المزمور الثاني والعشرون: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟

المزمور الثاني والعشرون

إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟

أحبّائي، نقرأ المزمور الثاني والعشرون الذي يبدأ بهذه الكلمات.

إلهي، إلهي، لماذا تركتني، وامتنعت عن نجدتي وسماع أنيني؟

في النهار أدعو فلا تجيب، وفي الليل فلا تحرّك ساكنًا.

1 - صلاة يسوع على صليبه

إلهي، إلهي، لماذا تركتني. وفي الآرامية آلوي آلوي لمّا شبقتني؟ من لا يتذكّر هذه العبارة التي قالها يسوع من على صليبه في إنجيل متّى ومرقس. إلهي إلهي لماذا تركتني؟

وظنّ البعض أنّ الله تخلّى عن ابنه. ولكن ضمير المتكلّم: إلهي أنت إلهي، يعني أنا مرتبط بك مهما حدث. سأبقى مرتبطًا بك. وهذا المزمور 22 هو مع أشعيا 52 - 53 الإطار الذي فيه كُتبت أخبار الآلام.

هناك أوّلاً مرّات عديدة تذكر آيات من هذا المزمور. مثلاً: اتّكلَ على ا؟ فلينقذْه الآن إن كان راضيًا عنه. أو لمّا صلبوه: اقتسموا ثيابه بعد أن ألقوا القرعة عليها. أو: ثقبوا يديَّ ورجلي وأحصوا كلّ عظامي. أو: اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي اقترعوا. هذا المزمور الذي يجعلنا في سرّ الآلام سرّ آلام الربّ يسوع. الذي يربطنا ربطًا وثيقًا بيوم الجمعة العظيمة، هو في الأصل مزمور قاله أحد الأشخاص الذين عانوا الضيق، عانوا الظلم، عانوا الألم والعذاب. العذاب على مستوى الجسد وعلى مستوى النفس.

ذاك الذي كان عظيمًا تركه الناس، بل ظنّ أنّ الله تركه وتخلّى عنه، ذاك الذي كان كبيرًا نبذه الناس، حسبوه سفالة، لعنة، لا يستحقّ اللعنة.

هو مزمور يبدو في البداية كأنّه مزمور اليأس، ولكنّه في النهاية هو مزمور الرجاء.

وإذا تذكّرنا يسوع الذي لم يصلِّ فقط الآية الأولى: إلهي إلهي لماذا تركتني، بل صلاّه كلَّه، نفهم أنّ هذه الصلاة، صلاة يسوع، لم تنته في اليأس بل في ملء الرجاء، لم تنتهِ في الحزن، حزن الموت، بل في الفرح أفراح القيامة. وفي الواقع، حين صلّى يسوع هذا المزمور جمع في صلاته كلّ صلوات البشر، جمع في آلامه كلّ آلام البشر، وكأنّي به أراد أن تكون آلامنا تكملة لآلامه، لآلام جسده الذي هو الكنيسة، كما قال القدّيس بولس في الرسالة إلى كولوسّي.

2 - صلاة الشكوى

إذًا نقرأ المزمور: إلهي، إلهي لماذا تركتني؟ صلاة عبدالله المتألّم، مزمور 22.

القسم الأوّل إذًا صلاة المتألّم وشكواه، بل صلاة كلّ مؤمن وهو يشكو إلى الرب، حيثُ ظنّ أنّه تخلّى عنه، تركه.

آية 2: إلهي إلهي.... حتّى آية 3: تحرّك ساكنًا.

هي الصرخة، الصرخة الأولى. نلاحظ النفي: لا تجيب، لا تحرّك ساكنًا، فالربّ هو إله الجواب، هو الإله الذي يفعل، أمّا هنا: لا تجيب، لا تحرّك ساكنًا.

والفعلان تركتَ وامتنعتَ، أيضًا نحن في معنى النفي. عادةً الربّ لا يترك أبدًا. إن تركتني أمّي، إن تركني أبي، فالربّ لا يتركني. يقول المزمور.

ويقول أيضًا إشعيا: حتّى وإن تركت أمّ أولادها، فالربّ لا يترككم. ومع ذلك نقرأ هنا: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ هذا ما أحسّ به صاحب المزمور، كأنّه وحده والجميع عليه والجميع ضدّه، إذًا الله ضدّه. هذا ما يمكن أن يقوله المؤمن في أحلك ساعات الظلام، في الحزن، في الألم.

الله هو الذي يسمع، هو الذي سمع صراخ شعبه. الآن امتنعَ عن السماع، هو لا يريد أن يسمع.

ونتذكّر هنا مع الأنبياء حين يقدّم المؤمن ذبيحة، وهو خاطئ أو عابد أوثان. يرفض الربّ أن يسمع هذا البريء، هنا الربّ يرفض أن يسمع له، يرفض أن يسمع أنينه والربّ هو الذي يخلّص.

3 - أتُرى الله لا يسمع؟

يقول النصّ: امتنعتَ عن نجدتي. امتنعتَ عن مساعدتي. ما أردتَ أن تعينني. نقدر أن نقول: إلهي إلهي لماذا ما بقيت معي؟ إلهي إلهي لماذا ما أردت أن تنجدني، أن تساعدني، ما أردت أن تسمع أنيني، ما أردت أن تجيبني، ما أردت أن تتحرّك. لا تحرّك شفتيك، لا تحرّك يدك، لا تحرّك شيئًا، كأنّ أحدًا لا يصرخ إليك.

صلّيتُ إليك في النهار، ما سمعتَ. صلّيتُ إليك في الليل، ما سمعتَ. يعني طوال نهاري وليلي، طوال حياتي، صلاتي ارتفعت إليك، ومع ذلك أنت لم تتحرّك، أنت لم تجب، أنت لم تسمع، أنت لم تساعد. نحسّ يا ربّ بهذا الألم لدى المرتّل، وكلّ منّا شعر به في يوم من الأيّام. فلمن يستطيع أن يشتكي هذا المرتّل؟ هل يشتكي إلى الربّ من الربّ. أيشتكي إلى الربّ على الربّ؟ أنا أشكوك على نفسك يا ربّ.

آية 4: أنت القدّوس على عرشك. يهلّل لك بنو إسرائيل. أنت القدّوس، أنت العظيم، أنت الملك على عرشك. اعتاد بنو إسرائيل أن يهلّلوا لك على ما صنعت لهم، ومع ذلك ما صنعت لي شيئًا، بل رفضتَ أن تسمع أنيني، أن تأتي إلى نجدتي.

خلّصت بني إسرائيل فهلّلوا لك. ويعود المرنِّمُ إلى التاريخ.

آية 5: عليك توكّل آباؤنا، عليك توكّلوا فنجوا.

إليكَ صرخوا فأنقذتَهم، وعليك اعتمدوا فما خابوا.

عاد المؤمن إلى الآباء، اتّكلوا على الربّ فكانت لهم النجاة. نلاحظ مرّتين توكّل آباؤنا، توكّلوا. هي ثقة تامّة، ثقة كاملة. أترى ثقتي أنا المؤمن ضعيفة بالربّ بحيث لا يأتي لنجاتي، بحيث لا يأتي لينقذني؟ هنا يعود المؤمن إلى الثقة التي جعلها في ربّه. أتُرى صار الربّ ضعيفًا. أم إنّ ثقتي بالربّ ضعيفة؟

4 - مع أنّ المؤمن اتّكل عليه

عليك توكّل آباؤنا، عليك توكّلوا فنجوا. ما توكّلوا على البشر بل عليك. ثمّ يقول: إليك صرخوا فأنقذتَهم، وعليك اعتمدوا فما خابوا.

ضمير المخاطب أنت. أنت. عليك أنت. إليك أنت. عليك أنت اعتمدوا فما خابوا.

وأنا يا ربّ أتُرى ستكون لي الخيبة، خيبة الأمل. هم ربّما ما كانوا يحتاجون كما أحتاج أنا، ومع ذلك نجّيتهم، أنقذتَهم ما خيَّبتَ أملهم. وبعد أن جعل المرتّل أمامه الشعب كلّه، ثمّ الآباء الذين نالوا ما نالوا من الربّ، فهلّلوا وابتهجوا وفرحوا، أعطى صورة عن نفسه في آية 7. هم نجوا، هم ما خابوا. فلماذا تسحقني أنا، يا ربّ؟

آية 7: أنا دودة لا إنسان. يعيِّرني البشر، الناسُ كلّهم. وينبذني الشعب مع أنّني الملك فيهم.

كلّ من يراني يستهزئ بي، يقلب شفتيه ويهزّ رأسه. ويقول توكّل على الربّ فلينجّه وينقذه. إن كان يرضى عنه، ينقذه. هنا نلاحظ هذا المؤمن الذي يدلّ على ضعفه، يدلّ على الحالة الذليلة التي وصل إليها. ما هو إنسان من الناس يمكن أن يقف على رجليه. هو دودة.

البشر لا يمتدحونه، يعيّرونه، الشعب لا يسير وراءه، نبذه. ما من أحد يصفّق له، بل يقلب شفتيه ويهزّ رأسه.

5 - ألا ينجّي الله

هنا نتذكّر ما قيل في إنجيل الآلام عن يسوع المسيح في إنجيل متّى وإنجيل مرقس.

يقلب شفتيه ويهزّ رأسه. كانوا يقولون: يا هادم الهيكل وبانيه في ثلاثة أيّام. خلّصَ آخرين، وما استطاع أن يخلّص نفسه. وأيضًا ردّد هؤلاء أعداء المسيح ما قاله المزمور.

آية 9: توكّل على الربّ فلينجّه، لينقذه إن كان يرضى عنه.

إذا كنت تتألّم أيّها الربّ يسوع، إذا كنت تتألّم أيّها الإنسان، فهذا يعني أنّ الربّ لم يرضَ عنك، أنّالله غير راضٍ عنك.

في الواقع، أحبّائي، كانوا يعتبرون أنّ الألم والموت المبكّر إنّما هو عقاب من ا؟. وهذا الذي يتألّم، يعيّره الشعب، ينبذه، يستهزئون به، يقلبون أمامه الشفاه، يهزّون عليه الرؤوس، ويقولون الكلام المهين. هذا يعني أنّ الربّ لم يبارك صفيّه، أو هو يرفض أن يبارك صفيّه.

لهذا نفهم الكلمات الأولى: امتنعتَ عن نجدتي وسماع أنيني. لو أنت أنجدتني، لو أنت ساعدتني، لما كان كلّ هؤلاء الناس يعيِّرونني وينبذونني.

كلّ من يراني يستهزئ بي، يقلب شفتيه ويهزّ رأسه، ويقول: توكَّل على الربّ فلينجّه، وينقذه إذ كان يرضى عنه.

نلاحظ في آية 5: عليك توكّلوا فنجوا. إليك صرخوا فأنقذتهم. هنا توكّل على الربّ فلينجّه. هذا يعني أنّ الربّ لم ينجّ صفيّه وينقذه، يعني الربّ ما أنقذ صفّيه.

6 - أما رضيَ عن صفيِّه

إن كان يرضى عنه. فماذا ينقص هذا التقيّ؟ رضى الربّ. أمّا الآباء الذين نالوا النجاة والخلاص حين صرخوا إلى الربّ، فقد دلَّ الربّ على أنّه يرضى عنهم.

نحن هنا قريبون جدٌّا من أيّوب الذي قال فيه الكتاب: إنّه كان مرضيًا ؟، كان كاملاً، كان بعيدًا عن كلّ خطيئة، ومع ذلك أحسّ بضربة »من عند الله«، لأنّهم كانوا يعتبرون أنّ كلّ ما يحصل للإنسان إنّما هو من عند الله. يتركون الأسباب الثانويّة، الأسباب البشريّة، ويتوقّفون عند الأسباب الإلهيّة. إذا أنا مريض، الربّ أمرضني. إذا أنا متّ، الربّ أماتني. إذا أنا فشلت، الربّ فشَّلني. صار الربّ نوعًا ما العدوّ، لأنّه دخل في أحداث حياتي. بينما الفكرة الحقيقيّة هي أنّ الربّ معي ليحمل صليبي مهما كان ثقيلاً، وربّما ليحمله عنِّي، ليكون لي رفيق الدرب في الألم، في الحزن، في المرض، في الموت.

إذًا هذا المرتّل اشتكى إلى الربّ: هو الذي ساعد آباءه، رفض أن يساعده.

ويعود المؤمن فيقول له: أنت مسؤول عنّي يا ربّ، لولاك لما جئت إلى الحياة، لولاك لما كنت في الوجود. أنت أوجدتني، إذًا أنت مسؤول عنّي. كما الأمّ مسؤولة عن ولدها والأب عن أولاده، كذلك أنت يا ربّ مسؤول عنّي.

آية 10: أنت أخرجتني... حتّى آية 11: أنت إلهي.

نتذكّر هنا أيضًا أيوب الذي قال: ليتني لم أولد. وإن وُلدتُ ليتني متّ. حين خرج من بطن أمّه أحسّ نفسه متروكًا. ما قيمة الحياة وفيها ما فيها من ألم ويأس وضيق وشدّة. هنا هذا المرتّل يقول للربّ: أنت أخرجتني من الرحم، أنت أخرجتني. لو بقيت في رحم أمّي لكنت متّ هناك، وطمأنتني على ثدي أمّي، أعطيتني الطمأنينة، أعطيتني الأمان بأنّ حياتي ستكون برفقتك بأنّ حياتي ستكون سعيدة معك. إذًا أنا محسوب عليك وأنت مسؤول عنّي فكيف تتركني.

إلهي إلهي لماذا تركتني وامتنعت عن نجدتي وسماع أنيني؟ إلهي في النهار أدعو فلا تجيب وفي الليل فلا تحرّك ساكنًا وأنت القدّوس على عرشك. يهلّل لك بنو إسرائيل. ونتوقّف عند آ 11: »فأنا من الرحم محسوب عليك، ومن بطن أمّي أنت إلهي«.

ذاك هو المزمور 22. في بدايته هو صلاة عبد الربّ المتألّم، وفي النهاية صلاة الربّ يسوع الذي تكلّم عنه أشعيا. هذه الصلاة انتهت في خلاص حمله الربّ إلى شعبه، فكان موته مجدًا لأبنائه، وآلامُه قيامة لأحبّائه. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM