الربّ يدافع عن الأبرياء

الربّ يدافع عن الأبرياء

مزمور35

1 - توسّل وتسوّل

أحبّائي، نقرأ اليوم المزمور 35. العنوان الربّ يدافع عن الأبرياء. مهمّ جدٌّا كيف أنّ المزامير تشدّد دومًا على أنّ المسكين، على أنّ البائس، على أنّ الفقير هو بريء وأنّ القويّ يتعدّى عليه، يتعدّى عليه باللسان، يشهد عليه زورًا، والقاضي يرتشي فيجعله يدفع، يدفع الثمن غاليًا. وفي أيّ حال هذا البريء ليس له من يدافع عنه سوى الربّ، الربّ وحده هو من يدافع عنه وهكذا نبدأ فنقرأ المزمور 35 لداود.

خاصم يا ربّ... الأقوى منهم.

هكذا قرأنا المزمور 35 من آ 1 حتّى 10.

هذا المزمور هو مزمور توسّل، مزمور طلب، مزمور دعاء. والتوسّل يرتبط بالتسوّل. المتسوّل، الشحّاذ، يطرق بابنا، يمدّ يده، يسأل منّا صدقة.

هذا على المستوى البشريّ وقد يكون صديق يطلب من صديقه، يتوسّل إليه ويلحّ، والربّ ذاته أخذ هذه الصورة وجعلها في العلاقة بيننا وبينه: من يسأل ينَلْ، من يطلب يجد، من يقرع يفتح له.

الربّ يريدنا أن نتوسّل، يريدنا أن نتسوّل، أن نقف عند بابه كما كان يقف العبرانيّون عند باب خيمة الاجتماع ينتظرون جوابًا من الربّ بفم موسى.

ولكن في حياتنا سوف نجد أنّنا لسنا فقط نحن من يتوسّل، فالربّ يتوسّل إلينا، كما الأمّ تتوسّل إلى ابنها لكي يسير في الطريق الواجب السير فيه. ويقول لنا في سفر الرؤيا أنّ المسيح هو من يقف على الباب. يدقّ كالشحّاذ يطلب منّا.

2 - لماذا نتوسّل

ولكن في هذا المزمور، نحن من يتوسّل، نحن من يرفع صلاتنا إلى الربّ. نرفع أيدينا، نمدّ يدنا كالشحّاذ. ولماذا يتوسّل هذا المؤمن؟ يتوسّل إلى الربّ ليخلّصه من دعوى تقام عليه زورًا. الكذب يلعب دوره. يأتي الشهود ويكذبون. واليوم كما في الماضي، لم تتبدّل الأمور. بحفنة من المال يشهد الناس الزور خصوصًا على الضعيف، على المسكين، على الفقير، على من ليس له من يدافع عنه. وليس فقط الشهود. هناك أيضًا القاضي الذي أيضًا يرتشي لآخر، بواسطة أو بواسطة.

وفي أيّ حال، البريء والمسكين هو من يدفع الثمن. وهذا الاضطهاد الذي يتبع الحكم القاسي، يدفعه إلى أن يصرخ إلى الربّ صرخة الثقة بخلاص الربّ. على مثال سوسنّة التي يخبرنا عنها دانيال. شاهدا زور، شيخان جليلان، قاضيان في شعب إسرائيل، اتّهماها زورًا. لماذالله لأنّهما أرادا الشرّ بها، أرادا الزنى. الفائدة، المصلحة الشخصيّة بكلّ أنواعها، تجعل القاضي يرتشي والشاهد يُشرى، والبريء يدفع الثمن من كرامته، من ماله، من صحّته، من عياله.

وها هو المؤمن يتوجّه إلى الله ويحدّثه، حديث الحرب. لا يقول المؤمن ما هي هذه الدعوى في التفصيل، بل يدعو الربّ إلى أن يحارب. وفي أيّ حال يعرف الحالة التي يعيش فيها صفيّه. خاصمْ يا ربّ من يخاصمني، وقاتل الذين يقاتلونني.

3 - حرب على المؤمن

نحن أمام صوَر، فالربّ ليس على مستوى الإنسان لكي يخاصم هذا الذي يشهد زورًا على البريء. الله يقول: أنا إله لا إنسان. ولكن خصومة الربّ وقتال الربّ يكونان على مستوى الضمير: يحرّكان ضمير الشاهد بالزور، يحرّكان ضمير القاضي بالرشوة. خاصم يا ربّ من يخاصمني. تعال ورافع عنّي أنت. أنت أعظم محامٍ، أنت أعظم من يقاتل، تجاهي أقوياء وأنا ضعيف، ولكنّك أنت يا ربّ أقوى من الأقوياء ونصير الضعفاء.

ونتابع كلام الحرب: أمسِكْ ترسًا ودرعًا. كان يقال: كن جنديٌّا يدافع عنّي أمسك ترسًا ودرعًا، وقُمْ إلى نجدتي. برمحك صُدَّ من يطاردني، وقل لي: أنا خلاصك.

الترس، الدرع. ثمّ الحرب، الخصومة، القتال، والمطاردة، مع كلمتين مهمّتين: النجدة في الحرب. عندما يضعف الجنديّ ويرى نفسه محاطًا بالأعداء يطلب النجدة. عندما يحيط به الخطر، يطلب النجدة. حينئذ يتمّ له الخلاص.

قل لي أنا خلاصك.

نلاحظ هذه الصور الحربيّة من خصومة وقتال ومطاردة، من ترس ودرع ورمح. كلّ هذا يتلخّص بالنسبة إلى المؤمن بكلام الله. الله يقول وقوله فاعل. يكفي أن يقول الله: أنا هنا، أنا هو، أنا خلاصك، لكي تعود الثقة إلى قلب المؤمن. أنا خلاصك يعني أنا هنا، أنا هو الذي يخلّصك.

قال لموسى: أنا هو الذي هو. أنا حاضر. أنا أفعل. وهنا فعله فعل خلاص. يكفي أن يحضر الله ويقول أنا الخلاص حتّى يتبدّل كلّ شيء.

في الآية 3 قل لي أنا خلاصك.

في الآية 4 كانت النتيجة.

3 - وخلاص له من عند الربّ

الخزي والهوان لمن يطلب حياتي، والهزيمة والخجل لمن ينوي لي شرٌّا.

إذًا تأكّد المرتّل أنّ الخزي، أنّ الهوان، أنّ الهزيمة، أنّ الخجل، كلّ هذا ينتظر ذاك الذي يريد أن يخاصم المؤمن، ذاك الذي يطلب حياة المؤمن، ذاك الذي ينوي له شرٌّا.

ثقة عظيمة، اتّكال كبير. يا ليتنا نتحلّى بهذه الثقة وبهذا الاتّكال. يكفي أن يتأكّد المؤمن أنّ الله هو خلاصه، لكي لا يهتمّ أبدًا للأعداء مهما كثروا.

ماذا يكون مصير هؤلاء الأعداء؟

يكونون كالتبن في وجه الريح، كالقشّ في وجه الريح، تأخذهم الريح كما تشاء.

حين يدحرهم ملاك الربّ.

إذًا الربّ يرسل ملاكه، الربّ يكون حاضرًا بقدرته، والملاك يدلّ على حضور الله، على قدرة الله، على عمل الله

يكونون كالتبن، ويكون طريقهم مظلمًا، زلقًا، حين يطردهم ملاك الربّ. الربّ هو النور ولكن حين يُطرَدون يصبحون في الظلمة، وحده البارّ يسير في نور الربّ. وليكن طريقهم مظلمًا، زلقًا، يعني يزحطون عليه. ليس آمنًا، ليس ثابتًا، لا يستطيعون أن يقفوا، وبالأحرى لا يستطيعون أن يمشوا حين يطردهم ملاك الربّ. ملاك الربّ هو الذي يفعل.

دائمًا، أحبّائي، في العهد القديم، لا يريدون أن يقولوا الربّ هو يفعل مباشرة. هناك مسافة بين الله والإنسان. لهذا حين يريد المؤمن أن يشدّد على هذه المسافة لا يقول الربّ، بل ملاك الربّ.

هنا في آية 5: حين يدحرهم ملاك الربّ.

آية 6: حين يطردهم ملاك الربّ.

لدينا كلمتان تتشابهان: يدحرهم، يجعلهم يهربون، يطردهم، لا يبقى لهم مكان أمام المتّقين للربّ.

ملاك الربّ يفعل كما نقول: يدحرهم الربّ، يطردهم الربّ. الربّ هو الذي يفعل، وقد صار قريبًا منّا جدٌّا في شخص ابنه يسوع المسيح. ويتابع المرتّل توسّله:

4 - لأنّه بريء

أوّلاً، دعا الربّ إلى نجدته، إلى خلاصه. وما إن سمع كلام الربّ أنا خلاصك حتّى اعتبر أنّ الأعداء انتهوا، اندحروا، طُردوا، نالهم الخزيُ والخجل والهوان، نالتهم الهزيمة، واختفوا كالتبن في وجه الريح، لم يعودوا في طريق النور، صاروا في طريق الظلمة.

والآن يريد المرتّل أن يقول إنّه بريء. لا شيء له يدافع به عن نفسه سوى براءته. أنا بريء، أنا لم أفعل شيئًا. وإذا كنت فعلت شيئًا فلا أريد من الإنسان أن يعاقبني بل أن تعاقبني أنت، أنت يا من تعرف الخفايا، أنت يا من تعرف أعماق القلوب، أنت يا من تعرف شعور الإنسان.

كما نقول: يعرف الله قلب الإنسان وكليتيه، يعرف إرادته، عقله، فكره، عواطفه.

آية 7: بلا سبب أخفوا لي شركًا، وبلا سبب حفروا حفرة لي.

هنا تأتي الصور، وكأنّ هؤلاء الأقوياء يحاربون وحشًا من وحوش الصحراء. كانوا يضعون الشرك أو الفخّ حتّى يسقط فيه الحيوان المفترس.

فمن أنا، أنا الضعيف حتّى يضعوا لي فخٌّا.

أخفوا لي شركًا بلا سبب، لم أكن خاطئًا، لم أكن مخطئًا، لم أكن مذنبًا.

وبلا سبب حفروا حفرة لي.

إذا أرادوا أن يوقعوا حيوانًا، يحفرون حفرة ويطمرونها ببعض القشّ، فيأتي الحيوان وينزل في الحفرة ولا يستطيع بعدُ أن يخرج منها. صوَرٌ من عالم الصيد في الصحاري أو في البراري أو في الأحراج. يُجبرون الحيوان على أن يقع في الحفرة.

لا يقول الكاتب ما هو هذا الشرك الذي أخفوه له، ولا نوع هذه الحفرة. في أيّ حال، هم يريدون أن يسيئوا إليه، أن يوقعوه في حبائلهم.

5 - حفروا حفرة فسقطوا فيها

ولكن الربّ كما قلنا يحوّل الشرّ إلى خير. ونقرأ آية 8: يأتيهم الشرّ وهم لا يعرفون، ويصطادهم الشرك الذي أخفوه، وفي الحفرة نفسها يسقطون.

في آية 4 قال: نووا لي الشرّ، أرادوا لي أنا الشرّ. فكان الجواب في آية 8: يأتيهم الشرّ. أرادوا لي الشرّ فارتدّ عليهم الشرّ وهم لا يعرفون. ونتذكّر حين أراد الجيش الأراميّ أن يمسك أليشع. اقتادهم أليشع إلى قلب مدينة السامرة، اقتادهم إلى ما يمكن أن يموتوا فيه. وقد أراد في الواقع ملك السامرة، أن يقتل هؤلاء الأسرى الذين اقتادهم أليشع. وهم لا يعرفون إلى أين يذهبون، صاروا كالعميان، ما عادوا يعرفون الطريق التي يجب أن يسلكوها.

يأتيهم الشرّ وهم لا يعرفون، يحسبون أنّهم يطلبون الشرّ على هذا البريء فإذا الشرّ يأتي عليهم. وتعود الصورة: ويصطادهم الشركُ الذي أخفوه.

في آية 7 يقول: أخفوا لي شركًا بلا سبب. ولكنّ الربّ يبدّل الأمور. هذا الشرك الذي أخفوه هم سقطوا فيه، هذا الشرك اصطادهم كما يصطاد وحشًا في البرّيّة.

والصورة الثالثة بعد الشرّ والشرك هناك الحفرة.

وفي الحفرة نفسها يسقطون.

كما يقول المثل: من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها. وهم حفروا حفرة لهذا البريء فإذا هم يسقطون في هذه الحفرة التي أعدّوها للآخرين. فإذا هم يسقطون فيها.

6 - فابتهج المؤمن بالخلاص

هذا ما تجده مرارًا في حياتنا اليوميّة، ولا يكتشف نعمة الربّ وحضوره وعمله إلاّ من امتلأ قلبه إيمانًا.

خاف المرتّل، خاف المؤمن من الشرّ، من الشرك، من الحفرة، ولكنّه رأى ماذا يفعل الربّ، يأتيهم الشرّ، يصطادهم الشرك، يسقطون في الحفرة، هذا ما رآه أو بالأحرى تأمّله، انتظره.

لم يعد هناك من أعداء. سقطوا كلّهم كما يسقط الجنود في الحرب. فماذا كانت ردّة الفعل عند هذا المؤمن؟

آية 9: أمّا أنا فأبتهج بالربّ، وأنشرح لأنّه خلّصني.

لم يعد هناك من أعداء بعد أن سقطوا في الحفرة، سقطوا في الفخّ الذي نصبوه.

لا يبقى للمؤمن إلاّ أن يبتهج، إلاّ أن ينشرح من أجل الخلاص الذي ناله. في آية 3 أنشد: قل لي أنا خلاصك. وهذا الذي قال أنا خلاصك، هو الذي يخلّص. في هذه الحالة لا يبقى سوى نشيد الشكر، نشيد الفرح، نشيد البهجة. كان قلبي مضايَقًا فانشرح. كان الحزن مسيطرًا عليّ. فحلّ محلّه الفرح.

وينتهي المرتّل: عظامي جميعها تقول من مثلك أيّها الربّ، ينقذ المساكين البائسين. عظامي يعني أعمق ما فيّ. ليس فقط خارجيٌّا، لكن داخليٌّا جدٌّا أقول: من مثلك أيّها الربّ. عادة الأقوياء في هذا العالم هم مع الأقوياء، أمّا الربّ فهو مع المساكين مع البائسين.

نعم يا ربّ، تلك هي حالة المؤمن. يحيط به الشرّ وليس له إلاّ أنت. يكفي أن تقول له: أنا خلاصك ليشعر بهذا الخلاص العظيم الذي ناله، الذي يمكن أن يناله كلّ واحد منّا. يكفي أن يجعل ثقته بالربّ فيبقى له أن يقول: أبتهج بالربّ وأنشرح لأنّه خلّصني. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM