Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}
استسلام المؤمن بيدالله
المزمورالتاسع والثلاثون
1- المقدّمة
أحبّائي، قراءتنا للمزامير، على صوت المحبّة، قراءة أسبوعيّة، وكم من المهمّ أن تكون قراءة يوميّة. فالمزامير هي صلاتنا، والصلاة هي التنفّس، تنفّس النفس، تنفّس القلب، تنفّس الروح. كما أنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش إن لم يتنفّس، فهو أيضًا لا يستطيع إن لم يصلِّ. الصلاة هي التي تُدخل الأوكسيجين إلى نفوسنا، تعطينا حياة جديدة، تجدّد إمكانيّاتنا، تجدّد قوانا يومًا بعد يوم.
من هنا قال لنا يسوع: صلّوا ولا تملّوا.
والمزمور 39 الذي نقرأه سبق وقرأنا بعضه. أمّا اليوم فنقرأ خصوصًا القسم الثاني من آ 8 إلى آ 14 وعنوانه استسلام المؤمن بيد ا؟. هذا هو القسم الثاني من المزمور مع الكلمة الرائعة في النهاية، حيث يقول المؤمن: وسّعْ لي فأنشرح قبل أن أمضي ولا أكون.
بما أنّ الخطر يتهدّد المؤمن، فهو يحتاج إلى نعمة من عند الربّ. ونقرأ المزمور، وإن كنّا قرأناه سابقًا. فالقراءة هي التي تدخلنا في قلب كلام الله
ونقرأ انطلاقًا من آ8: »والآن يا ربّ، ماذا أرجو، وأنتَ حالي كلّه؟ أنقذني من جميع معاصيّ، ولا تدع الجهّال يعيّرونني. تألَّمتُ ولم أفتح فمي لأنّك أنت فعلتَ ما بي. ارفع ضربتك عنّي، فمن جور يدك فنيتُ« (آ8-11).
إنّ كلمة قرأ ترتبط بدعوة. عندما نقرأ الكتاب المقدّس، نبدو كأنّنا نتسلّم دعوة من عند الربّ، كأنّنا نتسلّم نداء من عند الربّ. لا شكّ، أنا أقرأ النصّ الكتابيّ، ولكن في الواقع، الربّ هو الذي يقرأه عليَّ، ومن خلال كلماته يدعوني لكي أسمع له، لكي أعيش بحسب ما قرأتُ، وفي النهاية بحسب ما يقوله هو لي، ويُلهمني في أعماقي.
هذا المزمور ينشده المرتّل ليخبر الله بمرضه الخطير، بهذا المرض جعل الأعداء يفرحون بقرب موته. هناك حسد بالنسبة إلى الإنسان. ولكنّ الشرّ الكبير هو أنّهم يريدون أن يبيّنوا أنّ الله لا يفعل شيئًا بالنسبة لأتقيائه. لهذا كانت العقيدة: الربّ هو رجاؤنا الوحيد في حياة قصيرة تملأها الآلام. في الواقع قد يكون عند هذا أو ذاك الآلامُ، المرض، العذابات. ولكن عندما يكون الإنسان في عزّ المرض، في قلب المرض، يرى الحياة وكأنّها كلّها مرض، يرى الحياة وكأنّها كلّها عذاب وآلام. فالحياة فيها الراحة وفيها العذاب، فيها الفرح وفيها الحزن، فيها كلّ ظروف الحياة، فيها المرض، فيها الصحّة...
2 - ثقة المؤمن في قلب الألم
بدأ هذا المرتّل فنظر إلى سعادة المنافقين. هو الذي التصق بالربّ، هو الذي جعل حياته مع حياة الربّ، يتألّم، يمرض، أمّا الذين لا يهتمّون للربّ، أمّا الخطأة، أمّا الرافضون، فهم في صحّة جيّدة.
وهذا ما جعل المؤمن يتشكّك. أهكذا الربّ يعامل أحبّاءه؟ وسيأتي الجواب، انطلاقًا من موقف إيجابيّ بنوال حياة مع الربّ على مثال أيّوب الذي قال: أنا سأرى الربّ مهما كان الجسد هذا، أعاين الربّ. ولكن هنا البرهان ينطلق من أنّ الحياة قصيرة: إن كان هناك من آلام، فهذه الآلام لا تدوم.
وبما أنّ الحياة قصيرة فلا حاجة إلى الاهتمام بما يحدث فيها. في المرّة السابقة قرأنا القسم الأوّل من المزمور وكيف أنّ أيّام المؤمن قصيرة. يعدّها البشر، يعدّونها كالنسمة، يعدّونها كالظلّ. والآن نترك هذه الوجهة من الحياة العابرة، ونتوقّف عند الثقة، ثقة المؤمن بأنّ الربّ هو هنا، مع أنّ هذا المؤمن يتألّم، مع أنّه يرى فيما يحدث له وكأنّه ضربة من قبل الله
نتذكّر، أحبّائي، الله لا يضرب، الله ليس ذلك المراقب القاسي الذي ينتظر منّا أيّ خطأ لكي يعاقبنا. كلاّ. فالربّ قبْل أن يكون إله الغضب هو إله الرحمة. قبل أن يكون إله العقاب هو إله الخلاص. هذا ما يجب أن يكون في أعماقنا.
ونقرأ آية 8: والآن يا ربّ ماذا أرجو وأنت رجائي كلّه.
الآن، إذًا، نترك الماضي وما فيه من خطايا، نترك الماضي وما فيه من تعب. الآن. دائمًا الصلوات في الكتاب المقدّس وفي بعض الطقوس خصوصًا السريانيّة منها بفرعيها السريانيّ والمارونيّ، بعد أن نقول الواقع تأتي الصلاة: والآن، خصوصًا في ما يسمّى صلاة الفروميون أو السدر أو الحساية كما نقول في اللغة اللبنانيّة. والآن، يا ربّ، ماذا أرجو؟ هذا القول ماذا أرجو له معنيان معنًى أوّل: لا أستطيع أن أرجو بعدُ شيئًا. أنا في المرض. حياتي قصيرة لا أرجو شيئًا.
لكن هناك الوجه الآخر: جعلت رجائي في أمور كثيرة، جعلت رجائي في حياة طويلة، جعلت رجائي في مال حصلت عليه، في أولاد عديدين، في أقارب، في أحبّاء، في عظمة، في وظيفة؛ ولكن، يا ربّ، فهمت الآن أنّ كلّ هذه الرجاءات، كلّ هذا الذي وضعت فيه ثقتي، إنّما هو قصير، إنّما هو يُعدّ بالشبر والمتر والذراع وهو لا يدوم طويلاً. كلّ هذا ليس بشيء تجاهك أنت، يا ربّ، أنت يا رجائي كلّه.
ماذا أرجو، يا ربّ، وأنت رجائي كلّه. عندما نجعل رجاءنا كلّه في الربّ، لا نرجو بعد شيئًا. وما يعطينا إيّاه الربّ لا يقدر أحدٌ أن يعطينا. وعندما نجعل كلّ حياتنا بين يدي الربّ، الباقي يأتي وحده كما يقول الإنجيل: اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه والباقي يزاد لكم.
3 - الجهّال يعيّرونني
انطلاقًا من هذا الرجاء يصرخ المرتّل.
آ 9: أنقذْني من جميع معاصيّ ولا تدع الجهّال يعيّرونني.
سبق وقلنا إنّ المعاصي هي التي تسبّب الأمراض. وفي أيّ حال، هنا نستطيع أن نقرأ أيضًا أنقذني من الغادرين بي. وهذا يتوافق مع: ولا تدع الجهّال يعيّرونني.
لماذا هناك أشخاص يريدون أن يعيّروا المؤمن الذي اتّكل على الربّ؟ لا تسمح، يا ربّ، أن يعيّروني؟ ومن هم هؤلاء الذين يعيّرونني؟ هم الجهّال. ويقول المزمور: قال الجاهل في قلبه: ليس إله. الله غير موجود. هؤلاء الجهّال يعتبرون أنّك غير موجود، وبالتالي غير فاعل، فإذ كان صفيُّك مريضًا وقريبًا من الموت، فماذا فعلت له؟ في النهاية، التعيير لن يكون فقط على المؤمن، بل على الله الذي لم يفعل شيئًا. وهكذا يُدخل المرتّل الله لكي يفعل.
آية 10: تالّمتُ ولم أفتح فمي لأنّك أنت فعلتَ ما بي.
أمرٌ مهمّ جدٌّا. لو أنّ الناس فعلوا ما يصيبني لكنت فتحت فمي، لكنت اشتكيت. أقلّه شكوت أمري إليك أنت، ولكن لأنّك أنت فعلت، أنت الفاعل، وأنت هو القاضي، وأنت هو الرحيم، فلا أستطيع إلاّ أن أسكت.
ذاك كان وضع أيّوب: أراد أوّلاً أن يشتكي: لماذا أنا أعاقب، وحياتي حياة الأبرار؟ وفي النهاية سكت المرتّل هنا. لم أفتح فمي. سكت: مع أنّي متألّم، لأنّني إن صرخت أكون كأنّي أصرخ عليك يا ربّ، وهذا ما لا أريده. صلاتي هي صلاة القلب، صلاتي هي صلاة الشفاه المغلقة، هي صلاة التمتمة.
4 - أتُرى الله يضرب
آ 11: ارفع ضربتك عنّي فمن جور يدك فنيت.
إذًا، هنا يعود الكاتب فيقول: المرض هو ضربة من عند الله. هذا يجب أن ننزعه من كلامنا. ماذا فعلت بالله؟ أخذ لي ابني، أعطاني المرض، هدم لي البيت. كان لي الفشل أمورًا عديدة. الربّ هو الذي يعين والربّ ليس في الضربة. المسيح هو الذي يحمل صليبنا معه وربّما يحملنا نحن مع صليبنا فننجو من الأخطار.
آ 12: تعاتبُ على الإثم فتؤدّب الإنسان، وتتلف كالعثّ مشتهاه وما الإنسان إلاّ نفخة ريح.
تعاتب الإنسان. تلوم الإنسان. لماذا؟ لأنّه أثم، لأنّه خطئ. ولكنّ الإنسان خاطئ، وأنت تعرف يا ربّ.
ويقول المزمور: في الخطيئة ولدتْني أمّي. الإنسان أثيم، الإنسان خاطئ. العتاب، اللوم، العقاب، هو يستحقّه، لا شكّ. ولكنّه ينتظر رحمتك لأنّه ضعيف، لأنّه يميل إلى الشرّ. الشرّ الذي لا يريده يفعله، والخير الذي يريده لا يفعله. هذا الميل القويّ جدٌّا في الإنسان، هذه الشهوات، كلّ هذا يجعله يأثم، يخطأ.
وأنت تعاقب على الإثم فتؤدّب الإنسان، تربّيه. هذا الأدب في مرحلة أولى هو مؤلم، لكن بعد ذلك نفهم أهمّيّة الأدب الذي يمنحنا إيّاه ا؟، لا بشكل مباشر، بل بشكل غير مباشر. من خلال أحداث الحياة، الصعوبات، الفشل، الألم، العذاب، المرض، الربّ يؤدّبنا. وتقول لنا الرسالة إلى العبرانيّين: إذا كان الله يؤدّبكم فهذا يعني أنّكم أولاده، أنّكم بنوه وبناته، فالأب يؤدّب أولاده، فلهذا يؤدّبكم. وإذا رفضتم التأديب بيّنتُم أنّكم لستم أبناء حقيقيّين بل أبناء زنى. وهذه آخرة سيّئة.
لا، يا ربّ، نحن أبناؤك، نحن بناتك، نحن أولادك، ونرضى التأديب. فعلّمنا نهاية هذا التأديب وأهمّيّة التأديب حتّى نكمل فيك، حتّى نتقدّم بالعلم والقامة والمعرفة والنعمة. تعاتب على الأثم فتؤدّب الإنسان، وتُتلف كالعثّ مشتهاه وما الإنسان إلاّ نفخة ريح.
5 - الإنسان ضعيف
إذًا الإنسان ضعيف جدٌّا والصعوبات تحيط به. وهنا الربّ يتلف كالعثّ، هذه الحشرة الصغيرة التي تأكل الخشب. والربّ لا يترك للإنسان مشتهًى، يريده أن لا يشتهي إلاّ الله ينتظر الإنسان من الله أن يبني له القصور، وأن يُعدّ له الأمور الكثيرة، بل ينتظر كلّ شيء من عند الربّ: انتظار نفسي للربّ كانتظار الساهرين للصبح. وعاد المؤمن بعد أن أشار إلى خطيئته، أشار إلى ضعفه وإلى التأديب الذي يناله، وكأنّي به يطلب رحمة الربّ، عاد المؤمن إلى الصلاة.
آية 13: استمع صلاتي، يا ربّ.
الربّ هو الحاضر، الربّ هو الذي يسمع دومًا. ولكنّنا نحن لا نعرف أن نصلّي، نحسب أنّنا بقوانا نتغلّب على الصعوبات. كلاّ. بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا، بل نحن نحتاج إلى أن نستمع إلى الله، وهو يعلّمنا الطريق التي فيها نسير. استمع صلاتي، يا ربّ، وأمِلْ أذنيك إلى صراخي. هو الذي سمع صراخ الشعب لمّا كان في الضيق وفي العبوديّة، وهو يسمع دومًا، كما يُميل أذنه خصوصًا عندما يرى دموع البائسين. أمِلْ أذنك إلى صراخي، لا تسكت عن دموعي. أنا غريب عندك ونزيل كجميع آبائي. أنا ضيف، أنا غريب، وسّع لي فأنشرح. اجعل لي مكانًا في بيتك، مكانًا واسعًا فأنشرح. يذهب الضيق عنّي قبل أن أمضي ولا أكون. يعني قبل أن أموت ولا أعود موجودًا على هذه الأرض. أسرع، يا ربّ، تعال إلى شفائي، تعال إلى معونتي. فإنّي إن متّ لن تستفيد بعد شيئًا.
كان المؤمنون في ذلك الوقت يعتبرون أنّ الحياة تنتهي بالموت. لهذا قال المؤمن: يا ربّ أسرع قبل أن أموت.
أمّا اليوم ففي نظر المسيحيّ المستند إلى قيامة المسيح بعد موته، نحن نعرف أنّ الموت هو عتبة إلى الحياة الحقيقيّة، لهذا يمكن أن نقول للربّ: وسّع لي فأنشرح، سواء في هذه الدنيا أو في الآخرة. فالربّ هو إلهي، وحياتي بين يديه. يدي تمسك يده. سواء كنّا في الحياة أو كنّا في الموت، فنحن للربّ نحيا وله نموت. آمين.