترم الرجل يجب أن تُحترم المرأة. هكذا نفهم في خبر الخلق أنّ المرأة هي بإزاء الرجُل. حقوقها حقوقه، واجباتها واجباته. وعندما يزني الرجل يخرجُ من إطار العائلة، لا يعود هو وامرأته جسدًا واحدًا. أجل خان هذه الوحدة، مزّق هذه الوحدة، قتل هذه الوحدة. أمّا إذا اعتبرنا أنّ الرجل والمرأة ليسا جسدًا واحدًا، بمعنى أنّ الرجل يمكن أن يكون له أربع نساء أو أكثر، فيُصبح الزنى كما قلتُ سابقًا، مسٌّا بحقوق الرجل تُجاه امرأته التي اشتراها كما يشتري أي شيء في العالم.
خطوة أولى مع سفر التكوين 2 حيث المرأة بإزاء الرجل، وحقوقها حقوقه. ولكن الخطوة الأبرز في العهد القديم نجدها في سفر هوشع الذي شَبَّه حُبَّ الله لشعبه بحبِّ الرجل لامرأته. انطلق هوشع من الوحي الذي أُعطي لهُ، فنظر إلى الحبّ البشريّ بين الرجل والمرأة ليصل إلى الحبّ الإلهيّ: حبّ الله لشعبه، حبّ كلِّ واحد منّا. الله هو الواحد وكذلك الإنسان. الله هو الإله الأمين وهكذا يكون الإنسان أمينًا لزواجه.
5 - الأمانة الزوجيّة
الأمانة تميِّز الله، تُميِّز عمل الله حتّى ولو كنّا خائنين له، ويجب أن تُميّز أمانةُ الرجلُ في زواجه. يكون أمينًا لامرأته والمرأة تكون أمينة في زواجها، أمينة لزوجها. وهنا نفهم أنّ الكتاب عندما يطلب من المرأة أن تكون أمينة كما يطلب من الرجل، فهو يجعلها على مستواه. إنّها تستطيع أن تكون أمينة كما الرجل يستطيع أن يكون أمينًا.
لا شكّ في أنّنا نحتاج كلّ الحاجة إلى قدرة الله إلى نعمة الله لكي نحافظ على هذه الأمانة. فالإنسان متقلِّب، وبتقلّبه يمكن أن يكون أمينًا أو خائنًا، سواء كان رجلاً أو امرأة. أمّا الربّ فوحده الأمين، وحده الثابت، ونحن نربط أمانتنا بأمانته،وثباتنا بثباته، ونستند في تقلّبنا إلى ذلك الذي هو إلى أبد الآبدين.
إذا كانت المرأة أمينة لزوجها، والرجل أمينًا لامرأته، يكونان على مثال الله. من هذا القبيل نفهم نبوءة هوشع أنّ الزنى يُشبه عبادة الأوثان. فكما في عبادة الأوثان يخون المؤمن الله ويتعلّق بآلهة وما هي بآلهة، بل هي حجر وخشب ومعدن، من فضّة أو نحاس أو حديد. كذلك من يخون زوجته، من يخون امرأته، من يخون ربَّه، يكون زانيًا. من عبد الأوثان خان الربّ. ومن زنى بغريب خان شريك حياته.
نلاحظ أنّ هذا الانطلاق كان من مستوًى اجتماعيّ دنيءٍ جدٌّا حيث المرأة ملك الرجل، حيث للرجل كلّ الحقوق ولا واجبات عليه. حيث المرأة يمكن أن تعامَل كما يعامَل أيّ شيء. ومع ذلك انطلق الكاتب الملهم لا في صورٍ وجدها ولا من واقع التقى به. كلاّ. انطلق من الوحي، والوحي جعله يقول أقوالاً لا يمكن أن يفكّر بها إنسانٌ من الناس.
6 - بالرغم من الدافع
فكيف يجسر الكاتب أن يقول: الاثنان، يعني الرجل والمرأة، يكونان جسدًا واحدًا، وأمامه داود ونساؤه العديدات. وأمامه سليمان ونساؤه الأكثر من عديدات. كيف يجسُر أن يقول مثل هذا الكلام؟ كيف يجسُر أن يجعل المرأة بإزاء الرجل والرجل بإزاء المرأة، والمرأة حتّى الآن تُعتبر أدنى من الرجل بكثير ولا يمكن أن تكون معه حتّى في قاعة الصلاة في المجمع. هو في مكان وهي في مكان. لا يُمكنها أن تكون بارّة كما هو بارّ. لا يمكن أن تُحاسَب كما يحاسَب الرجل.
ومع ذلك انطلق الكتاب المقدّس من هذا الواقع وشدَّدَ على عظمة المرأة تجاهَ الرجل. ورفع هذه العظَمة، هذه الوحدة بين الرجل والمرأة، فصارت على مستوى الوحدة بين الله وشعبه. الشعب هو العروس والربّ هو العريس. لا شكّ في أنَّ العروس يمكن أن تخون، وهوشع أخذ الصورة من عالم الزنى، من عالم البغاء المكرَّس، في ظلّ المعابد الوثنيّة. أخذ الصورة من مستنقع نجس بشع، ومع ذلك أراد أن يُفهمنا عظمة الأمانة، أراد أن يُفهمنا من أيِّ درك رفع اللهالإنسان. رفعه من عبادة الأوثان، من عادة الزنى، ليصل به إلى مستوًى أعلى. انطلق هوشع من هذا الموقع، وأرانا أنّه هو سيكون أمينًا لامرأته وإن جاء بها من البغاء المكرّس. وإذ خانته بعد ذلك، عاد وأخذها مرّةً ثانية، لأنّ الإنسان يبقى إنسانًا ضعيفًا ويمكن أن يحاسب أخاه أو أخته من منطلق الإنسان. أمّا الله فهو الأمين دائمًا، وهو الذي يعود إلينا، بل يمضي إلينا في عمق خطيئتنا، في عمق شقائنا ليرافقنا إليه.
الخاتمة
ذاك هو كلامنا في القسم الأوّل من الوصيّة، لا تزنِ. توقّفنا عند العهد القديم، ومع ذلك في هذا العهد القديم ارتفعنا بعض الشيء. ولكننّا عندما نصل إلى العهد الجديد مع نظرة يسوع إلى المرأة نرتفع جدٌّا في النظرة إلى الزنى، فلا نبقى فقط على مستوى عملٍ عابرٍ بين رجل وامرأة، نصبح أمام خطيئة كبيرة يقترفها الإنسان. لا إذا زنى بأخته وقريبته وحسب بل وإن نظر إليها نظرة زنًى. آمين.