صلاة شكر بعد خطر الموت

صلاة شكر بعد خطر الموت

المزمور الأربعون

أحبّائي، قراءة المزامير تتجاوب مع حاجاتنا. مرّات نحتاج إلى أن نشكر الله على عطاياه وما أكثرها. ومرّات أخرى نحتاج أن نستغيث بالله، أن نطلب عونه ومساعدته، ساعة يسيطر علينا الضيق، ساعة تسيطر الصعوبات. نحن يمكن أن نختار المزمور الذي نريده بحسب الحالة التي نعيشها، وهذا ممكن بشكلٍ خاصّ عندما نعتاد على صلاة المزامير، على تلاوتها، على إنشادها، على تكرارها. ويمكن أن نكون من المبتدئين فيمكن أن نجد في العنوان ما يساعدنا على اختيار المزمور الذي نصلّيه في ساعةٍ من الساعات.

نتذكّر هنا أحد الكهنة الذي أُرسِل إلى الرسالة وأحسّ بصعوبة المهمّة التي يعيشها أو التي يستعدّ للأخذ بها. فأخذ المزمور 22: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟». انطلق من هذا المزمور الذي هو مزمور الألم العميق أمام الشدّة، أمام العذاب، ولكنّه وصل في هذا المزمور: «أخبر في الجماعة باسمك»، أحمل اسمك إلىالبعيد. وكان هذا المزمور قوّةً هدّأت من غليانه الداخليّ وانتهى بلا شكّ مع مشهد يسوع في بستان الزيتون حيث يقول الربّ: «لا مشيئتي بل مشيئتك». تلك هي العواطف التي يمكن فيها أن نرتّل المزامير، أن ننشدها.

واليوم ننشد المزمور 40 الذي يبدأ: «رجوتُ الربّ كثيرًا، فمال إليّ وسمع صراخي». أمّا اليوم فعنوان حديثنا هو «صلاة شكرٍ بعد خطر الموت». ونقرأ المزمور 40.

«أصعدَني من جبّ الهلاك، ومن مستنقع الطين انتشلني. أقام على الصخرة قدميّ، وثبَّت لي خطواتي. لقّنني نشيدًا جديدًا، نشيد تهليل إلهنا. يرى الكثيرون هذا فيخافون، وعلى الربّ يتوكّلون» (آ 3 - 4).

قرأنا المزمور 40 الذي هو مزمور الشكر والاستغاثة، وسوف نشرح القسم الأوّل وهو شكرٌ للربّ الذي يخلّصنا من خطر الموت.

1 - رجوت الربّ

آية 2: «رجوت الربّ كثيرًا فمال إليّ وسمع صراخي». نستطيع أيضًا أن نقول: »رجوت الربّ رجاءً». هذا الرجاء الذي تحدّث عنه المزمور 39 فقال المرتّل: »من أرجو وأنت رجائي كلّه». وها هو الآن أيضًا يقول: «رجوت الربّ كثيرًا». يعني لا نجعل رجاءنا في الله وفي البشر معًا، ولا يكن رجاؤنا صلاةً نتمتمها برؤوس شفاهنا. كلاّ. إمّا رجاؤنا يكون كبيرًا وإمّا هو ليس برجاء. إمّا يكون عميقًا وإلاّ هو ليس برجاء. »رجوت الربّ كثيرًا«، وكان الجواب سريعًا من عند الربّ: «فمال إليّ وسمع صراخي». هذه الصورة الرائعة: «مال إليّ»نتطلّع مثلاً إلى أبٍ يناديه ابنه أو ابنته الصغيرة، ماذا يفعل؟ يميل، ينحني، حتّى تصبح أذنه على مستوى فم الولد. ينحني، ينزل. كدت أقول: يسمع إلى ابنه، وقد يرفعه على يديه كما يقول هوشع النبيّ: »يجعل وجه ولده على وجهه«. «فمال إليّ»، صار الأب على مستوى الابن، هذا ما نقول عن الربّ. هو الإله العظيم، الرفيع، الساكن في السماوات «مال إليّ». وأستطيع أن أتوجّه إليه، أن أصرخ إليه، أن أناديه لأنّه يسمع صراخي.

والمهمّ هنا أنّ هذا المؤمن ليس فقط على مستوى الأرض، هو تحت الأرض، هو في الجبّ، في البئر. يشبه إرميا إلى حدٍّ كبير. إرميا أمسكه الملك وجعله في قعر الجبّ، في قعر البئر. والربّ نزل إليه، مال إليه. لم يكتفِ بأن يقف على الأرض وينادي حبيبه، بل وصل إليه، أوصل أذنه إلى فم تقيّه. وهذا الجبّ ليس فقط الجبّ الخارجيّ الذي خرج منه إرميا، جبّ أخرجه منه أحد موظّفي الملك، هذا الجبّ هو جبّ الهلاك. هي صورة ملموسة، ولكنّها تحمل العقاب الكبير: جبّ الهلاك. جبّ الموت. يهلك الإنسان، يموت الإنسان، ولكن الربّ لا يسمح. يقول المزمور: «أصعدَني من جبّ الهلاك». ما تركني هناك، وما انتظر البشر أن يُصعدوني من هناك، أن ينقذوني. أبدًا. نزل وأصعدني. ويتابع: «ومن مستنقع الطين انتشلني». إذًا، هناك الطين. وأنا أغرق في هذا الطين. وغرقُ الطين معروف. فالإنسان يموت خنقًا. لكن الربّ جاء إلى مستنقع الطين يقع الولد في المستنقع، يأتي والده أو والدته. ينتشله من هناك.

2 - أقامني على الصخرة

وهذا ما فعل الربّ من أجل صفيّه، أصعدني، انتشلني. كنت تحت، صعدت. كنت غريقًا، انتشلني. وما اكتفى بأن ينتشلني ويجعلني على الأرض اليابسة، كلاّ. بل جعلني على صخرة «أقام على الصخرة قدميّ». هي الأمانة، هي المتانة. يكفي أن أكون مع الربّ، أن تكون حياتي في يدي الربّ لأحسّ أنّني على صخرة قويّة، فلا تصل إليّ المياه الغامرة ولا طين المستنقعات. «أقام على الصخر قدميّ وثبّت لي خطواتي». خطواتي لم تكن ثابتة في جبّ الهلاك. في المستنقع، لا شكّ، الإنسان يزلق، يزحط، يقع. لكن عندما جعلني الربّ على الصخرة ثبّت لي خطواتي. بعد هذا لن أخاف أبدًا.

ويقول المزمور: «جعلني على صخرةٍ أعلى من كلّ أعدائي». هنا، العدوّ هو جبّ الهلاك أو مستنقع الطين. وقد يكون هناك أعداء من نوع آخر، لكنّ الربّ جعلني على صخرة، رفعني، حماني، منع عنّي كلّ شرّ. وثبّت لي خطواتي: منذ الآن أستطيع أن أمشي، أستطيع أن أسير على نور الربّ. لا شكّ، الربّ هو الذي يثبّت خطوات المؤمن، ولكن على المؤمن أن يعرف أنّ حياةً مبنيّة على وصايا الله لا يمكن إلاّ أن تكون ثابتة. وهكذا يتجاوب المؤمن مع ما يفعله الله من أجله. هو لا ينعم بما يعطيه الله كالكسلان، كالذي لا يريد أن يعمل عملاً، بل هو يتجاوب مع الربّ. »أقامه الربّ« فقام معه، «رفعه الربّ» فارتفع معه، جعل خطواته ثابتة فثبّت خطواته في قلب وصايا ا؟، هذه الوصايا التي هي نورٌ والتي هي حياة. وبعد هذا الخلاص الذي ناله المرتّل، لا بدّ من النشيد، لا بدّ من نشيد الشكر.

3 - نشيد جديد

ولكنّ المؤمن لا يعرف أن ينشد، ونحن يحدث لنا مرارًا أن لا نعرف أن ننشد، أن نمدح الربّ. نُتبع الطلب بالطلب، وإن نحن أنشدنا، لا يكون نشيدنا على مستوى ذاك الذي ننشده. لذلك نقوله له: «أنت علّمنا يا ربّ، أنت لقّنّا كيف ننشد». وهنا يكون نشيدي جديدًا، لأنّ الخلاص الذي نلتُه هو خلاص جديد. بأيّ حال، كلّ خلاص هو جديدٌ بالنسبة إليّ، لهذا فهو يتطلّب نشيدًا جديدًا مع العلم أنّ كلمة «جديد» تربطنا دائمًا بنهاية الأزمنة. في نهاية حياتنا، في نهاية العالم، ننشد النشيد الجديد عندما نقول: «الأرض الجديدة والسماوات الجديدة»، كما يقول أشعيا أو سفر الرؤيا: «ها أنا أصنع أرضًا جديدة وأشيد سماوات جديدة». عندئذٍ يقول المؤمن النشيد الجديد والجديد وملء الجديد في حياة، ليس فقط نشيد شخص واحد أو مؤمن واحد، بل، البشريّة كلّها: «لقنّي نشيدًا جديدًا، نشيد تهليل إلهنا». نشيد التهليل لإلهنا لا إله لنا سواه. نحن نهلّل الله، نشكر الله

يرى الكثيرون هذا، فيخافون وعلى الربّ يتوكّلون. نلاحظ هنا أنّنا عكس ما قرأنا في المزمور السابق، مزمور 39. في 39 خاف المؤمن أن يعيّره الجُهّال، أن يعيّره الغادرون لأنّ الربّ لم يفعل له، هذا ما يظنّونه. أمّا هنا فالربّ فعل له. لهذا عندما يرى الكثيرون ما فعله الربّ لصفيّه، يخافون إن هم أرادوا أن يتصرّفوا تصرّف الجُهّال، المنكرين لوجود الله وعمله. إنّهم لا يتجاسرون. يرى الكثيرون أعمال الربّ، فيخافون المخافة الحقيقيّة، لأنّهم يكتشفون حضور الربّ من خلال هذا العمل، حضور الربّ من خلال أبراره.

هذه المخافة لا تُولد من لا شيء، هي لا تولد إلاّ إذا رأى الإنسان عمل الله حضور الله. وهو فيما عمله لتقيّه يرى هذا الإنسان فيخاف ويقول: «اتّكل هذا المؤمن على الربّ فنال حاجته»، نال المساعدة التي انتظرها وأنا أيضًا سأتوكّل.

4 - الاتّكال على الربّ

إذًا، هؤلاء الكثيرون رأوا ما فعله الربّ، خافوا حين اكتشفوا حضور الربّ فما بقي عليهم إلاّ أن يتوكّلوا على هذا الربّ القدير، الذي يقول فيفعل. عندئذٍ يقول المرتّل لي، لكَ، لكِ، لكلّ واحد منّا: »أنت توكّلت على الربّ، هنيئًا لك«، هنيئًا لمن يتوكّل على الربّ لا على البشر. ماذا ينفع الاتّكال على البشر وهم نفخة ريح؟ ماذا ينفع الاتّكال على العظماء؟ هم كالقشّ في النار، أمّا المؤمن فيتوكّل على الربّ فقط. جعلتُ في الربّ رجائي، هو متّكَلي وحدي من بطن أمّي، هو رجائي ولا رجاء لي في سواه. يرى الكثيرون ويخافون وعلى الربّ يتوكّلون، «هنيئًا لمن يتوكّل على الربّ» ولا يداري الطغاة الكاذبين أو الآلهة الكاذبة أو من يضايقونني.

إذًا، العبارة تحمل المعاني العديدة. أوّلاً، الطغاة الكاذبون كذبوا ويريدونني أنا أيضًا أن أكذب أو على الأقلّ أن أسكت، أن لا أقول ما صنعه الربّ من أجلي، هم يستبدّون! أمّا هذا المؤمن المتّكل على الربّ، فلا يداري هؤلاء الطغاة، لا يسمع لهم، لا يُساوم. كما لا يُداري الآلهة الكاذبة. يعني هؤلاء الناس الذين يذهبون يومًا إلى هيكل الربّ الإله ويومًا آخر إلى هيكل الأصنام حتّى لا يخاف من أحد وينال الفائدة هنا وهناك.

وربّما هؤلاء الطغاة يضايقون المؤمن. هذا ما فعله الكتبة والفرّيسيّون حين قام يسوع من بين الأموات. ماذا فعلوا؟ أعطوا رشوةً للجنود حتّى يُنكروا أنّ المسيح قام. وهنا، قد يطلب هؤلاء الطغاة أو المضايقون، قد يطلبون من المؤمن أن يسكت عمّا رأى، عمّا اختبر من حضور الربّ في حياته.

آية 6: «ما أكثر عجائبك لنا وتدابيرك، أيّها الربّ». مرّات عديدة نعتبر أنّ زمن العجائب ولّى مع المسيح وبعض القدّيسين: من هنا عجيبة، من هناك عجيبة. ولكنّنا لا ننسى العجيبة الكبرى، حياة الإنسان التي هي مجد الله. الكون مليء بالعجائب، ولكنّنا نحن لا نعرف أن نكتشف هذه العجائب في حياتنا، في جماعتنا، في كنيستنا، في العالم، مع الضعفاء، مع الفقراء، مع المشتّتين، مع المصدومين، »وتدابيرك، أيّها الربّ»: يعني أنت تدبّر الأمور، ترتّب الأمور، تنظّم الأمور. عجائبك كثيرة وأنت ترتّبها، تدبّرها، يا من لا شبيه له.

ويتابع المرتّل: «كيف لي أن أحدّث بها فهي أعظم من أن تُحصى». أجل، عجائب الربّ كثيرة جدٌّا، يكفي أن أنعم بها، يكفي أن أتذكّرها، يكفي أن أعرف أنّني مهما فعلت لا أستطيع أن أستنفد عطايا الله في حياتي، شكرًا لك يا ربّ، شكرًا لك. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM