الأبرار وخصومهم

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

الأبرار وخصومهم

مزمور 35

1 - المقدّمة

أحبّائي، نحن دومًا في صلاة المزامير، كم يجب أن نتعلّم هذه الصلاة، نكرّر الكلمات التي نقرأها حتّى تدخل في حياتنا.

عظامنا تقول: من مثلك أيّها الربّ! من أعماق قلوبنا نردّد هذه الكلمات التي ردّدها المؤمنون قبلنا بالملايين، بالمليارات. نردّدها نحن، فندخل في صلاة شعب الله في كلّ جيل وفي كلّ عصر. كلّ الشعوب تعرف أن تصلّي، ونحن ندخل معها في هذه الصلاة.

قرأنا في المرّة الماضية القسم الأوّل من المزمور 35 نعيد قراءته قبل أن نتابع التأمّل في نهاية المزمور.

مزمور 35 آية 1 خاصم يا ربّ... البائسين.

في 1 - 10، رأينا كيف أنّ المرتّل يصف الحالة الصعبة التي هو فيها: إنسان، ضحيّة الاضطهاد، مع أنّه بريء. هم يطاردونه بلا سبب، فيدعو الربّ إلى أن يتدخّل ويدعوه على الأعداء، يدعوه إلى أن يحمل السلاح كما يفعل الجنديّ حين يدافع عن بلاده، عن الضعفاء، عن المساكين، عن المضطهَدين.

هذا هو القسم الأوّل من المزمور 35.

في القسم الثاني نقرأ الآن. نرى المرتّل يبيّن الحالة التي يعيش فيها، ووجودَ شهود الزور. ولكن الله يسهر على محبّيه، فينتهي محبّوه بنشيد الشكر، بذبيحة الشكر.

إذًا، أحبّائي، نتابع قراءة المزمور 35 من 11 إلى 18.

يقوم أعدائي... عظيم، أُهلِّلُ لك.

2 - ما فعل المؤمن وما هم فعلوا

وكما قلنا يبيّن هذا المرتّل ما فعله للآخرين وكيف تعاملوا معه ساعة سقط، ساعة أُبعد عن منصبه.

آية 11: يقوم أعدائي ويسألونني بحماسة عمّا لا أعلم.

الأعداء هم القضاة الأقوياء. يسألونني عمّا لا أعلم، يتّهمونني تهمة باطلة. هكذا اتّهمت الملكة إيزابيل زوجة الملك أخاب، هكذا اتّهمت نابوت اليزراعيلي. قالت عنه: جدّف على الله وعلى الملك، وهو لا يعلم. وهذا البريء يسألونه عمّا لا يعلم، يريدون أن يُلصقوا به التهمة مهما فعل. لهذا يقول: يسألونني بحماسة باندفاع، يريدون أن يجبروني حتّى أقول الشرّ الذي لم أفعله.

وهذا ما نجده اليوم في كلّ هذه البلدان التي تسيطر عليها الديكتاتوريّة، الحكم الواحد، الذي يريد أن يسكت كلّ فم لا يبوّق، لا يمتدح، لا ينشد ما يفعله الرئيس، فلو أراد أن يكون صادقًا مع نفسه لأنشد عكس ما يطلب منه، لأنشد الظلم، لأنشد القتل، لأنشد الحقد، لأنشد إذلال الإنسان.

هم هنا، لأنّهم يريدون أن يجعلوني أقول شرٌّا لم أفعله. يجعلونني لا أفهم، ومع ذلك يجبرونني علىذلك.

آية 12: يجازوني عن الخير شرٌّا.

قلنا في المزمور 34 إنّ الصدّيق يردّ على الشرّ بالخير. أمّا الخاطئ، أمّا هؤلاء القضاة، هؤلاء الشهود، شهود الزور، فيجازونني عن الخير شرٌّا. فمنهم يا ويح نفسي. يعني صرتُ وحدي، ويل لي. كلّهم عليّ وأنا وحدي ولكنّه ليس وحده. فالربّ معه. وكما قال أليشع لجيحزي خادمه: الذين معنا هم أكثر عددًا من الذين يأتون علينا.

ويبيّن المرتّل في آية 13 كيف تصرّف هو، وكيف تصرّفوا هم.

كيف تصرّف هو (آية 13).

3 - المسح والصوم والصلاة

وأنا عندما مرضوا، كان لباسي مسحًا وأنهكت بالصوم نفسي فكانت صلاتي ترجع إلى حضني.

عندما مرضوا. فالمرض علامة عقاب من الربّ على الشرّ الذي يمكن أن يفعله الإنسان، هكذا كانوا يفكّرون في القديم. وفي أيّ حال ما زال عدد من الناس يفكّرون كذلك. المرض الموت المبكّر الفشل يعيدونه إلى الربّ، الربّ هو الذي يعاقب الخطأة المذنبين. ولكن هذا المرتّل عندما رآهم في المرض، قام بثلاثة أعمال كأنّه يطلب من الربّ أن يغفر لهم خطاياهم. هم ما أرادوا أن يتوبوا فتاب المرتّل عنهم في ثلاثة أعمال.

أوّلاً: لبس المسح، والمسح علامة الحزن وعلامة التوبة، والمسح هو قماش خشن يجعله المؤمن على جسده لئلاّ يحسّ بطراوة اللباس سواء كان من القرمز أو الأرجوان أو غيره من القماش النحيف الرقيق الذي يدلّ على الرخاء.

أوّل عمل، لبس المسح مثل إنسان تائب، خاطئ.

ثاني عمل، قام بالصوم وليس صومًا عابرًا. كان العبرانيّون يصومون يومًا واحدًا. وهو قال: أنهكتُ بالصوم نفسي. يعني صمت أكثر من يوم، بل ربّما أكثر من شهر ظللت صائمًا حتّى يُنعم الربّ عليهم بالتوبة بالغفران.

اللباس لباس المسح، الصوم الطويل. والعمل الثالث الصلاة. الصلاة من أجلهم فكانت صلاتي ترجع إلى حضني، ترجع إليّ. كأنّ الربّ يريد أن يقول لي: أنا استجبت لك، ولكنّ استجابتي لك لا تذهب إليهم بل تعود إليك. البركة التي طلبتَها من أجل الذين يضطهدونك، لم أعطهم إيّاها بل أعطيك إيّاها أنت.

إذًا استجاب الربّ لما فعل هذا المؤمن حين لبس المسح، حين صام، حين صلّى، ولكنّ البركة لم تصل إلى من يصلّي له بل وصلت إلى المصلّي نفسه.

لباسي مسحٌ. أنهكت بالصوم نفسي. وكانت صلاتي ترجع إلى حضني. ثلاثة من أعمال التوبة، من أعمال التوسّل والتضرّع مارسها هذا المرتّل من أجل الذين أرادوا أن يجازوه عن الخير شرٌّا.

أنا عندما مرضوا فعلت ما فعلت من أعمال توبة.

4 - هم أعدائي وأنا صديق لهم

آية 14: كصديق بل كأخ سلكتُ معهم.

هم كانوا أعدائي أنا كنت الصديق لهم الصادق معهم. بل كأخ سلكتُ معهم. ليس فقط كصديق يأتي من بعيد، بل كأخ من أمٍّ واحدة، من رحم واحد. بل كأخ سلكت معهم، فما أردت أن يميّزني شيء عنهم. كنت بقربهم خصوصًا وقت الشدّة وقت المرض وقت الألم، المرض خصوصًا. نقرأ في آية 13 وأنا عندما مرضوا، والمرض الكبير هو ما يقود إلى الموت.

كصديق بل كأخ سلكت معهم، وكأمّ في الحداد انحنيت حزنًا.

عندما يموت ولد تبكي الأمّ، تلبس الحداد، اللون الأسود. عندئذ تحزن كثيرًا، وبسبب هذا الحزن ينحني ظهرها، تصبح كأنّها صارت عجوزًا.

هكذا عامل المرتّل أعداءه الذين أرادوا له شرٌّا، الذين أرادوا أن يوقعوه في فخاخهم، أمّا أنا (آية 15). فهكذا عاملتهم. سنرى كيف هم عاملوني. ولهذا يجب على الربّ أن يعوّض المعاملة السيّئة التي يمكن أن يعملوها.

آية 15: زللتُ فشمتوا وتجمّعوا عليّ، تجمّعوا شامتين ولم يتركوني.

زللت ومن لا يزلّ؟ كلّنا يمكن أن نزلّ. فبدلاً من أن يأتوا لمساعدتي، شمتوا بي. كان يقول الكتاب: إذا وقع حمار عدوّك أو ثور عدوّك فلا تعبُرْ به دون أن تساعده. وهنا زلّ أخونا، أترى لا نساعده؟ أنفضّل عليه الحمار والثور؟ هل ننسى أنّه على صورة ا؟ ومثاله؟

أمّا الشماتة فتدلّ على البغض، على الحقد، على الانغلاق على الذات، على الأنانيّة.

زللت فشمتوا وتجمّعوا عليّ، تجمّعوا شامتين ولم يتركوني، تجمّعوا لا ليساعدوني بل ليفرحوا، لأنّهم رأوني أسقط في الفخّ. فخّ نصبوه هم، أم نصبه آخرون لا فرق بين الاثنين، فهم في الحالتين يشمتون به. ونلاحظ كلمة شمت في القسمين من آية 15.

5 - زللتُ فشمتوا

زللتُ فشمتوا. تجمّعوا شامتين. تجمّعوا عليّ، تجمّعوا شامتين ولم يتركوني.

إذًا في هذه الحالة الصعبة كان المرتّل يتمنّى أن يتركوه وشأنه، أن يبتعدوا عنه، أن لا يزيدوا ألمه ألمًا. كلاّ، تجمّعوا عليه ليشمتوا به ليروا إلى أيّة حالة سقط.

ويتابع: ونكأوا جراجي ولم يكفّوا في عقوقهم. هزئوا بي وصرّوا أسنانهم عليّ. إذًا ما داووا جراحي، بل نكأوا جراحي، بل زادوا على جراحي جراحًا. نكأوا جراحي ولم يكفّوا. ولم يكن عملهم عملاً عابرًا بل عملاً دام طويلاً. لم يكفّوا لم يتوقّفوا عن زيادة ألمي ألمًا.

آية 16: في عقوقهم هزئوا بي وصرّوا أسنانهم عليّ.

العقوق، عدم عرفان الجميل. هزئوا بي. لو عرفوا الجميل الذي قمت به، لو عرفوا جميل الربّ الذي ما زال يباركنا، لكان تغيّر موقفهم. لكن هناك يقول: شمتوا. وهنا: هزئوا، شمتوا لأنّهم اعتبروا نفوسهم أبرارًا أمام الذي سقط. وهنا هزئوا لأنّ نفوسهم خسيسة. لم يروا الخير الذي فعلته لهم، بل توقّفوا عند ما يمكن أن يكون من شرّ. وجب عليهم أن يشكروا، فإذا هم يهزأون، يصرّون أسنانهم عليّ.

ذاك كان موقف أعداء يسوع خلال محاكمته: صرّوا أسنانهم عليّ. يعني عندما يجدّف الإنسان، يصرّ المؤمنون عليه أسنانهم. ويقولون: هو يستحقّ كلّ عقاب وحين يصرّ القضاة أسنانهم على إنسان من الناس، يعرف هذا الإنسان أنّ حياته انتهت. في عقوقهم هزئوا بي وصرّوا أسنانهم عليّ.

يا ربّ إلى متى تنظر ولا تستردّ من شرورهم نفسي، ومن هؤلاء الكافرين حياتي. لا سبيل للخلاص من البشر أبدًا، والربّ يتأخّر ليحرّك فينا الإيمان. صارت نفسي بين أيديهم، ماذا ينتظر الربّ؟ ماذا ينتظر ليفعل؟ استردّ نفسي؟ استردّ حياتي؟ صارت في قبضتهم؟ عند ذلك أحمدك في الجموع الكبيرة وفي شعب عظيم أهلّل لك.

طلب المؤمن، فتأكّد أنّ الخلاص آتٍ. لهذا قال: أحمدك في الجموع الكبيرة، وفي شعب عظيم أهلّل لك.

نعم يا ربّ أنت هنا. تعلّمنا أن نردّ على الشرّ بالخير ولو جازانا الآخرون على الخير شرٌّا.

قد نطلب منك أن تنجّينا منهم، ولكنّنا في النهاية ننتظر خلاصنا منك. فما أجمل خلاصًا تقدِّمه لنا. عندئذٍ نحمدك في الجموع الكبيرة وفي شعب عظيم نهلّل لك. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM