الفصل الخامس :سفر الأمثال

الفصل الخامس
سفر الأمثال

المقدّمة
سفر الأمثال هو مجموعة أمثال من مصادر متعدّدة، هو مجموعة مجموعات. سفر الأمثال هو جزء من هذا الفنّ الأدبي الذي ازدهر في الشرق من مصر إلى العراق مرورًا بسورية ولبنان وفلسطين والأردن، هو جزء من الآداب الحكمية. والقرابة ظاهرة بين ما كتب العبرانيّون وما كتبه السومريّون والأشوريّون والبابليّون والحثّيّون والمصريّون والكنعانيّون والفينيقيّون. المواضيع عينها، بل العبارات والكلمات. كل هذا يشهد على حياة أدبية دوليّة دخل فيها شعب إسرائيل فتعلّم الكثير من جيرانه، وطبعها بطابعه الخاص المبنيّ على وحدانية الله الذي هو وحده رب وخالق السماء والأرض.
اسم الكتاب وكاتبه
اسم الكتاب: الأمثال. يجد مكانه في التوراة العبرية بين سائر الكتب، بعد أيّوب وقبل المدارج الخمسة التي تُقرأ في الأعياد الكبرى. أمّا في الترجمة السبعينية اليونانية كما في الشعبية اللاتينية وفي البسيطة السريانية فهو يأتي بعد المزامير ويسبق الجامعة.
عنوانه: أمثال سليمان بن داود، ملك أورشليم. يُنسب سفر الأمثال إلى سليمان وهو الذي اشتهر بحكمته (1 مل 3: 11- 8 ؛ 5: 9- 14؛ 10: 1- 9)، كما تُنسب إليه سائر الأسفار الحكمية. أما قال "ثلاثة آلاف مثل " (1 مل 5: 12)؟ نحن لا نريد أن نسلب حقّ سليمان كلّيًا. ولكنّنا نقول إنّ الحكمة بدأت قبل شعب إسرائيل وامتدّت بعده. لا شكّ في أنّ هناك أمثالاً تعود إلى سليمان، نحن لا نعرفها. ولكنّ هناك كتلة مغفلة هي ثمرة الملاحظة والتجارب لا نعرف كاتبها، إنّها بِنت الحياة اليومية والحكمة الشعبية.
شدّد جامع الأمثال على أنّ سليمان هو ابن داود وملك إسرائيل. وقال الشرق كلّه إنّ الملك هو نبع الحكمة. ومن بالنسبة إلى الشعب الإسرائيلي، الملك الأوّل هو الرب. أمّا ملك الأرض فهو ينقل إلى الشعب أقوال الرب. قالت المرأة التقوعية لداود: "إنّ لسيدي الملك حكمة كحكمة ملاك الله في فهم جميع ما في الأرض " (2 صم 14: 20). أمّا سفر الأمثال فربط بين الرب من جهة (16: 1- 9) وبين الملك من جهة ثانية (16: 10- 15) ليشدّد على الرباط بين الاثنين وعلى حقّ الملك بأن يفعل كالأنبياء وينقل إلى الإنسان أقوالاً إلهية.
وقال جامع الأمثال أيضاً: سليمان بن داود. هل كنّا بحاجة إلى هذه الملاحظة، ومن لا يعرف في إسرائيل أنّ سليمان هو ابن داود؟ ما أراد الكاتب بكلامه هو أن يضفي مسحة قدسيّة على كتاب يمكن أن يكون من كتب البشر لا من كتب الله. فداود هو مسيح الرب وقد حمل في شخصه العهد والمواعيد. لا شكّ في أنّ سفر الأمثال لا يتحدّث عن داود ولا عن العهد والمواعيد، ولكنّ وجود هذا العنوان يفهمنا أنّنا أمام لاهوت ديني. وهذا يعني أيضاً أنّ فصول سفر الأمثال جزء لا يتجزّأ من الوحي الإلهيّ الذي عبّر عن ذاته عبر تاريخ بني إسرائيل. إنّها تقدّم الوحي في وجه إنساني يقرأه كل إنسان، أكان يهوديًّا أم غير يهودي، فيصل من خلال الأقوال البسيطة إلى نظرة أخلاقية ودينية تقرّبه من إله العهد.

تصميم الكتاب وبنيته
يبدأ الكتاب بمقدّمة عامّة (1: 2- 7) توضح مضمونه وتدلّ على عنوانه. أمّا هدف الكاتب فهو أن ينقل اختبارًا أخلاقيًا ودينيًا يساعد الإنسان على السلوك المستقيم والعاقل في مختلف ظروف الحياة. نحن أمام اختبار المعلّمين يعطونه علمًا لتأديبنا، ولكنّه اختبار ينطق من الله لا من الإنسان.
ثمّ يمتدّ الكتاب في تسع مجموعات متفاوتة سنتحدّث عن كل منها بالتفصيل.
المجموعة الأولى (8:1- 18:9). الحكمة تدعونا. إنّها كأب يحرّض أبناءه على الابتعاد عن عشرة السوء وعن المرأة الزانية. الحكمة توجّه إلينا الحديث وهي بعيدة كل البعد عن الجنون والسفاهة. تتوجّه إلينا بأسلوب قريب من أسلوب سفر التثنية أو نبوءة إرميا أو بعض أشعيا، فتكلّمنا عن نفسها ودورها في عمل الخلق. دوّنت هذه المجموعة في بداية القرن الخامس ق م يوم وصل الكتاب إلى شكله النهائي، فكانت آخر ما دُوِّن من مجموعات سفر الأمثال.
المجموعة الثانية (15: 1- 22: 16). هذه أوّل مجموعة سليمانية. تتألّف من 376 مثلاً تتعلّق بالأخلاق. طابعها طابع ديني وفيها يرد اسم الله مرارًا. هذه المجموعة هي أقدم ما في سفر الأمثال، كل حكمة تتألّف إجمالاً من بيتين متكاملين، يكون معنى البيت الواحد مغايرًا لمعنى البيت الآخر. لم تنظَّم هذه الحكم، بل وُضعت بشكل خليط فلم تُرتَّب حسب الموضوع الواحد. هناك بعض الآيات تبدأ بالحرف الواحد (11: 9، 10، 11، 12 تبدأ بحرف الميم، 15: 12، 13، 14 تبدأ بحرف اللام). وهناك آيتان تجمعهما كلمة واحدة (الدمار في 10: 14، 15)، وهناك آيات تجتمع في موضوع واحد (16: 1- 7: الرب، 16: 10- 15: الملك). هذا يدلّ رغم كل شيء على التبعثر بالأمثال، ويبيّن سبب وجود مراجعات للمثل الواحد. فما نقرأه في 14: 12 نقرأه أيضاً في 16: 25 وكذلك في 2:10 ب و 11 :4 ب ؛ 15:10 أو 18: 11 أ...
المجموعة الثالثة (17:22- 24: 22). هي أوّل مجموعة للحكماء، وتبدو أحدث عهدًا من سابقتها. في هذه المجموعة نجد قسمًا (17:22- 14:23) قريبًا من حكمة امينوفي المصرية وقصيدة عن مساوئ الخمر (29:23- 35).
المجموعة الرابعة (23:24- 34). هذه مجموعة الحكماء الثانية وهي قصيرة جدًّا. تتضمّن قصيدة عن الكسلان.
المجموعة الخامسة (25: 1- 29: 7). المجموعة السليمانية الثانية. وهي تتضمّن 127 مثلاً، وكل مثل يتألّف من بيتين يتقابلان. مجموعة قديمة مثل المجموعة الأولى إن لم تكن أقدم منها.
المجموعة السادسة (30: 1- 14) تتضمّن كلام آجور بن ياقة وهو حكيم لا ينتمي إلى أرض إسرائيل.
المجموعة السابعة (30: 15- 33). نقرأ فيها سلسلة من الأمثال العددية. ثلاثة يعجزني فهمها والرابع لا أعلمه. مثل هذا الأسلوب نجده أيضاً في سفر عاموس النبي (3:1 ي).
المجموعة الثامنة (31: 1- 9). تتضمّن كلام لموئيل الملك، وهو حكيم لا ينتمي إلى بني إسرائيل، بل إلى بني المشرق مثل آجور.
المجموعة التاسعة (31: 10- 31). تنشد المرأة الفاضلة في اثنين وعشرين بيتًا تتعاقب تعاقب الحروف الأبجدية. هذا النشيد هو جواب لما قرأناه عن الحكمة (9: 1 ي) وتطبيق لهذه الصفة في حياة المرأة.

الحكيم والحكمة
الحكمة ترتبط بالله وتشاركه في عمل الخلق (8: 22- 31)، لهذا فهي ينبوع الحياة الذي يحفظنا من الشر والموت ويقودنا إلى مخافة الرب وإلى الخيرات التي تنتج عن هذه المخافة. ولكنّ هذه الحكمة لا تبدو مجرّدة، إنّها كائن حي يقف بقرب الله، إنّها امرأة تدير أمور بيتها. لهذا فاقتناء الحكمة يفترض استعدادات أخلاقية منها الإصغاء والطاعة.
بما أنّ الحكمة هي كريمة بهذا المقدار، فعلى التلميذ أن يبحث عن الوسائل التي تساعده على اقتنائها. تحدّثنا عن الإصغاء، هذا الاستعداد الضروري الذي يتردّد في سفر الأمثال. "إسمع يا بني " (1: 8؛ 4: 10 ؛ 23: 19). نُصغي بالأذن ونميل قلبنا إلى الفهم (2: 2). نعي الأقوال ونحفظ الوصايا (2: 1). نجعلها أمام عيوننا (4: 21) نشدّها في عنقنا، نكتبها على لوح قلبنا (3:3) لئلاّ ننساها (4: 5). ونحاول أن نفهم هذه الأقوال ونتأمّل فيها، فهي "تهديك في سيرك وتحافظ عليك في رقادك، وإذا استيقظت فهي تحدّثك " (6: 22). من أجل هذا، نعاشر الحكماء ونتجنّب السفهاء (13: 20؛ 7:14) ونقبل كل أشكال التأديب.
ولكنّ كل هذه الاستعدادات لا تنفع إن لم نعد إلى الله الذي يعطي الحكمة. قال الكتاب: "الرب يؤتي الحكمة" (2: 2)، ومخافة الرب أو الديانة هي بداية ومبدأ ومدرسة الحكمة (9: 10 ؛ رج 1 :7؛ 15: 33). من أجل هذا يحذّرنا الحكيم من الكبرياء (7:3) ويدعونا إلى التواضع (3: 34؛ 11: 2؛ 22: 4). وأخيرًا، فإنّ من يطب الحكمة يجتنب الشر: "خف الرب وجانب الشر" (7:3). مخافة الرب تقوم بأن تبغض الشر (13:8).
الحكمة هي الخير السامي وهي تفوق القوّة (22:21) وقيمتها أعظم من الفضّة والذهب المصفّى وكل حجر كريم (3: 14- 15؛ 8: 10- 11 ). من أجل هذا، فهي تمنحنا السعادة. ولهذا يهتف الكاتب: هنيئًا للرجل الذي وجد الحكمة (13:3؛ 14: 21). هو سفر الأمثال يَعد الفرد بسعادة وعدت بها الشريعةُ الأمّةَ كلّها. نقرأ في تث 28:12: احفظ واسمع جميع هذا الكلام الذي أنا آمرك به لتحصل على السعادة. إنّها تتجاوب مع سفر الأمثال (16: 20). من يسمع كلام الرب يفوز بالخير ومن يتّكل على الرب يعرف السعادة.

مسألة الثواب والعقاب
مسألة الثواب والعقاب تسيطر على فكر الحكماء الذين كرّسوا لها أقوالاً عديدة، فلا يمكن الهروب من المجازاة. لهذا يقول الكتاب: من مسّ امرأة قريبه نال نتائج مؤلمة (6: 29)، لا ينجو الأشرار من العقاب، أمّا ذرّية الصدّيقين فتنجو (11: 21)، الرب يكره المتكبّرين وهو لا شكّ يعاقبهم (5:16).
والمجازاة فرديّة، كما قال إرميا (31: 29- 30) وحزقيال (18: 2- 4). يقول الحكيم: إن كنت حكيمًا فلنفسك، وإن كنت متكبّرًا تتحمّل النتائج (12: 14). كل واحد يعود إليه عمل يديه (21: 14)، والله يجازي البشر على أعمالهم (24: 12).
لا مهرب من المجازاة. هذا ما نجده في نصوص عديدة تقدّم لنا في لوحة واحدة مصير الأبرار ومصير الأشرار. الرب يلعن بيت الأشرار ويبارك منزل الصدّيقين (3: 33). سبيل الصدّيقين يشبه النور المتلألئ، وطريق الأشرار كالظلام وفيه يعثرون (4: 18- 19). لا يصيب البارّ شر، أمّا الأشرار فيغرقون في الشرور (12: 21).
والمجازاة تتوقّف على هذه الأرض فلا تعرف الحياة الأخرى حيث يُكرَم الأبرار ويُعاقب الأشرار. فني الجحيم (أو الشيول) مثوى جميع الموتى، تجد ظلالاً مائعة لا يهتمّ بها الرب. إذًا، من الضرورة أن يُكافَأ البار خيرًا في هذه الدنيا وأن يعاقب الشرّير في هذه الدنيا: "إذا كان الصدّيق يجازي على هذه الأرض، فبالأحرى الشرير والخاطئ " (11: 31). ولكن كيف نوفّق هذا القول مع معطيات الاختبار اليومي؟ سيثور أيّوب على هذا الوضع، ويرفضه الحكيم الذي دوّن سفر الجامعة. أمّا سفر الأمثال فيتقبّل هذا الموقف بصفاء وهدوء.
والمجازاة تسير بطريقة آلية. أنت خطئت، إذًا تُعاقب. أنت أحسنت، إذًا تُكافأ. فهناك شريعة مكتوبة في قلب أعمالنا ولا نستطيع أن نفلت منها. يأكل الإنسان من ثمرة سلوكه ويشبع من مشوراته (1: 31). الشرّير تأخذه آثامه وفي حبائل خطيئته يؤخذ (5: 22). الشرّير يسقط بشره والغادر يُصطاد بفجوره (11: 5- 6). من يضلّل المستقيمين في طريق السوء فهو يسقط في هوّته والسعادة محفوظة للسالكين في طريق سليمة (28: 10).
ولكن يجب أن نفهم أنّ هذه الآلية في المجازاة تعبّر عن إرادة الله الذي هو سيّد مصائر البشر الرب صنع كلّ شيء من أجل هدف معيّن والأشرار أيضاً ليوم السوء (16: 4). لا شيء يفلت من علم الله، فعينا الرب في كل مكان، تراقبان الأشرار والأخيار (3:15) الشيول والهاوية هما أمام الرب، فبالأحرى قلوب البشر (15: 11). يأخذ الله قرارًا فيتم في البشر جميعًا. يقول الكتاب: الرب يوجّه خطوات البشر (20: 24). ويقول أيضاً: تُلقى القرعة من أجل معرفة المستقبل، ولكنّ الله هو الذي يعطي الجواب (16: 33). ويقول: في قلب الإنسان مشاريع كثيرة ولكنّ قرار الرب هو الذي يثبت (19: 21).

سعادة الأبرار
نعبّر عن كل تعليم المجازاة في آية تتقابل معانيها: لا يصيب الصدّيق شرّ والأشرار تفيض عليهم الشرور (12: 21)، أو: الشقاء يلاحق الخطأة والسعادة تجازي الأبرار (13: 21). ممّ تتكون هذه السعادة؟ إنّها تقوم في الحياة لا في الموت. تَمسَّك بالتأديب فهو أساس الحياة (4: 13)، إحفظ وصاياي فتحيا (7: 2). وقالت الحكمة: من وجدني وجد الحياة (35:8). فالحكمة هي شجرة حياة (18:3) وطريق الحياة وينبوع حياة (23:6؛ 4 27:1). ويجب أن تكون هذه الحياة طويلة. يا بُنيّ، لا تنسَ شريعتي، فإنّها تزيد طول أيّامك وسني حياتك (3: 1- 2). وقالت الحكمة: بي تكثر أيّامك وتُزاد لك سنوات حياة (9: 11). وتكون هذه الحياة سعيدة طيّبة تملأها الأمجاد والنجاح. فالسعادة ثواب الأبرار (13: 21) ومع الحكمة بعض الغنى والمجد والخيرات الدائمة والبرّ (8: 18). مثل هذه الحياة السعيدة تجد الاطمئنان والثبات من لدن الرب. من يسمع الحكمة يسكن في دعة مطمئنًّا ولا يخاف السوء (33:1) وإنّ من يتّكل على الرب لا يصيبه سوء (29: 25). وحتّى الصحّة تكون إحدى العطايا تمنحها الحكمة (3: 7- 8). وإليها يزاد خيران ثمينان في نظر الإسرائيلي الذي لم يعرف حياة ثانية بعد القبر وهما: نسل يكون امتدادًا للذين ذهبوا (13: 22؛ 20: 7)، وذكر مكرِّم يدوم في قلب البشر أجل سيتذكّر الناس الأبرار وينسون حتّى اسم الأشرار. اسم الأبرار يُبارك، أمّا اسم الأشرار فيزول (2:10).
تلك هي الخيرات التي يحصل عليها البار من بركة الرب، تلك هي السعادة التامة التي يحصل عليها تلميذ الحكمة في هذه الدنيا.



مصير الأشرار
وتجاه هذه اللوحة المنيرة التي ترسم سعادة البار، نجد صورة عن الشرور التي تصيب الشرير فلعنة الرب تقيم في بيت الشرير وتطبع كل حياته بطابع الشقاء (12: 21؛ 21:13).
أوّل عنصر من هذا الشقاء هو الحياة القصيرة. تقصر سنوات الأشرار فيموتون قبل أوانهم (10: 27؛ 11: 30) وينطفئ مصباحهم (13: 9). إذا كانت حياة البارّ تفيض غنى وكرامة واطمئنانًا وثباتًا، فحياة الشرّير تعرف العوز والمهانة والقلق وعدم الثبات والدمار. يعرف العوز فيصرخ بطنه من الجوع (3: 25)، يعرف المهانة كالجهّال الذين يحصلون عليها (3: 25). لا يطمئن إلى حياته لأنّ طريقه كالظلمة فلا يرى العوائق فيعثر (19:4)، ولا يثبت واقفًا حين تمرّ العاصفة (25:10)، فيدمّر بيته (14: 11) ويموت أمله وانتظاره (10: 28؛ 11: 7).
وهناك مصيبة مُرّة تحل به: إنّه يدفع عن البارّ ويحلّ محلّه في الشقاء (8:11؛ 21: 18). والمصيبة الكبرى في إطار المجازاة على الأرض هي أنّ الشرّير يموت ولا عقب له، وإن ترك عقبًا يكونون أشرارًا، وهكذا يبلى اسمه (7:10).
هذه الطريقة في تصوّر مصير البارّ والشرير توافق متطّلبات العدالة الإلهية، ولكنّها لا توافق الاختبار اليومي القاسي الذي عاشه إرميا فصرخ متوجّعًا: لماذا ينجح مصير الأشرار؟ لماذا يعيش في سعادة الذين يعاملون الناس بالغدر (إر 12: 1)؟ وعاشه أيّوب فقال: لماذا يحيا الأشرار، لماذا لا يموتون؟ لماذا تطول أيّامهم وإذ تطول تنمو ثروتهم (أي 21: 7)؟ أمّا صاحب سفر الأمثال فلم يتأثّر بهذه الفوضى التي لا يراها أولا يريد أن يراها فيكتفي بأن يحذّر تلاميذه من " التجارب التي تنتج عن هذه الفوضى، وبأن يذكّرهم بأنّ الأشرار لا يفلتون على هذه الأرض من عقاب يستحقّونه فيقول: لا تحسد الرجل الظالم ولا تختر طريقًا من طرقه (3: ا 3). لا تحسد رجال السوء ولا ترغب أن تكون بينهم (24: 19). فالعقاب يأتي عاجلاً أو آجلاً، لأنّ الشرّير لا يفلت من العقاب (11: 21)، فلا مستقبل له (24: 20). فلننتظر النهاية والعاقبة التي ستكون مرّة كالعلقم حادّة كالسيف (5: 4). وتأتي المصيبة على الشرّير ساعة لا ينتظرها، تأتيه كالعاصفة والزوبعة (27:1) وتحطّمه دون دواء (15:6).
ولا يتعجّب البارّ ولا يتذمّر من المحن التي تصيبه، لأنّ الربّ يؤدّب الذين يحبّهم، كما يؤدّب الأب ابنه (12:3). وهكذا يكون كلّ شيء مطابقًا لعدالة الله التي لا تعرف الحكم الاعتباطي ولا النسيان.



أصدقاء الحكمة وأعداؤها
أصدقاء الحكمة هم الحكماء (يرد اسمهم أكثر من 30 مرّة) الذين هم التلامذة المتعطّشون إلى اقتناء الحكمة واقتفاء طرقها. وهم العقلاء (13 مرّة) الذين يفهمون تعليم الحكمة ويعرفون كيف يقدّمونه للآخرين. وهم أصحاب الفطنة (8 مرّات) الذين يواجهون مشاكل الحياة وظروفها بقلب كبير. وهم ذوو الحكم الصائب الذين يعرفون كيف يتصرّفون. في هذا العالم، عالم أصدقاء الحكمة، نجد الصالحين والمستقيمين والأبرار الذين لا عيب فيهم.
أمّا أعداء الحكمة فهم المجانين (14 مرّة) بجنونهم (22 مرّة) الذين لا يقدرون أن يفهموا فيعصوا كل تعليم. وهم الذين لا قلب لهم ولا عقل (10 مرّات) الذين يسيئون عمل كل شيء. وهم الجهّال (3 مرّات) الذين لا عقل لهم والذين ضلّوا عن عالم الروح. وهم الساخرون (14 مرّة) الذين يهزأون بالله وبأصدقاء الحكمة ويلاحقونهم بالكلام القاسي. وهم الحمقى (48 مرّة) الذين يرفضون كلّ نصيحة ويرضون عن نفوسهم لأنّ عقلهم غليظ. وهم البلهاء، وهم الأغرار (14 مرّة) الذين نقصتهم الخبرة فوقعوا في كل فخّ. فني هذا العالم، عالم أعداء الحكمة، نجد الأشرار والمنافقين والخطأة والغادرين.

بعض من وجهات الحياة
الديانة
تتلخّص الديانة في وحدانية الله المطلقة. الله هو العالِم بكل شيء. وهو القدير والخالق والسيّد المطلق والديّان السامي وصديق الصغار والمساكين. أمّا موقف الإنسان من الله فهو المخافة في الطاعة والاحترام والتقوى والمحبّة والتواضع. يحفظ الإنسان نفسه من كلّ كبرياء، ويتجنّب أن يكون حكيمًا في عيني نفسه، ولا ينسى أنّه خاطئ: من يقدر أن يقول: "نقيّت قلبي وصرت طاهرًا من خطيئتي " (9:20)؟ لا يشدّد سفر الأمثال على شعائر العبادة (3: 9- 10)، وإن كان يشير إلى الاستعدادات الأخلاقية التي ترافق الذبائح (15: 8 ؛ 21: 27) وتعطيها قيمتها.

العائلة
هي النظام الأساسي. لا يتحدّث الكاتب عن الزواج الواحد، ولكنّه ينشد سعادة الحياة الزوجية والفرح في أن يجد الإنسان نفسه مع امرأة صباه (5: 15- 20). ويشدّد أيضاً على واجب الأمانة بين الزوجين وعلى أخطار الزنى والفجور. وعلى الأبناء أن يسمعوا لوالديهم، أن يطيعوهم ويحترموهم ويكرّموهم ولا يؤذوهم ولا يتخلّوا عنهم في شيخوختهم.

المرأة
حكم الكاتب قاسٍ على المرأة: إنّها الفاجرة والبغيّة التي تضع الفخاخ فتقود إلى الدمار بعد أن يصبح الإنسان أمامها كرغيف من الخبز (6: 26). ولكنّ أخطر امرأة هي الزانية التي تركت صديق صباها (2: 17). إعتادت على الخيانة، فتفنّنت في الإغواء، وجرّت كلماتُها المعسولة الشابَ الغرّ الذي يتسكّع في الشوارع الضيقة (7: 5- 27). سيثور زوجها عليها ويكون انتقامه مريعًا (6: 34). وهناك المرأة النقناقة واللجوجة والتي قال فيها: المرأة الجميلة الخالية من الفهم خرص من ذهب في أنف خنزيرة (11: 22).
ولكنّ هناك المرأة ذات النعمة (11: 16)، والمرأة العاقلة التي هي عطيّة من الرب (19: 14)، والمرأة الفاضلة (12: 4) التي يختتم بها الكاتب أمثاله (31: 10- 31).
مثل هؤلاء النساء سعادة لأزواجهنّ (18: 22) وإكليل غار لهم (12: 4). يحملن إلى الرجل كل خير، ولاسيّمَا الحبّ الذي يتصوّره سفر الأمثال (5: 15- 20) على غرار ما نقرأ في نشيد الأناشيد.
مكانة المرأة رفيعة في العائلة. إنّها تنظّم اقتصاد البيت، وتسيّر أمور منزلها (31: 27)، وتشارك في تربية أبنائها. "اسمع يا بنيّ تأديب أبيك ولا ترذل تعليم أمّك " (8:1). ولهذا وجب على الأبناء أن يُفرحوا قلبها بسلوكهم ونجاحهم (25:22)، وأن لا يستهينوا بها في شيخوختها (23: 22). وسيأتي يوم ينضمّون فيه إلى أبيهم ليمدحوا أمّهم فيقولون: "كم من البنات كنّ فاضلات، أمّا أنت ففقت عليهنّ جميعًا" (29:31).

التكبّر والتواضع
يحذّر سفر الأمثال مرارًا من التكبّر فالمتكبّر، مهما تبدّلت أسماؤه، يكرهه الربّ. إنّه رجس لديه، وآخرته الدمار لأنّ الرب يقتلع له بيته (15: 25) أي يزيله ويزيل معه نسله. أمّا المتواضع فيحوز رضى الرب الذي يمنحه الحكمة والغنى والكرامة والحياة المديدة.

الغضب والغضوب
للغضوب أسماء عديدة في سفر الأمثال. من أصابته هذه الرذيلة لا يعرف كيف يضبط نفسه فيصبح كسيل جامح (27: 4) أو كمدينة لا سور لها يحميها (28:25). وتجاه الغضوب هناك الطويل البال والبطيء عن الغضب الذي يضبط نفسه. ويمتدحه الكاتب بهذا المثل: الطويل البال خير من الجبّار، والذي يضبط نفسه أفضل ممن يأخذ المدن (16: 32).


الخلاف والخصومة
إحدى نتائج الغضب أنّها تولّد الخصومة التي هي ضربة قاسية على العائلات والمجتمع. ويشارك الغضوبَ في خلق الخصومة الإنسانُ الطمّاع والمبغض والفاسد والجاهل والسكّير. كل هؤلاء يُشعلون الخصومة. أمّا الحكيم فيتجنّب الخصومة ويهدئها ويهرب منها ولا يتدخّل في خلافات الغير.

اللسان
هناك أكثر من مئة مثل على اللسان. فالموت والحياة في يد اللسان والذين يستعذبونه يأكلون من ثماره (18: 21). حسنات اللسان (أو الفم) أنّه ينبوع حياة لنا وللآخرين فنأكل من ثمرها (13: 2) ونحمل إلى الآخرين الهدوء والشفاء والفرح والحياة. وسيّئات اللسان كثيرة، فكثرة الكلام لا تخلو من زلة (10: 19). وكم من الكلام الذي لا فائدة فيه، وكم من خطر وراء الكلام المعسول (13:7- 21)، وكم من شرور تنتج عن لسان السوء! وهناك المتكلّم الممالق الذي يدخل كلامه في أعماق البطن (8:18)، ولكنّه يفصل بين الأحبّاء ويشعل الخصومات. لهذا يدعونا سفر الأمثال إلى الصمت: من ضبط شفتيه فهو عاقل (10: 19) ومن حبس أقواله عرف العلم (27:17) وزاد: بل السفيه إذا صمت يُحسب حكيمًا، ومن ضمّ شفتيه ساكتًا يُحسب فطنًا (28:17).

الكذب
يتحدّث سفر الأمثال عن الكذّاب، عن اللسان الكاذب والشفاه الكاذبة، عن الإنسان الذي يتلفّظ بالكذب ويغشّ قريبه، عن القلب المعوّج والإنسان المعوّج وعن صاحب الشفاه الملتوية والطرق الملتوية... كل هذا التجميع يدلّ على خطورة هذا الشرّ وضرورة إزالته من بين الناس. ويقدّم الكاتب حكمًا قاسيًا فيقول: من استسلم إلى الكذب صار مكروهًا من الله ، رجسًا عند الله ، وهو يهلك هلاكًا. الرب يريد الاستقامة ويطلب منّا أن نسير في الطريق المستقيمة (4: 11) فلا نميل عنها يمنة ولا يسرة، وأن نتكلّم ونتصرّف باستقامة. فالناس المستقيمون ينعمون بحماية الله في كل أشكالها.

القضاء
منعت الشريعة (خر 23: 3، 8؛ لا 19: 15؛ تث 16: 19؛ 27: 25) المحاباة والرشوة في العدالة، ولكنّهما ظلّتا راتعتين كالوباء في أرض إسرائيل. شجبهما الأنبياء مرارًا (أش 1: 23 ؛ إر 5: 28؛ عا 2: 6- 8؛ مي 3: 9- 11). وهكذا فعل سفر الأمثال فقال: مبرّر الخاطئ، ومؤثّم البار كلاهما رجس عند الرب (17: 15). ودعا إلى إحقاق حقّ المسكين والبائس (31: 9) وإلى الابتعاد عن الرشوة التي تحرّف سبل القضاء (17: 23).
وأحد عناصر القضاء هو شاهد الزور. إنّه شرّ الكذّابين. فإن كان شاهد الحقّ ينقذ النفوس (14: 25)، فالرجل الذي يشهد كذبًا على أخيه هو مطرقة وسيف وسهم مسنون (18:25). لهذا فهو رجس عند الرب (19:6) الذي سيعاقبه لا محالة.

الكسل
حارب الحكماء هذه الرذيلة بسبب انتشارها وخطورتها. فصوّروا لنا الكسلان في فراش وهو أفضل مسكن يقيم فيه. لا يفكّر إلاّ في النوم، وإن وجب عليه أن يقوم دار على فراشه وجذب أعضاءه قبل ان ينسلخ من لذّته. إذا جلس إلى المائدة تنكّف من رفع يده إلى فمه (19: 24). وإذا فرض عليه أن يخرج قال: في الطريق أسد (22: 31). لا يَفلح حقله فلا ينبت له إلاّ الشوك والعلّيق، وجدار حجارته انهدم (24: 31). الخراب يحيط بالكسلان من كل جانب، فحكم عليه الكاتب بهذا الكلام: نظرت وفكّرت، رأيت فأخذت العبرة: قليل من الوسن، قليل من النوم، طي اليدين قليلاً للراحة، فيأتيك العوز كساع والفاقة كرجل متسلّح (24: 32- 34). هذا ما يحلّ بالكسلان. أمّا المُجدّ فينال الفائدة والغنى والسلطان وتستجاب كل رغباته.

الغنى والفقر
فوائد الغنى: لا يشجب الحكماء الغنى. انطلقوا من الخبرة ومن الذوق السليم فقالوا: الثروة تعطينا الأصدقاء (14: 20) والمقام الرفيع (18: 16) والسلطان (22: 7) والحماية والاطمئنان (10: 15). أمّا الفقير فهو محروم من كل هذه الخيرات (10: 15). أخطار الغنى: أن نربحه بسرعة وبطرق ملتوية (27:15)، أن نفضّله على الخيور الروحية كالبرّ والفطنة والحكمة والسمعة الحسنة. أن نضع ثقتنا فيه لأنّه خير عابر. لا تتعب لتقتني الغنى وتخلّ عن هذا التفكير. ما إن تطمح عيناك إليه فهو قد زال. صنع لنفسه جناحين وطار كالنسر إلى السماء (23: 4- 5).
أمّا أفضل طريقة للاحتماء من أخطار الغنى فهو أن نستعمله استعمالاً حسنًا لاسيّمَا في مساعدة الفقراء. فمن أعان البائس حصل على بركة الله وابتعد عن فخاخ الغنى. وهنا نتذكّر هذه الصلاة الجميلة: "لا تعطني الفقر ولا الغنى، بل أرزقني من الطعام ما يكفيني، لئلاّ أشبع فأجحد وأقول: من هو الرب؟ أو أفتقر فأسرق واتعدّى على اسم إلهي " (30: 8 – 9 ).

الخمر
التحفّظ والاعتدال ضروريّان أمام الخمر. لا شرّفي شرب الخمر، بل يمكن أن يكون فيه دواء لصعوبات الحياة: اعطوا الخمرة القوّية للذي يموت، والنبيذ لمن يحسّ بمرارة في نفسه. ليشرب وينسَ شقاءه ولا يعود يتذكّر بؤسه (6:31-7). ولكن يجب على الملوك أن لا يشربوا الخمر لئلاّ ينسوا واجباتهم ويحرّفوا حقّ البائس (31: 5). ولا ينسَ الناس أنّ السكير والشره سواء، فهما يفتقران، وأنّ السكر يعرّض للضرب والإهانة (23: 29- 36). إذًا، "لا تكن بين الشرّيبين " (23: 20).

الحياة الاقتصادية
يمتدح الكاتب العمل في الحقول وتربية المواشي. فن زرع حقله شبع خبزًا، ومن اتّبع التفاهة شبع فقرًا (19:28). ولكنّه يشجب بشدّة الميزان غير العادل لأنه رجس عند الربّ (11: 1؛ 20: 10). وينصح الإنسان بأن لا يكفل أحدًا ولا يراهن على شيء، لأنّ الكفالة والرهان قادا إلى الفاقة. هذا هو موقف الحكماء المفعم بالفطنة وبُعد النظر.

الحياة السياسية
يكرّس سفر الأمثال أكثر من ثلاثين مثلاً للملك. لا انتقاد للنظام الملكي أو لملك من الملوك، بل عرض لامتيازات الملك. وهنا ينبّه الحكيمُ الملكَ لكي يمارس العدالة والمساواة، ويُبعد المستشارين الأشرار ويقرّب الخدّام الصالحين. وعلى الناس أن يخافوا الملك ويبتغوا رضاه ويخافوا من غضبه. فماذا كان الملك ومستشاروه صالحين عمّ الخير المدينة، وإذا تكاثر الصدّيقون، فرح الشعب، وإذا تسلّط الشرّير، انتحب الشعب (29: 2).

الحكمة شخص حيّ
هناك نصوص عديدة تقدّم لنا الحكمة على أنّها صفة إنسانية أو عطيّة من الله. ولكنّنا نجد مقاطع تبدو فيها الحكمة وكأنّها شخص حيّ (1: 20- 33؛ 3: 19- 20 ؛ 7: 4 ؛ 8: 1 -6:9).
الحكمة تنادي، تصرخ، تطلق صوتها (1: 20؛ 8: 1 ؛ 3:9). تقف في الساحة، على مفترق الطرق ليراها الجميع ويسمعها أكبر عدد ممكن من الناس. هي تعد وتهدّد، وتحصي غناها (8: 12- 21). تدعو إلى مائدتها (9: 1- 6) وتفتخر بأنّها تكوّنت منذ الأزل، وأنّها شاركت في عمل الخلق (8: 22، 30).
ولكي توصل الحكمة كلامها إلى الناس (8: 4)، فهي تستعمل كلمات الله كما أوردها الأنبياء: إلى متى (1: 22 ؛ رج إر 4: 14، 21)، ارجعوا (1: 23؛ رج أش 44: 22). بما أنّني دعوت فأبيتم (1: 24 أ؛ رج إر 7: 13؛ أش 65: 12). بما أنّي مددت يدي ولم يكن من يلتفت (24:1 ب؛ رج أش 2:65)، حينئذ يدعونني (28:1 ب؛ رج إر 11: 11؛ حز 18:8). يطلبونني فلا يجدونني (18:1 ب؛ رج عا 12:8؛ هو 1:6).
لا ننسى أنّ الديانة اليهودية ديانة توحيدية، وأن لا إله إلا الله الواحد. فذراع الله ويده وسيفه وروحه ليست شخصاً آخر قرب الله. وكذلك نقول عن حكمته التي تدلّ على أنّه يسود الكون ويدبّره، وسنقرأ أيضاً عن هذه الحكمة في أي 28 ؛ سي 1: 1- 20 ؛ 4: 11- 19، 24؛ با 12:3- 2:4؛ حك 1: 1- 11: 4. وستكون هذه النصوص من الغنى بحيث إنّ كتّاب العهد الجديد أخذوا هذه الكلمات ليعبّروا بها عن كرامة كلمة الله المتجسّد.

خاتمة
نستنتج من سفر الأمثال أخلاقيّة سليمة. فهي تؤمّن الثبات في العائلة، والسلام في البيت، والوفاق بين الأفراد، والنظام في الدولة، كما أنّها تدعو إلى العمل والفضيلة. تدعونا إلى مخافة الله واحترام شريعته، إلى الفطنة والتعقّل في تصرّفاتنا، وتكبح جماح الرغبات وتحارب الشهوات. أمّا هدفها الأساسي فهو أن تجعل الإنسان سعيدًا بممارسة الفضيلة. "كن فاضلاً تكن سعيدًا". هذا هو شعار أخلاقيّة سفر الأمثال.
فهل نكون مخطئين إن نحن بحثنا عن السعادة؟ وهل نرمي أعمالنا في البحر ولا ننظر إلى نتائجها؟ فالجزاء ليس أمرًا سيئًا، ويسوع نفسه لم يشجبه ولقد قال لنا بولس الرسول: كلُّ يُجازَى حسبَ أعماله (روم 6:3 ؛ رج مت 27:16).
ثمّ إنّ السلوك العاقل الذي يستلهم شرائع الفطنة كما يعلنها الحكماء، يجد تطبيقًا له في الحياة حيث كل واحد يأكل ثمرة سلوكه (1: 31). فمعلّم الأخلاق لا يقدر أن يُجبر الناس على البطولة المطلقة ومدرسته ليست مدرسة البطولة. وهدف الأمثال أن تساعد الناس على العيش بأمان في الحالات العادية. أمّا في ساعة المحنة فنحتاج إلى الأنبياء والقدّيسين.
ولكنّنا نقرّ أنّ هذه الدعوة إلى المنفعة الشخصية تزعجنا بعض الشيء: إفعل هذا فيكون لك ذلك. كم نحن بحاجة إلى بواعث أسمى لكي نتصرّف في الحياة. هل يكفي الخوف من الزوج المهان لنبتعد عن الزنى؟ هل يكني القلق على خيراتنا لنبتعد عن بعض الرذائل (39: 3)؟ ولكنّ الضعف الحقيقي لهذه الأخلاقية هو أنّها تأسرنا في هذا العالم. فلا حياة أخرى حقيقية حيث الثواب والعقاب. فالبشر هم مثل قطِيع يذهب إلى الشيول حيث يحيا الإنسان حياة يرقانية لا تعرف المكافأة ولا العقاب. إذَا من الضرورة أن ينال الأبرار والاشرار جزاء هم على هذه الأرض. وبسبب ذلك يتشوّه الواقع. ولكن سيأتي بعد هؤلاء الحكماء من يطرح المسائل في العمق. إنّما الجواب الحقيقي لن يكون في العهد القديم بل في العهد الجديد الذي لا يعطينا فقط حكمة بشريّة عرفها العبرانيّون في محيط هذا الشرق القديم، بل حكمة إلهيّة ليست فقط وصايا وأمثالاً بل شخص حيّ هو يسوع المسيح.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM