المزمور الثاني والعشرون :يا ربّ لا تتباعد عنّي

 

المزمور الثاني والعشرون

يا ربّ لا تتباعد عنّي

1 - المقدّمة

أحبّائي، الربّ يكون معنا، وكلمته ترافقنا، خصوصًا في صلاة المزامير. زامار؛ زمّر، أنشد، لحّن، رتّل، أنشد على المزمار، لأنّ الموسيقى تساعد على الصلاة، الموسيقى تساعد على الهدوء في حضرة الله

والصلاة من قلب المزامير هي كلام إلى اله بلغة الله، نحن نعطي فمنا ؟ فينشد المدائح، ينشد العظائم، وhلله يجعل فمه في فمنا، فيصبح فمنا إمتدادًا لفمه. كأنّي بالله كأنّي بيسوع المسيح بعيد عنّا، وهو يحتاج إلى فمنا لكي يتكلّم، لكي يصلّي، لكي ينشد.

هنيئًا للشعب، هنيئًا للمؤمن الذي يعرف أن ينشد صلوات الله بفم الله.

والمزمور 22 الذي بدأنا بقراءته المرّة الأخيرة وما انتهينا منه، لأنَّه مزمور طويل، هو صلاة عبد الله المتألّم.

أنشده مؤمن يتألّم من المرض، من الضيق، من الشدّة. وقرأه يسوع المسيح وقرأته الكنيسة، وصار في الأناجيل صلاة عبد الربّ الوحيد، العابد الكامل، العابد الذي لا خطيئة عنده، يسوع المسيح. ونعود فنقرأ المزمور منذ البداية، ونتابع تأمّلنا فيه. إذًا نقرأ المزمور 22: إلهي إلهي لماذا تركتني؟

آية 2: إلهي إلهي... حتّى آية 10. على ثدي أمّي.

إلى هنا كانت قراءتنا للمزمور في الحلقة السابقة. آباؤنا اتّكلوا عليك. فجعلتَ الثقة في قلوبهم. واليوم ماذا ستفعل من أجلي يا ربّ؟ أنت أخرجتني من الرحم وطمأنتني على ثدي أمّي.

إذًا، إخوتي، أخواتي، نتابع قراءة المزمور 22 من آية 10 وما بعد من آية 10: أنت أخرجتني... حتّى آية 22: بقر الوحش أعنّي.

إذًا، أحبّائي، قرأنا المزمور 22 من آية 11 إلى آية 22.

2 - أنا محسوب عليك

في هذا القسم نرى ذلك المتألّم، ذلك المضايَق، يحدّث الربّ عن الحالة التعيسة التي يعيش فيها. ويصوّر أعداءه. يصوّر الذين يريدون به شرٌّا بشكل وحوش، بشكل حيوانات. يذكر هنا ثيران باشان، يذكر الأسد: أسد مفترس مزمجر. يذكر الكلاب مرّتين. وإذا تحدّث، يذكر هؤلاء الأشرار الذين هم كثر، الذين هم أشدّاء، الذين هم يحاصرونني كما يحاصر الإنسان مدينة لكي يحتلّها ويُعمل فيها السيف.

آية 11: فأنا من الرحم محسوب عليك، ومن بطن أمي أنت إلهي. هنا يذكّر المرتّل ا؟. أنّ الله هو الذي أعطاه الحياة. كان بالإمكان أن يموت هذا الولد في رحم أمّه، كان ممكنًا أن يولد ويموت حالاً. ولكنّه الآن يعيش، وحياته نعمة من لدن الربّ. لكن إذا كان الربّ هو الذي أخرجه من الرحم، إذا كان الربّ هو الذي أعطاه الحليب من ثدي أمّه. إذا كان الربّ هو الذي منحه الحياة، فهذا يعني أنّه مسؤول عنه.

هذه الكلمة الرائعة: أنا محسوب عليك. مثل اليوم في عالمنا. هناك زعيم يهتمّ بنا. نحن محسوبون عليه. يعني يجب أن يدافع عنّا، أن ينتبه إلينا، أن ينتبه إلى أمورنا، أن يؤمّن لنا الحياة والراحة. وصاحب المزمور يقول للربّ: أنا محسوب عليك. بلغتنا الدارجة: أنا زلمتك. بما أنّي متعلّق بك، مرتبط بك، فأنت مسؤول عنّي. ليس فقط أنا محسوب عليك من بطن أمّي، أنت إلهي، يعني تعلّقت بك يا ربّ، ليس من الأمس ولا أوّل أمس ولا منذ ثلاثة أسابيع. من بطن أمّي أنا متعلّق بك، أنا مرتبط بك، أنا ربطت حياتي بحياتك.

من بطن أمّي أنت إلهي، وستبقى إلهي حتّى نهاية حياتي. وأنت المسؤول عنّي وأنا المحسوب عليك. كيف تسمح أن تصبح حالتي إلى ما هي الآن.

3 - اقترب الضيق

آية 12: اقترب الضيق، ولا نصير لي.

اقترب الضيق، أحسّ المؤمن بالخطر، كأنّ أسدًا يهجم عليه، كأنّ ثورًا يهجم عليه، أحسّ بالضيق يأتي، بالألم، بالشدّة، ورأى نفسه وحده لا نصير له، ليس له من يدافع عنه. البشر كلّهم ضدّه، أو إن لم يكونوا ضدّه، فليسوا معه. فهو وحيد، معزول، مهدّد. لهذا يَصعد صراخُه من أعماق قلبه: لا تتباعد عنّي، لا تبقى بعيدًا عنّي.

في الواقع، الله لا يمكن أن يكون بعيدًا عنّا، عن كلّ واحد منّا، ولا سيّما عن أحبّائه. لكن إذا أحسسنا أنّه بعيد، فلأنّنا نحن ابتعدنا بخطيئتنا، لأنّنا نحن قطعنا العلاقة مع الله لهذا رأيناه بعيدًا عنّا، فما عادت ناره تحرق قلوبنا، ولا عاد نوره ينير حياتنا. ما عادت ناره تعطينا الدفء، تعطينا الحياة.

اقترب الضيق ولا نصير لي. وكيف يظهر هذا الضيق؟ آية 13: أشدّاء كثيرون يطوّقونني، كثيرانِ باشان يحيطون بي. إذًا الأعداء هم أقوياء. يحيطون بي فلا أستطيع الهرب. ويشبّههم بثيران باشان، هي منطقة في شرق الأردنّ. هذه الثيران كانت معروفة بقوّتها، بضخامة أجسامها. وهنا يريد المرتّل أن يبيّن أنّه هو الضعيف، أنّه هو الأعزل، أنّه هو الذي لا نصير له. وتحيط به مثلُ هذه الحيوانات الشديدة، القاسية، القويّة، الشرّيرة. ويا ليت هؤلاء الثيران يقفون جامدين، كلاّ يقول 14.

4 - وبدا الأعداء كالأسود

آية 14: فاغرين أفواههم عليَّ.

فتحوا أفواههم كأنّهم يريدون أن يأكلوني. هكذا يقول المزمور عن الذين يفترون على الضعيف، يقولون الشرّ في اليتيم والأرملة، كأنّهم يريدون أن يأكلوا الضعيف، أن يأكلوا اليتيم والأرملة، أن يأكلوا الغريب المنسحق، المتعَب، المضنى.

فاغرين أفواههم عليَّ كأَسد مفترس مزمجر. أو في الجمع كأُسد مفترسة مزمجرة. تخيّلوا شخصًا في قلب الصحراء والأسود تحيط به. أيّ خطر يحيط به؟ الموت قريب منه، حياته صارت كلا شيء. لهذا السبب يقول:

آية 15: كالماء سالت قواي.

كما تسيل الماء من وعاء مثقوب، مقدوح، كذلك قوى هذا المؤمن أخذت تسيل، صار الجفاف، النشاف في عروقه. صار جلدًا على عظم، لم تبقَ فيه قوّة حياة ولا قوّة يستطيع بها أن يدافع عن نفسه.

كالماء سالت قواي وتفكّكت جميعُ عظامي.

صار كأنّه شخص مخلّع، ملقًى على الأرض، لا يستطيع أن يقف على رجليه، وبالتالي لا يستطيع أن يهرب أبدًا. وإن أراد أن يهرب فهؤلاء كلّهم يطوّقونه، يحيطون به.

ويتابع فيقول: صار قلبي مثل الشمع يذوب في داخل صدري. نتذكّر أنّ القلب هو مركز القوّة، مركز العزم، مركز الشجاعة. هذا القلب لم يعد شيئًا. صار يذوب مثل الشمع. هذا يدلّ على شدّة الخوف، وعلى الوضع الميئوس الذي يعيش فيه هذا المؤمن.

آية 16: يبست كالخزف قوّتي ولساني لصق بحلقي، وإلى تراب الموت أنزلتني. ذاك هو وضع الإنسان الذي انتهت حياته، فلا يبقى له سوى القبر وكان القبر تحت التراب. ويمكن أن يقول للربّ: إن أنا متّ فمن سوف ينشد مدائحك؟ من سوف يرفع إليك الصلوات؟ من سوف يحمل إليك نشيد الكون؟ نشيد الشمس والقمر والكواكب والمطر والرياح والبحار وكلّ حيوان البرّ والبحر؟ لماذا أحسّ بالموت؟

5 - أوثقوا يديَّ ورجليَّ

آية 17: الكلاب يحيطون بي، زمرة من الأشرار يحاصرونني. ثلاث كلمات: يطوّقونني، يحيطون بي، وهنا يحاصرونني. يطوّقونني كما يطوَّق حيوان ليجرّوه، يحاصرونني كمن يحاصر مدينة ليحتلّها.

ويروي لنا هذا المؤمن: أوثقوا يديّ ورجليّ. كمن يريد أن يأخذوه إلى السجن. أوثقوا يديّ ورجليّ.

ويمكن أن نقرأ: ثقبوا يديّ ورجليّ. عندئذٍ تصبح الكلمة تطبيقًا على يسوع المسيح. أوثقوا يديه على الصليب ورجليه، ثقبوا يديه ورجليه.

نتذكّر دومًا، أحبّائي، أنّ بداية قراءة المزامير هي شخص يسوع المسيح، ننطلق ممّا حصل ليسوع المسيح، ونعود إلى قراءة العهد القديم. فالمزمور 22 لم يكن ليعرف المسيح، وصاحبُه لم يتنبّأ كما نقول في لغتنا العاديّة. صاحب المزمور تحدّث عن شخص بارّ يتألّم، يُذلّ. وصلت به الأمور إلى اليأس، إلى أهوال الموت.

أوثقوا يديّ ورجليّ ومن الهزال أعدّ عظامي... وعلى لباسي يقترعون.

هذا ما نقرأه في الأناجيل الأربعة، وهذا ما فعله الجنود قبل أن يصلبوا يسوع: اقتسموا ثيابه. كلّ واحد أخذ قطعة، واللباس المخيط كلّه من فوق إلى تحت لم يقتسموه، ولكنّهم اقترعوا عليه.

ويعود فيقول ما قال من وقت قليل: وأنت، يا ربّ، لا تتباعد عنّي. هذا ما قاله في آ 12. وهو يقوله هنا في آ 20: وأنت، يا ربّ، لا تتباعد، اجعلني أحسّ أنّك قريب منّي، أنّ يدك بيدي، أنّ قوّتك في قلبي، أنّ حياتك في حياتي.

6 - يا إلهي، لا تتباعد

وأنت يا ربّ لا تتباعد. يا إلهي، أسرع إلى نجدتي.

في آية 12 كان قد قال: لا نصير لي، ليس من ينجدني، ليس من ينقذني. لكن إذا كان لا نصير لي على مستوى البشر، فالله هو نصيري، والله هو الذي ينجدني. لهذا يقول:

آية 21: أنقذني من السيف يا ربّ، ومن أيدي هؤلاء الكلاب.

آية 22: خلّصني من أفواه الأسود ومن قرون بقر الوحش أعنّي.

جمع المزمور في آية واحدة كلّ هؤلاء الأعداء، وأعطاهم التشابيه: الكلاب عندما تهجم على الفريسة. الأسود الجائعة. ثمّ قرون البقر، بقر الوحش وما فيها من عنف، كلّ هذا أحسّ به المرتّل.

لا شكّ، أحبّائي، نحن أمام الصور، أمام التعابير التي عرفها أهل ذاك الزمان. اليوم، هناك صور من نوع آخر، ولكن مهمّ جدٌّا أن نفهم من وراء الصور، الضيقَ الذي يعيش فيه المؤمن. ونطرح السؤال: هل يصل به هذا الضيق إلى اليأس؟ هل سوف يجدّف علىالربّ كما طُلب من أيّوب أن يفعل؟ أم سيبقى في الأمل، سيبقى في الرجاء؟

لسنا ندري ما يمكن أن يفعل الإنسان. ولكن بالنسبة إلى يسوع المسيح الذي صلّى هذا المزمور، فقد صلاّه كما يصلّي الأب إلى ابنه والابن إلى أبيه. هي صلاة، هي حوار بين يسوع الذي قال للآب لا تكن مشيئتي بل مشيئتك، هي صلاة يسوع التي بدأت في بستان الزيتون وانتهت على الصليب. استعدّ، فجعل حياته بين يدي الآب. ورغم وجود كلّ هؤلاء الأعداء، كلّ هؤلاء الأشدّاء، كلّ هؤلاء الأشرار، انتظر خلاصًا من الله الآب. وهذا الخلاص سوف يأتي. لهذا حين قال: أنقذني من السيف يا ربّ، خلّصني من أفواه الأسود، كان كأنّهُ يُحسّ منذ الآن بالخلاص يأتي من عند الربّ.

نعم معونتنا باسم الربّ الذي صنع السماء والأرض. هو إله الخلاص لا إله الهلاك، هو إله الحياة لا إله الموت.

إلهي إلهي جعلتُ عليك اتّكالي. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM