أحد شفاء المنزوفة

أحد شفاء المنزوفة

الرسالة : 2 كور 7: 4-11

الإنجيل : لو 8: 40-56

بين حزن وحزن

يا إخوتي، فأنا عظيم الثقة بكم وكثير الافتخار. ومع كلّ مصاعبنا، فقلبي ممتلئ بالعزاء فائض فرحًا.

فما عرف جسدنا الراحة عند وصولنا إلى مكدونية، بل كانت المصاعب تواجهنا من كلّ جهة: صراع في الخارج ومخاوف في الداخل. ولكنّ الله الذي يعزّي المتّضعين عزّانا بمجيء تيطس، لا بمجيئه فقط، بل بالعزاء الذي ناله منكم. وازداد سروري بما أخبرنا عن شوقكم وحزنكم وغيرتكم عليّ.

فإذا كنت أحزنتكم برسالتي، فما أنا نادم على أنّي كتبتها، وإذا ندمت، حين رأيت أنّها أحزنتكم لحظة، فأنا أفرح الآن، لا لأنّي أحزنتكم، بل لأنّ حزنكم جعلكم تتوبون. وهو حزن من الله، فما نالكم منّا أيّة خسارة. لأنّ الحزن من الله يؤدّي إلى توبة فيها خلاص ولا ندم عليها، وأمّا الحزن الذي من الدنيا فيؤدّي إلى الموت. فانظروا كيف أدّى هذا الحزن الذي من الله إلى اهتمامكم بنا، بل اعتذاركم واستنكاركم وخوفكم وشوقكم وغيرتكم وعقابكم! وبرهنتم في كلّ شيء على أنّكم أبرياء من كلّ ما حدث.

حين حدّث الربّ الجموع عن الصوم، طلب منهم أن لا يبدّلوا وجوههم لكي يفهم الناس أنّهم صائمون: وجه حالك، شديد السواد. لا نغسله، بل نضع عطرًا اعتدنا أن نضعه. ثمّ نعبس وجوهنا ونقطّب حاجبينا وأسارير وجهنا. مثل هذا الحزن خارجيّ ولا يصل إلى أعماق القلب، لهذا قال أشعيا: لا يكون الصوم بإحناء الرأس كالعشبة، وافتراش المسوح والرماد (58: 5). فما يطلبه الربّ قلب "متخشّع" متواضع (مز 51: 19). يحزن بحسب الربّ، لا بحسب البشر، يحزن المؤمن على خطاياه وابتعاده عن الربّ.

1- حزن بولس

بشّر بولس مدينة كورنتوس (في اليونان) مدّة طويلة. وترك فيها مسؤولين يواصلون الرسالة. ولكن ما إن غاب حتّى هاجمه الخصوم، ومن خلال هجومهم عليه، أرادوا تدمير الرسالة المسيحيّة. عن هؤلاء وعن غيرهم، قال الرسول: "أقول الآن والدموع في عينيّ: سلوكهم سلوك أعداء صليب المسيح" (فل 3: 18). لهذا السبّب حزن بولس، لا لخسارة مادّيّة أو كلام قيل عنه: هو ما رأى يسوع بالجسد. سيكون جوابه: إنّا وإن عرفنا المسيح بالجسد، فبعد الآن لا نعرفه كذلك. وقالوا: هو رسول من الدرجة الثانيّة، ولا يمكن أن يشبه الرسل العظام، فتحدّث بلغة البشر وبيّن التضحيات التي قام بها من أجل الرسالة.

ولكنّه تغلّب حالاً على الحزن حين جاءته الأخبار السارّة بواسطة تيطس العائد من كورنتوس. أُصلحت الأمور، وفهم أهل كورنتوس أنّه إن كان لهم معلّمون كثر، فليس لهم سوى أب واحد، هو بولس الذي ولدهم في المسيح (1 كور 4: 15). عاد إليه العزاء من عند الربّ، والفرح بنجاح الرسالة رغم الشدائد والضيقات.

2- حزن بحسب العالم

هناك أمور كثيرة تجعل الحزن يسيطر علينا: مرض يصيبنا، مال خسرناه، شخص حبيب فقدناه، نقص في الإكرام والاحترام. عندئذ ننغلق على ذواتنا في أنانيّة قاتلة، ولا نريد أن يرانا الناس ولا أن يسمعونا. ذاك هو الحزن بحسب العالم. إنّه يقود إلى الموت. ذاك كان حزن داود لمّا خسر ابنه، ابن الزنى مع بتشابع. تضرّع، صام، نام على الأرض، نسيَ أمور المملكة، والحمد لله أنّه فهم خطأه، فمضى إلى بيت الربّ وسجد هناك مسلّمًا مشيئته إلى مشيئة الله. ومثله حزن حزقيّا حين أصابه مرض، فأدار وجهه نحو الحائط (2 مل 20: 1). وما خلّصه من هذا الحزن الذي جعل أشعيا يقول له: "ضع وصيتك لأهل بيتك لأنّك ستموت". إلاّ الالتفات إلى الربّ: أذكرني يا ربّ. ثمّ "بكى بكاء مرًّا" (آ 3).

أجل، التفات المؤمن نحو الربّ يخلّصه من حزن بحسب العالم. فكلّ ما في الدنيا ليس الهدف، كلّه وسيلة. ويعدّد بولس: العالم، الحياة، الموت، الحاضر، المستقبل (1 كور 3: 22). كلّ هذا لنا، وحتّى الذين نتبعهم أو نعرفهم: بولس، بطرس هم لنا. ولكن شرط أن نكون للمسيح. المرض لنا وهو يرفعنا إذا كنّا للمسيح. والفشل لا يمكن أن يخيفنا ما دام أعظم نجاح هو أن نكون للمسيح.

3- حزن لأجل الله

هكذا كان حزن بولس. وهو يريد أن يكون حزن الكورنثيّين لأجل الله. كان قاسيًا معهم فوبّخهم بشدّة. حزنوا فما حزنوا لمثل هذا الحزن البشريّ، الذي قادهم في النهاية إلى التوبة. فمثل هذه الحزن يقود إلى الحياة، عكس حزن العالم الذي يصنع الموت. بمثل هذا الحزن فرح بولس، لأنّه رأى تقدّم المؤمنين على مستوى الغيرة والمحبّة. تعلّقوا برسولهم وبالتالي بالإنجيل الذي يحمله "في القيود". لهذا افتخر بهم الرسول بعد أن وثق بهم كلّ الثقة.

قال أحد القدّيسين: لا حزن سوى أنّنا لم نصل بعد إلى القداسة. فالرغبة العميقة لدى المؤمن، هي أن يكون مع الربّ كلّ حين. حينئذ يغمره الفرح الذي يمكن أن يشعّ على حياته كما على حياة الآخرين. ويجب أن نكون على مستوى الرسول لكي نفهم مقاله في 2 كور 12: 10: "ولذلك فأنا أرضى بما أحتمل من الضعف والإهانة والضيق والاضطهاد والثقة في سبيل المسيح، لأنّي عندما أكون ضعيفًا أكون قويًّا".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM