معرفة الله

 

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

معرفة الله

أحبّائي، نتابع قراءتنا سفر الخروج وما زلنا نتأمّل في الوصايا العشر.

1 - حديث عن الله

أنا الربّ إلهك. ولكنّنا بدأنا في المرّة الماضية وتحدّثنا عن كلام الله: الله يتكلّم ونحن نسمع. هنا نفهم، نحن نسمع صوت الله. فإذا بقينا في حدود السماع، في حدود الطاعة لصوت الله وفي الله؟ كمن يعطي درسًا في الجغرافيا أو في التاريخ. من المؤسف، هناك عظات عديدة من هذا النوع، هناك دروس تعليم مسيحيّ من هذا النوع. نتحدّث عن الله كأنّه علم من العلوم. لا نميّز بين الجغرافيا ودرس التعليم الدينيّ.

هذا يفترض أنّه قبل الحديث عن الله، أن نستعدّ لأن نسمع صوت الله. فتعليمُنا عن المسيح، تعليمنا عن كلام الله، لا يخرج من ذواتنا، لا يخرج من قلوبنا، لا يخرج من عملنا، لكنّه يخرج من كلام الله في قلوبنا. كلمة الله دخلت إلى قلوبنا، حوّلتنا فصرنا نحن بدورنا كلمة الله

يعني الناس تحتاج إلى النور، تحتاج إلى الدفء، تحتاج إلى الحرارة، وكلمة الله هي التي تعطينا الدفء والحرارة والنور، هي التي تشعلنا. فإن أشعلتنا نستطيع أن نشعل الآخرين، فإن كلّمتنا كلمة الله، نستطيع أن نحملها إلى الآخرين، وإلاّ نكون باردين مثل المعادن، مثل الخشب الذي لا حياة فيه ولا حركة.

مهمّ جدٌّا أن نعرف: من قلب كلمة الله نحمل كلمة الله، يعني فمنا هو كبوق يوصل إلى الآخرين كلام الله فمن لم يسمع صوت الله، لا يستطيع أن يتكلّم عن الله. ومن لم يعرف أن يطيع صوت الله، لا يستطيع أن يحدّث الناس عن العمل بمشيئة الله ومن لم يتعوّد الشكر الدائم لله، لا يحقّ له أن يتكلّم عن الله، وإن تكلّم يكن كاذبًا ويتكلّم دون أن يكون شاهدًا، دون أن يختبر، دون أن يرى، أن يلمس، أن يسمع. نتذكّر هنا في سفر العدد حين أراد اثنان أن يقدّما البخّور لله، واعتبرا أنّهما يستطيعان أن يتقرّبا من الله فيقول النصّ، خرجت نار وأحرقتهما.

نحن أمام رمز لا شكّ، فالله نار محرقة، الله نار آكلة. إن لم نستعدّ للاقتراب من هذه النار، فهذه النار تحرقنا. كما قال أحد الآباء: النور إن كان كاذبًا صار نارًا تحرقنا. إذًا الخوف أمام الله يدلّ على أنّنا لم نسمع بعد كلّ السماع لصوت الله، إلاّ إذا كان هذا الخوف، خوف الحبيب من أن يغيظ حبيبه.

2 - نتعلّمه من الله

نعرف أنّ كلماتنا ضعيفة، أنّنا لا نستطيع أن نكلّم الله كما يريد الله أن نتكلّم، لكن الربّ يعرف ضعفنا. ومع ذلك يطلب منّا أن نحمل كلماته إلى الآخرين. نتذكّر هنا القدّيس توما، ذاك العالم اللاهوتيّ الكبير في الكنيسة الكاثوليكيّة في القرون الوسطى. كتب الكتب والمجلّدات عن ا؟، عن اللاهوت، عن الكتاب المقدّس، وعن أمور عديدة، ولمّا سألوه: من أين جئت بكلّ هذه المعرفة؟ أجاب ناظرًا إلى الصليب: هذا هو معلّمي، هذا هو مدرّبي وملهمي.

نعم، الله هو الذي يعلّمنا ويعرف ماذا يحمِّلنا، يحمِّل ضعفنا. كلماته هي نار محرقة. أمّا نحن فيجب أن نحملها، كما فعل إرميا. مع أنّه أراد أكثر من مرّة أن يتهرّب من حمل كلمة الله.

ونتذكّر هنا القدّيس يوحنّا ماري فيانيه، الذي كان كاهن قرية صغيرة قرب ليون في فرنسا اسمها آرس. هذا الكاهن أراد أكثر من مرّة أن يهرب من رعيّته، أن يتهرّب من حمل كلمة الله، أن يتهرّب من توزيع غفران الله على خطأة عديدين. أكثر من مرّة حاول أن يذهب، وأكثر من مرّة أجبِرَ على العودة. الربّ في أعماق قلبه أفهمه أنّه رغم ضعفه ورغم خطيئته، يُطلب منه أن يحمل كلمة الله.

فالربّ هو الذي يأتي إلينا وهو الذي يسند ضعفنا. عند ذاك من خلال تأمّلنا في كلمات نقرأها، نصل إلى شخص حيّ هو حياة حياتنا. لا شكّ لن تكون لنا خبرة مثل إشعيا الذي رأى الربّ في الهيكل أو إرميا أو موسى على جبل سيناء أو إيليّا أو حتّى التلاميذ الذين رافقوا يسوع المسيح كلمة الله. نحن ليست لنا هذه الخبرة الفريدة التي أعطتنا الكتب الملهمة، الكتب المقدّسة. لكنّنا نصل إلى شخص الله، إلى الشخص الحيّ، عندما نقرأ الكتاب المقدّس.

3 - معرفة الله خبرة

ونعود إلى خبرة اختبرها هؤلاء الناس، فنصل لا إلى كلمة نردّدها، نكرّرها، وقد قال فيها بولس الحرف يميت، يقتل. كلاّ بل ننطلق من الكلمة لنصل إلى شخص حيّ هو يسوع المسيح هو حياة حياتنا. هو فينا أكثر ممّا نحن في ذواتنا، لهذا قال أوغسطينس: »أعطني أن أعرف ذاتي وأعطني أن أعرفك«. فالربّ هو في أعماق قلوبنا، وهو يعرفنا أكثر ممّا نعرف ذواتنا. وهو يساعدنا حتّى نعرف ذواتنا.

إذًا الربّ فينا. إن كان إيماننا ضعيفًا فلا نخف، فالربّ يعين ضعف إيماننا. في الواقع، المسيرة إلى الله ليست فقط مسيرة الإيمان، مسيرة الثقة، مسيرة الاتّكال، بل هي أيضًا مسيرة المحبّة. وهنا الفرق بين المؤمن العاديّ والقدّيس. القدّيس يحبّ، ومحبّته تجعله قريبًا من الله. وهذا القرب يجعل الله يعلّمه.

أمّا نحن في الحقيقة فنحبّ الله، ولكنّنا نحبّ معه أمورًا عديدة، فلا يبقى مكان واسع لله. يعني قلبنا كلّه ليس لله، حبّنا لا يبدو طاهرًا كلّ الطهارة، لا يبدو نقيٌّا من كلّ شائبة، ليس منفتحًا كلّ الانفتاح ليسوع المسيح، لله. نحن نشبه الابن الضال، الابنّ الشاطر (لوقا 15). يهمّنا أن نكون مع أبينا، ويهمّنا أيضًا أن نؤمّن الطعام لنا.

نقرأ هذا الفصل الإنجيليّ، لا نفهم ما هي نيّة هذا الابن الذي ابتعد عن أبيه والذي يودّ أن يرجع إليه. هل يريد أن يأكل فقط؟ فقال: كم من الخدم لديهم الخبز وأنا ها هنا أموت جوعًا. أترى عاد هذا الابن إلى أبيه لأنّه يموت جوعًا؟ ألأنّ لا خبز له؟ أم عاد لأنّه أحسّ بالبعد عن أبيه؟ أحسّ أنّ قلبه خسر الحياة الحقيقيّة؟ أراد أن يكون قرب أبيه سواء أكل أو لم يأكل.

4 - الصلاة الربّيّة

في كلّ حال عندما نكون قرب ا؟، فهو يعرف أن يعطينا خبزنا كفاف يومنا. لكنّ هذا الابن هو في حبّه لأبيه، وهذا الحبّ لا يمكن أن يزول سريعًا، وهو الذي عاش في حضن أبيه، في البيت الوالديّ سنوات عديدة، قبل أن يبتعد عن البيت الوالديّ. لكن في الواقع، هناك بعض البحث عن ذاته، بعض البحث عن مصلحته الشخصيّة، بعض البحث عن أموره المادّيّة.

والربّ يسوع علّمنا في صلاة الأبانا أن نترك البحث عن ذاتنا، مصالحنا الشخصيّة، أمورنا المادّيّة، نتركها في المقام الثاني. أوّلاً نطلب أن يتقدّس اسم الربّ. أن يأتي ملكوت الربّ، أن تُعمَل مشيئةُ الربّ. وبعد ذلك نفكّر بالخبز اليوميّ. لهذا قال الكتاب: أحبّ الربّ إلهك بكلّ قلبك وبكلّ نفسك وبكلّ قدرتك. تتردّد لفظة »كلّ« ثلاث مرّات.

لا مكان لغير الله مع الله في قلبنا. كلّ قلبنا هو لله، كلّ نفسنا هي لله. كلّ قدرتنا هي لله. ولكن حبّنا يحتاج إلى نار الله تشعله، إلى نار ذاك الذي اسمه المحبّة، والذي حبّنا يحتاج إلى أن يشعله الربّ، أن يحرّكه الربّ. لهذا عندما يحضر الربّ يقول الكتاب دائمًا إنّه نار. ما هي هذه النار؟ هذه النار لا تحرق قلبنا كلاّ، بل تحرق ما في قلبنا، كلّ ما يُزغل قلبنا، يجعل فيه الزغل، يجعل فيه الوسخ. النار لا تحرق الإنسان أبدًا، فالربّ خلقه للأبديّة. ولكنّها تحرق كلّ ما يشوّه هذا الإنسان. كلّ الوسخ الذي في الإنسان.

الحبّ يشبه البوتقة التي نجعل فيها الحديد. فهذه البوتقة تنقّي الحديد من كلّ ما يشوبه من تراب وغيره. وكذلك النار التي تأتي إلينا، إنّما تأتي لكيّ تنقّينا، لكي تقدّسنا، لكي تجعلنا نحبّ الربّ بكلّ قلبنا وبكلّ نفسنا وبكلّ قدرتنا. وفي أيّ حال، حبّنا لم يكن دومًا الأوّل. الربّ أحبّنا ويحبّنا مع أنّنا خطأة. هو لا ينظر إلى خطيئتنا، لا ينظر إلى ضعفنا، لا ينظر إلى إمكانيّتنا المحدودة، بل ينظر إلينا، كما ينظر الحبيب إلى حبيبه ويجعل نفسه على مستوى حبيبه.

5 - الربّ أمين رغم ضعفنا

حدّث الربّ موسى قال: »أنا هو الربّ إلهك«. تلك هي الوصيّة الأولى. »أنا هو الربّ إلهك«. هذا الإله يريد أن يكون المالك في القلوب. ولكن الشعب أخطأ. ترك هذا الربّ إلهَه، وعبد العجل الذهبيّ. ومع ذلك حين عاد عن خطيئته، قال الربّ لهذا الشعب من خلال موسى: »أنا هو الربّ إلهك«. نعيد الطريق من جديد. نبدأ من جديد. فالخطيئة لا تقطع مسيرتنا إلى الربّ.

ولكن حين يغفر الربّ، يبدو وكأنّه يبدأ المسيرة من جديد. يُمسك بيدنا من جديد. ونتذكّر هنا قول هوشع النبيّ: حينئذٍ تدعونني إلهي وأنا أدعوكم شعبي. هذا هو معنى: أنا هو الربّ إلهك. الربّ هو إلهنا. هذا لا يعني أنّه في خدمتنا. بالأحرى هو هنا كالأب مع أولاده. ولكن هذه »الكاف« تدلّ على انتمائنا إلى ا؟. نحن خاصّة الله. نحن مُلك الله.

نتذكّر هنا نشيد الأناشيد حيث العروس تدلّ على الشعب وعلى كلّ نفس مؤمنة، والعريس يدلّ على الله. تقول العروس: »أنا لحبيبي وحبيبي لي«. يعني أنا لله والله لي. وهنا نفهم هذه العلاقة وما يسمّى العهد، العهد بين شابّ وفتاة، بين عريس وعروس، بين زوج زوجة: أنا لحبيبي وحبيبي لي. والربّ يعاملنا على المستوى نفسه. أنا هو الربّ إلهك، يعني أنا لك، هل أنت لي؟ أنا حاضر في حياتك، هل أنت حاضر معي؟ هل أنت مستعدّ أن تمشي معي، أن تسير معي؟

مسيرة يسوع، أحبّائي، ليست نزهة بين الزهور والورود. مسيرة يسوع تقودنا إلى الصليب، تقودنا إلى الموت. ولكنّ الصليب لا ينتهي بالصليب بل بالمجد، والموت لا ينتهي بالموت بل القيامة. ويتابع الربّ بلسان إرميا ويقول: »أجعل شريعتي في ضمائرهم، أكتبها على قلوبهم، أكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا«. الربّ حين يطلب منّا أن نكون له، يعرف ضعفنا، يعرف خطيئتنا، يعرف محدوديّتنا.

6 - شريعتُه في قلوبنا

أعطانا الشريعة على الحجر، أعطانا الكلمة على الورق. هي لا تكفي، فتبقى خارجة عنّا. الشريعة تبقى خارجة، والكلمة تبقى خارجة. يجب أن تتجسّد الشريعة في ضمائرنا، أن تتجسّد كلمةُ الله في قلوبنا. وهذا ما يفعله الله بنفسه. الشريعة طلبت من الإنسان أن يفعل، نبّهته إلى الخطيئة، ولكنّها خلقت عنده عقدة ذنب، عقدة خطيئة. أحسّ الإنسان نفسه مليئًا بالخطيئة، غارقًا في الخطيئة، مغموسًا في الخطيئة.

ولكنّ الربّ بدّل الأمور، بدّل حياتنا، بدّل ضمائرنا، خلق قلوبنا من جديد على ما يقول المزمور 51: ارحمني يا ألله، قلبًا نقيٌّا اخلق فيّ يا الله، وروحًا جديدًا اجعل في أحشائي. وهنا الربّ بنفسه جعل شريعته في ضمائرنا. لم يكتبها على الحجر ولا على الورق بل في ضمائرنا، في أعماق قلوبنا. كتبها على قلوبنا.

وحين تصبح الشريعة جزءًا منّا، والكلمة في أعماق قلوبنا، عندئذ نقول للربّ: نحن شعبك وأنت إلهنا. فالكلام: أنا هو الربّ إلهك، يعني أمانة متبادلة بين الله وبين شعبه. الربّ هو الإله الأمين. هذا ما لا شكّ فيه. هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. هو هو لا يتبدّل. فإن تبدّل شعبه، فهو لا يتراجع. وإن تراجع كلّ واحد منّا، هو لا ينسى ضعفنا، حين نخطئ، حين نبتعد عنه. وهو ينتظرنا كما انتظر الأب ابنه الضالّ، ابنه البعيد.

أنا هو الربّ إلهك، يعني أنا هنا. هل أنت هنا؟ أنا لك، هل أنت لي؟ ذاك هو الكلام الذي يرسله الله إلى كلّ واحد منّا. بعد أن يبدّل حياتنا بعد أن يبدّل قلوبنا، بعد أن يجعلنا أشخاصًا جددًا، بعد كلّ خطيئة، الله يخلقنا من جديد. بعد كلّ بُعد، يجعلنا أقرباء له وأصدقاء وأحبّاء.

هذا ما قاله لنا يسوع في إنجيله: »لا أدعوكم بعدُ عبيدًا«. كنتم في الخطيئة، كنتم عبيدًا للخطيئة، لا أدعوكم عبيدًا، بدّلت أسماءكم. لا أدعوكم عبيدًا، بل أنتم أصدقائي، أنتم أحبّائي، لأنّي أخبرتكم بكلّ ما قاله لي أبي. أدخلتكم في سرّي، أدخلتكم في قلبي، لن تعودوا في الخارج، صرتم من الداخل. لن تعودوا غرباء بل أقرباء. لن تعودوا خارج الدار بل في قلب الدار، في قلب الثالوث الأقدس.

هذه أكبر نعمة نعرفها: نحن المؤمنون حاضرون في قلب الثالوث الأقدس، كأنّ الثالوث الأقدس أراد أن يكبّر عائلته فأدخل كلّ واحد منّا. ولا يُدخلنا غصبًا عنّا، بل يدخلنا بملء إرادتنا. أنا هو الربّ إلهك. فإن قلنا له: نحن شعبك. اتّخذنا شعبًا له. وإن قلت له: أنا لك يا ربّ. حياتي هي حياتك، قوّتي قوّتك، نعمتي نعمتك، كلّ ما لي هو لك إن قلنا له ذلك، عندئذ ندخل في عائلة الثالوث، فيكون حقٌّا الربُّ إلهَنا ونحن نكون شعبَه. آمين

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM