ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

 

ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ

مزمور 34

1 - مقدّمة المزمور

أحبّائي، نتابع قراءَتنا للمزامير أسبوعًا بعد أسبوع. واليوم المزمور 34  في قسمه الثاني مع عنوان: ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ. أمّا مقدّمة هذا المزمور فتقول: لداود. عندما تظاهر بالجنون أمام أبيمالك فطرده.

لداود أوّلاً. المزامير تعتبر، أو تنسب إلى داود. لأنّ داود يبدو أنّه أوّل، هو أو الذين حوله، هو أوّل من قدّم هذا النوع من الصلوات.

والمزامير التي ألّفها هذا وذاك من المؤمنين، من الشعراء، من المصلّين، وُضعت أمامها مقدّمات صغيرة. مثلاً هنا: عندما تظاهر بالجنون أمام أبيمالك فطرده. ماذا يعني هذا الحدث الذي نقرأه في سفر صموئيل الأوّل فصل 21 من 11 إلى 16.

نذكر هنا أمرًا تاريخيٌّا. داود هرب من شاول ولجأ إلى ملك الفلسطيّين اسمه أخيش. لجأ هناك. ولكن بدأت الحرب بين الفلسطيّين وهم الذين جاؤوا من اليونان وأقاموا على ساحل فلسطين، وبين جيش شاول. خاف الملك، خاف أخيش من داود أن ينقلب عليه، بل بالأحرى أراد منه أن يعاونه على شاول. فتظاهر داود بالجنون. عندئذ طرده. وهكذا تخلّص داود من أن يخون شعبه من جهة، كما ظلّ بعيدًا عن يد شاول من جهة ثانية.

في أيّ حال، المخاوف تحيط بداود من جانبين: سواء من شعبه وخصوصًا الملك شاول، سواء من الأجانب، من الفلسطيّين الذين خافوا منه، خافوا أن ينقلب عليهم في الحرب. فيكون ذلك العدوّ من الداخل الذي يحاربهم. لهذا السبب كان موضوع هذا المزمور الربّ نجّاني من مخاوفي. وهذا ما يحصل مرارًا عندما تتضارب الواجبات في حياتنا. واجبات نعتبرها مماثلة ولا نعرف كيف نتخلّص منها. ومع ذلك الربّ هو هنا. ينجّينا، يفتح الطريق أمامنا. ساعة لا ننتظر شيئًا من البشر. الربّ هو حاضر، هو من ينجّيني، هو من يهدي، هو من يفتح الطريق أمامنا. وحين ننال الخلاص، نستطيع أن نهتف: ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ.

نبدأ، أحبّائي، فنقرأ القسم الأوّل من المزمور 34 الذي تأمّلنا فيه في المرّة الماضية. ثمّ نعود إلى القسم الثاني.

2 - نختبر فنُخبر

إذًا نقرأ أوّلاً 34: 2 - 11: أبارك الرب في كلّ حين... ومن يطلب الربّ لا يعوزه خير. هذا المقطع تأمّلنا فيه في المرّة الماضية. وتحدّثنا عن مباركة الربّ، عن التهليل له. ودعَونا المساكين، دعونا نفوسنا لأن نكون هؤلاء المساكين الذين يسلّمون أمورهم للربّ. دعونا نفوسنا لأن نكون من الأتقياء، من الذين يخافون الربّ ولا يجعلون ثقتهم إلاّ فيه وحده. وكانت النهاية: الكافرون أو الأشبال، الملوك يحتاجون ويجوعون، ومن يطلب الربّ لا يعوزه خير. وكانت العبارة الرائعة في آية 9: ذوقوا تروا ما أطيب الربّ. هنيئًا لمن يحتمي به. ونتابع، أحبّائي، قراءة المزمور 34: 12 وما يلي موضوع تأمّلنا اليوم.

تعالوا أيّها البنون واستمعوا لي... ولا يعاقب من يحتمي به (34: 12 - 23).

بعد أن اختبر المرتّل، اختبر المؤمن، اختبر داود هذا الخلاص الذي ناله من عند الربّ، ها هو يستخلص العبرة، يستخلص الدرس لكلّ واحد يسمعه. عندما نختبر خبرة مع الله، مهمّ جدٌّا أن نُخبر عنها، أن لا نبقى في الصمت، أن نقول ماذا صنع لنا الربّ. وهكذا يتشجّع الآخرون ويحاولون أن يعيشوا الخبرة عينها. هو اختبر الخلاص، اختبر ما أطيب الربّ، اختبر الحماية التي يؤدّيها الربّ، اختبر الغنى الذي لا يجاريه غنى.

3 - جوع إلى الطعام، جوع إلى البرّ

الغنى المادّيّ، بلا شكّ. ولكن هناك غنًى وغنًى. وغنى الربّ يفوق كلّ غنًى. واختبر الشبع من عند الربّ. هو جاع إلى البرّ وعطش إلى البرّ والآن أشبعه الربّ من البرّ، أشبعه من العيش بحسب وصاياه، بحسب مشيئته. هناك جوع وجوع، جوع إلى الخبز تركه يسوع وقال لإبليس الذي جرّبه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. وهناك جوع آخر إلى كلام الله وهذا يشبعه الربّ. يجعلنا نشبع من كلامه. وهناك جوع إلى البرّ، إلى العيش بحسب إرادة الله.

وهذا أيضًا الربّ يشبعنا منه. فهنيئًا لنا عندما نعرف ما أطيب الربّ، وهنيئًا لنا عندما نعرف اللذّة في حياتنا مع الربّ.

بعد هذا يأتي الدرس (آية 12): تعالوا أيّها البنون واستمعوا لي فأعلّمكم مخافة الربّ. تعالوا. هم بعيدون. هم تلاميذ. فالحكيم يسمّي تلاميذه البنين. ومعلّم الحكمة يدعوهم التلاميذ. تعالوا إليّ كما فعل يسوع مع تلاميذه. تعالوا إليّ واستمعوا لي، السماع والخطوة الأولى لحياة تحت نظر الربّ. استمعوا لي فأعلّمكم: لا موادّ الدروس التي ندرسها في المدارس الدنيويّة. أعلّمكم مخافة الربّ، كيف تكون مخافة الربّ. مخافة الربّ يعني نخاف أن نغيظه، نخاف أن لا نكون على قدر المسؤوليّة التي جعلها في حياتنا. هذه المخافة تجعلنا قريبين من الربّ.

تلك هي الوجهة الأولى من المحبّة. والوجهة الثانية: حبّ الربّ إلهنا بكلّ قلبنا وكلّ نفسنا وكلّ إرادتنا. أعلّمكم مخافة الربّ إذا أردتم أن تكون لكم الحياة. إذا أردتم أن تكون لكم كثرة الأيّام، إذا أردتم أن تروا الخير، ابدأوا بمخافة الربّ. كان الحكماء يقولون رأس الحكمة مخافة الربّ. ويقول لنا هذا المزمور: الحياة، كثرة الأيّام، الخير، كلّ هذا يرتبط بمخافة الربّ. وكيف تكون هذه المخافة؟ لا تكون فقط كلامًا فارغًا، كلامًا باطلاً، كلامًا يبقى على مستوى الكلام، لا. هذه المخافة نعيشها.

4 - ومخافة تجعلنا نصون لساننا

تقول لنا آية 14: صن لسانك عن الشرّ وشفتيك عن النطق بالغشّ. أوّل خطيئة هي خطيئة اللسان. نتذكّر القدّيس يعقوب الذي حدّثنا عن خطيئة اللسان، عن الشرّ الذي يمكن أن يحمله اللسان كما حدّثنا عن الخير. أمّا في الشرّ فيقول: بعض النار تشعل الغابة كلّها. والدفّة الصغيرة توجّه المركب. ولساننا هو الذي يوجّهنا. هو الذي يقودنا.

صن لسانك عن الشرّ، عن الكلام بحقّ القريب، عن الكلام بالسوء، عن الافتراء، عن النميمة. وقد قال لنا القدّيس يعقوب: من هو كامل بلسانه، كامل في كلّ شيء. صن لسانك عن الشرّ، وشفتيك عن النطق بالغشّ، بالكذب والدجل.

الإنسان يعبّر عن ذاته بلسانه، يعبّر عن ذاته بشفتيه. إذا أردت أن تخاف الربّ احفظ لسانك من الشرّ، احفظ شفتيك من النطق بالغشّ. هنا أوّلاً على مستوى القول، على مستوى الكلام.

والآن على مستوى العمل كما في آية 15: تجنّب الشرّ واعمل الخير والتمس السلام واسعَ وراءه. تجنّب الشرّ. هو لا يحدّد الشرّ، ولكن كلّ مرّة نخالف الوصايا، كلّ مرّة نسيء إلى القريب، نعمل الشرّ. في هذا الشرّ بكلّ أنواعه نكون بعيدين عن الذين يخافون الربّ. تجنّب الشرّ واعمل الخير. والخير واسع جدٌّا. نتجنّب أن نقتل، نتجنّب أن نسرق، نتجنّب أن نشهد شهادة زور ما زلنا على المستوى السلبيّ لا بأس به، هو مهمّ جدٌّا. ولكنّه لا يكفي.

ماذا عملنا؟ يقول لنا المزمور: اعمل الخير. والخير الواسع جدٌّا. من كلمة حلوة نقولها، من مساعدة لأخ في الضيق، من مساعدة لمارٍّ على الطريق، مرّات عديدة، عندنا المناسبات حتّى نعمل الخير. فمن تجنّب الشرّ ومن عمل الخير نال السلام. كأنّي به يقول: تجنّب الشرّ واعمل الخير. إن فعلت ذلك تكون ذاك الذي يلتمس السلام ويسعى وراءه.

5 - من أجل السلام

أجل السلام مع الله والسلام مع الإخوة. وينبّهنا بولس: لا تردّوا على الشرّ بالشرّ، بل على الشرّ بالخير. فمن ردّ على الشرّ بالشرّ يكون من يطلب الحرب والبغض والضغينة والحقد. أمّا من ردّ على الشرّ بالخير، فهو من يلتمس السلام. والسلام بين الإخوة لا يمكن أن يكون ينبوعه إلاّ السلام الآتي من عند الربّ.

أعلّمكم مخافة الربّ، تنالون الحياة، تنالون كثرة الأيّام، تنالون الخير. فكيف تكون المخافة على مستوى القول؟ نصون لساننا. على مستوى العمل؟ نعمل الخير.

عندئذ يقول لنا المزمور في آية 16: عينا الربّ على الصدّيقين، وأذناه تسمعان نداءهم. عينا الربّ على الصدّيقين الذين هم صادقون مع الربّ، صادقون مع الإخوة، لا يتعاملون بالشرّ وبالغشّ، وأذناه تسمعان نداءهم. هم يستمعون إلى المعلّم، والربّ يستمع إليهم. هؤلاء يعملون الخير، والربّ يستجيبهم.

آية 17: الربّ يواجه من يفعل الشرّ، ليقطع من الأرض ذكرهم.

هنا نفهم أن لا تمييز بين الشرّ والأشرار، ما يريده الربّ هو أن يزول الشرّ عن الأرض. ولكنّ المزمور لا يعرف أن يميّز بين الشرّ والأشرار. في العهد الجديد، الربّ يحبّ الأشرار، الربّ يحبّ الخطأة. الربّ لا يمكن أن يتخلّىعن الخطأة، ولكنّه يريد منهم أن يتوبوا عن الشرّ. لا يريد الربّ أن يقطع ذكر البشر، بل أن يقطع الشرّ الذي يحملونه.

6 - لهذا يتألّم الصدّيقون

ويتابع المزمور: يصرخ الصدّيقون، فيسمع الربّ وينقذهم من جميع ضيقاتهم. الربّ هو من يسمع. الربّ هو من يفعل، ولا سيّما في ساعات الضيق. هو الحاضر معنا، الحاضر في حياتنا.

ويتابع: الربّ قريب من منكسري القلوب ويخلّص المنسحقين في الروح. أجل الصدّيقون، الأبرار، يمكن أن يكونوا عرضة للناس، تنكسر قلوبهم بسبب المعاملة، ينسحقون بيد الأقوياء.

وتقول آية 20: الإساءات إلى الصدّيقين كثيرة، ومن جميعها ينقذهم الربّ. لا شكّ أنّ هذا المرتّل اكتشف الإساءات التي أصابته في حياته، ولكنّه ما أراد أن يتوقّف عند هذه الإساءات. ما أراد أن يتوقّف عند الذين أساؤوا إليه. سامحهم الله. الخبرة الوحيدة التي يريد أن يحتفظ بها، هو أنّ الربّ أنقذه من جميع هذه الإساءات. هو لا ينظر إلى البشر وما يمكن أن يفعلوا.

على كلّ حال، أنا وأنت وكلّ واحد منّا يمكن أن يسيء إلى القريب بقصد أو بغير قصد. المرتّل هنا ترك الإساءة وترك المسيء وتوقّف عند الله الذي يحوّل الشرّ إلى خير. كما يقول القدّيس مرقس بفم يسوع المسيح. إن شربوا سمٌّا مميتًا فلا يؤذيهم. الربّ يُبعد عنهم الأذى. لا شكّ أنّه لا يُبعد أذى الجسد، يمكن أن يُضطهَدوا، يمكن أن يموتوا، ولكن الإنقاذ الأخير، الخلاص الأخير، يحمله الربّ إليهم.

آية 21: يحفظ عظامهم كلّها فلا ينكسر منها واحد. هذا الكلام الذي قيل عن الحمل الذي يُذبح في عيد الفصح، طُبّق على يسوع المسيح على الصليب. لم يكسر الجنود رجله كما فعلوا بالنسبة إلى اللصّين، ولكنّهم طعنوا جنبه بحربة. الربّ يحفظ فلا ينكسر من يحبّه، من يخافه، من يصدق معه.

ونتابع آية 22: مساوئ الشرّير تميته، ومن يبغض الصدّيقين يُعاقَب. أجل مرّات عديدة، الشرّير يموت في مساوئه. ربّما موت الجسد. ولكن في أيّ حال موت النفس ينتظر الشرّير. وكأنّ هذا المرتّل يدعو المؤمن: أنت تأخذ أيّ طريق؟ طريق الخير هي طريق الحياة، طريق الشرّ هي طريق الموت. وأنت تختار. هذا ما قاله سفر التثنية: وضعتُ أمامك الحياة والموت، السعادة والشقاء. الشرّ والخير. وأنت تختار. تختار الموت أنت حرّ، ساعتها تعيش الشرّ. تختار الحياة أنت حرّ ساعتها تعيش في الخير.

وينهي المزمور هذا الكلام: الربّ يفتدي نفوس عابديه ولا يعاقب من يحتمي به. عابد الله هو من يخافه، هو من ينال الفداء، هو لا ينتظره عقاب، لا تنتظره دينونة بل ينتظره لقاء الربّ في حياة لا تنتهي.

نعم يا ربّ نريد أن نكون من خائفيك، نريد أن نكون من عاملي إرادتك، عاملي مشيئتك، من العائشين في وصاياك. اجعلنا أن نختبر السعادة التي هي معك. أن نختبر الخير الذي تمنحه لنا. وأبعدْنا يا ربّ عن الشرّ والأشرار فنكون أولئك العابدين لك. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM