Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}
وسِّع لي فأنشرح
المزمورالتاسع والثلاثون
1 - مريض يقرّ بذنبه
أحبّائي، قراءتنا للمزامير يجب أن تكون قراءة يوميّة. ونحن نتأمّل مرّة أخرى في المزمور 39 الذي فيه هذا الكلام الصعب الذي نتحمّله. عرّفني يا ربّ آخرتي. ونربط دائمًا المزامير بعضها ببعض. نقرأ المزمور ثمّ نتوقّف عند آياته. إذًا نقرأ المزمور 39: لكبير المغنيّين. تلحين يدوثون. مزمور لداود.
قلت أنتبه في سلوكي لئلاّ يخطأ لساني (آ1) ... وسِّع لي فأنشرح، قبل أن أمضي ولا أكون (آ14).
قرأنا، أحبّائي، المزمور 39. هذا المزمور هو إذًا نشيد مرتّل يُخبر الله بمرضه الخطير. موضوعُه قريب من المزمور السابق. كان الكلام في المزمور 38: صلاة مريض يقرّ بذنبه. فالإنسان عندما يمرض، يمضي عادة إلى الطبيب. ولكن بالنسبة إليه المرض هو نتيجة الخطيئة، نتيجة الذنوب التي يمكن أن يكون اقترفها. وهذه الفكرة الناقصة ما زالت عند الكثيرين منّا.
أنا مريض. ماذا فعلتُ با؟ حتّى يضربني بالمرض. هناك ارتباط بين الخطيئة والمرض والموت. لكن لا نستطيع أن نقول: هناك ارتباط هذا المرض بهذه الخطيئة. كلاّ ثمّ كلاّ. فالله أبعد ما يكون عن مدرّب، مراقب، يمسك العصا ويضربنا ساعة نسقط في الخطأ. كلاّ. فهو كما يقول الربّ يسوع: جاء من أجل الخطأة قبل أن يأتي من أجل الأبرار. جاء من أجل الضعفاء قبل أن يأتي من أجل الأقوياء. لكن يبقى أنّ المرض يجعلنا نعي ذواتنا. الإنسان في الصحّة يحسب نفسه مساويًا ؟. الإنسان في الغنى يعتبر أنّه يستغني عن ا؟. الإنسان القويّ يعتبر أنّه يستطيع أن يهاجم الله في عقر داره، هذا ما فعله نمرود: رمى السهام على الله في سمائه. أو هذا ما فعله بناةُ برج بابل: أرادوا أن يرفعوا الأسوار فيصلوا بها إلى السماء. وهكذا يهاجمون الربّ في عقر دراه.
لكن عندما يحسّ الإنسان بالضعف، عندما يصيبه المرض، يعود إلى ذاته ويعرف أنّ حياته هي من الله أنّ صحّته من الله، أنّ قوّته من الله. يعرف أنّ أيّامه معدودة، ولا يستطيع بالتالي أن يتّكل على نفسه. يقول: ماذا أرجو؟ من أرجو؟ في من أضع أملي؟
ويأتي الجواب سريعًا: أنت رجائي كلّه، وهذا الوضع وهذه العاطفة لا تدخل قلوبنا إلاّ عندما نعرف أنّنا ضعفاء، أنّنا خطأة، أنّنا نحتاج إلى يد الله تمسكنا، تقودنا، توجّهنا. هذا المريض أقرّ بذنبه، واعتبر أن لا شيء يمنع الله من أن يشفيه. في أيّ حال، شفاء الله، عطاء الله، هو مجّانيّ ويسبق كلّ طلب من قبلنا. هو يشفي إن أراد أن يشفي، أمّا صلاتنا فتعلّمنا كيف نتقبّل نعمة الشفاء. هو يُحيينا كما يشاء وساعة يشاء، وصلاتُنا تعلّمنا كيف نتقبّل الحياة من عند الله
2 - مريض قريب من الموت
إذًا جاء المزمور 38 في فم مريض يقرّ بذنبه، أمّا في المزمور 39 فالمرتّل وجد نفسه قريبًا من الموت. ماذا قرّر أن يفعل؟ أن ينتبه إلى تصرّفاته، أن ينتبه إلى سلوكه، أن ينتبه إلى أقواله. فأعلن: الربّ هو رجاؤنا الوحيد في حياة قصيرة، في حياة تملأها الآلام. وبدأ أوّلاً فنظر إلى سعادة المنافقين، وعزم على السكوت لئلاّ يناقش الله
إذًا، نقرأ آية 2: قلت: أنتبه إلى سلوكي لئلاّ يخطأ لساني. هذا يعني أنّه في الماضي أطلق للسانه الكلام. ماذا في المزمور 38؟ نراه يتحدّث مع الربّ. يقول: نهارًا وليلاً ثقلت يدك عليّ، ونضارتي جفّت كما من حرّ الصيف. أمّا هنا، فعزمَ على أن لا يناقش الله
تلك كانت الطلبة الأولى، ولكنّه لا يستطيع أن يسكت والنار مشتعلة في قلبه. قلتُ: أنتبه إلى سلوكي لئلاّ يخطأ لساني، وأضع لفمي لجامًا ما دام الشرّير أمامي. ذاك كان الاستعداد الأوّل. ذاك كان القرار الأوّل في حياته. أضع لفمي لجامًا. لماذا؟ عندما أرى الشرّير أمامي وهو ناجح كلّ النجاح، أستعدّ للسكوت. لكنّ آية 3 ستقول لنا إنّه لم يقدر أن يسكت طويلاً.
آية 3: تألّمتُ جدٌّا حين سكتُّ، وتحاشيتُ الكلام، لكن زادت كآبتي. عادة، عندما يفصح الإنسان عمّا في قلبه، يرتاح بعض الشيء. أمّا المؤمن هنا فما أراد أن يفصح، لئلاّ يخطأ في هذا الموقف. ما أجمل الإنسان عندما يفتح قلبه أمام الربّ! عندما يبكي أمامه كما يبكي الصديق مع صديقه في وقت الضيق. هنا هذا المرتّل تحاشى الكلام، سكت، فازدادت كآبته كآبة. وفي أيّ حال، لا يستطيع أن يسكت.
يقول في آية 4: توهّج قلبي في داخلي، واتّقدتْ في جسدي نار. من يستطيع أن يحتفظ بالنار في يده؟ من يستطيع أن يحتفظ بالنار في كبده، في بطنه، في معدته، في أمعائه؟ هي نار تشتعل في الداخل. لهذا بدأ المؤمن يتكلّم. بدأ يتكلّم وهو يحتاج إلى السرعة، فلا وقت له طويلاً. أيّامه قليلة، أيّامه معدودة، حياته قصيرة. هو لا يناقش. يبقى لنا أن نعيش، أن نحيا. الصمت يبقى أفضل من كلّ شيء، والصلاة أيضًا.
نتذكّر هنا أيّوب لمّا جاءه أصدقاؤه الثلاثة، وصمتوا معه سبعة أيّام وسبع ليالٍ. ولكنّهم لمّا تكلّموا خسروا نعمة الصمت، وجعلوا أيّوب يخسرها. ترك أيّوب الصمت حين تكلّم، ولكنّه تعلّق بالصلاة. رفع قلبه في صلاة إلى ا؟، فكان له أن يرى وجه الله من خلال الخليقة. من خلال اهتمامه بكلّ واحد منّا.
3 - ما هي آخرتي؟
يقول في آية 5: عرّفني يا ربّ آخرتي! هنا في معنًى أوّل: هل ستطول؟ وفي معنًى ثانٍ: أريد أن أعرف كيف تنتهي حياتي؟ هل تنتهي بين يديك أو لا سمح ا؟ بعيدًا عنك؟ وقد تعني أيضًا: أيّامي طويلة والألم يرافقني. هل سأبقى مدّة طويلة؟ إلى متى يسير بي الألم. عرّفني يا ربّ آخرتي وكم تطول أيّامي، فأعرف كم أنا باقٍ. هذه الصلاة هي صلاة مؤمن، صلاة مريض يطول مرضه، يتألّم وألمه لا ينتهي. فكأنّي به يطلب من الربّ كما نقول في اللغة العامّيّة: يا ربّ تعالَ وخذ وديعتك، وخذ حياتي. خذ حياتي يا ربّ فأنا لا أستطيع بعد أن أتحمّل. عرّفني يا ربّ آخرتي، وكم تطول أيّامي، فأعرف كم أنا باقٍ. طال المرض فأريد أن تقصر أيّامي. طال الوجع فلا أريد أن أبقى طويلاً في هذه الدنيا. هو يقول، ولكنّه لا يواصل قوله. حياته في يد الله هو الذي أعطاها، وهو الذي يستعيدها. ليس الإنسان هو من يضع حدٌّا لحياته مهما كانت الظروف. وفي أيّ حال الوصيّة التي تقول لا تقتل، هي لكلّ المناسبات التي يعيشها الإنسان. سواء كان الطفل جنينًا، سواء كان الرجل عاجزًا، متألّمًا، ضائعًا، فالإنسان لا يمتلك الظروف التي بها يُنهي حياته وحياة غيره.
الربّ يعرف كيف يبنينا، يبني واحدًا منّا، يعمّره، يكبّره من خلال المرض، من خلال الألم، من خلال الصحّة، من خلال القوّة ومن خلال الإنتاج الذي يُنتجه. الربّ يعمل دائمًا. أمّا أن أكون في هذه الوظيفة أو تلك، أن أكون في هذا الوضع أو ذاك، فهذا مثل موج البحر. البحر الحقيقيّ الذي يضمّ السمك هو في الأعماق، وكذلك نحن. قد نعرف النجاح أو الفشل، الصحّة أو المرض. في العمق ربّنا يشتغل، في العمق ربّنا يعمل. وهو ينمّينا بكلّ عمل، بكلّ فكر، بكلّ قول. يكمّله، يتمّه حتّى نبني. هنا يقول مار بولس: هذا الجسد يمكن أن ينحلّ، أن يفنى، ولكنْ لنا بيتٌ آخر لم تصنعه اليد البشريّة، بيت آخر يصنعه الله من حياتنا، مهما كانت هذه الحياة. إنّه ينقّي الحجارة التي نهيّئها ويجعلها في بناء أبديّ.
4 - والحياة قصيرة
ويتابع المرتّل في آية 6: جعلتَ أيّامي أشبارًا، وبقائي كلا شيء أمامك. فالإنسان يتلاشى كالنسمة، يروح ويجيء كالظلّ. باطلاً يخزّن الثروة فهو لا يعرف من سيحوزها. نلاحظ هنا هذه الصور المتتالية التي تدلّ على ضعف الإنسان، على حياته القصيرة، على إمكانيّاته المحدودة. أوّل صورة: جعلتَ أيّامي أشبارًا. الشبر هو أقلّ قياس عندنا، الشبر أو الفتر إذا أردنا. ما هو تجاه الذراع، المتر، الأمتار، الكيلومترات. أمّا حياتي فتمتدّ امتدادًا بسيطًا. امتداد شبر بين إصبع وإصبع وبقائي كلا شيء؟ أمامك يمكن أن أبقى، يمكن أن تطول حياتي، ولكنّها كلا شيء. لماذا؟ لأنّك أنت الأزليّ، أنت الأبديّ. من الأزل إلى الأبد، أنت. أمّا نحن ففي الزمن، بقاؤنا كأنّه لا شيء. بقاؤنا كالدخان، كالزهرة، كالعشب في الأرض. والصورة الثانية: النسمة. الإنسان يتلاشى كالنسمة. كم تدوم النسمة؟ أقلّ من ثانية. فالنسمة تخرج وكأنّها ما كانت، والإنسان أيضًا يخرج وكأنّه ما كان. والصورة الثالثة: يروح ويجيء كالظلّ. إذا كانت الشمس هنا، فالظلّ يرافقها، إذا غابت الشمس لم يعد هناك من ظلّ.
نتذكّر هنا كلام يسوع المسيح في إنجيل يوحنّا عندما يحدّد حياتنا على الأرض وكأنّها نهار كامل: تشرق الشمس، تبدأ حياتنا؛ تغيب الشمس، تنتهي حياتنا. وهنا أيضًا يروح الإنسان ويجيء كالظلّ: ولكن عندما يأتي الليل، عندما تأتي العتمة تكون حياتنا قد انتهت. على كلّ حال، في العالم القديم كانوا يعتبرون النوم وكأنّه موت نعود بعده إلى الحياة في الصباح التالي.
إذا كانت حياتنا تتلاشى كالعتمة وتروح كالظلّ، فلماذا نجمع الثروة ولا نعرف إلى أين تنتهي هذه الثروة؟ ولماذا لا نعيش الساعة تحت نظر الربّ، ونحن عارفون في كلّ أيّام حياتنا، أنّ الربّ معنا اليوم.
نحن اليوم نسمع صوته، نحن اليوم نفهم كلامه، نحن اليوم نعمل بما يطلبه منّا، فهنيئًا لنا إن كنّا أبناء الحاضر، لا أبناء الماضي الذي مات، ولا أبناء المستقبل الذي ليس في أيدينا. آمين.