أبوّة الله في التوراة

أبوّة الله في التوراة

تحدّث العهد القديم مرارًا عن الله كأب. ولكن ما زالت النظرة ضيّقة. فهو أبٌ، لا لجميع الشعوب، بل لشعب واحد. ذاك كان كلام رعمسيس الثاني في حربه على الحثّيّين: إله فرعون هو الإله وحده، وهو لمصر دون سواها. وفي هذا الخطّ، كان كلام التوراة: الربّ إله إسرائيل. ونحن نقرأ صلاة داود الملك قبل موته، في 1 أخ 29: 10-13

مبارك أنت أيّها الربّ،

أبونا من الأزل وإلى الأبد

لك يا ربّ العظمة والجبروت،

والجلال والبهاء والمجد،

لأنّ لك كلّ ما في السماء والأرض،

ولك الملك أيّها الربّ والسيادة على الجميع.

منك الغنى والكرامة وأنت تملك كلّ شيء

في يدك القدرة والجبروت والعظمة

وأنت تقوّي كلّ إنسان وتعظّمه

فالآن، يا إلهنا نحمدك

ولاسمك المجيد نهلّل.

في سفر التثنية أكثر من مقطع يتحدّث عن أبوّة الله وأمومته:

أما رأيتم، في البرّيّة،

كيف حملكم كما يحمل الأب ولده،

وقادكم في كلّ طريق سلكتموها

حتّى بلغتم إلى هذا الموضع؟

ولكنّكم لا تؤمنون بالربّ إلهكم

السائر أمامكم في الطريق

ليجد لكم مكانًا تنزلون فيه (تث 1: 31-33).

الله أبٌ، وهو يؤدّبنا نحن أبناءه (تث 8: 5). ونقرأ نشيد موسى في تث 32: 3ي

فنادوا باسم الربّ،

وهبوا عظمة لإلهنا.

صوّر الكائنات وعمله كامل،

وكلّ طرقه عدل.

الله أمين لا جور فيه

وهو الصادق المستقيم

وبنوه الذين جعلهم بلا عيب،

فسدوا، فيا لجيل معوجٍ ملتوٍ!

أبهذا تعترف بجميل الربّ،

أيّها الشعبُ الأحمق الجاهل؟

أما هو أبوك الذي قناك (خلقك، وهبك الحياة)؟

الذي أبدعك وكوّنك (آ 1-6).

ويتابع النصّ في آ 18:

صوّرهم وابتدعهم فنسوه،

ولم يذكروا الله الذي آخاهم

فرأى الربّ وتكدّر،

واستهان ببنيه وبناته.

ونقرأ في سفر آشعيا أكثر من مقطع عن هذه الأبوّة وهذه الأمومة. وإذ يطلب الشعب الرحمة والعون، ينشد:

تطلّع يا ربّ من السماء،

وانظر من مسكن قدسك وجلالك

أين غيرتك وجبروتك؟

أين لهفة قلبك؟

هل غابت عنّي مراحمك؟

أنت، يا ربّ، أبٌ لنا،

أنت، يا ربّ، أبونا

واسمك منذ الأزل فادينا (تث 63: 15-16).

وقال المؤمنون حين رأوا خراب المدينة ودمار الهيكل:

والآن يا ربّ أنت أبٌ لنا

نحن طينٌ وأنت جابلنا

نحن جميعنا من صنع يدك (64: 7).

الله أب وهو أمّ أيضًا. ذاك الذي خلق الأب والأم ليتعاونا ويتكاملا، أرادهما صورة عن وجهه الأبويّ والأموميّ. هنا نقرأ مقطعًا فيه يردّ النبيّ على تذمّرات الشعب: تركنا، ما عاد يهتمّ بنا. أظهر النبيّ فرحه، ثمّ أجاب شعبه

رنمي يا سماء وابتهجي يا أرض،

ويا أيّتها الجبال اهتفي!

لأنّ الربّ يعزّي ويشفق.

قالت صهيون: "تركني الرب!

تركني السيّد ونسيني".

فأجاب الربّ:

أتنسى المرأة رضيعها

فلا ترحم ثمرة بطنها؟

لكن ولو أنّها نسيَتْ،

فأنا لا أنساكِ، يا أورشليم.

ها على كفّي رسمتُك

وأسوارك أمامي في كلّ حين

تطلّعي وانظري حولك

بنوك اجتمعوا كلّهم وعادوا (أش 49: 13-18).

وفي نهاية أشعيا (66: 7-14) نقرأ صورة المخاض والولادة والرحم. أورشليم هي أمّ. كانت ثكلى حين مضى أولادها في السبي. هي صورة عن الله بحيث لا نعود نعرف عمّن يتحدّث النبيّ. نحن هنا في طريقة تشبه علاقة النبيّ بالله، فلا نعود نعرف من يتكلّم: الله أم النبيّ؟ وهكذا هو الوضع بالنسبة إلى علاقة المدينة المقدّسة بالربّ: هي أمّ والربّ أمّ.

يبدأ الكلام عن أورشليم، عن صهيون، أقدس موضع في أورشليم، لأنّ هناك الهيكل، مركز حضور الله وسط شعبه

قبل أن تتمخّض (أورشليم) ولدت،

ولدت ذكرًا قبل أن يأخذها الطلق

من سمع بمثل هذا الأمر؟

ومن رأى شبيهًا له

أتولد بلادٌ في يوم واحد،

أم تخرج أمَّةٌ في لحظة

حتّى تلد صهيون بنيها

وتخرجهم قبل مخاضها؟

وقال الربّ إلهكم:

"أآتي بالمخاض ولا أولّد،

أم أغلق الرحم وأنا المولّدة"؟

إفرحوا مع أورشليم وابتهجوا بها،

يا جميع الذين يحبّونها

إفرحوا معها كثيرًا

يا جميع النائحين عليها

فترضعوا وتشبعوا من ثديها،

وتتفطّموا بحليب مجدها

فترضعون وتُحملون في الأحضان،

وتدلَّلون على الركبتين.

وها نسمع صوت الله من خلال صوت النبيّ، وفي امتداد صوت أورشليم:

كمن تعزّيه أمُّه،

هكذا أنا أعزّيكم:

في أورشليم تعزّون،

تنظرون فتفرح قلوبكم،

وعظامكم كالعشب تزهر.

في هذا الإطار، نقرأ في سفر العدد تشكّي موسى للربّ، بعد أن جاء الشعب يتذمّر إلى النبيّ، كما يتذمّر الطفل لدى أمّه أو أبيه. ولكنّ موسى ليس الأمّ، بل الله. ما هو الذي وَلد هذا الشعب، بل هو ذاك الذي يقوم بعمل التربية باسم الله. جاء الشعب يبكون، فقال موسى للربّ:

لماذا تسيء إلى عبدك،

لماذا لم أجد حظوة عندك،

فوضعتَ عليّ أثقال الشعب؟

هل أنا الذي حبل بهؤلاء الشعب كلّهم؟

أم هل أنا ولدتهم؟

فتقول لي: إحملهم في حضنك

كما تحمل الحاضنُ الرضيع؟ (عد 11: 10-12).

الله يدعو نفسه الأب: أكون له أبًا (2 صم 7: 14). أو في إر 31: 9: "صرتُ أبًا، وأفرائيم ابني البكر". وفي ملا 1: 6 عاتب الله شعبه لقلّة الاحترام في تصرّفه: "الابنُ يكرم أباه، والعبد سيّده. فأنا أبوكم. كيف تكرموني. أو البشر يدعون الله أباهم. "أما لنا جميعًا أبٌ واحد؟ إله واحد خلقنا" (ملا 8: 10). ونقرأ في مز 68: 6: "أبو اليتامى والمحامي عن الأرامل، ذاك هو الله في مسكن قدسه. وأنشد طوبيت: "عظّموا الله أمام الأحياء كلّهم، فهو ربّنا وإلهنا وأبونا" (طو 13: 4). وفي خطّ ثالث، يدعو البشرُ الله "أبًا". أنت أبونا. أو: "يا أبي، يا رفيق صباي" (إر 3: 4). وقال النبيّ بلسان الربّ: "ولكنّي أقول لك: أحسبك من البنين، وأعطيك تلك الأرض الطيّبة ملكًا ولا أجمل بين الأمم. وظننتِ أنّك (= أورشليم) تدعينني: يا أبي، ولا ترتدّين عن السير ورائي". وقال حك 14: 3: "لأنّ المركب اخترعه حبُّ الكسب... ولكن عنايتك أيّها الآب هي التي تسيّيره، لأنّك أنتَ الذي فتحتَ في البحر طريقًا، وفي الأمواج مسلكًا أمينًا".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM