الأحد الخامس بعد القيامة

الأحد الخامس بعد القيامة

الرسالة: روم 10: 1-13

الإنجيل: لو 24: 36-48

إيمان الكنيسة وشهادة اللسان

يا إخوتي، وكم أتمنّى من كلّ قلبي خلاص بني إسرائيل، وكم أبتهل إلى الله من أجلهم. وأنا أشهد لهم أنّ فيهم غيرةً لله، لكنّها على غير معرفة صحيحة، لأنّهم جهلوا كيف يُبرِّر الله البشر وسعوا إلى البرّ على طريقتهم، فما خضعوا لطريقة الله في البرّ، وهي أنّ غاية الشريعة هي المسيح الذي به يتبرّر كلّ من يؤمن.

وكتب موسى كيف يتبرّر الإنسان بالشريعة فقال: "كلّ من يعمل بأحكام الشريعة يحيا بها". وأمّا التبرّر بالإيمان فقيل فيه: "لا تقل في قلبك: من يصعد إلى السماء؟ (أي ليجعل المسيح ينزل إلينا). أو من يهبط إلى الهاوية؟ (أي يجعل المسيح يصعد من بين الأموات)". وما قيل هو هذا: "الكلمة قريبة منك، في لسانك وفي قلبك"، أي كلمة الإيمان التي نبشّر بها. فإذا شهدتَ بلسانك أنّ يسوع ربّ، وآمنت بقلبك أنّ الله أقامه من بين الأموات، نلت الخلاص. فالإيمان بالقلب يقود إلى البرّ، والشهادة باللسان تقود إلى الخلاص.

ما زلنا في زمن القيامة المجيدة. هذا الحدث الذي يتعدّى الحواس البشريّة، ويتوجّه إلى الإيمان. كان لبعض الأشخاص أن يختبروا ويعلنوا إيمانهم مثل مريم المجدليّة: رابّوني. يا معلّم. هكذا كانت تناديه قبل موته. وأرادت أن تتمسّك به لئلاّ "يهرب". ولكنّه أرسلها في مهمّة. وهكذا كان توما: ربّي وإلهي. لا حاجة بعد إلى لمس الجراح. وهل تلمس الجراح بعد بيد بشريّة. وتلميذا عمّاوس موضوع إنجيلنا، عرفاه عند كسر الخبز. نسيا الليل والتعب وراحا يشهدان على قيامته. في هذا الإطار نفهم كلام الرسول من أجل اليهود الذين يعارضونه. بل من أجل كلّ إنسان يبحث عن يسوع مثل هؤلاء اليونان: نريد أن نرى يسوع.

1- إيمان القلب

في الإيمان نرى ما لا تراه العينان وهنيئًا لنا إن واصلنا المسيرة. نعتقد، نضع ثقتنا. نسير مع الربّ. ذاك كان وضع التلميذين. سارا مع الربّ دون أن يعرفاه. هي بداية الطريق. وكلّمهما. لم يفهما في الحال، بل أحسّا أنّ الطريق قصيرة برفقة هذا الغريب عن أورشليم. ولكن ماذا قالا بعد أن عرفاه؟ كان قلبنا يشتعل في داخلنا.

فالقلب ليس فقط مركز الحبّ. هو موضع الفكر والإرادة. هو موضع القرار. من القلب ينطلق العمل. من أقوى من الأمّ (والأب) في العالم؟ ما الذي يعلّمها كيف تعمل؟ قلبها. ما الذي يدفعها إلى التضحية؟ قلبها.

لا شيء يبدأ بالقلب وينتهي بالقلب. والويل لنا إن كان انفصام بين القلب واللسان، بين الفكر والعمل. حينئذٍ نشبه الفرّيسيّين الذين يقولون ولا يعملون. أو جماعة سفر الرؤيا الذين ينكرون يسوع في الخارج، ويعتبرون أنّهم يؤمنون به في الداخل. هذا ما يُسمّى الكذب والرياء، هؤلاء عميان رفضوا نور المسيح فكيف يقودون من لا يعرف الربّ بعد؟ لا شيء. يقع الإثنان في حفرة.

2- شهادة اللسان

تحديد النبيّ ذاك الذي يؤمن بقلبه ويعلن بلسانه كلام الله. دخل في سرّ الله، وأعلن هذا السرّ مهما كلّفه الأمر. قال بولس إنّ هذا السرّ لبث خفيًّا. والآن كُشف في الكنيسة. وها الرسل يعلنونه في العالم. ومنذ البداية كلّفهم غاليًا هذا الإعلان، ولا يزال. فإن سمع لهم أحد، كانت تفرقة بين الرجل وابنه والمرأة وبنتها. واحد أخذه الإيمان بالمسيح فشهد له. وآخر لبث "في الخارج" وما أراد أن يدخل.

المؤمن يشهد. يقول ماذا رأى وماذا سمع. فكيف يقدر أن يسكت؟ هذا ما قاله بطرس للمجلس الأعلى. وكانت مواقف حرجة: ماذا يفعل الرسول؟ أمّا جواب يسوع فجاء صريحًا، من يعترف في أمام الناس، أعترف به أمام أبي الذي في السماء. إعترف يعني عرف وأعلن بالفم الملآن من هو ذاك الذي نعيش له ونستعدّ أن نموت من أجله. ولكن من ينكر المسيح، لن يتعرّف إليه المسيح أمام ملائكة الله.

3- إلى الخلاص

إيمان بالقلب عميق شهادة باللسان صادقة. هذا ما يقود إلى الخلاص. بماذا نؤمن؟ بأنّ الله أقام يسوع من بين الأموات. هذا هو أساس الإيمان كلّه. فإن سقط هذا الأساس لم يبق شيء آخر سوى معلومات ومعارف نجدها حتّى في الديانات الأخرى. سواء على مستوى الأخبار أو الأخلاقيّات.

القيامة هي التي بدّلت نظرة الرسل. وعرّفتهم في العمق إلى المسيح ابن الله. ولولا القيامة، لكان إيماننا باطلاً، وشهادتنا كاذبة. وفي النهاية كنّا أشقى الناس. إلى أين نحن ذاهبون؟ أإلى الهاوية التي تحدّثت عنها البشريّة منذ القدم، وما زالت. حينئذٍ يقول لنا سفر الجامعة: الإنسان يموت والحيوان يموت. ولكنّ المؤمن لا يموت. هو ابن الحياة. وإن كانت هذه الأرض موضع الموت، فنحن ننتقل منها إلى الحياة التي لا تزول فنكون مع الربّ كلّ حين.

قال القدّيس مرقس: من يؤمن ويعتمد يخلص. تلك هي اليوم شهادة اللسان التي يعيشها المسيحيّ. أكفر بالشيطان. أومن بك يا ألله الآب. فلماذا نخفي عمادنا خوفًا على نفوسنا بحيث نصبح كمن لا لون له ولا طعم؟ نشبه حينذاك أولئك اليهود الذين أخفوا ختانهم. هكذا يكونون مثل الجميع. وفي أيّ حال، الدين يفرّق كما يقولون. هذا هو الخطأ ملء الخطأ. فالجاهل دينه يصبح تعصّبًا، يستند إلى العصبيّة فينغلق على جماعته تجاه الآخرين. أمّا العارف دينه في العمق، المؤمن في قلبه، والشاهد بلسانه وبأعماله أيضًا، فهو صاحب القلب المفتوح الذي يعرف أنّ الربّ يريد خلاص الجميع، اليهوديّ واليونانيّ، المسيحيّ والبوذيّ... أجل الإيمان بالقلب والشهادة باللسان والإعلان بالحياة، لا يمكن إلاّ أن تقود إلى الخلاص. خلاصي أنا وخلاص الآخرين، بل خلاص العالم أجمع.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM