اليوم السادس - الإنسان على صورة الله ومثاله 1921-2562

في اليوم السادس، خلق الله الحيوانات العائشة على الأرض، وأخيرًا الإنسان. هذا ما نقرأه في تك 1: 24-31. وها نحن نقدّمه كما في البسيطة:

 

25. فصنع الله حيوان الأرض لجنسه، والبعير لجنسه، وكلّ زحّافات الأرض بجنسه، ورأى الله أنّه حسن.

26. وقال الله: "نصنع الإنسان بصورتنا مثل شبهنا (مثالنا) فيتسلّطون على أسماك اليمّ وعلى خير السماوات، وعلى البعير وكلّ حيوان الأرض، وعلى كلّ زاحف يزحف على الأرض.

27. فخلق الله الإنسان (آدم) بصورته، بصورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم.

28. وباركهم الله، وقال لهم: "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها. وتسلّطوا على أسماك البحر، وعلى طير السماوات، وعلى البعير وكلّ حيوان زاحفٍ على الأرض".

29. وقال الله: "ها وهبتُ لكم كلّ عشب زرعٍ يُزرَع على وجه الأرض كلّها، وكلَّ شجر فيه ثمار شجره الذي زرعُه يُزرَع، لكم يكون مأكلاً.

30. وكلَّ حيوان البرّ، وكلَّ طير السماوات، ولكلّ زاحف على الأرض الذي فيه نفس حيّة، كلَّ ورق العشب للأكل، فكان كذلك.

31. ورأى الله كلَّ ما صنع، وها حسنٌ جدًّا. وكان مساء وكان صباح يومٌ سادس.


المقدّمة

تجاهى الكائن الأزليّ فأتقن كلَّ البرايا،

في ستّة أيّام كما شهد كتابُ موسى.

الخليقة تشهد للباري: كم هو جبّار!

ومن متقناته يتعلّم الإنسان كم هو حكيم!

1925 لأنّه خفيّ على الناطقين وعلى الحكماء،

فالخليقة التي خلق هي فم عظيم يردّد مجده،

النور بظهوره، الرقيع بارتفاعه، اليمّ بأمواجه،

والأرض بالجبال وبالمرتفعات المصفوفة فيها.

الشمس والقمر بأشعّتهما وبضياءاتهما،

1930 والكواكب الراكضة فتتبدّل نيّراتُها.

الأسماك في البحار، والطيور في ارتفاع الهواء،

كلٌّ في مكانه يحرّك التسبيح نحو الباري.

الذي قال فكان، وأمر فأقام، ودعا فأتى،

فصنع العالم الذي قام ووُجد من لا شيء.

1935 وهاجت الطبيعة بأنّ لها مكوِّنًا خفيًّا،

وشهدت الخليقة بأنّ لها ربًّا يدبّرها.

وتبدّل الأزمنة يكرز عن الخالق:

منه تتحرّك، تمضي إلى تخومها وتأتي[1].

 

كتاب موسى هو مثل كنز امتلأ غنى[2]،

1940 وهو يعلّمنا عن البرايا وعن الباري.

هو تطلّع ونظر بعين النبوءة الرفيعة،

حين خُلقت الخليقة وقامت من لا شيء.

ومن هذا اللاشيء عينه طلبت القدرة الإلهيّة،

فصار شيئًا عظيمًا يكرز غنى خالقه.

1945 كان العالم وما عرف كيف كان،

إلى أنّ جلا له موسى السرّ: كيف كان؟

وهكذا علّم العالم بأنّه كان في ستّة أيّام،

ليكون عارفًا كيف كان، وبمن ومتى.

 

الأرض أمّ تلد

قال الربّ في اليوم السادس: "لتخرج الأرضُ

1950 البعير لجنسه، والزحّاف الزاحف والحيوان،

وظهر صوتُ الأمر على الأرض وشرع الترابُ

يُزحف، يُخرج، يُثمر، يَهب كلَّ الحيوانات.

 

في اليوم الخامس، وصلت القرعة إلى اليمّ ليلد[3]،

وفي السادس، طُلب من التراب (ع ف ر ا) أن يُثمر فأثمر.

1955 حين ولدت المياهُ الأسماك، كان التراب ساكنًا

فحبلت المياهُ وحدها وولدت في (اليوم) الخامس.

ولمّا استقرّ الأمرُ على التراب في اليوم السادس،

جبل وولد الأجناس في اليوم الذي بلغه.

"لتخرج الأرضُ الزحّاف، البعير"، طُلب منها،

1960 وكما طُلب ركعت، ولدت بشكل حميم.

فصار التراب مربعًا جديدًا يلد هو أيضًا،

أطفالاً جُددًا في اليوم السادس، من أجل أمان الأرض.

كانت الأرض أمًّا فيها كلّ فراش:

ركعت، كما طُلب منها، فولدت كلَّ الأجناس،

1965 حالما سمعت صوت القدرة الصانعة يأمرها.

ولدت الخيول، والغنم والبقر، وكلّ الحيوانات.

 

قُلب تراب الأرض[4]، فصار متقنًا،

وتنفَّس وتحرّك وقام ليكون شيءٌ.

صدر (م د ر ا) الأرض تحرّك، هزّ، أخذ أعضاء،

1970 فقامت منه حيوانات حيوانات بأشكالها.

كما الفخاريّ جبل كتلَ الطنّ، كان الرمز[5]،

فصاغ منها البعير والزحّاف والحيوان.

تطلّع الصانع (الإلهيّ)[6] في التراب، فزحف واقتنى أجسامًا،

نفسًا حيّة وأجناسًا متميّزة، في كلّ الحيوانات.

 

وامتلأت الأرض

1975 وامتلأت الأرض أغنامًا وأبقارًا تدور فيها،

قطعانًا جديدة في المروج الجديدة، الكثيرة.

سيّد القطيع هيّأ المرعى منذ أيّام،

وبعد يوم صنع القطيعَ كما شاء.

وشرع قطيعه يرعى في مروج تخصّه،

1980 وليس معه (= السيّد) منافس ولا مقتنٍ آخر.

في جباله، كان قطيعه مخصبًا، وفي مروجه خيوله،

وفي آكامه أبقارُه كلّها وكانت كثيرة[7].

للربّ الأرض، ولا وجود لربٍّ آخر معه،

حيوان البرّ والبعير والثيران هي له.

1985 بعيره في أرضه، وأبقاره ترعى في حقوله،

فله كلُّ ما يزحف وما لا يزحف.

وكما شاء وبقدر ما شاء، اقتنى الجبال،

وصنع مرعى وأتى بالقطعان كما حسن له.

 

بأصوات الحيوان

ورعى المقتنى وشبع (وأطلق) الصوت في مروج سيّده،

1990 فلا أذى ولا عداوة[8] في جانب من الجوانب.

وامتلأت الأرض بعيرًا جديدًا وأثمرَه الترابُ،

فرعى وشبع من ذاك المرعى النقيّ الذي كان.

وكثرت الضجّة بين الجبال وعلى المرتفعات،

وسُمعت من كلّ جانب أصواتٌ صاخبة:

1995 ثيران تجعر، وحملان تثغي، وحصانٌ يصهل،

حمار وحشيّ ينهق، كلبٌ ينبح، ظبي يطفر،

أيّلٌ يركض، أسد يزأر، دبّ يصيح:

في كلّ المواضع، أصوات منمّقة وأجناس مختلطة.

 

وبالطعام المهيّأ من قبل

وهب البعير مأكلاً حين خُلق،

2000 فهيّأ له ما يصلح له يومًا قبل (ذلك).

أنشأ المروج وفجَّر المياه من الينابيع،

وأرسلها داخل الوديان وبين الجبال.

لتسقي كلّ حيوان البرّ، كما كُتب[9]،

وتكون سكنًا للطير فيشرب منها.

2005 ما إن وُجد حيوانُ البرّ حتّى جاء الأكل للقائه،

ولاقاه شرابٌ وضعه له سيّده في الأماكن (كلّها).

للبعير أنبت العشب ثمّ صنعه،

وما إن وُجد حتّى جاء إلى لقائه مرعى جديد، عذب.

في الجبال رعيُه، في المروج أكلُه، في الوديان سقيُه،

2010 وفي الآكام نيسان العظيم يسمّنه.

رعى على الجبال، وبين الوديان سقيًا شبعَ،

وداخل المروج تجمع وتربّع بعد أن شبع.

أطلقت الأصواتَ كلُّ الأجناس بين الجبال،

لأنّها وجدت شبعًا من مساكن الألوهة.

2015 وهي منذ الآن تُطلق الصوت بين الجبال،

لتُصعد السُبحَ ين تتكئ على الينابيع.

فلأجل هذا أرسل الينابيع،

بين الوديان لتسقي كلّ الحيوانات.

ولما خُلق حيوانُ البرّ في اليوم السادس،

2020 سكن عليها لأنّها لأجله رُكِّبت.

بين الجبال تمشي المياه من أجل هؤلاء،

الخيول والأبقار التي صنع الربّ في اليوم السادس.

لماذا وجب نموّ العشب في مروج الأرض،

إلاّ من أجل البعير فيشبع من موهبته.

2025 وكما كُتب: "وهبَ للبعير مأكلاً،

فبراياه تأخذ منه الشبع كلَّ يوم"[10].

 

سكن الإنسان فردوس

شُيِّد بيتٌ عظيم في اليوم السادس[11]،

واكتمل حسنُه كلّه بكلّ ما صُنع.

أتمّ الصانع الإلهيّ في ستّة أيّام الجهات الستّ:

2030 العلوّ والعمق والنواحي الأربع التي في الخليقة.

شُيِّد العالم وله ستُّ جهات،

في ستّة أيّام كما أرادت القدرة الصانعة.

صفّت الأيّام، دخلت الواحد بعد الآخر فكانت ستّة،

وأتقن للعالم الذي احتاج هو أيضًا إلى ستّة (أيّام) ليقوم.

2035 خرج الرمز على زوايا العالم الأربع،

وأتقنها وبنى كلّ النواحي وأقامها.

وضع سقف البيت العظيم وأنشأ أرضَه،

وفي ستّة أيّام أتقنت صوَرُه الجميلة.

 

قام الصانع مثل مهندس على بنيانه[12]،

2040 وفي ستّة أيّام أتقن الخليقة، وملأها محاسن.

جبلَ النورَ في اليوم الأوّل الذي صنع،

وفي ذاك الثاني وضع السقف فوق الهواء.

وفي الثالث، فُصل البحرُ واليبس،

وقامت النيّرات على أطوارها في الرابع،

2045 وأثمرت المياه طيرًا وسمكًا في الخامس،

وفي اليوم السادس، أخرجت الأرض البعير والزحّاف.

فقام العالم كلّه حسنًا في كلّ زيناته.

في كلّ حسناته، في كلّ غناه الذي ارتداه:

مرتفع عالٍ، عمق تحتيّ، شمسٌ تنير.

2050 هواء مبتهج ومتقنات كاملة.

 

لا شيطان ولا ناصبُ شرّ[13]،

لا بلبلة ولا فخٌ منصوب.

خليقة نقيّة، بيت مقدَّس مليء بالمحاسن،

فربّ الخليقة خلق الخليقة له حسنة.

 

2055 نُصب الفردوس (شجرًا) فرقصت أثمارُه الإلهيّة[14]،

وحملت الجنّة كلّ فاكهة روحيّة.

خصبَتْ عدن بشجرة الحياة التي نُصبت فيها،

فوهبت الحياة لكلّ الأشجار المحيطة بها.

فُتح الينبوع وجرت الحياة بين الأشجار،

2060 فعذب الموضعُ المبارك بسقْيِ الروح.

ابتهجت الجنّة بتوزيع الأنهار،

والأرزات تبجّلت جدًّا على الملوك بسلطاتهم.

 

اندهشت قوّات السماء

اندهشت قوّات السماويّين[15]،

بهذا الإتقان الذي ما عرفوا من أجل من هو.

2065 الجنان مسقوف وما عرفوا من هي العروس،

والبيت أُنشئ وما أدركوا من يسكن فيه.

ليس الختن هنا، أمّا وليمته فعامرة،

ولأجله ارتهبت الخليقة وما وُلد بعد.

ها الخلائق حملت المهر والهدايا،

2070 لتقرّبها للختن والعروس وما صُنعا بعد.

الورد مُتقَن لزينة أكاليلهما،

وزوج اليمام والطيور لمائدتهما.

من أجله أشرقت الشمس، أتت ومضت،

وارتهب القمر ليبدّل الأوقات من أجله.

2075 دارت الليالي والنهارات،

وطلبت آدم وآدم ليس بين الأشجار.

البيتُ شيِّد وما من ساكن يقيم فيه،

وكثر المقتنى وليس مقتنٍ ليتسلّط عليه.

حسنٌ النور ولا ناظر يحدِّق به،

2080 والرقيع جميل وما من ساكن يشتهيه.

تناثرت الثمار من الأشجار وليس من يأكل،

وجُملت الجفنات بعناقيدها وليس من يقطف.

لعبت السمكات في الأنهار وما من صيّاد،

انتظرت الخليقة لترى الوارث وليس من يرث.

2085 فُتحت الجنّة وتطلّعت إلى دخول البستانيّ[16]،

وانتظرت الثمارُ الشهيّة من يقطفها.

 

أحكم الله في صنعه

ما أحكم القدرة الصانعة، ما أحكمها[17]!

ما أحسنك، وما أجمل كلّ عمل يديك!

ما أحبّ النور، وما أجمل الرقيع، وما أشهى البحر!

2090 طريق القوّات الرهيبة امتلأ محاسن،

استحبّ الطيرُ الهواء وطاف فيه،

وجمُل البعير في روح نيسان وفي الجبال كلّها.

أحسن فأتقن العالم كلّه، وتطلّع إلى الإنسان،

فيا أيّتها القدرة الصانعة، مُر به ليأتي ويتولّى ما له.

2095 سُوِّي سرير العروسين وارتفع، ولا وجود لهما،

أطلبي أن يأتيا ويدخلا ويتقبّلا هداياهما.

العرس العظيم أتقن كلّه فامتلأ محاسن،

ونقص الختن من الوليمة التي صُنعت له.

 

حسنًا صنعت القدرة حسنًا فانتظرت وقتًا[18]،

2100 ليكون آدم في نهاية كلّ المتقنات.

عادةً يُتقن البيتُ ويزيَّن،

ثمّ يدخل الساكن فيكون في المسكن الذي أُتقن.

لا يدخل الختن والعروس إلى جنانهما،

وإن لم تكتمل كلُّ زينة عرسهما.

2105 انتظرت القدرةُ الصانعة إلى النهاية ليكون آدم،

فيدخل ويجد بيتًا متقنًا ومملوءًا خيرًا.

وحين يدخل آدم لا يكون في البيت الكبير حاجة،

ليُضاف شيء آخر إلى متقناته.

 

لو خُلق آدم في البداية

أحسن الإله لأنّه وحده،

2110 بنى العالم، ثمّ شعر به آدم في النهاية.

لو خلق الربُّ آدم في البداية،

لظنّ أنّه يقدّم النصح، كيف يكون.

وبما أنّه لم يكن إنسان مع الخالق، كُتب في النبيّ،

بمن انتصح فبيّن (له) الطريق ماذا يصنع[19].

2115 "بسطتُ السماء وحدي" قال الربّ،

ومنّي ولي نشرتُ الأرض في البدء حين خُلقتْ[20].

 

لو خلق الربّ آدم قبل الخلائق،

لما بسط السماوات وحده كما بُسطت.

لم يكن آدم البتّة قريبًا من القدرة الخالقة،

2120 ولو رأى في رؤية كيف وُجدت الخليقة، لكان ضلَّ[21]،

وقال: حين بسط الربّ السماوات

ونشر الأرض، أنا كنت معه وفيه تطلّعتُ.

وإذ احتفظ به حقًّا وصنعه في الأخير وفي النهاية،

قبِلَ له أن يكون رفيقه إذا استطاع.

 

2125 لو خلقه ثمّ أتت البرايا إلى الوجود،

ماذا كان يقول سوى هذا؟ رافقه حين خلقَتْ (الخلائق).

لهذا، فحكيم العوالم حين تجاهى،

بسط السماوات وحده ونشر الأرض.

وبعد وقت، ساعة دخل الضلالُ إلى العالم،

2130 وبّخ آدم: "وحدي نشرتُ الأرض".

فكأنّه يقول: "أنتَ لم تكن معي حين خلقتُ".

في الآخر خلقتُك ومثل الأوّل تترفّع.

حُفظ آدم في هذه المعرفة اللاعابرة،

ليوجَد آدم حين تمتلئ كلُّ المتقنات[22].

 

آدم في العالم

2135 تكمّل وشُيِّد وتزيّن[23]،

البيتُ الكبير الذي وُضع سقفه في السماء.

وإذ زُيِّنت كلّ البرايا وما وُجد آدم،

وأتقنت مقصورة وقامت بكلّ المحاسن.

أراد الصانعُ في هذه المقصورة التي بنى،

2140 أن يُقيم له صورة تكون لمجد قدرته الصانعة.

وبه تُعرَف كلُّ محاسن قدرته الخالقة،

وبعد صنعه يستريح السيّدُ فيه من متقناته.

مدينةً كبيرة مليئة بالمحاسن بنى الله،

وكان من العدل أن تقوم فيها إيقونة الملك.

2145 المسكونة مدينة أنشأها الله،

فحسن له أن تقوم فيها صورة الله.

ووجب في البنيان العجيب الذي بنى،

أن تصوَّر صورتُه وبها يسبّحه الراؤون.

وبها تحصَر كلُّ محاسن القدرة الخالقة،

2150 ويتمجّد بها المهندسُ المدهش الذي خلقها.

 

آدم إيقونة الله

أراد الله أن يخلق آدم صورة جميلة،

إيقونةً محبوبة، شبه ربّه رأس الينبوع.

معين الأجناس، أبا العشائر، سلطان المسكونة،

إلهًا بشريًّا، مسيحَ الآب، صورة الابن.

2155 حزائم العوالم، ميناء راحة القدرة الصانعة،

سيّدًا جديدًا وُضع ليرث العالم كلّه.

قال: "لنصنع الإنسان بصورتنا وأيضًا بمثالنا".

صنعٌ جديد ليس له ما يشبهه في العالم[24].

 

جبله الله بيديه

هذه الكلمة من أجل آدم، لا تشبه[25]

2160 تلك الأقوال الأخرى التي كانت على الخلائق.

قال على كلّ شيء: "ليكن"، فكان،

وما أراد أن يقول: "ليكن آدم" مثل كلّ شيء.

بالنسبة إلى آدم ما قال: "ليكن آدم".

بل قيل: "لنصنع الإنسان بصورتنا".

2165 حين قال: "ليكن نور، ليكن رقيع"،

كان أمرٌ قامت به المصنوعات بالرمز فقط.

وحين قال: "لنصنع الإنسان"، انحدر

ليصنع بيديه صورة تكون أعظم من كلّ الخلائق.

الخليقة بالرمز، وآدم بيدَي الإله،

2170 فتتوقَّر صورةُ الله في خليقته عينها.

ووجب في البنيان المدهش الذي بنى،

أن يكون آدم الذي هو صورة الألوهة.

لهذا ما قيل: "ليكن آدم"،

لكن: "لنصنع الإنسان بصورتنا وأيضًا بمثالنا".

2175 هذا الصنع كان قريبًا منه حين خلقه،

وتابعًا له فاختلط به في حبّ كبير.

 

تنازل الله

هذا الإله صنع لذاته شبهًا في تراب[26] الأرض،

لأنّ محبّته أنزلته فصوّر لذاته صورة من الغبار26.

نزل من العلاء ذاك الذي هو في كيانه أرفع من الجميع،

2180 وانحدر من جلال قدرته الخالقة.

وأحنى ذاته من تسبحة قدرته الصانعة،

وبلغ إلى التراب ليصوَّر هناك على الغبار.

أخلى نفسه من كلّ رفعة، من كلّ تسبيح،

ومن كلّ اندهاش بالألوهة التي لا تُدرك.

2185 ونزل فبلغ إلى كتلة حقيرة من طين26 آدم،

وبهذا الطين عينه صوَّر الكائنُ العظيم ذاته.

حتّى الأرض نزلت صورة الألوهة،

ورُسمت على الأديم فكان آدم[27].

 

وتنازل المسيح

المسبَّح في الأعالي خلق الخلائق وتجاهى،

2190 وإذ شرع يخلق آدم تواضع.

لماذا تواضع إلاّ لأنّه كان مستعدًّا،

ابنُه لأن يتواضع حين يخلّص صورة أبيه.

ذاك التواضع الذي كان للابن حين خلّصنا،

سبق وكان لأبيه حين جبلنا.

2195 بصورته صوَّرنا وحسن له فخلّصنا بابنه،

ليكون حبّه الأخير شاهدًا (لحبّه) الأوّل.

نزل حين خلق ولأجل هذا نزل حين خلّص،

وجليّ أنّه لو لم يخلق لما كان خلّص.

 

خلق الخلائق الرفيعة والوضيعة،

2200 وما صُوِّرت صورة عليها حين خُلقت.

وحين صُوِّرت الطبائعُ كلّها بأشكالها،

ما صنع لذاته صورة في كلّها، إلاّ في آدم.

واسعة الأرض، ورفيعة السماء والشمس حسنة،

القمر جميل ومجيدةٌ مسيرةُ القوّات.

2205 وحين صُنعت هذه كلّها كانت حسنة،

ولكن ما سُمع أنّ الربّ صنع شيئًا بصورته،

إلاّ آدم الذي هو صورة الوحيد (الابن)،

ولأجله سُمِّي (آدم) صورة الله.

قال: "لنصنع الإنسان بصورتنا وأيضًا بمثالنا"،

2210 ومن سمع استنار وفهمَ[28].

 

حوار بين الآب والابن

هنا شبهُ الابن قائمٌ في القراءة[29]،

ويراه من ينظر ويستنير.

لمن قال الآب: "لنصنع الإنسان بصورتنا"،

إلاّ لابنه الذي هو معه منذ الأزل[30].

2215 ما بصوت تكلّم الآب مع وحيده،

أو نقل الفم كلمة هذا إلى ذاك.

فالكلمة لا تُستخدم ولا القول في هذا الكيان،

ليقول هذا ويسمع هذا حين يتكلّم.

لا مسافة بين الآب وولده،

2220 ليتحرّك صوت من هنا وهناك وكلمة هناك.

واحدٌ هو العقل، وواحد الفكر، وواحد الرأي،

ولا وجود هناك لكلمة تتحرّك فتهب صوتًا،.

وهذه كلّها التي كتب موسى: "قال الربّ"،

كانت وسيلة ضروريّة من أجل الخلائق،

2225 فينجلي أنّه قال لابنه، لا لآخر.

الآب بالابن برأ البرايا وأقامها[31]،

وما قال الإله، لا لآخر: "لنصنع".

 

هذا الذي قيل أرفع من الملائكة[32]،

2230 لأنّه ما كلّم الملائكة حين خلق.

للابن الكلمة الذي هو لدى الله،

وإلهًا كان[33]، حين تكلّم الله من أجل آدم.

ليكون آدم للآب صورة، للابن شبهًا (مثالاً)[34]،

وبه يفسَّر سرُّ الألوهة الخفيّ.

2235 المسيح الذي أتى في نهاية الأزمنة وهب شبهه،

ليكون به آدم الذي صار صورة الآب.

في آدم شبه الابن وصورة أبيه،

ولأجل هذا قال: "بصورتنا وأيضًا بمثالنا".

لو لم يكن للآب ابن حبيب،

2240 لكان قال: "بصورتنا" إن هو قال: "ليكن آدم".

ولأنّ له ابنًا ابن الطبيعة، وَضع في الكتاب،

الكلمة التي تُخرج السرَّ إلى الجلاء بصوت مرتفع.

وها انجلى الابن في الكتب وقام كالنور،

لأنّ له قال أبوه: "لنصنع الإنسان بصورتنا".

2245 قال وصنع كما قال، صورة لأبيه،

شبه الابن، مسيحًا في صورة جسديّة.

 

وجبل الله آدم

من العناصر التي يقوم بها العالم، جبلَهُ،

ليسهل عليه أن يتدبّر حسنًا رفاقه.

حبّة تراب، وقطرة ماء، ونار وروح،

2250 ونفسه في داخله، ونفخه للمسحة (الكهنوتيّة).

جبله وطبعه، وزيّن فصوّره، وأتقن فصاغه،

وحين اكتمل، نفخ فيه روحًا محييًا[35].

 

صنع له رجلين لتخدماه مثل مركبة[36]،

فيعبر المساحات الواسعة بخطواته.

2255 صنع له يدين لتسرّا له كلّ حاجاته،

وعشر أصابع ليعمل بها كلَّ خير.

صنع له عينين، أبوابَ النور للجسد كلّه،

ليرى بهما كلّ الجمالات التي في الخليقة.

أجلس العينين مثل عروسين،

2260 وفوقهما أنشأ حاجبين جميلين.

أمّا مهما علّق الجفنين، حاجبين،

يفتحان العينين ويغلقانهما ويحفظانهما من الأذى.

أتقن الجبين ليكون في خدمة الرمزن،

فيكون عاملاً بدل الكلمة في مكان ومكان.

2265 صنع له أذنين، ميناء الأصوات والألحان،

وبهما تدخل كلُّ الأخبار داخل الوجدان.

صنع له منخرين، شمًا يتسلّط على الروائح،

ليفحصها ويعرفها كما هي.

صنع له فمًا ليسبّح به الربَّ ربَّه،

2270 ويكون متقبّلاً الغذاء لجسده كلّه.

صنع له حنكًا لكي يميّز الأطعمة،

ويميّز الحلو من المرّ.

صنع لسانًا متقلّبًا يحرّك الكلمات،

وشفتين تتكلّمان، تتمتمان.

 

2275 الكلمة في النفس وضع، وفي داخل القلب الأفكار[37]،

لكي تتحرّك لخدمة الأمور الحسنة.

الفكرة في القلب أتقن، والبهجة في الحالب،

الغضب في الكبد وضع، والحزن في الطحال،

الضحك في الوجه، والبكاء في حُسن العينين،

2280 ليبدّل وجهه لأفراحه والأتراح.

العقل في المخّ، والأسرار اختفت في الكليتين،

الأسنانُ للأكل وللتطهير شيء آخر.

 

آدم وحوّاء

زيَّن آدم في ما هو خفيّ وما هو جليّ[38]،

بالنفس والجسد، فصار إناء امتلأ محاسن،

2285 فوق رأسه وضع خصلة العشر مثل تاج،

لكي يكون معروفًا لدى الخلائق التي هو ملكها.

 

جبل حوّاء، وحين صنعها خلطها معه،

لكي تهتف الطبيعة، وهي تفصلها، أنّها من لحمه[39]،

خبّأها في جسده وفي جسم واحد خلق الاثنين.

2290 وحين تنجلي يدرك العالم أنّهما من واحد،

واحد هو آدم، والاثنان اللذان كانا هما من واحد،

أنشأ الجابل الواحد اثنين في جبلة واحدة[40].

 

لحياة زوجيّة

للزواج سبق وخلطه (آدم) قبل أن يكون[41]،

بحيث لا ينفصل الرجل وامرأته حين يصيران واحدًا،

2295 بل يكونان واحدًا، في الحقيقة، كما كُوِّنا،

ويكونان معًا بلا غشّ وبلا انشقاق،

ولا خصام، ولا انقسام، ولا جدال،

الاثنان يتحرّكان دومًا، لأنّهما واحد من البداية،

بل يكونان إرادة واحدة وفكرًا واحدًا.

2300 واحد هو الرأس وزوجته عضوٌ له.

من تربة واحدة جُبلا، وعُجنا من مصدر واحد،

وأنشئ الاثنان واحدًا حين صُنعا.

 

لماذا نسي

والآن، لماذا نسيَ الرجال هذا الزواج[42]،

ونسيت النساء الطريق الصافية المليئة بالمحاسن؟

2305 فالرجل يزني مع (امرأة) أخرى ويُضيّع طريقه،

والمرأة تمكر هي أيضًا فتفسد الصورة العظيمة.

ومن النساء من تجاوزن الطريق على رجالهنّ،

ومن الرجال من بالزنى يُفسدون الزواج.

فالخالق أحسن حين أتقن، وأحسن حين ساوى،

2310 وأحسن حين جبل الاثنين معًا لكي يتآلفا.

ها هما يتخاصمان، ها هما يتشاجران، ها هما زانيان،

من أجل هذا، ليسا واحدًا[43] كما كُوِّنا.

جعلا طريق الزواج النقيّة عيبًا،

وما مشيا فيها باستقامة كما كُوِّنت[44].

2315 أحسن الباري حين رسم الطريق التي رسم،

ومن شاء أن يمشي فيها، فهي مليئة بالنور.

 

آدم يرى الخليقة

حين جبل طين الاثنين، جبله واحدًا[45]،

وفي جسد واحدٍ عجنه كلَّه حين أتقنه.

وأيقظ آدم وحده حين صنعه،

2320 فرأى الخليقة حين العروس مخفيّة في الختن،

ورأى الجمالات ورأى زينة الخلائق كلّها.

كلّ الأجناء والأزواج، الذكور والنساء،

خلائق العالم، رأت آدم وحده،

ورآها هو وحده بدون شريك[46].

 

فتطيعه لأنّه صورة الابن

2325 قام (آدم) وحده صورة الابن وامتلأ محاسن،

فخافت البرايا من هذه الصورة وسمعت لها.

شبهُ الابن رُئيَ في الوارث الذي وُجد،

وله خضعت[47] الأعالي والأعماق وكلُّ البرايا.

المسيح الجديد، آدم الذي كان صورة الابن،

2330 قام في العالم، والعالم كلّه برك وسجد له.

اشتاق إليه النور بعد أن صُوِّرت في وجهه صورةُ النور،

فرح الرقيع ولخدمته ركضت النيّرات.

رقص البحر وأعدَّ أسماكه ليقرّبها له[48]،

وسُرَّت الأرض وبركت وسجدت مع أشجارها.

2335 الشمس قرّبت له والقمر أشعّتهما،

وبإشراقهما بديا في الحسن للسيّد الجديد.

الزحّافات الجديدة والطيور المحلِّقة في الهواء،

أزواجًا أزواجًا، سجدت له وبه افتخرت.

البعيرُ كلُّه والحيوانات التي وُجدت والأنواع،

2340 أحنت كتفها لتض النير على أعناقها.

أتت المقتنيات أمام المقتني جماعات جماعات،

جوقات جوقات، رفوفًا رفوفًا، أزواجًا أزواجًا،

أنت ساجدة، وامتلأت أمانًا وتجاهه حبًّا.

وأحنى الوحش عظمته (أو: رأسه) ليسمع له.

2345 صورة عظيمة صُوِّرت في آدم الإلهيّ،

وإذ رآه العالم خضع كلّه له.

كلّ جنس في كلّ بعير وحيوان،

اقترب وسجد له ورمى طابعه على مقتنياته.

 

وتأخذ منه أسماءها

دعاها بأسماء، وبأسمائها أخضعها،

2350 لتكون خاضعة، لأنّ ربّه وهب له أن يقتنيها.

ولأنّه كان صورة الله، وجب أيضًا،

أن يرمي برّه (يتسلّط) على كلّ ما صنع الربُّ ربُّه.

وإذ لم يقدر أن يخلق خلقًا، وضع أسماء،

فصار رفيقًا للإله الذي أتقن.

2355 صنع بحسب قدرته صُنعًا صار سهلاً مع الله،

ولمّا خلق أتى بآدم ليدعو بأسماء.

ولئلاّ يكون كلّه بكلّيّته بعيدًا عن البرايا،

التي صارت له، دعاها بأسماء وزيَّنها.

وإذ هو في صورة الإله رمى نفسه (اهتمّ)،

2360 فصنع شيئًا بقدر ما تستطيع الصورة أن تصنع.

ولكي يكون مشاركًا في متقنات الإله،

وضع أسماء لأشياء خلقها الإله.

جلس آدم على رأس العالم كديّان،

ودخلت الحيوانات قدّام وقاره صفوفًا صفوفًا.

2365 أحنى النسرُ رفعته فنزل قدّامه وسجد،

وقام النسر وتواضعَ وهو يتحبّب إليه[49].

 

آدم، كاتب ماهر وحكيم

برأ الباري كلّ الأجناس من أجل آدم،

ومن أجله تركها بدون أسماء،

وأرسلها إلى السلطان الماهر الذي صنع،

2370 وكما شاء دعاها بأسماء وأطلقها.

دخلت الحيوانات فأخذت كنية أسمائها،

من الحكيم الذي ما قام شبهُه في العالم،

أشار إليه أن يرسمها بأسمائها،

فتسمع له حين يدعوها ويأمرها.

2375 دخلت أمامه لا متطبّعة فطبّعها،

وتحقّق أنّه صار سيّد كلِّ المتقنات.

وملك آدم على البرايا وعلى المتقنات،

فضجَّ البيتُ بالوارث الذي قام فيه ليكون سيّده.

كاتب ماه، وما تعلّم، كاتب حكيم،

2380 ابن يوم واحد، ودعا البرايا كلّها بأسماء[50].

 

خُلق آدم أوّلاً ثمّ حواء

خين خُلقت حوّاء من آدم، أخفيت فيه،

ليُمسك العالم، ثمّ تظهر في الدرجة الثانية.

قام في الوجود، ووحده ورث العالم،

ثمّ انفصلت حوّاء عنه لتكون له.

2385 قام آدم إنسانًا في الدرجة الرفيعة،

وفي الثانية، دخلت حوّاء لتكون معه.

كلّ بعير، والطيور أزواجًا أزواجًا،

دخلت إلى الخليقة وما اختلط واحد مع رفيقه.

أزحفت المياهُ وأخرجت الأرضُ كلَّ الأجناس،

2390 فكانت منذ البداية، ذكرًا وأنثى.

بيتُ آدم قام في الوجود ذكرًا فقط،

وحيدًا، ليكون أقدم من زوجته.

به خُلطت، به جُبلت، معه قامت،

أخفيت فيه، حُفظت فيه وما عرفها.

2395 وقام هو الأوّل ليرى العالم ويرث الأرض،

وحين يتسلّط على البرايا، تأتي حوّاء.

لئلاّ يكونا من البداية سيّدين اثنين،

قام واحد في الأرض ليرثها وحده.

ولمّا تسلّط على البرايا وورثها،

2400 جبل منه حوّاء زوجة لتكون معه[51].

 

ما جُبلت حوّاء من الأرض مثل آدم[52]،

بل منه هو جُبلت، كما قيل.

هو من التراب أُخِذ، وهي منه،

عظمًا ولحمًا، أتقنت فصارت امرأة لآدم.

2405 بالمياه جبل الربّ آدم حين جبله،

أمّا حوّاء فبدم آدم جُبلت.

أخذ الربّ من آدم الحيّ (أو: وهو نائم) ضلعًا،

عظمًا ولحمًا ودمًا لحوّاء فصُنعت.

وبدل التراب الذي رماه والماء، وجبل آدم،

2410 أخذ لحمًا ودمًا من ضلعه وأنشأ حوّاء.

 

وندخل في الرموز

رمى الربّ سكونًا[53] وربط آدم بالوسن (بالنعاس)،

لترسَم فيه كلّ أسرار الصلب.

نام الجبّار فثلمت القدرة الصانعة جنبه،

وصوّرت هناك رمحَ الوحيد[54].

2415 وبهذا الوسن صُوِّر موت الصليب،

وبالدم والماء كلّ محاسن المعموديّة.

ولأجل هذا عرفهما من قبل،

رسمهما في شبه صورة الوحيد.

آدم النائم، فنقول: مائتٌ مخلّصنا،

2420 ومفتوح جنبُه، أي هذا حصل على الجلجلة.

والسرُّ هو الدم والماء اللذان جريا منه،

هو مولد أمّ الحياة، المعموديّة[55].

 

بالدم والماء قام جنس البشر،

وهذا الزرع وضعه الباري في الطبيعة.

2425 بما أنّه جبل آدم بالماء، فزرعه ماء هو،

وبما أنّ حواء جُبلت بالدم، دمٌ هو سيلانها.

وحين يختلط الماء والدم في الزواج،

يصوَّر الطفل بهذا الأمر الذي جبل آدمَ.

إذًا بالدم والماء قام الجنس (البشريّ) كلّه،

2430 لأنّ الصانع وهب الطبيعة أن تثمر هكذا[56].

 

ولهذا، حين طُعن المخلّص على الصليب[57]،

وجرى منه الماء والدم، بدا النمط (الرمز) كما يلي:

يُثمر العالم الروحيّ بصلبه،

بعد أن ضربته آلام الولادة على الجلجلة.

2435 واختلط الدم والماء الواحد بالواحد ليجبل بهما،

أولادًا جددًا ليكونوا للآب في حاش (آلام) ابنه.

وصورة منها يقوم الطفل بلا زواج،

ومنها يقوم عالم جديد ومقدَّس.

ها الدم والماء ومعهما الروح المحيي،

2440 بلا زواج، ولا رغبة الحبل.

الوحيد الذي يُثمر أولادًا بلا زواج،

يُشبه آدم الذي ولد هو أيضًا بدون اتّصال[58].

ما كان وسن آجم باطلاً بدون فائدة.

 

فإذ كان نائمًا وهب من ضلعه أمًّا للعالم،

2445 وبهذا الوسن تمثّل هذا الموت،

الذي به فُتحت المعموديّة، والدة الحياة.

وليكثر الأولادُ الروحيّون، دمٌ وماء،

جريا من جنبه فاغتنى منهما العالم الجديد.

وإذ صوَّر آدم هذه الصورة في وسنه،

2450 نام فأعطى عظمه ولحمه لتكون حوّاء.

وإذ نام رأسُ الينبوع، اقترب الصانعُ (الإلهيّ)،

مثلمه ليخرج يُسقي الأرض بأنهاره.

فتح ربُّه الينبوع فأتى بمعينٍ كبير،

حوّاء التي خرج منها جيحون[59] بني البشر.

 

2455 أخذ الصانع ضلعًا خطيبةً لذاك النائم[60]،

وأنشأها وزيّنها وملأها محاسن وجعلها لديه.

نام فسُلب، ولكن أعيد إليه ما سُلب منه،

لأنّ الذي سرقه ليس بظالم، بل هو عادل.

أخذ ضلعًا فأتى بامرأة امتلأت محاسن،

2460 وما شعر آدم متى أخذها (الله) ولا متى وهبها.

متقنُ الكلّ زيّن العروس بمهارته،

ووهبها للعريس (الختن) والعرس نائم وما شعر بها[61].

 

الدعوة إلى العرس

نام العريس والعروس وقد صارا جديدَين[62]،

فأسرع العالم كلّه وقلق ليوقظهما.

2465 فقامت هناك كلُّ البرايا مثل إماء (جاريات)،

وأكثرن ألحانهنّ والأصوات.

فسمت ريحٌ عذبة من كلّ جانب،

وصوتُ الأشجار أيقظ العريس الكبير وهو نائم.

تكلّمت الطيور في نشيد حلو،

2470 ليذهب وسنُه ويقوم فيفرح بالعروس التي أتت.

أنشدت الحجال والسنونوات بكنّاراتها،

يستيقظ العروسان المحبوبان من سباتهما (وسنهما).

 

نمتُما كثيرًا يا جميلان، قوما من هناك[63]،

العرس ينتظر ليفرح معكما في جنانكما.

2475 امضِ بعيدًا، أيّها الوسن، من عرس امتلأ محاسن،

واترك العروسين يقومان فيفرحان بإكليليهما.

أيّها الطفلان الغلامان اللذين صوّرت القدرة الصانعة وجبلت،

فصارا اليوم وارثي الأرض، قوما من هناك.

أيّتها العروس التي كنتِ من الختن، قومي أيقظيه،

2480 لأنّه ما شعر أنّك أتيت، وسيفرح كثيرًا حين يشعر بك.

آه لك، يا آدم الوحيد، صار لك رفيق،

استيقظ وانظر كم يشبهك وافرَحْ معه.

عذبًا كان الوسن الذي نامه آدم العريس:

هو الأوّل، لهذا كان عذبًا، فنام (آدم) وأكثر.

2485 في وسن بتوليّ، أُخذت حوّاء البتول،

من ذاك العريس الذي نام ونسي أنّه صار عريسًا.

وأمرَ الربُّ الوسن فهرب من الجبّار،

الذي رُبط به وما استطاع أن يقوم ويحلّه.

 

واستيقظ آدم فرأى حوّاء العروس التي أتت،

2490 لترث معه الأرض والعالمَ وكلَّ البرايا.

رآها ففرح بها، لأنّه شعر بها أنّها من لحمه هي،

فتحرّك الحبّ ومثل ابنة ناغاها.

هذه عظمي هي، هذه لحمي هي، هذه منّي هي،

ابنةٌ وأخت وزوجة وامرأةُ أبيها.

2495 قام العروسان في حلّة النور التي لبسا،

ففرح العالم كلّه بهداياه لهما.

ضحك النهار قبالة العريس وأهداه،

هديّة النور كلّه لينعم به.

فتح الفردوس أبوابه الرفيعة ليدخل العروسان،

2500 فيفرحان هناك في جنان الخيرات المهيّأة لهما[64].

 

سلطان الجوّ

هنا حسد ذاك المتسلّط الحارسُ الهواء[65]،

تلك العظمة التي وُهبت لبيت آدم.

بإرادته رمى نفسه في التمرّد،

والتخريب والإفساد والإقلاق.

2505 ليرمي الانشقاق في ذاك العرس المليء بالمحاسن،

ويطرح من العروس إكليلها، بمكره البغيض.

ويصلي فخًّا ويفسد حسن لباسهما،

ويهتكهما ويقيمهما عريانين.

ويجعلهما أضحوكة في العالم وعارًا كبيرًا،

2510 لأنّه حسد بيت آدم: كم عظما!

ما أردتُ اليوم أن أتكلّم عن المتمرّد،

في اليوم السادس، لأنّ الأمور الكثيرة تتحرّك فيه.

ولأنّه سقط من درجته في اليوم السادس،

طلب منّي الميمر (الأوّل) أن أرمي خبره في خبرٍ رميتُ.

 

كان ملاكًا

2515 هذا الذي صار قاتل البشر، كان ملاكًا،

وبهذا الرمز كان الأوّل مع الملائكة.

ولأنّ هناك رؤساء أجواق ورؤساء طغمات،

ورؤساء جموع ورؤساء قوّات وأراكين[66]،

مثل واحد منهم صنع الربّ هذا الملاك،

2520 ووهبه جماعة ليكون هو أيضًا رئيس جوقه.

ووهب له موضعًا ليكون قائمًا على الخدمة،

فوق الأرض وتحت الشمس، ليكون رئيسًا.

في عالم الظلمة[67] هذا وضعه ليكون رئيسًا،

ومثل أركون أخذ سلطان على المواضع كلّها.

 

دخل فيه الحس

2525 رأى هذا الموضع الذي وهبه الربُّ لآدم،

فحثَّه الحسد[68] أن يطرح آدم من سلطانه.

رأى آدم الذي وُهبت له الرئاسة،

ووُضع فيها على الخدمة المطلوبة له[69].

فحسده في ذاك الوقار الذي كان لآدم،

2530 فثلبه ليحاربه ويهزأ به.

وفي الحال، سقط[70] إليه من عند القدّيسين[71] وحسنهم،

وحار ليُفسد، ولهذا اسمه الشيطان[72].

ما خلقه الربُّ شيطانًا حين خلقه،

ولأنّه أزاغ تكنّى باسم شيطان.

 

فأسقط آدم

2535 نترك الآن خبر هذا المستعدّ للإفساد،

وأعود إلى خبر الأيّام الستّة الذي أتابعه.

لأنّ من أجل أيّة علّة سقط، طلبتُ أن أبيّن،

فعُرف أنّ بالجسد (سقط) بيتُ آدم.

كان آدم صورة الألوهة،

2540 وكبر جدًّا عن البرايا وعن المتقنات.

وصار سيّدًا لهذا العالم المنظور،

وكبر وملك وصار وارث بيت الله.

فتح الفردوس أبوبه الرفيعة كما قلنا،

ودخل الجميلان ليكونا وارثين لو ثبتا[73].

 

السادس من نيسان

2545 في اليوم السادس أكملت كلُّ المتقنات[74]،

وانحصرت كلُّ المحاسن في البرايا كلّها.

النور بظهوره، الرقيع بانحنائه، والبحار بتجمّعها،

الأرض منشورة، السماء محدودة، الشمس راكضة.

القمر يتباهى، الكواكب تصطفُّ، والأسماك[75] في تجوال،

2550 غرّد الحيوان المجنَّح ورقص في الهواء وطار.

بُني العالم، أتقنت المسكونة والبرايا قامت،

ركضت الأيّام والليالي الواحد بعد الآخر.

 

في السادس من نيسان، في الشهر البهيج، شهر الأزهار كلّها،

تكلّل البيت الذي بنته القدرة الصانعة.

2555 في السادس من نيسان، أطلّ إلى العالم رئيس الجنس (البشريّ):

طفلاً، صبيًّا، غلامًا جميلاً، ورجلاً معًا.

وكانت حوّاء ضلعًا، عظمًا، لحمًا، امرأة،

وأيضًا زوجة، وبابًا أتى بالموت إلى العالم.

وصنع الربُّ حوّاء ووهبها امرأة لآدم،

2560 وأتقن البيتُ وصاحبا البيت دخلا فكانا فيه.

واكتملت كلّ البرايا وأتقنت كلَّ الإتقان،

وكان مساء وكان صباح، يومٌ سادس.

 

 

 

 



[1] الخليقة تشهد على قدرة الخالق، وتبيّن حكمته أمام الإنسان. وهذا العمل ( ع ب و د و ت ا) الخفيّ (ك س ي ا) هو فم يسبّح الله، كما قال مز 33: 9: "قال فكان كلّ شيء، أمر فصار كلُّ موجود" دعاها فأتت إلى الوجود.

[2] موسى الذي يُعتبر صاحب سفر التكوين كما قال التقليد اليهوديّ وتبعه الفكر المسيحيّ مدّة طويلة، رأى بإلهام كيف تكوّن العالم من لا شيء. غير أنّ هذا العالم جهل أصله وخالقه وعمل الأيّام الستّة، فكشف له موسى هذه الأسرار.

[3] في اليوم الخامس، طُلب من البحر أن يُثمر، أن يُنتج الأجناس. وفي اليوم السادس انتقلت المهمّة إلى الأرض. سمعت الأمرَ الإلهيّ فتحرّك الطين (أو التراب) ونال أعضاء، فظهرت كلُّ عشائر الحيوان.

[4] شبّه السروجيّ الله بخزّاف (بفخاريّ). أمر فتكوّنت كتلٌ من الطين: الحيوان الداجن، الزحّاف، الوحوش.

[5] ر م ز ا. لفظ غنيّ جدًّا، نقرأ باكرًا عند أفرام السريانيّ، إشارة واحدة تكفي الخالق لأن يخلق.

[6] يستعمل السروجيّ ألفاظًا مجرّدة مع "و ت ا". ع ب و د و ت ا" القدرة التي تصنع. وكان قد قيل في سفر التكوين: "فصنع الله الكواكب". ثمّ "ب ر و ي و ت ا"، القدرة البارئة، الخالقة. في خطّ سفر التكوين: "في البدء برا (خلق) الله السماوات والأرض". ثمّ "ا ل ه و ت ا"، الألوهة كأنّي به يتحاشى لقظ "الإله"، بعد أن تكلّم العالم الوثنيّ عن "إلهه" وعن "آلهته".

[7] تحدّث السروجيّ عن الأبقار الكثيرة. فالمنطقة التي أقام فيها ليست لقطعان الغنم (ج ز ر ي)، بل للبقر. ووجدت أيضًا الخيول (ر م ك ي).

[8] في خطّ الأمان (ش ي ن ا) الذي ذكره السروجيّ مرارًا، نفهم كيف يكون هذا الأمان بشكل سلبيّ: لا أذى (ن ك ي ن ا). ولا عداوة (س ق و ب ل ا) فيها يقف الواحد قبالة الآخر ويعتبره خصمًا له.

[9] نقرأ في مز 104: 10-12: "تفجّر (يا ربّ) الينابيع أنهارًا، فتجري الأنهار بين الجبال لتسقي جميع وحوش البرّ، وبها تكسر الفراء عطشها. عليها تسكن طيور السماء، وتغرّد من بين الأغصان". الربّ هو سيّد القطعان ومالكها، ولا سيّد غيره. لهذا، نراه يهتمّ بطعامها وشرابها، ولا ينسى حتّى طير السماء.

[10] مز 147: 9: "الربّ يرزق البهائم طعامها، وفراخ الغربان حين تصرخ". ما إن تكوّن الحيوان حتّى وجد الطعام والشراب، فأطلق صوته وسبّح.

[11] في ستّة أيّام، أكمل الخالق الوجهات الستّ: العلوّ والعمق والجهات الأربع. هيّأ المهندس أرض البيت وسقفه.

[12] في الأيّام الخمسة الأولى، أعدّ الله كلّ شيء من أجل بيت الإنسان.

[13] لا شرّ في البيت الذي بناه الله، بل نقاوة وقداسة. لا وجود للشيطان ولا لفخاخه.

[14] جاء الكلام عن الفردوس (ف ر د ي س ا)، عن الجنّة (ج ن ت ا)، عن عدن (ع د ن) أو الغدن في العربيّة حيث المياه الكثيرة وحياة الرخاء.

[15] العروس (ك ل ت ا) هي هنا تنتظر. ولكنّ العريس ما جاء بعدُ. طلبوه، سألوا عنه بين الأشجار... كلّ شيء يقدَّم له. فلا يبقى له سوى أن يأتي فيجد كلَّ شيء مهيّأ.

[16] ج ن ن ا: العامل في الجنّة، في البستان. لهذا قلنا: البستانيّ.

[17] تساءلت القوّات السماويّة عمّن يسكن هذا البيت، ورأت وليمة العرس مهيّأة مع المهر والهدايا، الثمار تتناثر وليس من يتذوّقها، والعنب نضج وليس من يقطفه... الخليقة تنتظ الوارث الذي يضع يده عليها. عند ذاك هتف السروجيّ منشدًا حكمة الإله الذي صنع كلّ هذا الحسن والجمال.

[18] هي نظرة إلى الحكمة الإلهيّة التي هيّأت كلّ شيء قبل أن يأتي الإنسان، لكي يفهم الإنسان أنّه أمام سرّ لا يستطيع أن يصل إلى أعماقه، بل يدخل في بعضه.

[19] نقرأ في أش 40: 13-14: "من أرشد روح الربّ، أو كمشير له علّمه؟ من استشاره الربّ فأفهمه، وهداه سبيل العدل". لو كان آدم هنا حين الربّ خلق الكون، لحسب أنّه قدّم له نصيحة.

[20] قال الربّ في سفر أشعيا (44: 24): "أنا الربّ فاديك ومن الرحم جبلتك. وأنا الربّ صنعتُ كلَّ شيء، نشرتُ السماوات وحدي، وبسطتُ الأرض بنفسي".

[21] هو يضلّ حين يعتبر نفسه إلهًا شارك الإله الواحد ورافقه في عمل الخلق.

[22] إن كان الإنسان وهو آخر ما خلق الربّ، قد حاول أن يساوي نفسه مع الله، لو حسبنا أنّ هذا ممكن، فكم كان فعل لو أنّه دُعيَ إلى الحياة قبل سائر الخلائق. فحين دخل الضلال إلى العالم، جعل الله الإنسان مكانه: "أنا وحدي خلقتُ السماوات".

[23] شيّد الخالق مدينة كبيرة وزرع فيها المباني الرائعة. فلا بدَّ من أن يُوضع فيها تمثال الملك، بحيث يمجّد الناظرون مهندس الكون.

[24] خلق الله آدم كصورة الربّ، يكون ينبوع الأجيال الآتية وسيّد الطبيعة. إلهًا بشريًّا، من لحم ودم، مسيح الآب وانعكاس ابنه. حزام العالم والمرفأ الذي فيه انبسطت القدرة الخالقة. ويكون السيّدَ الجديد الذي طُلب منه أن يمتلك العالم كلّه.

[25] كانت الكلمة: نصنع الإنسان. بالنسبة إلى سائر الخلائق، خرجت حين جاء إليها الأمر: ليكن نور. فكان نور. هذه المرّة، ما أراد الله أن يقول: ليكن آدم. أراد أن يصنع، أن يجبل بيديه الصورة التي تسمو على سائر الخلائق كلّها. صورة تكون قريبة من الخالق فامتزجت بمحبّة كبيرة.

[26] استعمل السروجيّ ثلاثة ألفاظ تدلّ على صغر آدم، حيث تنازل الله (ن ح ت)، وانحدر (ت ح ت ي) وأحنى (ا ر ك ن) ذاته، وأخلى (س رق) ذاته. التراب (ع ف ر ا)، الغبار (د ح ي ح ا)، الطين ( ط ي ن ا). رج فل 2: 7: "س ر ق. ن ف ش ه" (أخلى نفسه)، ونضيف "الأرض" (ا ر ع ا) الأديم (ا د م ت ا). ذاك الذي كيانه يتجاوز الكون تنازل، انحدر ليرسم صورة عن ذاته في طين آدم حقير.

[27] كيف عرفنا تنازل الآب؟ من تنازل الابن. أتى ليخلّص (ف ر ق) صورة أبيه.

[28] إنّ عمل الخلاص يشهده لحبّه الأوّل. في الأعمال السابقة، ما قيل أنّ الله صنع شيئًا على صورته. وسمّي آدم صورة الله لأنّه إيقونة الابن.

[29] وطرح السروجيّ السؤال: مع من كان الآب يتكلّم؟ مع الابن الذي هو معه منذ الأزل. هذا لا يعني أنّ الآب كلّم الابن بصوت يسمعه البشر. هما واحد على مستوى العقل والفكر والرأي. غير أنّ موسى أراد أن يبيّن أنّ الآب لم يكلّم سوى ابنه الذي به خلق كلّ شيء.

[30] حرفيًّا: د ل ا. ش و ر ي ا: بلا بداية.

[31] نقرأ كو 1: 16: "به (= بالمسيح) خلق الله كلّ شيء، في السماوات وفي الأرض، ما يُرى وما لا يُرى".

[32] وطرح السروجيّ السؤال: هل حدّث الله الملائكة حين قال: "لنصنع"؟ كلمة الربّ أرفع من كلّ الخلائق. ففي آدم صورة الآب وشبه الابن، شُرح سرّ اللاهوت. لو لم يكن ابن الله، لما قال: "بصورتنا ومثالنا" بل قال فقط: "بصورتنا".

[33] و ه و (وهو) م ل ت ا (الكلمة) ا ي ت و ه ي. ه و ا (كان) ل و ت (لدى) الله وال ه ا (وإلهًا) ا ي ت و ه ي. ه و ا (كان) ه و (هو) الكلمة (م ل ت ا). "وإلهًا"، يعني أنّه يشارك الآب في اللاهوت: إله من إله. نشير إلى أنّ لفظ "تايوس" اليونانيّ مع أل التعريف يعني الله الآب.

[34] آدم هو صورة (ص ل م ا) الآب، وشبه أو مثال (د م و ت ا) الابن. في الخطّ الإسكندرانيّ: الإنسان يحاول أن يتمثّل بصورة الله. مع العلم أنّ الابن هو وحده صورة الكاملة لله (كو 1: 15).

[35] كوّن الله الإنسان من العناصر الأربعة التي يتكوّن منها العالم: من حبّة تراب ونقطة ماء، والنار والروح، وهكذا يستطيع أن يسوس الخلائق أقرانه. هنا نقرأ تك 2: 7: "وجبل الربّ الإله آدم ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حيّة". وفي أش 61: 1: "روح السيّد الربّ عليّ، لأنّ الربّ مسحني له".

[36] وتأتي أعضاء الإنسان التي صنعها الله: الرجلان، اليدان والأصابع... غرس الكلام في نفسه، والفكر في قلبه، والفرح في صدره، الغضب في كبده، والحزن في الطحال، الضحك في الوجه، والدموع في عينيه، العقل في المخّ، وأُخفيت الأسرارُ في حقويه. وبعد أن زيَّن جسده نفسه، جعل على رأسه الشعر تاجًا لكي تعرف الخلائق أنّه ملكها.

[37] حلّل السروجيّ أعضاء الإنسان كما كان يفعل دارسو العلوم الطبيعيّة مع تشابيه ترتبط بالشعر. الجفنان باب، الأذنان ميناء. وها هو الآن يربط الأمور النفسيّة بأعضاء الجسم الداخليّة، فيربط مثلاً، الكبد بالغضب...

[38] حين خلق الله آدم، أخفى حوّاء في جسده، وهكذا كان آدم واحدًا واثنين معًا.

[39] حين أعطيت حوّاء لآدم هتف: لحم من لحمي (ب س ر ا). تك 2: 23. وقبل ذلك "عظم من عظامي" (ج ر م ا).

[40] ج ب ل. هناك الجبلة الواحدة. يعني أنّ المرأة جُبلت من تراب الأرض، شأنها شأن الرجل. والذي جبل آدم جبل حوّاء. في هذا الإطار، جبل الإنسان (رجلاً وامرأة) ترابًا من الأرض (تك 2: 7).

[41] قبل أن يُوجَد الإنسان كان معدًّا للزواج، ليصير الرجل والمرأة جسدًا واحدًا، كما من قبل. نقرأ في تك 2: 24: "يصيران من لحم (ب س ر ا) واحد". فلا خصام ولا خلاف بينهما، بل يكون لهما فكرٌ واحد وإرادة واحدة. هو الرأس وشريكته كما العضو في الجسد.

[42] لماذا نسي الرجال والنساء ومحاسنه. ولماذا سيطرت الخصومة والخيانة الزوجيّة؟ هي صورة عن الوضع الاجتماعيّ في أيّام السروجيّ. ولكنّنا لا نستطيع أن نعمّم، بل نلاحظ وجود مثل هذه الظاهرة.

[43] في تك 2: 24، نقرأ "اثنين" (ت ر ي ه و ن) و"واحدًا" (ح د). المرأة مساوية للرجل. مثله جُبلت من تراب الأرض. فهي مسؤولة كما هو مسؤول. نشير هنا إلى أنّ النصّ العبريّ ترك لفظ اثنين بتأثير من الماسوريّين، أي العلماء التقليديّين الذين قدّموا الوجه الآخير للنصّ الكتابيّ في القرن التاسع ب.م. فقد أرادوا أن لا يحكموا على أشخاص مثل داود الذي كثرت نساؤه، وعلى سليمان. فجاء العبريّ: و ه ي و (ويكونون. أو يكونان، لأنّ لا صيغة للمثنّى في اللغة العبريّة كما في العربيّة) ل ب ث ر (بشرًا، لحمًا) أ ح د (واحد).

[44] م ك ن ا. أكثر من مرّة يرد اسم المفعول (مكوَّن) أو الفعل. فالإنسان ما كوّن نفسه لكي يعمل ما يشاء. بل الله كوّنه، جعله أن يكون، أن يُوجَد، فلزم عليه أن يعمل بمشيئة ذاك الذي كوّنه منذ البدء اثنين في واحد. وهنا الطريق كوّنت بهذا الشكل، فينبغي على الإنسان أن لا يبدّلها.

[45] ظهر آدم وحده، فشاهد الكون كلّه: الرقيع ونيّراته، البحر وأسماكه، الأرض وحيواناته. كلّها خضعت له وقدّمت خدماتها.

[46] سار السروجيّ في خطّ الكتاب المقدّس (تك 2: 4ي): جبل الله آدم. خلق الكون بنباته وحيوانه. وفي النهاية خلق المرأة. هذا يعني أنّ آدم كان وحده حين خلق الله ما خلق.

[47] ا ش ت ع ب د: استُعبد، خضع. استُعمل هذا اللفظ للكلام عن المسيح (1 كور 15: 28) الذي خضعت له البرايا. وهكذا تماهى آدم مع الابن.

[48] هي إشارة إلى الصيد العجيب. رج لو 5: 1ي؛ يو 21: 1ي.

[49] ما استطاع آدم بنفسه أن يخلق، فعلم جهده لكي يكون قريبًا من الخلائق السامعة (الطائعة) له، الخاضعة، الراكعة، الساجدة. هو سيّدها بعد أن صار مشاركًا للإله.

[50] ما نال آدم علمًا، ومع ذلك عرف. وما كبرت به السنّ، ومع ذلك بدا حكيمًا حين أعطى أسماء للحيوانات. هو سيّدها مع أنّ عمره يوم واحد. هو الملك عليها، وهو صاحب البيت الذي أُعدَّ له.

[51] كان آدم أوّلاً، فوضع يده على العالم. وكان في الدرجة الأولى. ثمّ جاءت حوّاء في الدرجة الثانية. فلو جاءا معًا (كما هو الحال في الحيوانات) لكان للعالم سيّدان. أمّا وقد جاء آدم أوّلاً، فهو وحده السيّد.

[52] آدم وحّواء، اثناهما جبلا (ج ب ل). ولكنّ واحد من تراب الأرض، وحوّاء أخذت عظم آدم ولحمه ودمه.

[53] غطس آدم في نوم عميق، فرُسمت فيه أسرار الصلب. فُتح جنبه كما فتح الرمحُ جنب الابن الوحيد. والنوم يدلّ على موت المصلوب. والدم والماء، على جمال المعموديّة. كوّن الله آدم بالماء، وحوّاء بالدم، فتكوّن العالم الزمنيّ.

[54] قال يوحنّا عن يسوع: "أحد الجنود طعنه بحربة في جنبه (س ط ر ا)، فخرج منه دمٌ وماء".

[55] وهكذا وصلنا إلى المعموديّة التي هي أمّ الحياة وأمّ الأحياء.

[56] جبل آدم بالماء، وحوّاء بالدم الذي من آدم، هكذا يتمّ الحبل والولادة بالنسبة إلى البشر.

[57] هي المعموديّة والولادة الجديدة من جنب المخلّص الذي طعن على الصليب.

[58] ن ق ف ا: اتّصال زواجيّ. على الجلجلة، وُلد أولاد جدُد للآب من دون علاقة زوجيّة. بآلام (بحاش) الابن وبالحياة التي بهبها الروح في هذا، شابه الابن آدم الذي ولد خليقة جديدة بدون اتّصال زواجيّ ما كان نعرفه باطلاً، بل أعطى العالم أمّه (تك 30: 20: هي أمّ كلّ حيّ) فرسم مسبقًا هذا الموت الذي منه تنبع المعموديّة معطية الحياة.

[59] تك 2: 13: "واسم النهر الثاني جيحون، ويحيط بجميع أرض كوش". وذلك في الفردوس الذي غطّى العالم كلّه. رج يو 7: 38: "من آمن به (قال يسوع)، تفيض من صدره أنهار ماء حيّ".

[60] شدّد السروجيّ على الوسن (ش ن ت ا) والنعاس، على النوم (د م ك) ما شعر آدم بشيء. إذًا، لا دور له في تكوين حوّاء، بل هي جاءت له هديّة ملأى بالمحاسن، من قبل الله.

[61] أخرج الخالق من آدم، ينبوع الأجيال البشريّة، حوّاء. ما أخذ منه في نومه، أعيد بعد أن تجلّى حُسنًا وجمالاً. وهكذا ما خسر آدم شيئًا، بل نال الربح الكبير.

[62] وتحرّكت الطبيعة لتوقظ النائمَين: الرياح اللطيفة، صوت الأشجار، تغريد الطيور.

[63] متى ينهض العروسان بعد أن ناما كثيرًا. أمر الربّ فطُرد النوم، وخرجت حوّاء البتول من النوم البتوليّ.

[64] استيقظ آدم فرأى تلك التي وُعد بها: لحمه وعظمه (تك 2: 23). كانت حوّاء البنت لأنّها وُلدت من آدم. وكانت الأخت لأنّها الرفيقة من أب واحد. وكانت الزوجة حين قال الربّ: يصير الاثنان جسدًا واحدًا. استيقظا وهما يلبسان حلّة من النور. ابتسم لهما النهار، وفتح الفردوس أبوابه.

[65] أف 2: 2: رئيس القوّات الشرّيرة في الفضاء (ش و ل ط ن ا. د ا ار: سلطان الهواء). انحسد من العظمة التي أعطيت للبشر. بإرادته تمرّد وتطلّع إلى وسيلة بها يعرّي الإنسان من لباس النور ويجعله أضحوكة في العالم. ما كان موضوع كلام السروجيّ ذاك المتمرّد، ولكنّه خبر الأيّام الستّة قاده إلى الكلام عنه، لأنّ سقوطه (ن ف ل) كان في اليوم السادس. كان ملاكًا خلقه الله كما خلق غيره، في اليوم الأوّل، وأعطاه السلطان على المدى الواقع بين السماء والأرض. حسد آدم فزاغ عن الدرب وأزاعه، لهذا سُمِّي الشيطان مع أنّ الله لم يخلقه خصمًا يثلب ويحمل الحرب إلى بيت آدم.

[66] ا ر ك و ن ا. جاء اللفظ من اليونانيّة archon الرئيس. نقرأ في يو 12: 31: "ا ر ك و ن ا (أركون، سيّد) د ع ل م ا (العالم) ه ن ا (هذا) م ش ت وا (مطروح) ل ب ر (إلى الخارج). وفي 14: 30: ا ت ا (أتى) ج ي ر (لأنّ) ا ر ك و ن ه. د ع ل م ا (أركون العالم).

[67] ح ش و ك ا. هناك سيكون إبليس diabolos في النهاية. إنّ dia تدلّ على التمزيق والفصل. وإبليس يمنع الوحدة ويحرّك البغض والحسد (كما في اليونانيّة). أما bolos فيدلّ على رمي الشبكة، على أخذ حيوان (أو إنسان) بالشبكة. مرّات عديدة تحدّث يسوع عن "الظلمة البرّانيّة" (مت 8: 12؛ 22: 13). ح ش و ك ا. ب ر ي ا.

[68] ح س م. لقظ يرتبط بالعاطفة التي حرّكت إبليس. في حك 2: 24: "بحسد إبليس diabolos، دخل الموت إلى العالم".

[69] ووضع (ا ت ت س ي) فيه (ب ه) على الخدمة المطلوبة له (ل ه). من يخدم ؟ إبليس يخدم آدم وهذا ما طلبه الله منه. فآدم أعطيَ الرئاسة (ر ش ن و ت ا). لهذا كانت اختلافة في مخطوط آخر: ه و. "ووُضع هو على الخدمة..."

[70] ن ف ل. هذا ما يرتبط بسقطة آدم. وعلى مثالها، كان كلام عن سقوط إبليس من درجة الملاك. في فو 10: 18 قال يسوع لتلاميذه: "رأيت الشيطان (س ط ن ا) يسقط (ن ف ل) مثل البرق من السماء (ش م ي ا).

[71] ق د ي ش ي. هكذا يُدعى الملائكة في سفر المزامير. 89: 6: "الله قام في جماعة (ع د ت ا) القدّيسين". في العبريّة: ب. ق ه ل.. ق د ش ي م.

[72] س ط ن ا (في العبريّة ث ط ن أو ش ط ن). يعود في السريانيّة إلى فعل "س ط ا" حاد عن الطريق، زاغ، مال، ضلّ. وقد يعود إلى "س ط ن"، مكر. هذا ما يقابل الفعل العبريّ "ث ط ن". ومنه الاسن "ث ط ن" الخصم ولا سيّما في الحرب. رج 1 مل 5: 18 (وأقام الربّ "ث ط ن" في العبريّ، س ط ن ا في السريانيّ) لسليمان، أي خصمًا. والخصم أيضًا في المحكمة.

[73] لو ثبتا في الطاعة، لبثا في الفردوس الذي فتح أبوابه الرفيعة لهما، كما للملوك. رج مز 24: 7: "إرفعي (ا ر ي م و) رواوشك أيّتها الأبواب (ت ر ع ي)، ارتفعي (ا ت ت ر ي م ه) أيّتها المداخل (ت ر ع ي، الأبواب) الأبديّة، فيدخل ملك المجد".

[74] في اليوم السادس من شهر نيسان، أنهى الخالق بناء البيت، وجاء الجنس البشريّ إلى العالم: طفل (ع و ل ا)، فتى (ط ل ي ا)، غلام (ع ل ي م)، رجل (ج ب ر ا). كلّ هذا تمّ في لحظة واحدة. وحالاً بعد ذلك، وُلدت حوّاء ضلعًا، لحمًا، عظمًا، امرأة، زوجة. وفي النهاية، بيتًا أتى بالموت إلى العالم.

[75] ن و ن ي. أخذنا بنصّ المكتبة البريطانيّة، وتركنا الاخر: ي م م ا: البحار.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM