العهد الجديد

العهد الجديد

31: 31-34

بدأ ف 31 بكلام عن عودة المنفيّين شبيهة بإقامة الشعب في برّيّة سيناء بعد الخروج من مصر. في سيناء، كان عهد بين الله والآتين من مصر بواسطة موسى. والعودة من المنفى والمرور في البرّيّة التي تفصل بابل عن فلسطين، يبدآن عهدًا جديدًا تكون سمعته الأمانة. فالنبيّ هوشع (2: 16) رأى في هذه العودة اكتشافًا جديدًا للربّ بعد الخيانات السابقة. وكذلك إرميا رأى في الإقامة في فلسطين انحطاطًا في كرمة غرسها أجود غرس وزرعها أفضل زرع (2: 21). لهذا كان الذهاب إلى السبيّ والعبوديّة الجديدة حيث يفهم المؤمنون معنى الحرّيّة الحقّة في طاعة جديدة لله، تفترق عن القديمة. فبنود العهد لن تكون كلمات الوصايا المحفورة في الحجر، بل شريعة الربّ المكتوبة في القلوب. في هذا الإطار نقرأ 31: 31-34:

31 ستأتي أيّام أعاهد فيها بيت إسرائيل

وبيت يهوذا، عهدًا جديدًا.

32 لا كالعهد الذي عاهدته آباءهم

يوم أخذتُ بأيديهم

وأخرجتهم من أرض مصر

لأنّهم نقضوه مع أنّي أحسنتُ إليهم

33 أمّا العهد الجديد الذي أعاهد به

بيت إسرائيل في تلك الأيّام فهو هذا:

أجعل شريعتي في ضمائرهم

وأكتبُها في قلوبهم

وأكون لهم إلهًا

وهم يكونون لي شعبًا

34 فلا يعلّم بعدُ واحدُهم الآهر،

الأخ أخاه أن يعرف الربّ.

فجميعهم من صغيرهم إلى كبيرهم سيعرفونني

لأنّي سأغفر ذنوبهم،

ولن أذكر خطاياهم من بعد.

 

1- عهد جديد

حين كتب إرميا (أو قال) حوالي سنة 600 هذه العبارة، التي لا تُوجَد إلاّ هنا في كلّ العهد القديم، ما كان يعي بُعد ما جعل الروح في فمه، ولا غنى المضمون الذي نجد في هذه العبارة. وإذا كان حزقيال وأنبياء أُغفل اسمهم في زمن المنفى وما بعد المنفى تحدّثوا عن "عهد أبديّ"، فلأنّهم عادوا عودة وثيقة إلى ما قاله إرميا هنا:

ماذا نقرأ في حز 16: 60-62؟ قال الربّ:

60 أُذكُر عهدي معك، في أيّام صباك

وأقيم لك عهدًا أبديًّا...

62 وأجدّد عهدي معك،

فتعلمين أنّي أنا الربّ.

بدا العهد مع موسى موقّتًا، بعد أن خانه الشعب في البرّيّة، حين عبدوا العجل الذهبيّ فلا بدّ من عهد ثابت. ولكن هذا يتجاوز إمكانيّة البشر. فالله يقوم بهذا العمل. الشعب "عظام يابسة". ولكنّ الربّ أعاد إليهم الحياة. فقال حز 37: 36:

وأتعاهد معهم عهد سلام،

عهدٌ أبديّ يكون معهم

وأثبّتهم وأكثّرهم

وأجعلُ مقدسي في وسطهم إلى الأبد.

لا حاجة بعد المجيء إلى الهيكل. فالهيكل يكون حيث هم يكونون. لا حاجة بعد إلى الحجارة الكريمة التي أراها التلاميذ ليسوع قبل خطبة النهاية (مر 13: 1ي). بل حدّثنا بطرس الرسول عن "حجارة حيّة في بناء مسكن روحيّ" (1 بط 2: 5). في هذا الخطّ، نقرأ أش 59: 21:

وأنا هذا عهدي معهم، قال الربّ.

روحي الذي عليك

وكلماتي التي وضعتُ في فمك،

لا تزول من فمك ومن فم زرعك

ومن فم زرع زرعك

قال الربّ، من الآن وإلى الأبد.

هذا ما يحملنا إلى الجيل الثالث، ممّا يدلّ على أنّ الكلمة تجذّرت ولن تقتلع بعدُ بسهولة. لهذا يقول الربّ في أش 61: 8:

أنا الربّ أحبُّ العدل

وأبغض الاختلاس والظلم

أمنحهم بالحقّ حصّتهم

وعهدًا أبديًّا أقطع لهم.

"ها تأتي أيّام" (آ 31). هي عبارة مقولبة تتضمّن كما العبارة الموازية "في تلك الأيّام" لونًا اسكاتولوجيًّا لا نستطيع أن نهمله. بالنسبة إلى العهد الجديد، من الواضح أنّ هذه "الأيّام الآتية" تدشّنت الآن. ومع مجيء المسيح، صار العهد الجديد الموعودُ به وبالتالي زمنُ الخلاص، واقعًا اجتاح الحاضر. أوردت الرسالة إلى العبرانيّين (8: 8-12) إر 31: 31-34 كلّه. فكان لنا أكبر إيراد للعهد القديم في العهد الجديد. وهذا ما يدلّ على أهميّة هذه القطعة. أكّدت الرسالة معطى الإيمان الأساسيّ بأنّ غفران الخطايا يكفلُه يسوع "وسيط عهد أفضل" (عب 8: 6).

اعتبر بولس نفسه "خادم العهد الجديد". أي خادم "الروح" الذي يفجّر بالضرورة "حرف" العهد القديم، بعد أن صار لهذا السبب عتيقًا ولاغيًا (2 كور 3: 6، 14).

في التدوين البولسيّ واللوقاويّ لخبر العشاء الأخير، كان كلام صريح على "العهد الجديد" الذي قدّمه يسوع، وختمه بذبيحته، "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي" (1 كور 11: 25؛ لو 22: 20). أمّا مر 14: 24 ومت 26: 28 الموازيان، فيتحدّثان فقط عن "دم العهد" المراق. أمّا التوضيح المتّاويّ "لغفران الخطايا" فتلميح واضح إلى نصّ إرميا هذا: "لأنّي سأغفر ذنوبهم، ولن أذكر خطاياهم من بعدُ".

إختلف هذا المقطع الإرميائيّ عن العهد الجديد، فما قال شيئًا عن وسيط العهد، عن شخص يتوسّط بين الله والإنسان مثل موسى، وإن لم تكن النظرة بعيدة، كما نقرأها في 30: 21.

ويكون كبيرُهم واحدًا منهم،

ورئيسُهم يخرج من بينهم.

أقرِّبه فيدنو إليّ،

حين ما من أحد يجرؤ

أن يدنو إليّ من تلقائه.

2- العهد القديم في العهد الجديد

بيّن لنا إر 31: 31-34 أوّلاً، ما يكوّن جوهر "العهد"، القديم والجديد معًا: "أنا أكون إلههم وهم يكونون شعبي". هذا القول الذي نجده من موضع في إرميا (30: 22) ولدى أنبياء لاحقين، حول "العهد الأبديّ" الآتي، سبق فميَّز أساس العهد القديم، قال سفر التثنية (39: 9-12):

9 أنتم واقفون اليوم كلّكم

أمام الربّ إلهكم

رؤساء أسباطكم وشيوخكم

10 وقادتكم ورجالكم

وأطفالكم ونساؤكم

والغريب الذي في محلّتكم،

11 لتدخلوا في عهد الربّ إلهكم

وفي قسمه الذي يقطعه معكم اليوم

12 ليقيمكم له هنا أمّة ويكون لكم إلهًا

كما قال إلهكم وكما أقسم لآبائكم.

"أنا إلهكم وأنتم شعبي". هذه العبارة التي تدلّ على تبادل العلاقة بين الربّ وشعبه بشكل معبِّر جدًّا، تُدعى مرارًا "عبارة العهد". ولكن إذا طلبنا مقابلات في المجال الدنيويّ، فالنصوص التي تساعدنا ليست عبارات عهد، بل اتّفاقات زواج وتبنٍ. فالرجل (أو الأب) يقول حين عقد الزواج (أو التبنّي): "أنا زوجها (أو والدها) وهي (وهو) امرأتي" (ابني، رج 2 صم 7: 24). قد تكون هذه العبارات حاضرة في فكر إرميا. كما كانت عند أبيه الروحيّ، النبيّ هوشع: فقد صوّر العلاقة بين الربّ وشعبه في صورة خطبة وزواج (2: 2؛ 3: 1ي)، أو في علاقة بين أبٍ وابنه (3: 4؛ 31: 20).

في اللغة البيبليّة، وبالنظر إلى "العهد"، يهو هو "السيّد" و"الربّ". "نقضوا العهد مع أنّي بعلهم، سيّدهم. وبالنسبة إلى المرأة: زوجها (ب ع ل ت ي). فالفعل العبري "ب ع ل" (راجع البعل في العربيّة) الذي نقرأه هنا وفي 3: 14 (أنا سيّدكم: ب ع ل ت. ب ك م: أنا تزوّجتكم)، يدلّ بشكل معبِّر على طريقة حياة وعمل السيّد، والمالك، والبعل والزوج (مالك البيت) تجاه زوجته. وانقطاع العهد من قبل الشعب الذي يترك الربّ ويمضي إلى آلهة أخرى، يوازي الزنى، في نظر إر 3: 1:

إذا سرّح رجلٌ امرأته

فذهبت من عنده وكانت لرجل آخر،

أيرجعُ إليها بعدُ؟

أما تتدنّس تدنّسًا تلك الأرض (أو تلك المرأة)؟

وأنتِ زنيتِ مع رفاق كثيرين

فعودي إليّ، يقول الربّ.

ولكن يهوه ليس فقط "السيّد" بالنظر إلى العهد الذي هو نتيجة سيادته الذي أظهرها في مسيرة الخروج: "يوم أخذ إسرائيل بيده، ليخرجه من أرض مصر" (آ 32) حرّره من العبوديّة وجعله خاصّته. وكذلك العهدُ الجديد الأبديّ تسبقُه النجاةُ والعودة من المنفى، اللتين بهما يتجلّى أيضًا على أنّه الربّ في عيون إسرائيل والأمم (30: 1؛ حز 37: 25-26).

وهناك عنصر آخر يكوّن "العهد": "معرفة الربّ". هين يُعلن الربّ في العهد الجديد: "يعرفونني كلّهم" (آ 34)، فهو يُحقِّق ما كان موجودًا في العهد القديم على مستوى معرفة الله. نقرأ في 4: 22:

شعبي جاهل لا يعرفني،

بنون حمقى لا فهم لهم،

وحكماء في فعل الشرّ،

لا يعرفون ما للخير.

فالمؤمن يفتخر قبل كلّ شيء بأنّه يعرف الربّ (9: 22) الذي قال:

أعطيهم وعيًا في قلوبهم

ليعرفوا أنّي أنا الربّ (24: 7).

ونجد الفعل "ي ر ع" عرف، في نصوص عهد وفي اتّفاقات لا بيبليّة، فالتابع الذي يعقد معه الملكُ العظيمُ عهدًا، عليه أن يعرف حليفه ولا يتنكّر له. هو له "عبد" أمام سيّده، و"ابنًا" أمام والده. هذا يُترجَم بشكل ملموس في أنّ بنود العهد التي يفرضها الحليف الرئيسيّ، تُقبَل في المبدأ، تراعى، وتطبَّق في الحياة اليوميّة. تحدّثت هنا آ 33 عن "شريعة" الربّ، "ت و را" أي تعليمات الربّ وفرائضه.

ونلاحظ في الوقت عينه أنّ فعل "عرف" يحمل أكثر من معنى. ففي الفكر البيبليّ الذي يشدّد على الكلّيّة، المعرفة هي فعل يمسك الإنسان كلَّه ويحوّله. هي تعبير عن شركة حياة وحبّ صميم. عبارة العهد الأولى: الزوج "يعرف" زوجته، والزوجة "تعرف" زوجها (تك 4: 1).

3- لماذا عهد جديد

وجدنا في العهد القديم كلّ ما يشكّل جوهر "العهد" أي شركة حياة وحبّ تتضمّنها علاقةٌ متبادلة تتأسّس على تجلّي سيادة الله والاعتراف به. فلماذا إذًا عهدٌ جديد؟ أعطى إرميا السبب فقال: "هذا العهد، عهدي أنا، هم نقضوه" (آ 32). ما خضعوا لترتيبات العهد وأحكامه. إستخفّ إسرائيل بسيادة الله. كما نقرأ في 2: 20:

من القديم، كسرتِ نيرك وقطعتِ ربطك،

وقلتِ: لا أعبد الربّ

وعلى كلّ تلّة عالية

وتحت كلّ شجرة خضراء

أنتِ تضطجعين زانيةً

ولكن هل نُقض العهد بدون رجعة؟ أما يُبنى بعدُ؟ قبل الكلام عن العهد الجديد، في هذا المقطع، تحدّثت التوراة عن حالات عديدة من تجديد العهد. وحين يستعمل إرميا نفسه صورة الزوجة الخائنة، التي تتوب فتعود، ويقبلها زوجها ويقبّلها، فهو يعلن، على ما يبدو، إنّ إعادة العهد الذي نُقض، ممكنة، مرجوَّة. كما في 3: 12:

إرجعي، أيّتها السائبة إسرائيل،

يقول الربّ.

فلا يعبس وجهي غضبًا عليك

لأنّي لطيف أنا، يقول الربّ

لا أحقد إلى الأبد.

نجد أنّ إرميا تبيّن واقعًا مؤلمًا وذا نتائج خطيرة: لا يستطيع إسرائيل العودة التي ينتظرها الله، والتوبة الصادقة. في السنوات الأولى من خدمته النبويّة، شهد تجديدًا رائعًا للعهد، قام بها الملك يوشيّا سنة 622 ق.م، على أثر اكتشاف "كتاب الشريعة" (في الهيكل) الذي يُعتبر جوهر سفر التثنية الحالي (2 مل 22-23). بالرغم من وعد احتفاليّ به فرضوا على نفوسهم، بعد الآن، "بأن يتبعوا الربّ ويحفظوا وصاياه وأحكامه وشرائعه، من كلّ قلبهم ومن كلّ نفسهم، تطبيقًا لبنود العهد المدوَّنة في هذا الكتاب" (2 مل 23: 3)، بالرغم من كلّ ذلك بدا عملُ الإصلاح سطحيًّا وسريع العطب.

تبيّن سريعًا أنّ لا شيء تبدَّل في العمق. بل إنّ الخيانة والعصيان المتجذّرين منذ القديم، غطّاهما طلاء كاذب من الشريعانيّة (تعلّق سطحيّ بالشريعة) وطقوسانيّة (ممارسة خارجيّة للطقوس). وكان هذا الطلاء ذريعة لثقة بالنفس، كلّه سراب وشؤم ورأى إرميا كم كان هوشع على حقّ حين تكلّم باسم الربّ، فندّد بالشعب الذي كانت توبته سطحيّة، لا جذور لها:

ماذا أفعل بكم، يا بيت أفرائيم؟

وماذا أفعل بكم، يا بيت يهوذا؟

لطفكم لي كسحابة الصبح.

وكالندى الذي يزول باكرًا (هو 6: 4)

فأنا أريد اللطف، لا الذبيحة،

معرفة الله، لا المحرقات (آ 6).

إذًا، لا يكفي تجديد العهد، بل ينبغي تجديد الإنسان الذي بدونه يُفشل كلّ إصلاح مهما كانت النوايا. ولكن هل يستطيع إسرائيل أن يبدّل "قلبه الملتوي والمتمرّد" (5: 37)؟ كلاّ. فإرميا استند إلى خبرات في شعبه، كما في شخصه، فتراجع واستسلم:

القلب ألوى (من "عقب" في العربيّة)قبل كلّ شيء

ومريض هو، فمن يعرفه؟ (17: 9).

وفي 13: 23:

هل يُغيّر الحبشيّ بشرته

والنمر جلدَه المرقّط؟

إذًا، تقدرون أن تصنعوا الخير

بعد أن تعوّدتم على الشرّ.

فإذا أراد إسرائيل أن يتفادى الهلاك والسقوط تحت اللعنة (11: 3: "ملعون من لا يسمع كلمات هذا العهد")، تبقى أمامه وللنبيّ إمكانيّة واحدة: يتركون الربّ يجتذبهم بلطفه، بحبّه الذي لا يملّ ولا يُغلَب. يعودون إلى الربّ لكي يُتمّ فيهم هذه العودة: "أعدني إليك فأعود، لأنّك الربّ إلهي" (31: 18).

4- الجديد في العهد الجديد

أمّا الجديد في العهد الجديد، فهو أنّ الله يصنع توبة وخضوعًا: بهذه الطريقة، لا يؤمّن فقط إقامة العهد، بل يكفل ثباته ومناعته. حتّى الآن، جعل أمام عيون بني إسرائيل شريعة عهده، فكتبها على "لوحين" أو في "الكتاب". منذ الآن، يجعلها في عمق الضمير ويكتبها على القلب" (آ 33). في 9: 12 قال الربّ:

تركوا توراتي التي جعلتُ أمامهم

فما سمعوا كلامي ولا عملوا به.

أمّا هنا، فوضع الشريعة في القلوب. وهكذا لن يحسب الإنسان مشيئة الله أمرًا خارجًا عنه، غريبًا، بل في إطار التماهي والتضامن اللذين يحدّثهما الله، تكون إرادة الله وقلب الإنسان، في المبدأ، أمرًا واحدًا: "أعطيهم قلبًا فيعرفون أنّي أنا الربّ. يكونون شعبي وأنا أكون إلههم، لأنّهم يأتون إليّ بكلّ قلبهم (الذي أخلقه من جديد)" (24: 7؛ رج 32: 38ي).

بهذه الطريقة "كلّهم" بدون استثناء، وكلّ واحد بشخصه "يتعلّم"، يكون تلميذًا (ل م ر) لله. عند ذاك كلّهم، من الصغير إلى الكبير يعرفون الربّ، نكاد نقول طوعًا بدون تعب (آ 34). هذا يعني أنّهم "يخافونه" ((32: 39-40) أي يقبلون به سيّدًا، ويحبّونه "من كلّ قلبهم وكلّ نفسهم وكلّ قواهم" (تث 6: 5)، على أنّه إله شخصيّ لكلّ واحد منهم.

نجد أنّ أساس هذه الوحدة وشرطها، حيث يُلغى كلّ انفصال بين الله والإنسان هو مغفرة الخطايا (آ 34). هذا العمل الخلاصيّ الجديد الذي يقوم به الله، يأخذ في نظام الخلاص الجديد، المكان الذي كان له في القديم، بالنسبة إلى النجاة من مصر التي سبقت عهد سيناء وجعلته مسكنًا. فالتحرّر من العبوديّة صار تحرّرًا من الخطيئة: "فالربّ هو الذي يفتدي إسرائيل من كلّ آثامه". لأنّ "عندك المغفرة وحينئذ نخافك" (مز 130: 4، 8).

هذا التسلسل الذي نجده أيضًا في نصّ حز 36: 25-28، يبدو هامًّا جدًّا: إنّ معرفة الله معرفة جدّيّة، تستند إلى غفران سابق ومصالحة، أي إلى هذا العمل الخلاصيّ الجديد الذي هو مجّانيّ كلّه. وكلّ الخير الذي يصنعه إنسان هداه الله وعمله، هو في الحقيقة ثمرة هذا العمل الإلهيّ.

خاتمة

أكّد العهد الجديد هو أيضًا أنّ الغفران أساس العهد الجديد. وهذا صار واقعًا في يسوع وبيسوع، الذي نال لنا عملُه الخلاصيّ الغفران الإلهيّ وأمَّن لنا مصالحة الإنسان مع الله. "فدم العهد" هو في الوقت عينه، "الدم المراق لغفران الخطايا" (مت 26: 28). ففي يسوع تمّت منذ الآن الوحدة التامّة بين قلب الإنسان ومشيئة الله. إنّه "الإنسان الجديد" الذي حقّق العهد الجديد في كلّ اتّساعه، بعد أن جعله ممكنًا".

والمسيحيّون من جهتهم، هم شعب الله، شعب العهد الجديد، بقدر ما "يلبسون الإنسان الجديد" (أف 4: 24). "فإن كان أحد في المسيح، فهو خليقة جديدة: زال القديم وها هو الجديد. وهذا كلّه من الله الذي صالحنا معه بالمسيح" (2 كور 5: 17). منذ أن "فاض حبُّ الله في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطي لنا" (روم 5: 5)، وبقدر ما هذا الروح "ينعشنا" (روم 8: 14)، كلّ واحد منّا "يتعلّم" "شريعة الحرّيّة الكاملة" (يو 1: 25). هو "يعرف الله"، وله منذ الآن "الحياة الأبديّة" التي هي جماعة حبّ مع الله.

غير أنّ العهد الجديد الذي تحقّق، في ملئه، في المسيح، يبقى في وضع الولادة والنموّ خلال حياة المسيح كلّها. فمع أنّه افتدي، فهو ما زال ينتظر الفداء. لهذا كان نداء المرتّل العائش في رجاء العهد الآتي، آنيًّا بعدُ اليوم "قلبًا نقيًّا أخلق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدّد في أحشائي" (مز 51: 12، 14). ولكن منذ الآن نستطيع أن نشارك في "النشيد الجديد" (رؤ 5: 9)، نشيد "الخليقة الجديدة" و"العهد الجديد".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM