المزمور الحادي والعشرون
مزمور الاتّكال
أحبّائي، نقرأ دائمًا المزامير، صلاةَ شعب الله إلى الله. هذه المزامير يمكن أن نتلوها في ساعات نهارنا، نردّد عبارة من عباراتها، ننشد مقطعًا نتذكّره يومًا بعد يوم. واليوم نقرأ المزمور 21.
المزمور 21 الذي هو مزمور الاتّكال على الربّ.
1 - عودة إلى مز 2، 20
الاتّكال على الربّ ينشده أحد الكهنة مع الجماعة، هذا المزمور الذي يرتبط بالمزمور الثاني والمزمور 20 الذي قرأناه في المرّة السابقة.
مزمور 20 هو صلاة توسّل قبل أن يتوّج الملك: يعينك الربّ في يوم الضيق، يرفعك اسم إله يعقوب، يرسل لك من مقدسه نصرًا.
صلاة قبل التتويج. والمزمور 2 هو مزمور في صلاة التتويج: لماذا ارتجّت الأمم؟
أمّا المزمور 21 الذي سنقرأه الآن فهو صلاة شكر بعد أن يتوّج الملك. في المزمور 20 يبدو الملك شخصًا بشريٌّا عاديٌّا يحتاج إلى قوّة الله، إلى عون الله، إلى سند الله. في مزمور 2 يصبح الملك ابن الله قال لي: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك. عندئذ يُعطى التاج، تاج الذهب لأنّه ملك الملوك، لأنّه يعمل باسم الله الذي هو ملك الملوك. ويعطى صولجان الحديد، لا صولجان الرعاية كما الراعي مع قطيعه، بل العصا من حديد، ليحطّم كلّ من يقاوم مخطّطات الله. يُعطى صولجان الحديد كعلامة عن قوّته.
أمّا في المزمور 21، فالملك يكون وكيل الله. الله يريد أن يتمّم عمله في الأرض، فيختار إنسانًا من الناس لكي يتابع عمله على الأرض. وإذا أردنا أن نبتعد عن جوّ الملك ونصل إلى الكنيسة نقول: هكذا الربّ يسوع بعد أن صعد إلى السماء سلّم إلى تلاميذه مسؤوليّة إتمام العمل الذي بدأ به.
توبوا فقد اقترب ملكوت السماء. وسيتابع الرسل، وأوّلُهم بطرس، هذا النداء، ولا سيّما يوم العنصرة حين يقول للشعب توبوا، فتغفر خطاياكم. طلب منهم أن يقتبلوا سرّ العماد. واعتمد في ذلك اليوم كما يقول سفر أعمال الرسل، ثلاثة آلاف شخص. انضمّوا إلى الكنيسة الأولى يوم العنصرة، يوم حلول الروح القدس.
إذًا نقرأ، أحبّائي، المزمور 21، الاتّكال على الربّ. ونلاحظ أنّ المزمور الذي قبله 20 وأيضًا المزمور 19 هما أيضًا لكبير المغنّين في مجموعة داود: مزمور لداود.
إذًا نبدأ المزمور 21 آية 2.
2 - عزّة الملك من عزّة الله آية 2: يا ربّ تعزّز... حتّى آية 14: ننشد ونرتّل لجبروتك.
إذًا، قرأنا، أحبّائي، المزمور 21 الذي يتحدّث عن الاتّكال على الربّ. بعد أن تُوّج الملك هو ينطلق بأيّة قوّة؟ أينطلق بقوّته الذاتيّة؟ فهي أضعف من أن تخلّصه، فكيف تخلّص شعبه؟
إذًا هو ينطلق بقوّة الله
آية 2: يا ربّ تعزّز الملك فيفرح.
تعزّزه، تعطيه العزّة، تعطيه القوّة، وحين يعتزّ الملك، حين يكون قويٌّا يفرح، ويفرح معه شعبه.
تُعزّز الملك، تُخلّصه، فيبتهج ابتهاجًا.
هذا الملك الذي جاء إلى الهيكل فحلّ ضيفًا على الربّ، هذا الملك الذي لا يريد أن يبدأ مُلكه إلاّ تحت نظر الربّ إلاّ على ضوء كلام الربّ، وإلهام الربّ، وصوت الربّ، هذا الملك هو في الواقع حليف الربّ والربّ هو حليفه. ولكن قبل أن يستطيع أن يفعل أيّ شيء، هو يحتاج العزّة من الربّ، هو يحتاج الخلاص من عند الربّ.
آية 3: أعطيتَه منية قلبه، وما رفضتَ طلبة شفتيه.
لا شكّ في أنّه طلب ما يوافق مشيئتك، ما يوافق إرادتك، وإلاّ لما كنت أعطيته ما طلبه. وفي أيّ حال أنت لا تعطي إلاّ الخير. من منكم إذا طلب منه ابنه سمكة أعطاه حيّة، أو طلب سمكة فيعطيه عقربًا، أو طلب منه خبزًا فيعطيه حجرًا؟ أنت يا ربّ من تعطي، ولا تعطي إلاّ الخير، ولا تعطي إلاّ أعظم ما عندك.
أعطيتَه منية قلبه، وما رفضتَ طلبة شفتيه.
لا شكّ في أنّه لم يطلب فقط لنفسه، بل طلب لشعبه كما فعل سليمان في صلاته الشهيرة. طلب ذاك الضميرَ، ذاك الوجدانَ الذي يساعده على قيادة شعبه نحو الخير.
3 - أعطيتَه التاج والمجد
أعطيتَه منية قلبه، وما رفضتَ طلبة شفتيه.
العطاء سابق لكلّ تمنّن. العطاء سابق لكلّ طلب، هذا ما علّمتَنا، يا يسوع، في إنجيلك: الآب يعرف ما تحتاجون إليه قبل أن تطلبوه. وفي الواقع تقول آية 4: بادرتَه بفيض من البركات. يعني سبَّقت عليه، لم تنتظر منه أن يطلب، لم تنتظر منه أن يتمنّى، سبَّقت وأعطيته البركات العديدة.
ونحن يا ربّ، تعطينا الحياة قبل أن نُولد، وقبل أن يُحبل بنا في البطن، هيّأت لنا عطاياك، هيّأت لنا بركاتك. كلّ واحد منّا تسبقه البركات، تسبقه عطايا الربّ.
شكرًا لك يا ربّ وألف شكر. ولو قضينا حياتنا كلّها، لن ننتهيَ من شكرك. وتعطي كلّ واحد ما يحتاج إليه، لكي يقوم بالمهمّة الموكلة إليه، لكي يقوم بالرسالة التي ترسله فيها.
أمّا الملك فبركاتك هي تاج من ذهب على رأسه. هو الملك ويحتاج إلى نعمة تساعده لكي يكون ذاك الملك الذي يسير في الطريق القويم. والتاج هو رمز خارجيّ إلى شيء داخليّ أهمّ بكثير. التاج يمكن أن يسقط. التاج يمكن أن يخسره الملك في حرب، في هزيمة، في انقلاب عليه. فهناك تاج من نوع آخر، هو المجد الذي تمنحه، لا للملك فقط بل لكلّ أبنائك. والمجد هو التعبير عن عطاياك، هو التعبير عن حضورك. ذاك هو مجد القدّيسين الذي لا يذوي، الذي لا يذبل، الذي لا يموت.
هذا التاج على رأس الملك هو صورة عن المجد، عن إكليل المجد الذي تجعله على رأس محبّيك، منذ هذه الحياة بانتظار الحياة الأخرى.
تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعدّ لكم من قبل إنشاء العالم.
4 - أعطيتَه الحياة
آية 5: سألك الحياة فأعطيتَه عمرًا يطول مدى الأيّام.
سألك الحياة عشرين، ثلاثين، خمسين، ثمانين سنة. ما اكتفيتَ بأن أعطيته حياة محدودة بل أعطيته عمرًا يدوم.
هذا هو المجد الذي يتعدّى تاج الذهب الذي يُعطى للملوك. التاج يسقط عن الرأس أمّا المجد فيدوم ما دامت الأيّام.
وجاءه وقتُ الضيق، وجاءت الأخطار. هو توِّج وهو ينطلق للقيام في مهمّته، في رسالته. فهو يحتاج إلى القدرة كما قال المزمور: تُعزِّز الملك. وهكذا يتمجّد هذا الملك، ومجده من مجدك، لأنّه عمل بحسب ما طلبت منه.
وحين يكون الملك في الطريق القويم الذي ترسمه، تجعل عليه الجلال والبهاء.
الجمال الخارجيّ والجمال الداخليّ، اللباس الخارجيّ واللباس الداخليّ.
آية 7: جعلته مباركًا إلى الأبد ليشدو فرحًا أمام وجهك. نلاحظ هذا الفرح الذي يرافق الملك بعد تتويجه. منذ البداية في آية 2، تعزّزُ الملك فيفرح، تخلِّصه فيبتهج ابتهاجًا. وينتهي فعل شكر الكاهن ؟ بآية 7: جعلتَه مباركًا إلى الأبد، أو جعلته ينبوع بركة إلى الأبد، ليشدو فرحًا أمام وجهك.
الملك يتوكّل على الربّ ويرحمه العليّ فلا يتزعزع. يده تطول أعداءه، ويمينه جميعَ مبغضيه.
5 - البركة
إذًا بعد هذا الكلام الذي قاله الكاهن باسم الشعب عن هذا الملك الذي توّجَه الربّ، الذي باركه الربّ، سوف نرى النتيجة، نتيجة البركة التي منحها الربّ لملكه.
نلاحظ هنا أنّ الملك لا يقول شيئًا، أنّ الملك لا يتكلّم. هو يسمع كلام الكاهن، يسمع صلاة الشعب، يسمع تمنّيات الشعب، لكي يكون هذا الملكُ علامة بركة، علامة حياة، ليس له وحده بل للشعب كلّه. هو سأل الحياة من الله فأعطاه الربّ الحياة، بل أعطاه أكثر. أعطاه عمرًا يطول مدى الأيّام. وهذه الحياة هي ما يطلبها الشعب أيضًا، وطول الأيّام هو ما يطلبه الشعب أيضًا.
كلّ ما يعرفه الملك، هو أنّ الصعوبات تنتظره، وهو لن يتّكل على نفسه بل يتّكل على الله.
آية 8: الملك يتوكّل على الربّ ويرحمه العليّ فلا يتزعزع.
نلاحظ هنا الكلمات: الربّ. ويقابلها: العليّ. توكّل فلا يتزعزع. التوكّل على الربّ يجعل الإنسان ثابتًا قويٌّا. نستطيع أن نستند إلى الربّ فننال من الربّ القوّة. أمّا إذا استندنا إلى البشر، فتكون قوّتنا من قوّة البشر، وقوّة البشر لا تدوم طويلاً.
وإن هو توكّل على الربّ، فليس لأنّه فعل ما يستحقّ هذه البركة، رحمة الربّ هي التي تفعل الرحمة، هذه العاطفة، هذه المحبّة التي تجعل الربّ يعطينا قبل أن نسأل. وعندما يتوكّل هذا الملك على الربّ، عندما يصبح قويٌّا، ماذا يستطيع أن يفعل؟
أوّلاً: يده تطول أعداءه. مهما كانوا بعيدين، يده تصل إليهم. مهما كانوا أقوياء، يده تصل إليهم.
وهؤلاء الأعداء هم أوّلاً أعداء شعبه الذين يريدون الشرّ لبلده. هم خصوصًا أعداء الضعفاء والمظلومين . أعداؤه هم الأقوياء. يد الملك تطول هؤلاء الأعداء. فيدُ الملك هي امتداد ليد الله، حتّى يقيم العدالة، يقيم الإنصاف في البلاد. يمينه تطول جميع مبغضيه.
6 - ولكن الله لا أعداء له
فالملك شخصيٌّا لا أعداء له، ومن يجسر أن يعاديه؟ والملك شخصيٌّا لا مبغض له. كلّهم في الخارج يدلّون على أنّهم يحبّونه. في الواقع أعداء الملك هم أعداء الشعب، هم الذين يسيئون إلى الشعب، مبغضوه هم الذين يبغضون الشعب. هم الذين يجعلون البغض في قلب الشعب بسبب تصرّفاتهم السيّئة والطريقة التي بها يستغلّون الناس.
يده تطول أعداءه، ويمينُه جميعَ مبغضيه.
فالله لا أعداء له والله لا مبغض له. وهذا ما يعلّمه لملكه. لكنّه يطلب منه أن يجعل الحقّ في نصابه. وهنا تظهر صورة النور، صورة النار، صورة التنّور التي تدلّ على حضور الله، على غضبه، على عقابه الذي يمكن أن ينتظر الناس.
يده تطول أعداءه ويمينه جميع مبغضيه.
الضمير (الهاء) في كلمة »يده» و »يمينه»، لا نعرف إن كان يعود إلى الله أو إلى الملك. في الواقع الملك الحقيقي، الملك العائش تحت نظر ا؟، تكون يده امتدادًا ليد الله ويمينه امتدادًا ليمين الله
آية 10: يجعلهم كتنّور نار حين يتجلّى وجهه. الربّ بغضبه يبتلعهم، والنار تأكلهم أكلاً.
دائمًا صورة النار، صورة التنّور، تدلّ على العقاب الذي ينتظر الأشرار. لهذا السبب يتحدّث التقليد عن نار جهنّم، عن هذا العقاب الذي ينتظر الخطأة في النهاية.
آية 11: يبيد نسلهم من الأرض، وذرّيتهم من بين بني البشر. كان العقاب الكبير هو أن يموت الإنسان بدون نسل، بدون ذرّيّة، أن يموت متروكًا ولا أحد بعده.
آية 12 - 13: عبثًا يطالون الملك بسوء ويدبّرون له المكايد، لأنّه يحملهم على الفرار، حين يرمي وجوههم بسهامه.
آية 14: تعاليتَ يا ربّ بعزّتك ننشد ونرتّل لجبروتك.
في النهاية، انتصار الملك هو من انتصار الله، والله يستعمل يد الملك، يستعمل يمين الملك، لكي يُقيم السلام في الأرض والعدالة بين أفراد الشعب.
وفي النهاية لن يكون المجد للملك ولو قالت آية 6 عظُم مجدُه. المجد يكون للربّ. وبقدر ما يتمجّد الملك، يعني يعيش بحسب إرادة الله، يتمجّد الربّ، تظهر عزّته، يظهر جبروته.
منذ البداية قيل: يا ربّ أنت تعزّز الملك. وهنيئًا للملك، هنيئًا للمسؤول، هنيئًا للحاكم الذي يسير في إرادة الله، فيمكنه أن ينشد في النهاية:
تعاليتَ يا ربّ بعزّتك، ننشد ونرتّل لجبروتك. آمين.