المزمور الثامن عشر: نشيد النصر

 


المزمور الثامن عشر

نشيد النصر

أحبّائي، نتابع المزمور 18. أربع حلقات وهي الحلقة الخامسة والأخيرة في نصّ واحد. هذا يفهمنا غنى النصّ الكتابيّ وخصوصًا غنى المزامير بما فيها من صلاة عميقة وانفتاح قلب وثقة بالربّ.

وفي هذا القسم الأخير، الملك ينشد النصر بعد أن تغلّب على أعدائه. ويخبر المؤمنين الذين جاؤوا معه كيف انتصر.

انتصر لأنّ الربّ سمع صلاته، انتصر لأنّ صراخه وصل إلى الربّ، انتصر لأنّه دعا الربّ في وقت الضيق.

والربّ في هذا المزمور يسمع تارة من الهيكل الذي هو عالم صغير، وتارة من الكون الذي هو هيكل كبير. فالربّ حاضر في الهيكل، ومن أراد أن يرى الربّ يمضي إلى الهيكل. ولكن الربّ حاضر أيضًا في قوى الطبيعة، حاضر أيضًا في حياة شعبه، في حياة كلّ جماعة من جماعاتنا.

إنتصر الربّ مرّة واحدة، وهذه تكفي. هو لا يحتاج إلى انتصار سنويّ على مثال ما في الديانات الأخرى. كلّ انتصاره واحد، كما تقول الرسالة إلى العبرانيّين: من حيث إنّه مات فهو مات مرّة واحدة، مع ما في موته من خلاص. ولكن من حيث إنّه حيّ فهو حيّ إلى الأبد. وهنا نقرأ المزمور 18 من آية 32 إلى آية 51.

آية 32: لا إله غير الربّ ولا خالق سوى إلهنا... حتّى: الربّ يمنح خلاصًا عظيمًا، ويُظهر رحمة للملك الذي مسحه، لداود وذريّته إلى الأبد.

إذًا قرأنا، إخوتي، أخواتي، المزمور 18 القسم الأخير الذي فيه ينشد الملك النصر الذي ناله (18 من 32 إلى 51).

1 - فعلُ الإيمان

ويبدأ هذا القسم بفعل إيمان: لا إله غير الربّ، ولا خالق سوى إلهنا. إذًا كلّ الآلهة سقطت. الأصنام هي حجر، هي خشب، هي حديد، هي ذهب، هي فضّة. وفي أيّ حال لا حياة فيها.

لا إله غير الربّ ولا خالق سوى إلهنا. والأشخاص الذين نؤلّههم، الأشخاص الذين نعتبرهم مخلِّصين لنا، إنّما هم أضعف من أن يَخلِّصونا، بل هم لا يقدرون أن يخلّصوا نفوسهم، فهم جميعًا ذاهبون إلى الموت.

لا إله غير الربّ، ولا خالق سوى إلهنا. بعد ذلك بمن نجعل ثقتنا؟ لا يمكن أن نجعلها إلاّ في الله. فهو السند، فهو الترس، فهو العون والمساعد، فهو القوّة، فهو الإغاثة والمغيث، فهو الحاضر دومًا، لأنّه المخلّص الذي ينجّي وينشل وينقذ، فلا يبقى على المؤمن إلاّ أن يحمده ويرتّل لاسمه إلى الأبد.

أين حضور الله؟ (آ 33) الله يشدّد حيلي، يشدّد قوّتي، ويمهّد الطريق أمامي. يجعل طريقي آمنًا. ويشبّه المؤمن نفسه بالوعول، بالغزلان التي تسرع في السير، تسرع في الجبال. بعض المرّات أمام الأخطار.

كأرجل الوعول يجعل رجليّ، فأثبت وأنا في الأعالي. إذًا لا أنزلق وأسقط في الوادي.

يعلّم يديّ القتال، فتلوي ذراعاي قوس نحاس. نتذكّر أنّ القوس هو بنصف دائرة، أنا ألويه لكيّ أحارب به ومع القوس هناك الترس.

آية 36: تعطيني ترس الخلاص ويمينك يا ربّ تساعدني.

نلاحظ هنا ألفاظًا عن الحرب. في الأصل هي ألفاظ حرب عاديّة. ولكن على المستوى المسيحيّ خصوصًا، نهاية الرسالة إلى أفسس هذه الأسلحة هي في الواقع أسلحة من نوع آخر في وجه الشرّ والخطيئة التي تهدّدنا. وهنا نقرأ كلمتين مهمّتين: أوّلاً اليمين يمينك، اليمين علامة البركة، وعنايتك هي علامة اللطف، الحنان، الاهتمام.

2 - يمين الله وعنايته

يمينك تساعدني وعنايتك تزيدني قوّة. وتوسّع تحت خطواتي، فلا تزلّ قدماي. إذا كانت الطريق ضيّقة لا أستطيع أن أمشي. بهذا السلاح، بهذا الحضور، بهذه اليمين، بهذه العناية، ينطلق الملك إلى الحرب.

آية 38: أتبع أعدائي، فألحقهم ولا أرتدّ حتّى أفنيهم... ففي آية 41: تسلّمني رقاب أعدائي وأُسكت الذين يبغضونني. يمكن هنا أن نتصوّر حرب إبراهيم كما يرويها سفر التكوين الفصل 14. كيف أنّ إبراهيم لاحق الأعداء، لاحقهم بقوّة ا؟، لا بقوّة زنده. فالملوك الأربعة هم ملوك العالم وأقوى ملوك العالم. وإذا كان إبراهيم انتصر بحسب الكتاب المقدّس، فهو لم ينتصر بأسلحة بشريّة بل انتصر بإيمانه.

آية 41: تسلّمني رقاب أعدائي وأسكت الذين يبغضونني. ظنّ المبغضون أنّني لن أستطيع أن أحارب، أنّني سأسقط، لكنّهم رأوا النتيجة، لكنّهم لم يعرفوا من هو سبب النتيجة. السبب هو الربّ الذي يحمل العون، يحمل المساعدة، يحمل القوّة.

آية 42: يستغيثون ولا من مغيث، ويدعون الربّ فلا يستجيب.

آية 43: فأسحقهم كالغبار في الريح وأطرحهم كالوحل في الطرقات. إذًا هنا نتذكّر أيضًا إيليّا على جبل الكرمل. كهنة البعل يدعون يستغيثون. فالبعل لا يمكن أن يغيثهم. يدعون ربّهم وهو لا يقدر أن يستجيبهم. لكن أنا أستغيث والربّ يُغيثني. أدعو والربّ يستجيبني. والنتيجة:

أسحقهم كالغبار في الريح، أطرحهم كالوحل في الطرقات.

3 - حملت إليّ النجاة

آية 44: نجّيتني من شعب مخاصم أو جيش عديد، وجعلتني رئيسًا للأمم، وشعب لم أعرفه يتعبّد لي. آية 45: الغرباء يتذلّلون لي. إذًا هنا لا يكتفي الملك المسيح الذي يدلّ في النهاية على يسوع المسيح، لا يكتفي بأن ينتصر على شعبه، بل هو ينتصر على الأمم الوثنيّة، وانتصاره في النهاية أن يقبلوا بحبّه أن يسيروا معه في موكبه. شعب لم أعرفه يتعبّد لي، الغرباء يتذلّلون لي.

الذين لم يكونوا من الشعب الذي اختاره الربّ هم سيكونون في موكب هذا الملك.

وبآذان سامعة يسمعونني.

يمكن أن نسمع بآذان ضائعة، آذان مغلقة. أمّا هم فبآذان سامعة يسمعونني. هذا يعني أنّ الشعب الذي تمرّد على مسيحه بدأ يسمع، وأنّ الغرباء الذين اعتبروا نفوسهم غير معنيّين أيضًا هم سمعوا.

سمعوا في درجة أولى لأنّهم قُهروا، لأنّهم انغلبوا.

آية 46: الغرباء تخور عزائمهم ويخرجون من حصونهم مرتعدين. ظنّوا أنّهم يقدرون أن يختبئوا وراء حصونهم، أو حصون جعلوها لنفوسهم. في الواقع، لا حصن يقف أمام الربّ، ولا عزيمة تقف أمام قدرة الربّ.

هذا الملك انتصر انتصارًا كبيرًا على الجيوش العظيمة، على الأمم، على الشعوب، على الغرباء، لم يبقَ أحد بعيدًا عن سلطته. لا شكّ، أحبّائي، هذا لا يمكن أن يطبّق على إنسان من الناس، لا يمكن لإنسان من الناس أن يكون رئيسًا لجميع الأمم. وحده الله وحده الذي أرسله الله، مسيح الله كما يقول المزمور الثاني الذي يُفهمنا أنّ المسيح هو ملك المسكونة كلّها. وهنا هذا الملك المسيح رئيس الأمم، الغرباء يسمعون له، يسمعون بآذان سامعة، لا يمكن إلاّ أن يكون يسوع المسيح. وفي أيّ حال انتصاره لم ينتهِ بعد، انتصاره يطلب بعض الوقت، انتصاره لم يتمّ.

كما يقول الإنجيل يجب أن يصل الإنجيل إلى البشريّة كلّها. وما دام الإنجيل لم يصل إلى البشريّة كلّها، هذا يعني أنّ انتصار المسيح لم يتمّ، وأنّ مجيئه الثاني يبقى بعيدًا. هو لن يأتي في مجد عظيم إلاّ لتسير جميع الشعوب وجميع الأمم في موكبه. ولكن يستطيع الملك أن يرتّل لأنّه في الواقع انتصر في معركة من المعارك وفهم أنّ انتصاره إنّما هو انتصار الله، لأنّ القوّة لم تكن منه بل من الله، لأنّ يمين الربّ هي التي فعلت وعنايته هي التي كمّلت.

4 - فتمّ الانتصار

بما أنّ الانتصار تمّ. بما أنّ المعركة انتهت، يمكن أن ننشد للربّ، يمكن أن نذهب إلى الهيكل، وهناك ننشد نشيد الربّ في حضرة الربّ، نشكره وبالشكر تدوم النعم. عندما نشكر الربّ. هي أفضل طريقة حتّى نطلب منه ما نحتاج من أجل مسيرة لاحقة، فلا تتوقّف مسيرتنا عند معركة واحدة، عند حربٍ قصيرة. فحربنا تمتدّ امتداد حياتنا، تمتدّ حتّى الدقيقة الأخيرة من حياتنا. وعلى الكنيسة أن تحارب حتّى النهاية، لا بسلاح يستعمله البشر في هذا العالم، ولا بجيوش يلجأ إليها أهل هذا العالم، وقد قال يسوع للملك، لممثّل الملك بيلاطس: مملكتي ليست من هذا العالم. قوّتي ليست من هذا العالم.

يقول المزمور: قوّتنا، معونتنا من عند الربّ القدير الذي خلق السماء والأرض. من أجل هذا ينتهي المزمور 18 آية 47: حي$ هو الربّ ومبارك خالقي وتعالى الإله مخلّصي. حي هو الربّ. هو غير الآلهة الميتة، غير الأصنام الميتة. بما أنّه حيّ فهو يفعل.

ومبارك خالقي. يعني بركته تحلّ عليّ. هذا الذي خلقني ما زال يباركني لهذا نقول نحن: مبارك خالقي، هذا الربّ الحيّ هو الذي خلقني.

وتعالى الإله مخلّصي. هذا الربّ الحيّ هو الذي خلق، هو الذي خلّص، هو الذي يعمل.

وهنا يعود المؤمن، يعود الملك، ويتذكّر مرّة أخرى ماذا فعل الربّ.

ا؟ هو الذي ينتقم لي ويُخضع الشعوب تحت قدميّ. ينجّيني من جميع أعدائي، وينشلني من بين القائمين عليّ، ومن أهل العنف ينقذني. إذا انتبهنا كأنّ هذا الملك لم يفعل شيئًا، ا؟ هو الذي فعل الأفعال كلّها. الفاعل هو ا؟. ا؟ هو الذي يُنقذ، ا؟ هو الذي يُخضع، ا؟ هو الذي ينجّي، ا؟ هو الذي ينشل، ا؟ هوالذي ينقذ.

وكلّ مرّة المفعول به هو أنا، هو المؤمن، هو الملك، هو هذا الشخص البارّ الذي حاول أن يعيش بحسب وصايا ا؟، بما أنّ الربّ هو الذي يفعل فينا، يفعل بنا، ينجّينا، ينقذنا. وينتهي المزمور وآية 50.

لذلك أحمدك، يا ربّ، وأرتّل لاسمك بين الأمم. ليس فقط داخل شعبي، لكن بين جميع الأمم أريد أن يصل صوتي إلى أبعد من مملكتي الصغيرة.

نتذكّر هنا الإنجيل حين دهنت المرأة يسوع بالطيب. قال: العالم كلّه سيعرف ما فعلته هذه المرأة.

وفي النهاية يستخلص المرتّل الدرس، الأمثولة، من هذا المزمور. الربّ يمنح خلاصًا عظيمًا ويُظهر رحمة للملك الذي مسحه، للملك مسيحه، لداود وذريّته إلى الأبد.

هنا نتذكّر بداية القدّيس متّى: إنجيل يسوع المسيح ابن إبراهيم، ابن داود. أجل الملك المسيح لا يمكن إلاّ أن يكون يسوع المسيح. وداود الجديد، لا يمكن إلاّ أن يكون يسوع المسيح. وذرّيته، لا يمكن إلاّ أن تكون بلا هؤلاء المؤمنين الذين ارتبطوا بالمسيح، الذين جعلوا حياتهم في حياته، فكان لهم الخلاص والبركة والحياة. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM