الربّ ملجأ لنا

الربّ ملجأ لنا

المزمور31

1 - المقدّمة

أحبّائي قراءتنا اليوم وتأمّلنا المزمور 31. نتذكّر أنّ مجموعة المزامير 30 - 31 - 32 - 33 - 34 يعني أنّ هذه المزامير الخمس من 30 حتّى 34، تصوّر الثقة بالربّ، ثقة المؤمن بالربّ، وكيف يشكر الربّ بعد أن مرّ في المحنة وفي الخطيئة. المحنة تَحدّثنا عنها في المزمور 30، ونحن نعيشها في المزمور 31، أمّا الخطيئة فسوف نقرأ عنها في المزمور 32.

هنيئًا لمن نُسيت معصيته وسُترت له خطيئته. وهذه المزامير الخمسة لها مقدّمة في المزمور 29. هذه العاصفة هبّت في كلّ مكان، ولكنّ أرض الربّ ظلّت في أمان. هذه العاصفة هبّت هنا وهناك. أمّا المؤمن فعرف الطمأنينة، فعرف الهدوء. لا شكّ في أنّ البحر هاج وماج وخاف التلاميذ، ولكن ما إن داسه يسوع حتّى صار هادئًا. ما إن قال له يسوع: اسكت اصمت، حتّى توقّف الموج وصار البحر وكأنّ لا موج له.

والبحر كما نعرف هو عالم الشرّ، هو عالم الخطيئة، هو عالم الموت. في المزمور السابق تحدّثنا عن الله الذي يعيد الحياة، الربّ الذي يمنح الخلاص. واليوم نحتاج إلى ملجأ، لهذا نقول: الربّ هو ملجأ لنا. نقرأ إذًا المزمور 31: الربّ ملجأ لنا لكبير المغنّين: مزمور لداود.

بك يا ربّ احتميت... تشجّعوا وقوّوا قلوبكم يا جميع الذين يرجون الربّ.

قرأنا، أحبّائي، المزمور 31 الربّ ملجأ لنا. هذا المزمور أحبّائي هو مزمور ينشده المرتّل الذي يشعر بالضيق. وبدلاً من أن يتّكل على البشر ويشتكي ويتأوّه ويبكي أمام الناس، هو يرفع صلاة واثقة إلى الربّ. هذا المزمور يتألّف من مزمورين متشابهين. في كلّ مزمور نجد الشكوى، الصلاة، إعلان الثقة بالله، الشكر ؟.

2 - الشكوى

أوّلاً الشكوى: هذا المؤمن يشتكي إلى الربّ بسبب حالته المؤلمة. وكما قلت بدلاً من أن يكلّم الناس، هو يكلّم الله. هو يصلّي. وفي صلاته يعلن ثقته بالله. وبما أنّ الله هو إله الخلاص، فلا يمكن إلاّ أن يخلّص صفيّه. لهذا لن يبقى سوى الشكر الله.

هذا، أحبّائي، هو المعنى العامّ للقسم الأوّل من المزمور 31 من آية 2 إلى آية 9. هذا المزمور كما قلنا يعبّر عن ضيق نفسانيّ. مثلاً عاشه إرميا الذي اضطهده خصومه. ضيق نفسانيّ يريد المؤمن أن يسرّي عنه، يريد أن يفتح قلبه على قلب الله. أن يُشرك آلامه مع آلام الله خصوصًا يسوع المسيح في بستان الزيتون. هو ألم نفسانيّ أحسّ به يسوع المسيح، فجاء هذا الإحساس خاتمة الآلام العديدة، الآلام النفسيّة.

في مجتمعنا إمّا امرأة فقدت ابنها، أو أب عرف نكران الجميل، أو شخص فعل الخير فكان له الشرّ. كلّ هذا يجعل المؤمن يشتكي، يجعل المؤمن يعيش العذاب الأليم، والألم العميق، الألم على مستوى نفسه، على مستوًى أعمق أعماقه. الربّ سوف ينجّي إرميا، والربّ ينجّي المؤمن الذي جعل رجاءه فيه.

إذًا، نقرأ، أحبّائي، القسم الأوّل من المزمور 31 الذي عنوانه الربّ ملجأ.

بك يا ربّ احتميتُ، فلن أخزى إلى الأبد. بعدلك نجّني. بك يا ربّ احتميت، لديك بحثت عن الحماية. الولد الخائف، الإنسان المهدّد، يطلب الحماية، يطلب اللجوء إلى الربّ. وهو يقول: يكفيني أن أحتمي عندك، فلن أخزى إلى الأبد، فلن أخجل إلى الأبد، فلن أعرف الفشل إلى الأبد، فلن أعرف ضرر الأعداء، ضرر الخصوم إلى الأبد.

من يخزى؟ ذاك الذي يفشل. أمّا أنا فحين أحتمي بك لن أفشل أبدًا. لماذا؟ لأنّك تنجّيني بعدلك، تنّجيني بصدقك وأمانتك. أنت الله العادل، أنت تعرف أنّني ما خطئت، أنّني مظلوم. وفي أيّ حال سواء خطئت أو لم أخطئ، وحدك يا ربّ أنت تعاقب، وحدك يا ربّ أنت تدين أعماق القلوب، لهذا أكلّفك أنت. أنت تدينني ولا أريد للبشر أن يدينوني. ذاك هو الوضع الذي يتطلّع إليه المؤمن. احتميتُ فلن أخزى إلى الأبد. لماذا؟ لأنّك أنت أيّها الإله العادل، أنت من ينجّيني.

3 - الصلاة

وتبدأ الصلاة بالآية 3 إلى آية 7: توسّلٌ كلّه ثقة إلى الله الذي هو الصخرة، الصخرة المنيعة، الصخرة الرفيعة التي يمكن أن نلجأ إليها بحيث لا يصل إلينا الأعداء.

آية 3: أمِلْ إليّ أذنك وأنقذْني يا ربّ سريعًا، كُن صخرة ملجأ لي وحصنًا حصينًا لخلاصي. أمْلِ إليّ أذنك، يعني استمع إليّ، استمع إليّ بانتباه، استمع إليّ بعناية، باهتمام. قرّب أذنك منّي حتّى تسمعني، حتّى تعرف الضيق الذي يملأ قلبي، وأنقذني يا ربّ سريعًا.

لماذا سريعًا؟ هل نستطيع أن نفرض أوامرنا على الله ونقول له: أسرع؟ هل هو خادمنا؟ بل نحن خدّام الله ولكن لماذا يقول المرنّم: سريعًا؟ لأنّه يخاف إن طال الضيق أن يمضي إلى عالم الأموات ويكون الربّ الخاسر الأكبر. من سوف يمدح الربّ في أعماق القبر؟ لا أحد. لهذا يقول له المرنّم: الخطر يداهم، الخطر كبير، تعالَ بسرعة يا ربّ، أنقذني يا ربّ بسرعة.

فإن هو طلب من الربّ أن يسرع، لا لأنّه يريد أن يفرض إرادته على إرادة الربّ، بل ليقول له إنّ الخطر يهدّد حياة المؤمن. كُنْ صخرة ملجأ لي. المدن تُبنى على الصخر. أو يمكن أن أرتفع على صخرة فلا يستطيع أعدائي أن يصلوا أو يمسكوني. كُنْ صخرة ألجأ إليها، أختبئ على سطحها أو في مغارتها. هكذا اختبأ داود من وجه شاول مرّة بعد مرّة. كُنْ صخرة ملجأ لي، وحصنًا حصينًا لخلاصي.

الحصن. هناك يختبئ المؤمن. الحصن المحصّن، الحصن المنيع الذي يحمل إليّ الخلاص، الذي يمنحني الخلاص. كُنْ صخرة ملجأ لي. وحصنًا حصينًا لخلاصي. عندما أكون على الصخرة، عندما أكون في الحصن الحصين، عندما أكون في القلعة، لا أخاف. أعرف أنّ الخلاص مهيّأٌ لي. وفي أيّ حال، كلّ هذه الإمكانيّات البشريّة لا يمكن إلاّ أن تكون رمزًا بعيدًا عن هذا الربّ الذي هو الحصن الحصين. عن هذا الربّ الذي هو الصخرة التي ألجأ إليها، التي أحتمي بها.

كلّ هذه رموز قد تنفع أو لا تنفع حسب العدوّ الذي يهاجم. أمّا معك فكلّ هذا ينفع، ولا يمكن إلاّ أن يحمل إليّ الخلاص.

4 - الربّ قلعتي وحصني

ويتابع المؤمن في آية 4: أنت قلعتي وحصني. عادت الكلمة مرّة ثانية: أنت الحصن المنيع، أنت القلعة. نتذكّر كلّنا عندما يداهم الخطر الناس. كانوا يحتمون في الحصن أو في القلعة. أمّا المؤمن فلا حصن له بشريٌّا ولا قلعة له بشريّة، حصنه هو الربّ، قلعته هي الربّ، إذًا هو لن يخاف. الربّ نوري وخلاصي فممّن أخاف، الربّ حصن حياتي فممّن أفزع. ولو كثر عليّ أعدائي لن أفزع، لن أخاف.

ويطلب من الربّ: اهدني لأجل اسمك وأرشدني. الهداية، أنا ضائع، أنا ضالّ، أنا لا أعرف ماذا أفعل، أنا لا أعرف كيف أتوجّه، أنت تقدّم لي البداية، أنت تنوّر لي دربي، أنت ترشدني في الطريق التي يجب أن آخذها. ترافقني كما رافقتَ تلميذَي عمّاوس فوصلا إلى عمّاوس ليعودا بعدها إلى الرفاق، إلى أورشليم.

ولماذا يهديني الربّ ولماذا يرشدني؟ أتراني شخصًا بارٌّا، شخصًا قدّيسًا يستحقّ كلّ هذا؟ كلاّ ثمّ كلاّ. فالربّ يمنح خلاصه بمجّانيّة كبيرة، بمجّانيّة مطلقة، هو لا ينتظر منّا أبدًا أن نبدأ، هو الذي يبدأ ونحن نتجاوب مع مبادرته. إذا كان الربّ يهدينا رغم ضلالنا، ويرشدنا رغم خطايانا، فكلّ هذا لأجل اسمه. اسمه يعني شخصه، ذاته. هذا ما يجعل الربّ يفعل. جوهر الربّ أن يحمل الخلاص. فإن كان الربّ لا يخلّص فما هو الربّ.

هو كما سبق وقلنا مثل صنم لا يسمع ولا يرى ولا يفعل. ويتابع المرنّم في آية 5: أخرجْني من فخّ طمروه لي، لأنّك أنت ملجإي. الفخاخ عديدة أمام المؤمن، أمام الصدّيق، أمام الفقير، أمام الضعيف، وهو لا يستطيع أن يكتشف هذا الفخّ. وكما يسقط الوحش في الفخّ ولا يستطيع أن يخرج منه، كذلك المؤمن. ولكن أنت يا ربّ تخرجني، تحامي عنّي، تجعلني ألجأ إليك لأنّك أنت ملجإي. ونصل إلى الكلام الذي قاله يسوع من على صليبه: في يديك أستودع روحي.

هذا ما نقرأه في إنجيل لوقا 23: 46 الضيق الذي أحسّ به يسوع على الصليب، عبّر عنه في هذه الجملة من المزمور 31: يا أبتِ، في يديك أستودع روحي. الطفل ينام في المساء فيقوم في الصباح. ويسوع كأنّه نام على الصليب ليقوم من أجل القيامة.

في يديك أستودع روحي، فافدني يا ربّ، يا إله الحقّ. أُبغض المتمسّكين بالأباطيل، بالأصنام الباطلة، وعليك يا ربّ أتوكّل. أبتهجُ وأفرح برحمتك، يا من نظرت إلى عنائي، وعرفتَ ما أضيق حالي. فما أوقعتَني في يد العدوّ، بل في الأمان ثبّتَّ قدميّ.

نعم يا ربّ، صلّينا إليك اليوم. عرفناك الإله الملجأ، الإله الذي يمكن أن نحتمي بك في ضعفنا وفي شدّتنا، توكّلنا عليك فلا تخيّب. توكّلنا وجعلنا ثقتنا بك، فلن نخسر إلى الأبد. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM