الربّ يخلّص والمؤمن يتجاوب

 

الربّ يخلّص والمؤمن يتجاوب

1 - المقدّمة

أحبّائي، الربّ يكون معنا وهو يرافقنا في قراءتنا لكلامه حتّى يصبح كلامه قريبًا منّا في متناول يدنا، نأخذه في متناول فمنا، نردّده في متناول قلبنا، نفهمه في متناول حياتنا، نعيشه. ما زلنا نقرأ المزمور 18.

هذا الملك الذي انتصر على أعدائه، هذا الملك بالنسبة إلينا لا يمكن إلاّ أن يكون يسوع المسيح. أمّا أعداء يسوع فليسوا البشر. هو جاء لكي يخلّص العالم. أعداء يسوع هم الموت، هم الخطيئة، هم الشرّ في العالم. هؤلاء الأعداء اجتمعوا، ولكنّ الربّ سوف يبدّدهم بحضوره الفاعل.

وكيف عبّر المؤمن عن هذا الحضور؟ عاد إلى قوى الطبيعة كالبركان الذي يشعّ فيحرق الطبيعة، عاد إلى الرعود إلى البروق إلى الرياح إلى الأمطار. في الميثولوجيّات القديمة، في الديانات الوثنيّة، هذه الرياح، هذه البروق، إنّما هي آلهة أو هي تصارع الآلهة، وقد تتغلّب عليها. أمّا في الكتاب المقدّس فا؟ وحده هو الإله، والطبيعة بكلّ قوّتها، وكلّ عظمتها، وكلّ ثباتها، هي خاضعة له. ترتعش، ترتجف، تخاف، تتزعزع أمام الله. وهذا ما أراد الكاتب أن يتذكّره قبل أن يشكر الربّ لأنّه خلّصه.

لهذا نودّ أن نعيد قراءة المزمور 18 من الأوّل ثمّ نشرح من آية 17 وما بعد.

آية 2 أحبّك، يا ربّ، يا قوّتي... حتّى آية 16 أعماق المياه ظهرت، وانجلت أسس الكون، من انتهارك يا ربّ من هبوب ريح أنفك.

هذا ما يحدث في العاصفة. تظلم الأرض، البروق، الرعود، الغيوم، البَرد، كلّ هذا بأمر الربّ. لا شيء من هذا يمكنه أن يقاوم أو يتمرّد على الربّ. إذا كان هذا هو الإله، وإذا كانت هذه قدرته، فالمؤمن لا يخاف. لهذا السبب بدأ يخبر ماذا عمل الربّ؟ هذا الربّ القدير لا يهتمّ فقط بالغيوم والكواكب والنجوم والشمس والقمر والرياح والعواصف، هو أيضًا يهتمّ بصفيِّه، يهتمّ بأتقيائه، يهتمّ بكلّ واحد منّا.

2 - أرسل من عليائه

آية 17: أرسل من عليائه فأخذني وانتشلني من المياه. المياه هي رمز إلى الشرّ، رمز إلى الموت. كدت أغرق في المياه، أمّا الربّ فانتشلني.

آية 18: نجّاني من عدوّ لدود ومن مبغض أقوى منّي.

الربّ وحده يستطيع أن يفعل. فهذا العدوّ، هذا المبغض، أقوى منّي. وأنا أضعف من أن أتغلّب عليه. من أجل هذا استند المؤمن إلى الربّ. وليس فقط أمامه عدوّ واحد. هم أعداء.

آية 19: هاجموني لأنّهم كثيرون، في يوم بليّتي، فكان الربّ سندي. تابعنا بـ 18: نجّاني. هو سندي. هم هاجموا، ولكنّني لم أسقط لأنّ الربّ سندني. وكيف كان الربّ سندي؟

هنا نرى الأفعال (آ 20). أخرجني إلى الأمان، هذا أوّل فعل. كنت في الخطر، في الضيق، في الموت، أخرجني إلى موضع الأمان، موضع السلام، موضع الثبات معه.

وخلّصني. كنت قريبًا من الموت. خلّصني من يد الأعداء. والسبب لأنّه رضي عليّ.

ويتابع أيضًا: كافأني الربّ لصدقي. إذًا ثلاثة أفعال: أخرجني، خلّصني. وفي آية 21 كافأني. وسوف نرى في آية 25: جازاني. إذًا كلّها أفعال تدلّ على عطيّة الربّ، على اهتمامه بالمؤمنين، تدلّ خصوصًا على مجّانيّة عمله. لكنّ الربّ يريد منّا جوابًا. هو يبدأ بالمكافأة والأجر العظيم. ولكنّه يريد منّا أن نتجاوب مع ندائه، أن نتجاوب مع وصاياه، أن نعمل بمشيئته، لهذا السبب سوف نرى أكثر من كلمة.

3 - دلّ على رضاه

أوّلاً: رضي عنّي. ثانيًا: كافأني لصدقي. ثمّ جازاني لبراءة يدي، ثمّ لزمت طرق الربّ إلى آخره.

أوّلاً: خلّصني لأنّه رضي عنّي.

إن كان ا؟ رضي عنّي فهذا يعني أنّ أعمالي كانت مرضيّة أمامه، أنّ أعمالي كانت بحسب مشيئته.

رضي عنّي. نتذكّر هنا ما قال الآب في عماد ابنه: هذا هو ابني الحبيب عنه رضيت. رضى الربّ يجعل المؤمن قريبًا من الربّ.

ثمّ كافأني الربّ لصدقي.

الصدق، البرّ، كلمة مهمّة جدٌّا بالعبريّة. هناك الصدق مع ا؟، فالربّ لا يعاقب الضعفاء، بل يرحمهم. والربّ لا يعاقب الخطأة، يكفي أن يتوبوا فيغفر لهم، لكنّ الكذب، الرياء، هو أبشع ما يكون. غير أنّ هذا المؤمن لم يتعلّم الكذب، لم يتعلّم الرياء. كان صادقًا مع الربّ، قدّم له ضعفه، قدّم له خطيئته، وظلّ صادقًا معه، أمينًا له، مهما كانت الصعوبات.

لبراءة يدي جازاني خيرًا.

كافأني، جازاني لبراءة يدي. يدان بريئتان، يعني لم تعملا الشرّ، لم تقتلا، لم تعبّرا عن غضبهما، اليدان البريئتان. لم تسرقا، لم تزنيا. براءة اليدين تدلّ على حفظ الوصايا. وبراءة اليدين تظهر في الصلاة، نرفع يدينا للصلاة. اليدان البريئتان يمكن أن ترتفعا إلى ا؟.

كافأني الربّ لصدقي، ولبراءة يديّ جازاني خيرًا. كنت أمينًا له فكان أمينًا لي، اعترفت به بأعمالي، فاعترف بي أمام الآب السماويّ.

4 - لأنّي سرت في طرق الربّ

آية 22 - لزمت طرق الربّ وما عصيت إلهي.

طريق الربّ طريق الوصايا، طريق الحياة التي يدعونا الربّ إليها. لزمت طريق الربّ. يعني ما أخذت طرقًا أخرى، ما أخذت طرق الشرّ، ما أخذت طرق الباطل، بل فقط طرق الربّ. ولم تكن هذه المسيرة موقّتة. لزمت طريق الربّ. يعني يومًا بعد يوم كنت أسير في طريق الربّ لا في طريق سواه.

وكيف يلزم المؤمن طرق الرب؟

حين لا يعصى ا؟، حين لا يعصى أمرًا من أوامر ا؟.

آية 23 - أحكامه كلّها أمامي، وحقوقه لا تبتعد عنّي.

إذًا ترك هذا المؤمن، هذا الملك، أحكام البشر وتعلّق بأحكام ا؟. ترك ما يقوله الناس وأخذ فقط بما يقوله ا؟، بما يطلبه ا؟. ونعود إلى هذا المؤمن الذي يردّد الكلمات التي سبق له أن قالها.

آية 24 - كنت نزيهًا معه بـ 21: صدقي، براءة يديّ. وحفظت نفسي من الإثم.

آية 25 - مجازاتي خيرًا لصدقي (راجع 21) ولبراءة يديّ أمامه. وهكذا تتكرّر الآية 21 بالآية 25.

حيث يبرز المرتّل براءة يديه، نقاوة كفّيه، صدق أعماله، يبيّن كيف أنّه لم يعصَ ا؟، بل لزم طرقه.

آية 26 - نقرأ: كان الربّ يعاملنا بالمثل سنّ بسنّ وعين بعين، ولكن بـ 26: رحيم أنت مع الرحماء، وكامل أنت مع الكاملين، وصالح أنت مع الصالحين.

5 - فتعلّمت الرحمة

هنا ننتبه كيف أنّ الله يتجاوب معنا. إن نحن تعاملنا بالرحمة عاملنا هو بالرحمة.

قال الإنجيل بالكيل الذي تكيلون به يكال لكم وأزود.

أنت تريد أن تمارس الرحمة فتكون الرحمة رفيقتك.

هنا نتذكّر كلام القدّيس يعقوب: يكون ا؟ بلا رحمة مع الذين هم بلا رحمة.

نتذكّر هذا المثل بمتّى الفصل 18. هذا السيّد الذي أعفى عبده من كلّ دين. لمّا رآه لا يعفو عن أخيه وعن جاره بدين بسيط، عاد وتراجع عن رحمته وأرسله إلى الظلمة البرّانيّة.

هذا يعني أنّه لا يمكن أن نكون يومًا أكثر سخاءً من ا؟. إن نحن رحمنا، الربّ سيرحمنا بقدر كبير جدٌّا لا يتصوّره عقل. إذا نحن عشنا الكمال، إذا كنّا من الكاملين الذين يتمّون وصايا الله فكمال الله لا يصل إليه حدّ. وإذا كنّا صالحين فالربّ سيكون أصلح منّا بكثير.

أجل لن نكون يومًا أكثر كرمًا من الله. لن نكون يومًا أكثر سخاءً من الله

يكفي أن نعيش في المناخ الذي يؤمّنه لنا فنكون من الرحماء، من الكاملين، من الصالحين.

ولكن في آية 27 من القسم الثاني نقرأ: »ومع المحتالين، تظهر حيلتك«. نراقب كيف أنّ المرتّل يصوّر الله كأنّه إنسان. نعم، أحبّائي، يفتكر البعض أنّهم أذكى من الله »أشطر« من الله يقول هنا: ومع المحتالين تظهر حيلتك.

لا، نحن لسنا أذكى من الله ولا »أشطر« من الله ولا أفهم من الله وإن هو أطال روحه علينا، وإن هو صبر بعض الوقت، لكن في النهاية نحن نكون الخاسرين.

مع المحتالين تظهر حيلتك.

كم هو مهمّ أن نفهم هذا الكلام: ا؟ يقول في الكتاب المقدّس، الله لا يمكن أن نكذب عليه، الله لا يمكن أن نخدعه أبدًا.

6 - نشيد الخلاص

آية 28 - وننهي هذا المقطع من نشيد الخلاص الذي يرفعه هذا المرتّل: تخلّص القوم المساكين وتُخفض عيون المترفّعين.

لا شكّ، عندما يكون هناك هجوم، هل يكون الربّ من جهة الأقوياء أم من جهة الضعفاء؟

أين سيقف الربّ؟ هل سيقف مع الأقوياء أم مع الضعفاء؟ نفكّر مرّات عديدة أنّ الله يبارك الأغنياء، يبارك العظماء، لأنّ كلّ الأمور في أيديهم ولا أحد يجرؤ أن يقف في وجههم. أمّا المزمور فينظر إلى غير ذلك. والإنجيل كذلك.

الإنجيل يقول: أنا ما جئت من أجل الأصحّاء، بل من أجل المرضى، ما جئت من أجل الأبرار، بل من أجل الخطأة. ويمكن أن نتابع اللائحة، ما جئت من أجل الأقوياء، بل من أجل الضعفاء، ما جئت من أجل الأغنياء، بل من أجل المساكين. كلّ هذا يفعله الربّ.

في آ 28، عندنا من جهة المساكين ومن جهة ثانية المترفّعون المتكبّرون. ماذا يفعل الله؟ هو لا يعامل المساكين والمترفّعين سواء بسواء، لا يعاملهم مثل بعضهم أبدًا. المساكين يحتاجون إلى خلاصه لهذا فهو يخلّصهم. والمترفّعون يحتاجون إلى أن يفهموا أنّ ا؟ وحده هو في السماء، وأنّ العظمة هي ؟ وحده، وأنّ المجد هو ؟ وحده. ومن أراد أن يقف على مستوى الله، فالله يعرف أن ينزله إلى موضعه.

تخلّصُ القوم المساكين وتخفضُ عيون المترفّعين.

أجل، أحبّائي، تلك كانت خبرة المرتّل من المزمور 18 من آية 18 إلى آية 28.

الربّ هو الذي يبدأ فيخلّص، يُخرج من الضيق، يكافئ، يجازي، لكن على المؤمن أن يتجاوب مع نداء الربّ أن يكون صادقًا مع الربّ، أن تكون يداه بريئتين، أن يكون ذاك الذي يعيش الرحمة، يعيش الصلاح، يعيش الكمال. عندئذ، فهنيئًا له لأنّ الربّ هو الذي يحمل إليه الخلاص. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM