الله يحمل الخلاص

 

الله يحمل الخلاص

المزمور30

أحبّائي، نتابع قراءتنا للمزامير. من قبل، قرأنا القسم الأوّل من المزمور 30، يا ربّ، أعدتَ إليّ الحياة. مهمّ جدٌّا أن نقرأ المزمور، ونعيد قراءته أكثر من مرّة، إلى أن تدخل كلماته في قلبنا وفي حياتنا، ونردّدها على شفاهنا. وحتّى بعد أن نسمع شرحًا للمزمور أو نقرأ شرحًا للمزمور، مهمّ جدٌّا أن نعيد قراءته. ويا ليتنا نحفظ كلّ يوم عبارة من المزامير. مثلاً: غضب الربّ لحظة ورضاه طول الحياة.

هي عبارة يمكن أن نردّدها في نهارنا، في رواحنا ومجيئنا. عندما نصعد السلّم أو نكون في المصعد، أو عندما نأخذ سيّارتنا لنمضي إلى العمل. كلمة نردّدها بشكل طلبة ترافق نهارنا وتمنحه بركة الله ونقرأ إذًا المزمور 30 مع أنّنا شرحنا القسم الأوّل. نشرح الآن القسم الثاني، وعنوانه: الله يحمل الخلاص. نقرأ كلّ المزمور 30 حتّى نملأ قلوبنا من كلماته.

أعظّمك يا ربّ لأنّك نشلتني... أرنّم فرحًا.

إلى هنا قرأنا المرّة الماضية، وشرحنا. ونتابع القراءة. إذًا، مزمور 30: 7: يا ربّ أقول في طمأنينتي... أيّها الربّ إلهي، إلى الأبد أحمدك.

1 - أحمدك... أحمدك

بدأ المزمور بالحمد والتعظيم: أحمدك يا ربّ. وانتهى بالحمد: أحمدك يا ربّ إلى الأبد. أشكرك يا ربّ إلى الأبد. كلام الحمد، كلام الشكر، يجب أن يرافق حياتنا يومًا بعد يوم، أن يرافق أيّامنا، أن يرافق أعمالنا، يرافق أحزاننا وأفراحنا، نجاحنا وفشلنا، صعوباتنا وسهولاتنا. الحمد، الشكر، هو الذي يرافقنا.

وهكذا نفهم حضورك يا ربّ. مرّات عديدة ننغلق على نفوسنا، نحسب أنّنا وحدنا، أنّ الربّ تخلّى عنّا، أنّ الربّ تركنا. وهذه أكبر تجربة يمكن أن تحدث لنا. ومثل هذه التجربة تقودنا إلى اليأس. وما هو اليأس؟ اليأس عندما نحسب أنّ الله غائب، لا سمح الله، أنّ الله مات، أو هو يتعامل معنا وكأنّه مات وكأنّه غير حاضر أو كأنّه غير موجود. وإذا كان موجودًا وكأنّه غير فاعل.

عند ذاك بماذا يفترق الله عن الصنم؟ عن الصنم الذي نحرّكه كما نشاء وهو لا يحرّكنا. كلاّ ثمّ كلاّ. الربّ هو حاضر، وحمدنا وشكرنا وتعظيمنا له هو مثل التنفّس بالنسبة للإنسان. الإنسان يتنفّس ليلاً ونهارًا. وهو يحمد الله ليلاً ونهارًا. هنيئًا للشعب الذي يعرف الحمد، هنيئًا للمؤمن الذي يعرف الحمد والترتيل والتعظيم.

2 - في حالة الضيق

ونتابع، أحبّائي، شرح المزمور 30: 7 من آية 7 إلى آية 9. يصوّر لنا المرتّل حالة الضيق التي عاشها. انتهينا في القسم الأوّل. جاء يقول: الربّ نشلني كما من قعر البئر، الربّ أصعدني من جبّ وحل، ماء موحلة، كما حدث بالنسبة إلى إرميا. بدأ أوّلاً فأنشد الخلاص. بدأ أوّلاً فأنشد الحياة. والآن يستطيع بكلّ بساطة، بكلّ هدوء، بكلّ طمأنينة أن يقول، أن يتحدّث عن الحالة التي كان فيها.

نتذكّر بولس الرسول لمّا تحدّث عن الخطيئة، هذه الخطيئة في العالم الوثنيّ، هذه الخطيئة في العالم اليهوديّ. ولكنّه لو لم يختبر خلاص الربّ، لو لم يهدهِ الربّ إلى طريق يسوع المسيح، لما استطاع أن يتكلّم عن الخطيئة. فنحن حين نكون في البحر، لا نستطيع أن نتكلّم عن البحر لأنّنا غارقون فيه. حين نكون في البيت لا نستطيع أن نتكلّم عن البيت. يجب أن نخرج منه.

وهكذا المرتّل، ما دام في الضيق، ما دام في الصعوبة، ما دام في الألم، ما دام في العذاب الذي يقود إلى الموت، لا يمكنه أن يتكلّم. والآن بعد أن خرج يستطيع من البعيد، من عالم الخلاص، أن يعرف، أن يتذكّر الضيق الذي عاشه، والصعوبة التي واجهته.

ونحن أيضًا مرّات عديدة في قلب الصعوبة، لا نفهم الله. نكون كمن يسير في نفق، في نفق مظلم لا يعرف كيف يتحرّك. لا يقدر أن يذهب يمينًا ولا شمالاً، يضرب بالحائط هنا وبالحائط هناك، هذا إذا لم تكن عوائق في طريقه. ولكن عندما يخرج إلى النور يكتشف أيّ خلاص ناله.

لا شكّ، أحبّائي، ليس الله هو الذي يهيّئ لنا النفق، ليس الله هو الذي يعطينا المرض، ليس الله هو الذي يوقعنا في التجربة، كلاّ ثمّ كلاّ! ولكن الله يعرف أنّنا نحتاج إليه في المرض، في التجربة في شكل خاصّ. ولكن نحتاج إليه في كلّ ساعة، في كلّ دقيقة من دقائق حياتنا. عندما نخرج من النفق، نفهم أيّ خلاص نِلنا. وهكذا المرتّل. الربّ انتشله، الربّ أصعده، الربّ أعاد إليه الحياة، يستطيع الآن أن يعود إلى الوراء لأنّه نجا، لأنّه عرف الخلاص الحقيقيّ.

3 - لا أتزعزع

آية 7: يا ربّ أقول في طمأنينتي. الآن أنا مطمئنّ هادئ. لا شيء يبلبلني. كالولد في حضن أمّه وأبيه. هو مطمئنّ. أستطيع أن أنام، أن أرتاح. لا أتزعزع إلى الأبد، نعم اختبر المؤمن خلاص الربّ. أيّ خطر مثل خطر الموت؟ ومع ذلك نجا من الموت. لهذا قال: لا أتزعزع إلى الأبد. في الماضي ما تزعزعت، اليوم لا أتزعزع، وغدًا لن أتزعزع (بالعربي الدارج ما في شي بزحزحني).

أنا ثابت، رجلي ثابتة، رجلاي ثابتتان حيث أقف أنا على جبل منيع، على صخر صلب قاسٍ. أختبر عدم الزعزعة، أختبر قوّة الخلاص، أختبر عودة الحياة. وبما أنّ ا؟ هو الأمين فهو لا يتغيّر. في البارحة لم أتزعزع وغدًا لن أتزعزع، فالربّ هو الحاضر معي والقدير، وهو الحنان.

آية 8: برضاك وقفت منيعًا كالجبل: أوّل كلمة برضاك. أنت رضيت عنّي، أنت باركتني، أنت سُررتَ بما عملت أنا وبما عملت أنت. أنت سررتَ بالخلاص الذي استفدتُ منه أنا، ولم أترك هذا الخلاص يذهب سدًى. برضاك. لا نطلب يا ربّ سوى رضاك. برضاك وقفت. الوقوف هو ضدّ السقوط، ضدّ الوقوع. هذا الإنسان المرميّ تحت الصليب، المرميّ تحت السياط الذي تدوسه الناس، اعتبروه خاطئًا، وهو ضعيف لا يستطيع أن يدافع عن نفسه.

كلاّ أنا واقف، ورأسي مرفوع، لأنّ الذي بجانبي هو الذي يوقفني ويرفع رأسي. برضاك وقفتُ منيعًا كالجبل. من يستطيع أن يزيح الجبل؟ لا أحد. وأنا صرت منيعًا يمكن للأعداء، للخصوم، أن يهاجموني، ولكنّي كقلعة لا يستطيع أحد أن يأخذها. أنا منيع كالجبل حين ترضى عنّي، أنا منيع كالجبل حين تنظر إليّ نظرة الرضى، نظرة العطف، نظرة الحنان، أنا منيع كالجبل، ولا أحد يقدر أن يتغلّب عليّ.

4 - ولكن، إن حجبتَ وجهك

ولكن إن حجبتَ وجهك ارتعبتُ. إذًا قوّتي هي من قوّتك يا ربّ. إذا حجبت وجهك، حجبت نورك، شعرتُ أنّك لا تنظر إليّ برضًى، كما كان الوضع بالنسبة إلى قايين. ارتعبت. ارتعبت لأنّي ذاهب إلى الموت، إلىالهلاك، إلى الضياع. لا تحجب وجهك عنّي. لا تمنع عنّي روحك القدّوس. حين ترضى، أنا ثابت، أنا منيع، أنا قويّ. حين تحجب وجهك عنّي، الرعب والفشل ينتظرانني. لا تسمح يا ربّ، لا تسمح أبدًا.

آية 9: إليك يا ربّ أصرخ، وإليك يا إلهي أتضرّع. الصراخ عندما يكون الإنسان في ألم، في وجع. لهذا يصرخ. ذاك هو الطفل. والتضرّع يكون عندما يحسّ الإنسان أنّه وحده يحتاج إلى الحياة، يحتاج إلى الخلاص. يا ربّ أقول في طمأنينتي لا أتزعزع إلى الأبد، برضاك وقفتُ منيعًا كالجبل. وحين حجبتَ وجهك، ارتعبتُ. إليك يا ربّ أصرخ وإليك يا إلهي أتضرّع.

نحسّ بالمؤمن يروي بعضًا من ضيقه، ولكنّه في قلب الضيق يكتشف رضى الربّ فلا يعود يخاف. لهذا نقرأ آية 10 - 11، حيث نفهم أنّ المؤمن سيكرّس حياته لمديح الربّ، لحمد الربّ. ولكن إن هو مات من سيمدح الربّ، إن هو صار في أرض الأموات، من سيمجّد الربّ، من سيعظّم الربّ.

فنقرأ آية 10 وآية 11: أيّ نفع لك من موتي، من هبوطي إلى الهاوية؟ ماذا تنتفع؟ كلاّ ثمّ كلاّ. لا نفع لك. أنت إله الموت أو إله الحياة. بل أنت إله الحياة، والموت لا تريده. وفي أيّ حال، حين يأتي ابنك إلى أرضنا، سيقتل الموت بموته. لا نفع من هبوطي إلى الهاوية، من هبوطي إلى القبر، فأصبح مثل الأشباح الذين لا حياة فيهم ولا همّة، للمديح والشكر والفرح.

5 - أعود إلى التراب

ويتابع: فهل التراب يسبّح بحمدك، ويحدّث فيخبر بحقّك؟ التراب يعني أنا حين أموت أُجعَل في التراب. في الماضي يُدفن الموتى تحت التراب، ويصبح الميت جزءًا من هذا التراب. هل التراب يسبّح بحمد الربّ؟ كلاّ ثمّ كلاّ. هو المؤمن يطلب الخلاص، يطلب الحياة، الحياة الدائمة، لئلاّ يتوقّف حمده إلى الأبد. كأنّي به يساوم مع الله: تريد أن يبقى أناس يحمدونك، احفظ حياتي من الموت، تريد أن يبقى أناس يشكرونك، لا تسمح أن أهبط إلى الهاوية.

ولكنّه في الواقع لن يهبط إلى الهاوية. فهو بدأ وقال منذ البداية: نشلتَني، أصعدتني، أحييتني. بدأ بفعل إيمان، فعل إيمان عميق. ليس فقط فعل إيمان مسبّق، بل هو فعل إيمان لاحق، بعدما اختبر ما اختبر من خلاص قدّمه الله له. هل التراب يسبّح بحمدك؟ كلاّ. لا تسمح أن أعود إلى التراب.

فالإنسان خالد، والربّ خلقه للخلود، لكي تكون حياته على الأرض وبعد الأرض، تكون كلّها مكرّسة لحمد الله وشكره. فهل التراب يسبّح بحمدك ويحدّث فيخبر بحقّك؟ فأنت الإله الحقّ، أنت الإله الأمين، أنت الإله الحاضر. لو قضينا حياتنا كلّها حتّى المئة سنة، لن ننتهي من التحدّث ومن الإخبار بعملك يا ربّ في حياتنا.

فاستمع يا ربّ وتحنّن. وكن يا ربّ نصيري. أنا ذاهب إلى القبر إلاّ إذا أنت استمعت إلى صراخي، إلاّ إذا أنت استمعت إلى تضرّعي. وحين تسمع تتحنّن. يعني تلتوي كالقوس لتصير على مستوى الإنسان الضعيف. تحنّن عليّ أنا الضعيف، أنا الخاطئ، أنا الذاهب إلى الموت. أنا المنحدر إلى التراب، أنت تحييني وترفعني كما يرفع الأب ابنه أو ابنته.

6 - فاستمعْ وتحنّن

فاستمع يا ربّ وتحنّن. وكن يا ربّ نصيري. نصيري أنت: تعطيني النصر، تعطيني الغلبة، لا على أعداء. فلا أعداء لك يا ربّ. كلاّ ثمّ كلاّ. بل النصر على الموت، على الهبوط إلى الجحيم، إلى عالم الأموات، على الهبوط إلى التراب. أنت تعطيني ذلك النصر. فأنا معك، لا أخاف.

في النهاية حين ينال المؤمن هذا النصر يعرف التحوّل، التبدّل الذي حصل له: حوِّل نُواحي إلى رقص. بل هو حوَّله وانتهى. ولكنّ المؤمن يتطلّع إلى ما بعد. النواح، البكاء، الندب، يتحوّل إلى رقص. يعني عالم الحزن، عالم الموت. يتحوّل إلى عالم الفرح، إلى عالم الحياة.

حوّلْ نُواحي إلى رقص. بدلاً من أن أبكي، أرقص، ومن هو الذي يرقص؟ يرقص ذاك الذي ينعم ببركة الله، ذاك الذي يملأ الله قلبه فرحًا. حوّل نواحي إلى رقص، ومسوحي إلى ثياب الفرح. المسح هو لباس خشن يُلبس على الجلد مباشرة وقت الحزن، وقت الصوم، وقت التوبة.

لكن الآن لا نحتاج إلى كلّ هذا. لو أنّني كنت في عالم الأموات، أو أنّ قريبًا لي هو في عالم الأموات، لبست عليه المسح. أمّا نحن ففي عالم الأحياء، وقد نلنا الخلاص، فلا يمكن إلاّ أن نلبس ثياب الفرح. فنرتّل ولا نسكت، ونحمد الله إلى الأبد.

هذا، أحبّائي، هو معنى المزمور 30. هذا المزمور الذي حدّثنا عن الحياة التي نالها المؤمن الواصل إلى الموت. هذا المزمور أفهمنا معنى الخلاص. الربّ هو إله الخلاص وها نحن نختبر خلاص الله. نستطيع أن نتكلّم عن الضيق، ولا نطيل الحديث وكأنّنا نفرح بالضيق ونفرح بالعذاب. كلاّ ثمّ كلاّ، بل عن الخلاص، فنتذكّره لنحمد الله ونشكره من الآن وإلى الأبد. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM