الأحد السادس بعد القيامة

الأحد السادس بعد القيامة

الرسالة : أف 1: 15-23

الإنجيل : يو 13: 31-35

قدرة الله بالمسيح

يا إخوتي، لذلك، ما إن سمعت بإيمانكم بالربّ يسوع وبمحبّتكم لجميع الإخوة القدّيسين، حتّى أخذت أشكر الله بلا انقطاع لأجلكم وأذكركم في صلواتي، وأطلب من إله ربّنا يسوع المسيح، الآب المجيد، أن يهب لكم روح حكمة يكشف لكم عنه لتعرفوه حقّ المعرفة، وأن ينير بصائر قلوبكم لتدركوا إلى أيّ رجاء دعاكم وأيّ كنوز مجد جعلها لكم ميراثًا بين القدّيسين وأيّ قوّة عظيمة فائقة تعمل لأجلنا نحن المؤمنين وهي قدرة الله الجبّارة التي أظهرها في المسيح حين أقامه من بين الأموات وأجلسه إلى يمينه في السماوات، فوق كلّ رئاسة وسلطان وقوّة وسيادة، وفوق كلّ اسم يسمّى، لا في هذا الدهر فقط، بل في الدهر الآتي أيضًا، وجعل كلّ شيء تحت قدميه ورفعه فوق كلّ شيء رأسًا للكنيسة التي هي جسده وملؤه، وهو الذي يملأ كلّ شيء في كلّ شيء.

بين الصعود والعنصرة، نعود إلى خبرة القيامة وما دلّ الله فيها على قدرته، وتتطلّع إلى الكنيسة التي هي ملء المسيح وامتداده في العالم بعد صعوده. ففيها هو حاضر في العالم حتّى انقضاء الدهر، بل هو حاضر في كلّ جماعة وفي كلّ مؤمن من المؤمنين.

1- في المؤمنين

إنطلق الرسول بولس (آ 5) في جماعة أفسس وفي جماعات أخرى. ماذا اكتشف؟ الإيمان بالربّ يسوع. هو تعلّق بالربّ يسوع مهما كانت الظروف. في الضيق والاضطهاد، أو في وقت الراحة للكنيسة حيث يمكن أن تبرد المحبّة في القلوب. وهذا هو الوضع هنا. إنّه يتطلّب ثباتًا ولو ابتعدت عودة الربّ كما انتظرته الكنيسة الأولى. واكتشف محبّة الجماعة. هم "قدّيسون" يعني مكرّسون للربّ، بعد أن فرزهم الله وجعلهم حصّته. إعتمدوا، صاروا أعضاء في شعب الله.

غنى المؤمنين هو نتيجة قدرة الله التي فعلت وتفعل. ترزع فينا الرجاء فنرى ما يُعدّه الله لنا من مجد منذ الآن. هذا يعني أنّنا نكتشفه. ولكنّنا لا نستطيع بدون أن نتحلّى بالحكمة الإلهيّة، البعيدة كلّ البعد عن حكمة العالم وقيمه القصيرة النظر. أمّا حكمة الله فتستند إلى الصليب، وهي تفهمنا أنّ المسيح مرّ في هذه الآلام قبل أن يصل إلى المجد. هذا ما فهمه تلميذا عمّاوس فقبلا أن يعودا إلى أورشليم رغم الظلام الذي فيها والحزن. ففرحتهما كانت عظيمة حين عرفاه في كسر الخبز.

2- في المسيح

كلّ هذا يقودنا لكي نقرأ حياة يسوع حتّى الموت والقيامة، حتّى الصلب والمجد. لا يعود بولس إلى خبر الآلام كما رواه الإنجيليّون وتوسّعوا فيه، بل ينطلق حالاً من القيامة. فقد "رأى" يسوع حيًّا، وهو ذاهب لكي يمسك المؤمنين الذين ينادون به فيمحو ذكره من الأذهان ومن القلوب. أعلن اليهود أنّ يسوع مات بحسب الشريعة. وأعلن الرسل أنّ يسوع حيّ وقد حكم على الشريعة أو بالأحرى على الذين يمارسون الشريعة من أجل مصالحهم فيشوّهونها.

بقدرة الله انتصر يسوع. هي قدرة تفوق كلّ ما يمكن أن يتصوّره بشر. فالموت بقي الحاجز أمام الناس. لا يقدرون أن يهربوا منه. ولكنّ الله حوّل هذا الموت إلى حياة. كان الموت نهاية البشر، فصار لدى المسيح بداية مجيدة. إنتصر يسوع على الموت، على الخطيئة. وأخضع البشريّة، بل جميع الخلائق الجسديّة والروحيّة. فبه تمّ الخلاص، وبواسطته ننال كلَّ النعم. كانوا يظنّون أنّ يسوع الذي تجسّد أعان الإنسان الجسديّ، ولكنّ الرئاسات والسلاطين "السماويّة" لا تحتاج إليه. ولكنّ الرسول أكّد خضوع الخليقة كلّها له بالكلمة. بالابن، خلق الله كلّ شيء، وبالابن القائم من الموت تعود الخليقة كلّها إلى خالقها.

3- في الكنيسة

على مستوى التاريخ البشريّ، بدأ عمل يسوع منذ الحبل به وميلاده وعماده وحياته العلنيّة. وانتهى بموته وقيامته وصعوده. يقول سفر الأعمال: "إختفى عن عيونهم" (1: 9). ما عادوا يرونه. واعتبره التلاميذ وهو في السفينة التي تدلّ على الكنيسة: نائمًا. وهو يحتاج إلى أن يستغيثوا به (مر 4: 38). ولكنّه في الواقع حاضر بشكل غير منظور. غاب عن عيوننا ولكنّه حاضر في قلوبنا، حاضر في الكنيسة.

فإذا أردنا أن نرى يسوع ونسمعه ونلمسه، نتطلّع إلى الكنيسة. خلال حياته على الأرض، كان له جسد من لحم ودم حلّ فيه ملء اللاهوت. وبعد صعوده، جسدُه هو الكنيسة. وهي ملؤه فهو ينعشها ويقودها إلى ملئه وكماله. وبها يلج الكون ويحوّله فتصبح الأرض أرضًا جديدة والسماء سماءً جديدة. قال يسوع: من رآني رأى الآب. ونستطيع أن نقول بالرغم من الخطأة في الكنيسة: من رأى الكنيسة رأى المسيح. فمع ضعف أبنائها وخطاياهم، هي قديرة بقدرة الله وفاعلة بقدرة الكلمة التي هي سيف ذو حدّين تنفذ في الأعماق.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM