الربّ إله العهد

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

 

الربّ إله العهد

مزمور 31

 

أحبّائي، نتابع قراءة المزمور 31. المرّة الماضية، تأمّلنا في الآيات 3 إلى 6: الربّ هو ملجأ لنا. بعد أن نقرأ هذه الآيات، نتأمّل في القسم الثاني، وهو الربّ إله العهد. إذًا، قرأنا القسم الأوّل، ونحن نعيد قراءته بعد أن تأمّلنا فيه من قبل.

بكَ يا ربّ احتميت... فافدني يا ربّ يا إله الحقّ.

1 - نرافق يسوع المسيح

مع الآية 6: في يديك أستودع روحي، نرافق يسوع المسيح في صلاته الأخيرة قبل موته. وهو يطلب الفداء كإنسان من الناس. لا شكّ في أنّه هو الله ويستطيع أن يقوم من الموت، ويستطيع أن يدافع عن نفسه، فيأتي بآلاف من الملائكة، ولكنّه أراد كإنسان أن يمرّ في الموت وهو يحتاج إلى الفداء لئلاّ تنتهي حياته بالموت. فلو انتهت حياة يسوع في الموت لكنّا في الفشل، والفشل الذريع.

ولكن كلاّ ثمّ كلاّ. حياة يسوع لم تنتهِ بالموت بل وصلت إلى القيامة. لهذا هو المؤمن بأنّه ليس إله الموت، بل إله القيامة، استطاع أن يهتف من على صليبه: يا أبتِ في يديك أستودع روحي. وبما أنّ الربّ هو إله الحقّ، فلا يمكن أن يكون إله الموت.

فالموت هو الكذب، الموت هو الخطيئة، أمّا الحياة فهي الحقّ. والربّ سمّى نفسه الطريق والحقّ والحياة. هو يطلب الفداء، يطلب النجاة من الموت، وهذا ما سيتمّ له حالما يوضع في القبر. كما قال المزمور: لا تدع صفّيك يرى فسادًا. هذا هو صوت معلّمنا يسوع المسيح، ربّنا يسوع المسيح من على صليبه، لأنّ الصليب هو الباب إلى المجد وإلى القيامة.

2 - الأباطيل حولنا

أُبغض المتمسّكين بالأباطيل وعليك يا ربّ أتوكَّل... ثبَّتَّ قدمَي.

سبق وقلنا إنّ هذا المزمور 31 هو مزموران 31: 2 - 9 ثمّ من 10 إلى النهاية. في هذا المزمور الأوّل 2 - 9، نحن أمام موضوعين: التشكّي والاستسلام إلى الربّ. في التشكّي يصوّر المؤمن حالته بصوَر معروفة. يقول مثلاً: عيناه كلّتا، بكتا كثيرًا، ولا تستطيعان أن تنفتحا. قواه اضمحلّت تحت وطأة الخطيئة، أعداؤه يطلبون حياته بعناد، أصحابه، جيرانه تركوه، وأخيرًا وصلت به الحالة إلى الشكّ بالله، أين هو الربّ؟ لماذا لا يفعل؟

في النهاية سيفعل مثل أيّوب، يشتكي إلى الله على الله. التشكّي ثمّ الاستسلام إلى إرادة الله وسط عالم معادٍ لا يحمل إليه العدالة. ومع ذلك يقول: لأنّك عملت ما عملت، فأنا في يديك أستودع روحي. عليك توكّلت الآن وأتوكّل عليك في المستقبل. ما أعمّ جودتك، ما أعظم كرمك وسخاءك، ما أعظم رحمتك. تباركت يا ربّ من أجل رحمتك.

في أيّ حال لا أستند إلى الأصنام الباطلة. يسمّيها هنا الأباطيل. كلاّ ثمّ كلاّ لا أستند إليها. فهذه لا يمكنها أن تخلّص نفسها. وحده الله يخلّص عبيده، يخلّص حبيبه، وحده الله يخلّص شعبه العائش في المنفى. لهذا يصلّي المرتّل، لهذا تصلّي الجماعة من عمق ألمها، من قلب عذاباتها، من بين الأصنام التي تحيط بها من كلّ جانب.

 

3 - والأصنام الحيّة

المؤمن وحده يتعبّد لله وحوله الناس يتعلّقون بالأصنام. هذه الأصنام تؤمّن لهم الطعام  والشراب. نتذكّر هنا أنّ الصنم، صنم الإله، إنّما هو صورة عن الملك، فعندما يعبد الناس الصنم أو التمثال، إنّما هم يعبدون الملك الذي يمثّله هذا التمثال. هذا الملك الذي هو صنم يسجدون أمامه، هو الذي يؤمّن لهم الطعام والشراب والأمان والراحة.

فلماذا يتعلّقون بعد ذلك بالإله الذي يبدو بعيدًا، الذي يبدو وكأنّه يستر وجهه، الذي يبدو وكأنّه لا يفعل شيئًا. هذا يكون حقيقيٌّا إذا غاب الإيمان من قلوبنا، إذا غاب الإيمان من حياتنا. نعم يا ربّ، الأصنام عديدة حولنا، الأشخاص هي أصنام نتعبّد لها، ونعتبر أنّها تحمل إلينا الخلاص.

هناك أمور هي أصنام: المال هو صنم، وقد جعلته يا ربّ تجاهك. قلت: لا تستطيعون أن تعبدوا ربّين، الله والمال. نعم يا ربّ المال صار صنمًا بجانبك. نتعلّق به، نكدّسه، نجمعه، نصبح كالآلة. هناك صنم الجنس والبحث عن اللذّة، هذه اللذّة التي نفرغها من كلّ معنى سامٍ فيها، معنى ولادة الأولاد، معنى احترام الآخر لا فقط في وجهة من وجهاته، بل في كامل شخصه وشخصيّته.

وهناك صنم القوّة، صنم البطش الذي نتعبّد له ونفعل كلّ ما بوسعنا لكي نرضيه. وهناك صنم الانتقام، الانتقام الذي يدلّ على قوّة الشرّ الكامنة فينا. عندما قال بولس الرسول: تعبدون الأصنام فتعبدون الشياطين، فتعبدون عالم الشرّ، كان يعرف ما يقول. ونحن نعبد هذه الأصنام، هذه الشياطين، عالم العنف، عالم البطش، عالم القوّة، عالم الانتقام.

4 - نتعبّد لها!

هي آلهة عديدة، هي أصنام نتعبّد لها، ونعتبر أنّنا حين ننتقم نجد الراحة، حين نكون عاملين بالعنف نجد الراحة؟ كلاّ ثم كلاّ. هي القوّة الحيوانيّة، قوّة الوحوش تستيقظ فينا فتعيدنا إلىعالم الحيوان. نعم يا ربّ نحن لا نتمسّك بالأباطيل، لا نتمسّك بالأصنام الباطلة. يموت صنم فيفرخ أكثر من صنم في حياتنا، في تصرّفاتنا.

أُبغض المتمسّكين بالأباطيل، فالمؤمن لا يتعبّد للأصنام، بل هو لا يحبّ المتعبّدين للأصنام، لا يرافقهم، لا يجاريهم في حياتهم اليوميّة، بل هو لا يصلّي معهم، لا يشاركهم. ونتذكّر جماعة كورنتوس بعدما قال لها بولس ما قال، إن أنتم ذبحتم للأصنام، إنّما تذبحون للشياطين. أمّا المؤمن فهو لا يشارك في أيّ من هذه العبادات، هو لا يأكل في ظلّ المعابد، ولا يشارك الأشخاص وإن كان من ورائهم الغنى الكبير والنجاح.

كم مرّة يا ربّ نتاجر بالقيم، القيم الإنسانيّة، القيم المسيحيّة من أجل فائدة مادّيّة أو معنويّة، كم مرّة يا ربّ نتاجر بإيماننا، بديانتا، لكي نحصل على بعض المال، على بعض الوظيفة. كم مرّة يا ربّ نتاجر حتّى بجسدنا، حتّى بعواطفنا، من أجل ربح زهيد. كم نحن مساكين يا ربّ، كم نحن ضعفاء، لأنّنا نترك الأصنام تسيطر شيئًا فشيئًا في حياتنا.

تلك كانت حالة المسيحيّين الأوّلين. تركوا الأصنام وعبدوا الله الحيّ. ولكنّهم أخرجوا هذه الأصنام من الباب وأدخلوها من النافذة، أدخلوها من الشبّاك، لا بل أضافوا أصنامًا على أصنام. ونحن يا ربّ نبدو أنّنا لسنا أفضل منهم. أصنامنا عديدة، والصنم الأساسيّ هو الأنا، الأنانيّة. الأنا الذي يريد أن يفرض نفسه. الأنا الذي يتوسّل جميع الوسائل حتّى يكون الآخرون في خدمته ومستعبَدين له.

أُبغض المتمسّكين بالأباطيل، أُبغض عبّاد الأوثان. لا أفعل فعلهم. بل عليك يا ربّ أتوكّل. كلّ القوى البشريّة، كلّ العظماء في البشر، كلّ الناس، لا يمكن أن يمنحوني الخلاص. يا ليتهم يستطيعون أن يخلّصوا أنفسهم. أمّا أنا يا ربّ فجعلت كلّ اتّكالي عليك. جعلت ثقتي بك. ولكن لا يقول المرتّل ماذا يحصل؟ يكفي أن يتّكل على الربّ لكي ينال الخلاص.

5 - ونحن نفرح بالربّ

لهذا السبب يهتف في آية 8 أبتهج وأفرح برحمتك. أبتهج وأفرح. نلاحظ المؤمنين. اليوم وفي كلّ يوم، هم أبناء البهجة، هم أبناء الفرح. لا شيء يحزنهم سوى الخطيئة، لا شيء يكدّرهم سوى البعد عن الله. والبهجة والفرح يرتبطان برحمة الله. حتّى وإن ضلّوا، حتّى وإن خطئوا، حتّى وإن ضعفوا أمام التجربة، هم لا يتوكّلون على ذواتهم، لا يتوكّلون على استحقاقهم، يتوكّلون على مراحم الله.

وكيف تظهر هذه المراحم، كيف تظهر هذه الرحمة؟ يا من نظرت إليّ في عنائي. يا من نظرت إلى عنائي، إلى تعبي، تعب نفسي وتعب جسدي. العناء يمكن أن يكون المرض، يمكن أن يكون العذاب من نوع آخر. وعناء النفس هو الخطيئة والابتعاد عن الله، بحيث لا نستطيع أن نتخلّص من الأصنام الباطلة التي تشدّنا إليها. لا نستطيع أن نتخلّص من الناس الذين يتوكّلون على هذه الأصنام ويستفيدون من هذا الاتّكال، من أمور مادّيّة ومعنويّة.

أنت نظرت إلى عنائي، وأنت يا ربّ حين تنظر، تفعل. لا يكفي يا ربّ أن تنظر كأنّك غريب. فأنا حبيبك، أنا من اخترتَه، أنا من وضعتَ عليه يدك. فأنا متأكّد أنّ نظرتك هي نظرة أب محبّ. نظرة شخص يهمّه الذين خلقهم على صورته ومثاله. أنت نظرت إلى عنائي ويمكن أن تكون سمعت صراخي. نظرت إلى عنائي وعرفت ما أضيق حالي.

6 - مهما ضاقت الحال

الحال التي يعيشها المؤمن هي حالة من الضيق. لكن الربّ عرفها. عرف، لا يعني فقط أنّ شخصًا أخبره بها، ويمكن أن يكون أنا من يخبره بها. لكنّ المعرفة في الكتاب المقدّس تدلّ على الملازمة، يعني أنت يا ربّ قريب منّي حين أُحسّ بحالة الضيق. عرفتَ حالي، يعني أخذتها على عاتقك. عرفتَ يعني أردت أن تتّحد بي، وتأخذ هذه الحالة الضيّقة في ذاتك.

هذا ما قاله بولس الرسول حين كتب أنّ يسوع صار خطيئة من أجلنا. كأنّه أراد أن يأخذ الخطيئة على عاتقه، كما أخذ الموت على عاتقه فأماته بموته. وأخذ الخطيئة فأماتها بموته على الصليب. أنت عرفت يا ربّ، أنت أخذت وضعي بما فيه من ضيق، بما فيه من ألم، بما فيه من عناء. فما أعظم فرحي وما أوسع بهجتي.

يا من نظرت إلى عنائي، يا من عرفت ضيق حالي. عندئذ ما أوقعتني في يد العدوّ. يعني أنا ما وقعت في يد العدوّ. نلاحظ دومًا أنّ الفعل يجعل الربّ سيّد الحياة وسيّد الموت، سيّد الصحّة وسيّد المرض، سيّد النجاح وسيّد الفشل. كلّ شيء في النهاية يأتي من ا؟. إذا وقعتَ في يد العدوّ، كانوا يقولون: الربّ أوقعني، إذا مرضت كانوا يقولون: الربّ أمرضني، أعطاني المرض.

هنا نحن في صيغة النفي، ما سمحت يا ربّ بأن أقع في يد العدوّ. عملتَ المستحيل معي لئلاّ أقع في يد العدوّ. إذًا من جهة هناك صيغة النفي: ما سمحت. وهناك الصيغة الإيجابيّة: في الأمان ثبّت قدميّ. في الأمان، في الأرض الثابتة، في الأرض الصلبة، على الصخرة، في مكان آمن، ثبتَّ قدميّ بحيث لا أتزعزع، بحيث لا أسقط. عندما يكون الإنسان ثابت القدمين هذا يعني أنّ الربّ يسنده. أنّ الربّ حاضر في حياته.

وهكذا بدأ هذا القسم الأوّل من المزمور 31: 1 - 2 إلى 9. القسم الأوّل هو ذاك المزمور الذي ردّده يسوع على صليبه، وتردّده الكنيسة مرارًا. والجميل عندما يردّد يسوع إحدى كلمات العهد القديم، إحدى عبارات العهد القديم. فهو يعطيها عمقًا جديدًا وبعدًا جديدًا. وليس يسوع وحده من يردّد هذه الكلمات: فاسطفانس نفسه أيضًا قال: أيّها الربّ في يديك أضع روحي. ويمكن لكلّ مؤمن عند ساعة الموت أن يردّد هذه الكلمات. يمكنه أن يعود إلى حياته السابقة وينظر إلى ما فيها من ضيق وألم وصعوبات وشدّة. ولكنّه يمكن أن يقول: يا أبتِ في يديك أستودع روحي.

تلك صلاة يسوع، تلك صلاة الكنيسة، تلك صلاة كلّ واحد منّا. هي صلاة التشكّي ويمكننا أن نتشكّى أمام الربّ. ولكنّها في النهاية صلاة الاستسلام المطلق إلى الربّ. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM