أحد الابن الضالّ

أحد الابن الضالّ

الرسالة : 2 كور 13: 5-13

الإنجيل : لو 15: 11-32

القبلة المقدّسة

يا إخوتي، امتحنوا أنفسكم وحاسبوها هل أنتم متمسّكون بإيمانكم. إلا تعرفون أنفسكم وأنّ يسوع المسيح فيكم؟ إلاّ إذا كنتم فاشلين. أمّا نحن فنرجو أن تعلموا أنّنا غير فاشلين. ونصلّي إلى الله أن لا تعملوا شرًّا، لا ليظهر أنّنا ناجحون، بل لتعملوا أنتم ما هو خير ولو ظهرنا نحن بمظهر الفاشلين. فنحن لا نقدر على مقاومة الحقّ، بل على خدمته. وكم نفرح عندما نكون نحن ضعفاء وأنتم أقوياء، وما نصلّي لأجله هو أن تكونوا كاملين. أكتب إليكم وأنا غائب لئلاّ أعاملكم بقسوة وأنا حاضر، حسب السلطة التي وهبها الربّ لي للبنيان لا للهدم.

والآن أيّها الإخوة، افرحوا واسعوا إلى الكمال، وتشجّعوا وكونوا على رأي واحد وعيشوا بسلام، وإله المحبّة والسلام يكون معكم.

سلّموا بعضكم على بعض بقبلة مقدّسة. يسلّم عليكم جميع الإخوة القدّيسين.

ولتكن نعمة ربّنا يسوع المسيح ومحبّة الله وشركة الروح القدس معكم جميعًا.

إعتاد المؤمنون في الكنيسة الأولى أن يقبّلوا بعضهم بعضًا علامة الحبّ والوفاق والوحدة، فهم قلب واحد (أع 2: 46) وروح واحدة (أع 4: 32). فلا خلاف بين أعضاء الجماعة، وإلاّ أجبروا على ترك تقدمتهم على المذبح قبل أن يشاركوا في عشاء الربّ. في هذا المجال نفهم كلام بولس في نهاية الرسالة إلى رومة: "ليُسلّم بعضكم على بعض بقبلة مقدّسة" (16: 16). ولكن لماذا الكلام عن القبلة هذه في أحد الابن الضال؟

1- عانقه وقبّله

بهذين الفعلين وصف القدّيس لوقا استقبال الوالد لابنه العائد من عالم الخطيئة، مع البغايا، من عالم الشرّ في البعيد، في أرض الأوثان. ما جادله ولا عاتبه. بل كانت عاطفته عاطفة الأمّ التي تتحرّك أحشاؤها حين ترى ابنها بعد طول غياب. وما انتظر الأب أن يذلّل الابنُ نفسه ويركع طالبًا الغفران. فقد يكون هذا الابن تباطأ، خاف، لأنّه لا يستحقّ بعد أن يكون ابنًا. أمّا الآب فأسرع، لا وقت يضيّعه. يكفي أن يكون ابنه عاد ليعيد إليه كلّ شارات البنوّة.

هذه القبلة هي علامة المحبّة. يمنحها الله لكلّ واحد منّا، فنمنحها بدورنا إلى الآخرين. إذا كان الله ينبوع المحبّة، فكلّ محبّة في الكون تصدر عنه. هو أحبّنا أوّلاً، ويدعونا أن نبرهن عن حبِّنا عبر موقف عمليّ. العودة إلى البيت الأبويّ بالتوبة والاعتراف بالخطيئة. إقتراب من الوالد بدالّة الأبناء الأحبّاء، اقتراب من أخ قد لا يريد عودتنا. ذاك هو جوّ القبلة المقدّسة في احتفالنا بعشاء الربّ، بالقدّاس الإلهي، ولا سيّما يوم الأحد.

2- يسوع المسيح فيكم

مهما فعل الإنسان من شرّ يبقى ابن الله. ومهما غرق في الخطيئة سوف يسمع صوت الله يدعوه في أعماقه: "آدم أين أنت؟" (تك 3: 9). قد يختبئ الإنسان من وجه الربّ. ولكنّ الربّ يبحث عنه. هو مسؤول عن نفسه وعن الآخرين. ولهذا سأل الله قايين: "أين هابيل أخوك؟" (تك 4: 9). أنت حارس لأخيك سواء قبلت ذلك أو أنكرت. وإذا أردت أن تعيش وحدك، تصير "طريدًا، شريدًا، في الأرض" (آ 14).

والمؤمنون الذين نالوا سرّ العماد، أتراهم بلا جذور؟ هل تركهم المسيح مثل إناء فارغ على سطح الموج؟ بل المسيح هو فيهم. ما عادوا يحيون، بل المسيح هو الحيّ فيهم (غل 2: 20). هذا المسيح الذي أحبّنا، وضحّى بنفسه من أجلنا، لا يتركنا وشأننا، بل يذهب باحثًا عنّا. ولا يعود إلاّ وهو يحملنا على كتفه، ويفرح برجوعنا، مثل الراعي الذي وجد خروفه الضالّ، والمرأة التي وجدت درهمها الضائع. المسيح هو فينا، وحضوره يجتذبنا دومًا إلى الآب، إلى الكمال.

3- كونوا كاملين

إلى هذا الكمال دعا يسوع تلاميذه، ليكونوا كاملين على مثال الآب السماويّ. وتبدأ الطريق بثبات في الإيمان، لا يجعل محبّتنا تخفّ أمام أوّل صعوبة. فقد قال الروح لأسقف كنيسة أفسس: "أعتَبُ عليك لأنّك تركت محبّتك الأولى. فاذكر من أين سقطت" (رؤ 2: 4-5). أمّا الهدف فهو الحقّ وحقيقة الله. بل الحقّ هو يسوع المسيح، وحين نسير في الطريق إليه نبلغ إلى الحياة.

تلك هي الدعوة التي دُعينا إليها. والرسول مسؤول عن المؤمنين الذين دعاهم إلى اتباع المسيح. يعاملهم بالوداعة عادة، وبالقساوة إن اقتضى الأمر. إعتبروه ضعيفًا فما أنكر ضعفه الذي يرتبط بضعف المسيح، تجاه قوّة الكورنثيّين التي هي قوّة بشريّة. فقد سبق وقال لهم: "ما يبدو أنّه ضعف من الله هو أقوى من قوّة الناس" (1 كور 1: 25).

يا ليتنا نلبّي نداء الربّ، فيكون إله المحبّة والسلام معنا، فتغمر قلوبنا بالفرح والعزاء في محبّة الآب وشركة الروح، في خلاص يحمله ربّنا يسوع المسيح.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM