اليوم الخامس - تكوين الحيوانات 1563-1920

في اليوم الخامس، قرأ السروجيّ تك 1: 20-23، وها نحن نقدّم ترجمته من السريانيّة البسيطة إلى العربيّة:

 

20. وقال الله: "لتُرحف المياه زحّافات، نفسًا حيّة وليطُر الطير على الأرض، على وجه رقيع السماوات".

وخلق الله التنانين العظام، وكلَّ نفس حيّة من الزحّافات التي أزحفت المياه لجنسها، وطير الجناح بجنسه. ورأى الله أنّ (هذا) حسن.

وباركها الله وقال لها: "انمي واكثري واملأي المياه التي في البحار، وليكثر الطيرُ في الأرض".

وكان مساء وكان صباح، يوم خامس.


المقدّمة

وهب لي موسى العظيم ملكًا من قراءته،

فأتاجر بكلمة الحياة لدى السامعين.

جلالي النبيّ المدهشُ سرًّا (أرزًا) عن البرايا،

1570 فتحرّكت، دُهشت لأجلوها لمن يسمعني.

الكاتبُ الكارزُ عن البرايا، ملأني عجبًا،

سرى فيّ الميمر (المقال) الذي يكرز بدهشة قدرة الخالق.

وهب لي الكاتب العظيم كتابه لأهجوَ (حروفه)،

ففتحتُ وقرأتُ ودُهشت وطفتُ بين القراءات.

1575 تعلّمتُ منه أنّ العالم كان من لا شيء،

وامتلأت عجبًا بصنع القدرة الخالقة.

قرأت في التوراة كنز الأسفار فرأيتُ هناك،

غنى ونفائس ومرجانًا ثمينًا.

دخل العقلُ وقام في مخزن النبوءة،

1580 وغرف وأخذ، وجمل غنى كبيرًا، وخرج.

طلب العقل أن يؤزِّع غناه على الكثيرين،

لئلاّ تبطل فيه فضّة التجّار فلا تفيد[1].

 

أعمال الأيّام السابقة

دخلتُ أيّام موسى الستّة فرأيتُ هناك،

خلائق خلائق اصطفّت بحسب طبائعها.

1585 السماوات والأرض التي أقامها الرمزُ الخفيّ،

من لا شيء فكانت شيئًا يملأ دهشة.

النور الذي كان بكلمة فم الإله الصانع،

فقام نوّارٌ حبيب الإشراق وكثير المحاسن.

الرقيع الذي كان في وسط المياه، في اليوم الثاني،

1590 يشكّل قبّة تسكن الخليقة تحت ظلالها.

البحار المحبوسة والأرض التي أتقنت في (اليوم) الثالث،

وكلّ الأشجار والزروع التي نبتت في كلّ الأقطار،

الشمسُ والقمر والقوّات التي في الرقيع،

سرج النهار التي أتقن في (اليوم) الرابع.

1595 صُنعت خلائق خلائق في أيّام أيّام،

ليعطي مكانًا لصنع رفيقه لمّا كان[2].

 

أمر الربّ

أمر الربّ: لتُزحف المياهُ في (اليوم) الخامس،

نفسًا حيّة: الأسماك، والزحّافات والطيور أيضًا.

فأزحفت المياه حسب أمر القدرة الصانعة،

1600 فامتلأت البحار والأنهار بالزحّافات الحيّة.

قدرة الله تزوّجت المياه العاقر،

فولدت من أحشائها وأكثرت أجناسًا أجناسًا،

الأسماك بالرمز، صاغتها القدرة الصانعة،

ووهبت لها في البحار طريقًا تمشي فيها.

1605 تراقصت في كلّ معين وكثرت في المستنقعات والعيون،

فالأمرُ كان: تثمر في كلّ موضع فيه ماء.

فخرج ذلك الأمر على المياه وطالَبها،

بأن تعطي زحّافات كما أمر الربّ البحار.

طالب الأمرُ المياه الصغيرة بزحّافات صغيرة،

1610 والكثيرة، بالأسماك العظيمة والزحّافات الغليظة.

فالغمر الذي لا قياس وبلا قعر هو،

طالبه بالتنانين لتكون أيضًا عظيمة مثله.

وهكذا أثمرت كلّ المياه بحسب مقاييسها،

كما أمر الربّ، ربُّ الأنهار.

1615 مياهَ البحار الحيوانات حيوانات شديدة،

الغمرَ بكلّ التنّين المسميّة.

والرقيع المفصود (المشقوق) مياهًا، والجداول،

بزحاف حقير وأحقر من الجراد الصغير.

وحيث تُوجَد رائحة مياه ونداءة،

1620 ولَّد الأمر هناك بعض البقّ.

كان لاويتان في الرقيع الذي لا قياس له،

فهو كبير كالبحر وهو بلا قياس.

وفي ساحل البحار حيث لا تكون المياه عميقة،

الأسماك التي تصلح للصنانير والمصيدات.

1625 ومن المياه الرطبة، النديّة، البقّ أيضًا،

لئلاّ تبطل هناك قدرةُ ذاك الأمر.

هكذا أثمرت، المياه الصغيرة والمياه العظيمة،

حسب أحشائها وأولادها في تخومها[3].

 

الأسماك في المياه

ركضت في سبل البحار أسماكٌ أزحفتها المياه،

1630 وعرف الغمر الأمان بالزحّاف والحيوان.

حضنُ المياه صار بيتًا لسكّان المياه،

فحلّوا فيه كما في مقصورة امتلأت نورًا.

وضع الصانع (الإلهيّ) نسيم المياه التي تحييها،

وأسر حياة أبناء المياه داخل المياه.

1635 أتقن هناك النور والحياة والعذوبة،

وداخل البحر (اليم) سمَّن جوقة الزحّافات كلّها.

الأسماك تتنسّم المياه وتحيا في هناء،

وإن صعدت منها ماتت بمرارة.

ليس للسمك على اليابسة نسمة تحيا بها،

1640 بعد أن وضع الصانعُ حياته داخل المياه.

بقدر ما يغطس في الماء يحيا ويتجاهى،

وإذا أصعد إلى اليبس مات في العذاب.

ليس له على اليبس روح المياه المربّية،

التي وُضعت ليتنشّق منها الحياة[4].

 

1645 الشمس عودته، ونور العالم يخنقه[5]،

والشيول (مثوى الأموات) الذي له هو اليبس العلويّ إن صعد إليه.

إن أدخلوه إلى هيكل (قصر) الملك، كان له قبرَهُ،

لأنّه لا يجد الحياة إلاّ في ظلام المياه.

تنسّمه هناك، رزقه وشبعُه وغذاؤه،

1650 فيحبّ موضع ويتجاهى به ويحيا منه[6].

هكذا أتقن ذاك الصانع في المياه نسيمًا،

يحيي الأسماك، ثم سمح للأسماك بأن تثمر.

فكانت الأسماك، ونسيم المياه الذي أُسرت به،

في سبيل البحار، في موضع يخنق النازل إليه.

1655 في المياه الخانقة، طُمرت الحياة لسكّان المياه،

وأرض الأحياء لها سجنٌ مليءٌ بالموت.

 

موضع البشر وموضع الملائكة

هكذا فرش الباري لكلّ طغمة[7]،

فوضع لها هناك، في مكانها، نسيمًا تحيا منه.

نسيمنا معنا في موضعنا، في جوارنا،

1660 وإن نزلنا منه إلى البحر، خنقتنا المياه.

فوق الأرض جعل لنا الحياة حين خلقنا،

والحياة داخلَ المياه جعلها للسمك حين صنعه.

فمن نزل إلى موضع السمك وجد الموت،

كما السمك يموت أيضًا إن هو صعد إلى اليابسة.

1665 في حضن المياه وضع الصانع (الإلهيّ) حياة السمك،

وتحت الشمس حياة للبشر في موضع مكشوف.

هكذا تحيا الطغمات كلّها، كلّ واحد منها،

حيث وُضع له نسيم، هناك يحيا منه.

 

ملائكة العلاء يتنسّمون الحياة من الكائن (الإلهيّ)[8]،

1670 ومنه يرضعون كلّ يوم حياة روحيّة.

في النار يجدون المرعى، كما في مرج مليء بالندى (الطلّ)،

ويشربون الروح من الكائن ويتنسّمون الحياة.

كما يحيا (السمك) حياة عذبة في قلب البحار،

هكذا الملائكة يهنأون في لهيب (النار).

1675 هناك أسِر بالنار النسيم الذي يحييهم،

كما نسيم السمك في المياه، يا للدهشة الكبيرة!

في جوف المياه يسكن هؤلاء (السمك)، كما في قصور،

وأولئك يتنسّمون كلَّ يوم الحياة من اللهيب.

للبشر نورُ الشمس صُنع خادمًا،

1680 وتعلّقت حياتهم بين هذا الرقيع والأرض.

ونسمة الحياة هذه التي فينا هنا، تعلّقت

بذلك الهواء الذي فيه روح خادمة.

 

فالملائكة يرفعون البهاء ويشربون الجلال،

ويتنسّمون الحياة من الكائن في موضع رفيع.

1685 وفي البحار، في عمق المياه التي أثمرت، الأسماك

تحيا هناك من قوت يمنحه الإله.

طغمة طغمة حيث خلقها الربّ هناك،

جعل لها حياة وأسر نسيم الطغمة بموضعها.

في العلاء برأ الباري الملائكة وهناك يحيون.

1690 والبشر في العالم هذا وها هم يحيون فيه.

في جوف المياه الأسماك والزحّافات، وإلاّ هناك،

لا حياة لسكّان المياه من يوم (وُجدوا)[9].

 

المياه للسمك كالجنان للعروس

الجنان في المياه هناك مثل وليمة للسمك[10]،

يبتهج فيها وكلّ يوم يرقص في سبلها.

1695 ولو وُجدت سمكة اقترفت جهالة، ووُجد ديّان،

يُلقيها من جوف المياه فتصعد وتموت.

وضع الباري موت السمك فوق الماء،

وحياته في موضع يخنق من ينزل إليه.

عبابُ البحار لجوقة الأسماك ملكوت هو،

1700 والموضع الجميل المليء بالنور والهناء.

هناك تحيا، وهناك ترعى كلّ الملذّات،

هناك ترقص، وإن صعدت هناك أنتهت.

 

كما أنّ العروس تحبّ جنانها وهناك ترقص،

هكذا تفرح السمكة في المياه الكثيرة لها.

1705 فإن صعدت منها في الحال تجد قبرًا،

في موضع النور المليء بالحياة للبشر.

هكذا وزَّعت حكمة العليّ ووهبت الحياة،

لكلّ الطغمات، في أماكنها وموانئها.

أمر الصانع (الإلهيّ) بأن تثمر المياه فأثمرت،

1710 وفي جوف المياه وضع الحياة للجنس[11] كلِّه.

فالذي وضع هناك نسيم المياه للأسماك،

هو الربّ الذي يُقيتها في المياه، بين الأمواج.

 

في اليوم الخامس

في اليوم الخامس أثمرت المياه ثمرًا وأكثرت،

فاغتنت البحار بصوت الزحّافات والحيوانات.

1715 البحر هادئ، مقفر، فارغ. فنزل الأمر،

فمأه زحّافات وأجناس السمك وأمانًا عظيمًا.

كان كانبعاث لليمّ في (اليوم) الثالث،

لأنّ (اليوم) الخامس صار اليوم الثلث للبحار.

اجتمعت البحار في ذاك اليوم الثالث،

1720 وصار بحارًا، وهذا الخامس صار كالثالث[12].

 

كما الرقيع تركّب في اليوم الثاني[13]،

واكتمل في (اليوم) الرابع بالنيّرات،

فاليوم الرابع كان للرقيع (يوم) ثالث،

وبه انبعث واقتنى محاسن النيّرات كلّها.

1725 وهكذا البحار التي تجمّعت في (اليوم) الثالث،

كان اليوم الخامس لها ثالثًا حين تجمّعت.

وفي ذلك اليوم عينه، كان انبعاث للمياه لكي تثمر،

فأثمرت المياه (وساد) الأمان في (اليوم) الثالث.

والأرض أيضًا في (اليوم) الأوّل تكوّنت،

1730 وفي اليوم الثالث، أتقنت فانجلى وجهُها.

ودُعيت الأرض باسم جعله لها ربّها،

وانبعث ترابُها وأنبت في (اليوم) الثالث.

 

سرّ الابن الوحيد

سرٌّ عظيم (سرّ) انبعاث الوحيد،

تواصل في البرايا وأتقنها.

1735 وهكذا بيد ويدٍ قامت كلُّ المتقنات،

في سرّ الانبعاث الذي به تجدّدت البرايا كلّها.

ما كانت البرايا مُتقنة في اليوم الأوّل،

فأتى اليومُ الثالث وبه أُتقِنَتْ.

والرقيع كان بلا نيّرات في اليوم الثاني،

1740 فاكتمل في (اليوم) الرابع الذي كان له ثالثًا.

وهكذا البحار التي اجتمعت في (اليوم) الثالث،

كان لها في اليوم الخامس خاصّة ذاك الثالث.

ففيه أزحفت، فيه انبعثت، فيه وجود الأمان،

لأنّ سرّ الابن أمانٌ عظيم هو لكلّ البرايا.

1745 في الحال، كانت زحّافات حيّة في بحر ميت،

في اليوم الخامس، حسب أمر الإله[14].

 

في اليوم الخامس، أقام العالمَ كلَّه[15]،

بخمس حواسّ، وما نقص سوى النفس.

جسمُ العالم أُقيم في خمسة أيّام،

1750 وفي ذاك السادس، ملأ آدم مكان النفس.

أمر المياه فأفاضت الأسماك في (اليوم) الخامس،

فكان أمانٌ[16] عظيم في بحار كانت مقفرة،

اطمأنّ (اش ت ي ت) اليمّ بالأسماك والحيوانات.

مثل الرقيع بالمشس والقمر، وبالنيّرات،

1755 "لتزحف المياه نفسًا حيّة"، أمر الباري.

ومع الأمر ركضت أعمال القدرة الصانعة،

وشرعت المياه فولّدت زواحف حيّة وأثمرت.

كما أمر متقن العوالم بحكمته.

ولَّد عباب المياه السمك والحيوان،

1760 قبائل قبائل، أجناسًا أجناسًا، بأشكالها.

ما إن كان السمك حتّى أمسك طريق الأعماق،

أمّا الطيور فركبت المرتفعات وتعالت.

 

قم أيّها السامع وانظر

هنا يطلب الخبرُ عقلاً ثاقب النظر[17]،

من أجل دهشة عظيمة لمن يقول وللسامعين[18]

1765 قم الآن في عقل كبير، وتطلَّع مثل موسى،

لا لتتنبّأ، بل لتتحقّق من النبوءة،

جلا لك موسى النبيّ الأسرا: أمر الربُّ،

فأزحفت المياه زحّافات وأسماكًا، وأيضًا طيورًا.

في اليوم الخامس، قام الأمر وطلب،

1770 فوق المياه طلب منها إثمارًا كبيرًا،

فشرعت تُثمر، كما أمرها الإله،

أسماكًا للعمق، وطيورًا في ارتفاع الهواء.

 

قُمْ أنت الآن بإيمان مملوء دهشة،

وتطلّع في عباب المياه الذي ولَّد كما أُمر.

1775 تحلّق أجناس الطيور، وتصعد الجوارح،

رفوفًا رفوفًا، من جوف المياه إلى المرتفع العالي.

أجنحة جديدة طارت في الحال بدون تعليم،

أصوات جبيبة تنشد المزامير ولا من يعلّمها.

حجلٌ شادي حمامٌ ينوح، نسرٌ يصيح،

1780 وسنونو شرع حالاً في الصداح.

طاووس يتدلَّل بجناحيه، ويبيّن حسنَه،

باشق شديد، وعصفور يخاف فيهرب منه.

والحدأة الخاطفة لا تختلط مع الطيور،

حيث تمسّكت الأجناس بعوائدها وأشكالها[19].

 

1785 هذه الأجناس[20] كانت كما كوَّنها،

خلقها ففعلت كما تكوّنت.

في طبيعتها طمر العلم حين خلقها،

ومنه تتحرّك بحسب الحكمة الموجودة فيها.

وهب المعرفة اللامحتاجة إلى "رابّي" (معلّم)،

1790 وفي الطبيعة عينها وُجدت الإفادة المطلوبة لها.

من علّم السمكة أن تسبح بين الأمواج،

والطير أن يحلّق في الهواء المرتفع؟

أو من يقدر أن يتعلّم فيطير في الهواء،

أو من يستطيع أن يبحث فيقيم في المياه؟

1795 الطبيعة أكثر حكمة من الكتبة ومن المعلّمين (رب ن ي)،

وفيها طُمرت كلّ المعارف للأجناس الموجودة[21].

 

نظرات حول الطيور

هذا الصانع أتقن الأجنحة والريش،

وإذ تتحرّك تجري في الطريق فوق الهواء،

لا يطلب الطير أن يطير أو لا يطير،

1800 ولكن هكذا (جعله) الباري يطير حين برأه،

وهذه الأجنحة هكذا أتقنها الصانعُ الإلهيّ فجعلها،

لتدوس وفق الهواء كما على جسم (جامد).

خلقها من المياه مع أنّ المياه ثقيلة جدًّا،

ولكنّها خفيفة بأجنحة وهبها لها حين خلقها[22].

 

1805 وهذه الأصوات وهذه الألحاف لدى كلّ الطيور،

ما تقبّلتها من السمع ولا تعلّمتها لتنشدها (مزامير).

الطبيعةُ حرّكتها لتعطي أصواتًا كما كُوِّنت،

وهي لا تعرف أنّها حسنة أو ليست حسنة.

كما كوّنت، هي تغرّد وترقص وتطير في الهواء،

1810 وهكذا تستعذب أصواتَها كلُّ الأجناس.

ما إن طارت من جوف المياه حتّى أنشدت،

فاستعذب جنسٌ وجنس بالصوت الذي وُهب له.

أنصِتْ أنت الآن كما لو أنّك قائمٌ هناك،

واسمع صوت مزماراتهم المنشدة.

1815 أصوات حسنة لدى الحجول والسنونات،

واليمامات والبلبل المنشد كالقيثارة.

والقوق الذي طار ورمى لرفاقه الأصوات الحلوة،

فأنشدت كلّها كالكنّارات فوق البحار.

كثرت الرفوف واختلطت أصوات هذا بذاك،

1820 فمن لا يدهش بلحن أناشيدها الحلوة؟

 

وبهذه الألوان التي جاءت كمعطف على أجنحتها[23]،

وبهذه المحاسن التي لبستها حين صعدت من الماء.

صباحٌ مذهَّبٌ ورفيقُه صُبغ بالقرمز،

ولون آخر ثمين وجميل كالسمانجونيّ.

1825 كالأرجوان، كالأبيض والأسود،

جعلها الصانع الإلهيّ بأجنحة وأجنحة بألوان وألوان.

ألبسها، لوّنها، زيّنها،

وطيّرها في تبدّلات الألوان المدهشة.

مثل الزهور في لباسها ومثل السوسن،

1830 لبس الطيرُ الألوان من جوف المياه.

صاغ الصانعُ القدير أجنحة، وصبغها وصوّر،

لجنس الطير أحسن الصور.

منها من لبس لونَ الورد والزهر،

ومنها لونًا آخر، (لون) الحجارة الكريمة.

1835 بكلّ حلية، وبكلّ صورة، وبكلّ زينة،

طيّرها من جوف المياه إلى المرتفع العالي.

 

عرف الأمانَ ذاك الموضعُ الذي تحت الشمس،

لأنّه كان فارغًا ولم يكن مكانٌ ليسكن فيه.

من جوف المياه تحرّكت رفوف الطير وصعدت،

1840 وحلّقت فوق الأرض فكان أمان في الهواء المقفر.

والمكان الفارغ فوق الأرض وتحت الشمس،

كانت فيه جموع عرفت الأمان في طيرانها.

حين يلتقي رفٌّ برفّ وجنس بجنس،

الحجول والحمامات والسنونوات هناك بالعصافير،

1845 طارت فوق الهواء وملأته أمانًا بعد أن كان مقفرًا.

واقتنى السكّان موضعًا كافيًا يدورون فيه[24].

 

عناية الله الشاملة

كلّ الأجناس طارت من جوف الماء وارتفعت[25]،

وتعالى واحدٌ واحدٌ منها كما استطاع.

بقدر ما الصانع الإلهيّ وضع في الجناح قوّة الطيران،

1850 صعد وتعالى وبلغ حدوده وعاد فنزل.

طار النسرُ وصعد إلى الهواء المرتفع، وأكثرَ،

وعبَر فوق الطيور كلّها حين تعالى.

وصعد كلُّ طير بقدر جناحه الخفيف،

وعاد فنزل رفوفًا سكنت الأرض وزيّنتها.

1855 وجدَتْ ما التقطت على الأرض من طعام،

أعِدَّ من أجلها قبل أن تكون.

أمرَ الربُّ الأرض بأن تُخرج في (اليوم) الثالث،

ثمّ أمر المياه تُثمر في (اليوم) الخامس.

أنشأ مائدة في الجبال، ورتّبها وملأها،

1860 بكلّ الزروع، بكلّ الجذور، بكلّ الأعشاب.

ودعا الطير الذي صنعه إلى الوليمة،

فنزل وتنعَّم بما هُنّئ له بإتقان.

سكنتْ على الجبال وفوفٌ من كلّ الطيور وأجناس،

فوجدت ما تلتقطه بلا همّ، وقد أعدَّ لها.

1865 ومنذ ذلك اليوم، لا تهتمُّ بأكلها اليوميّ،

كلُّ الطيور، بسبب القوت الذي أعدَّ لها.

سكنت، لقطت، أ:لت، شبعت، رقصت، طارت،

فابتهجت الجهات (الأربع) بالتغاريد والألحان المحبوبة.

 

فالباري يُقيت هكذا كلَّ براياه،

1870 بالغذاء والقوت اللذين يصلحان لها[26].

ما أن يصوِّر الجنين ويصنعه في حشا أمّه،

يصوِّر له الحليب في الثدي يستقبله حين تلده.

وما إن يربو ويصير صبيًّا فيطلب الخبز،

تربو سنبلةُ خبزِه في الحقل لمن يهتمّ بالجميع.

1875 فمن العدالة أن لا يخلق إن كان لا يُقيت،

ولأنّه خلق، اهتمَّ كلَّ يوم بأن يُقيت خليقته.

للأسماك طعام، والطير المجنَّح لقاطة،

وللبشر أطعمة تتميّز بأشكالها.

 

جمال اليوم الخامس

ما أحسن ما كان اليوم الخامس فملأنا دهشة!

1880 حين رعت الرفوف على الجبال والمرتفعات.

التقطت، بذرت، غرّدت في كلّ الجهات، رقصت،

فاغتنى الهواء بأناشيدها وبأصواتها،

وبأجنحتها وصُوَرها مع المحاسن،

وبتغاريدها وبأنغامها المحبوبة.

1885 واختلطت ألوان الطير بزهور نيسان،

وجمال الأجنحة مع جمال السوسن.

وتزيَّن الشهرُ البهيج بكلّ الأزهار،

والطير المحبوب بلون الأجنحة التي ارتداها.

ونمَّر الطاووس بحسن ريشه،

1890 مع السوسنة التي تسمو ألوانها على ما للآخرين.

وبيّن الوردُ لونه، والحجلُ جناحيه:

هذا حسن، وذاك جميل، ومن يشبع.

من رؤية الجمالات وسماع الأصوات وتعداد الرفوف،

والتقاط الأزهار والدهشة بالروائح والألوان.

1895 ابتهج اليبسُ بالطير، والهواءُ كلّه،

واغتنى اليمّ بجنس الأسماك والحيوانات.

فرحت السمكة في عمق اليمّ الذي أرسلت إليه.

ورقص النسر مرتفعًا في الهواء الذي تعالى نحوه،

وهو أسير حبِّ مكانه العظيم وبه يتجاهى،

1900 ويحيا ويبتهج، وإن أخرجوه منه مات[27].

 

الطير في الهواء كالأرض المعلَّقة بلا شيء

أنظر إلى الطير حين يبسط (جناحيه) ويهدأ في الهواء[28]،

وريشة مفروش وهو قائم على لا شيء.

ليس هو بثقيل على هذا اللاشيء الذي عليه وُضع،

لكنّه جناحه استقرّ وارتاح كما على شيء.

1905 بُسطت رجلاه وجناحاه وقام هناك،

والموضع الفارغ الذي يستريح فيه مثل الأرض.

وإذ هو لا يستند ولا يسكن، فيتعلّق بالهواء،

يصوِّر شبه الأرض المعلَّقة على لا شيء.

قوّة اللاهوت الخفيّة هي الشيء،

1910 الذي به تتعلّق كلّ البرايا وتتمسّك.

هي وهبت الحياة لجنس الأسماك في سبيل البحار،

والطير وهبته جناحًا ليسبح في الهواء.

كلّ هذه تنتظره، كما كُتب،

لأنّه يهب كلّ مأكل الطغمات كلّها.

1915 يقيت الأسماك قُوّتَها في جوف البحار،

وبلا همّ يطعم الطيور والجوارح.

 

بأمر واحد من عباب المياه الواحدة، الأجناسَ،

أثمر رمزه وبها جعل الأمان في الأماكن:

اليمّ بالأسماك، والهواء كلّه بالطيور،

1920 وكان مساء وكان صباح (يوم) خامس.

 



[1] مت 25: 27. ذاك كان قول السيّد للخادم الشرّير الكسلان: "وجب عليك أن تضع قضّتي (ك س ف ي) على مائدة الصيارفة.

[2] كشف موسى النبيّ أسرار الخلق، فأحسستُ (أنا يعقوب) باندفاع لكي أفسّرها لمن يريد أن يسمع. تعلّمت بكتاب المعلّم الكبير أنّ العالم أتى من لا شيء. دخل عقلي إلى معبد النبوءات فاكتشف الكنوز التي أراد أن يوزّعها على السامعين. رأيت في "الهكساميرون"، أي أيّام الخلق الستّة. كيف تربّت البرايا، الخلائق في نظام طبيعيّ: السماء، الأرض، النور، الرقيع (الجلد أو الفلك)، البحار، الأشجار، الشمس والقمر وسائر القوّات.

[3] أمر الربّ فأطاعت الأمرَ الزحّافات والطيور. وكان "زواج" بين القدرة الإلهيّة والمياه العاقر، ففاضت الأسماك. وطالب الربّ المياه بأن تلد. المياه الصغيرة تلد الصغير، والمياه الكبيرة ولدت التنانين، ولاويتان. في مز 104: 26 نقرأ: "لاويتان الذي خلقته (يا ربّ) لتلعب معه". وما نسيَ الربّ حتّى البقّ حيث الرطوبة والنداوة. فامتلأ الغمر بالكائنات الحيّة، وأخذ السمك طريقه في البحار (مز 8: 9).

[4] الماء موضع السماء، فإن خرج منه مات. وهو النسيم الذي يتنشّق منه الحياة. يغطس في الماء، وينزل عميقًا فيحيا. يخرجونه فيموت.

[5] الشمس عدوّة السمك والنور يقتله. لهذا ينزل إلى الأعماق. وقصر الملك هو قبر السمك. هذا يعني أنّ الفقراء لم يكونوا ليأكلوا السمك، الذي كان غالي الثمن، على ما يبدو، بعد أن حصر وجود السمك في قصر الملك.

[6] نلاحظ عقليّة العائش بعيدًا عن البحر، والمتشرّب من روح بلاد الرافدين كما ظهرت في العهد القديم. المياه هي الشرّ. ومع ذلك، هي خير للسمك وفخر له: هناك يتنفّس، يأكل، يبع، يرتاح.

[7] المياه "الخانقة، قاتلة" للإنسان. ولكنّها تحمل الحياة للسمك. فالربّ خلق لكلّ كائن موضعه. الأرض للبشر، والملائكة في اللهيب مثل السرافيم الذين يدلّون على الله، النار الجارفة.

[8] بعد البشر، يأتي الملائكة. فهم موضع روحيّ، لأنّهم أرواح يقيمون بجانب العرش الإلهيّ. ويدلّون عليه بحضورهم.

[9] حدِّد موضع للسمك. ولنا نحن البشر، وللملائكة أيضًا. هؤلاء يتنسّمون النور ويستقون حياتهم كلّها من كيان الله (ا ي ت و ت ا). يقتاتون النار وكأنّها عشب غطّاه الندى، ويشربون من روح الله يتنشّقون منه. وهكذا منع الباري الحياة والنسمة لكلّ نوع من الخلائق، وجعله في الموضوع المهيَّأ له مع ما يلائمه. ولو وُجدت سمكة اقترفت ذنبًا، ووُجد ديذان في المياه، لأخرجت من الماء إلى أن تموت.

[10] إن كان الإنسان يخاف من الماء، لأنّه فيه يغرق ويختنق، فالسمك يفرح كما العروس تفرح حين تكون في جنانها. في خدرها، مرتاحة سعيدة. كلّ هذا يدهش المؤمن المتأمّل والسامع.

[11] لا للجنس البشريّ وحده، بل لكلّ نوع من المخلوقات.

[12] هذا اليوم الخامس حيث أخرجت المياهُ الأسماك، كان بالنسبة إليها انبعاثًا وقيامة من الموت، في اليوم الثالث، بعد أن اجتمعت في المياه.

[13] كانت المياه فارغة فامتلأت بالسمك، والرقيع الذي تكوّن في اليوم الثاني، ثمّ في اليوم الرابع حين انضمّت إليها النيّرات.

[14] بالابن خُلق كلّ شيء، وبدونه ما كان شيء ممّا كان. هذا ما قاله يوحنّا في بداية إنجيله. وهنا، كانت حركة، فجاء الابن فوضع الأمان والراحة والاطمئنان للخليقة كلّها. والكلام عن اليوم الثالث أكثر من مرّة، يعطي رنّة مسيحيّة لهذا المقطع. فهو يحيلنا إلى سرّ قيامة الابن الوحيد الذي به تجدّد كلّ شيء.

[15] وشبّه السروجيّ العالم الذي خلقه الله، بجسم يمتلك الحواسّ الخمس، فلا ينقصه سوى النفس. خُلق هذا "الجسم" في خمسة أيّام، وفي اليوم السادس يُخلق آدم، فيكون بالنسبة إلى الخليقة ما هي النفس بالنسبة إلى الحواسّ.

[16] ش ي ن ا. أكثر من مرّة ورد الاسم. ثمّ الفعل "ا ش ت ي ن"، صار أمان. تلك كانت حالة الخليقة قبل الخطيئة. هي تعيش في أمان، لا سيّما وأنّ أكل اللحم كان ممنوعًا، بحيث يقتات الوحش العشب مثل الثور والغنم.

[17] ويأتي النداء إلى السامع ليشعل العقل، فيكتشف بإيمان عظمة الخليقة وما فيها من مدهشات. فهي تتكلّم، مثل أحد المعلّمين (ر ب ن ي).

[18] ا م و ر ا. ذاك الذي يتكلّم. هو لا يحعل نفسه خارج الجمعة وكأنّه لا يحتاج إلى نظرة إيمان. بل مع السامعين. فالجميع مدعوّون إلى الشعوب أمام عمل الخالق.

[19] أمر الربّ فنفِّذ الأمر وتمَّ العمل. تكوّن السماء فنزل إلى العمق، والطير نصعد إلى العلاء. وفي الوقت عينه، حلّقت الطيور وما علّمها أحد، وأنشدت وصدحت من دون "رابّي". وسار كلّ طير بحسب عادته وغريزته: الحجل، النسر...

[20] أخفى البار في طبيعتها ما تحتاج إليه. فمن يعلّمها؟ وندهش حين نرى الطيور تخرج من الماء. هي ثقيلة مثل كلّ الأشياء، ولكنّها صارت خفيفة، سريعة، يفضل الأجنحة التي نالتها حين خُلقت.

[21] الطبيعة في داخل كلّ مخلوق. الطير يطير لأنّ الربّ خلقه هكذا. وكذا نقول عن السمك الذي يسبح. فإن تعلذم الكلب لا يقدر أن يطير، مهما كثر علمه.

[22] ليس الطائر حرًّا في أن يطير أو لا يطير. فهو في طبيعته يطير، وهذه الطبيعة خلقها الله له.

[23] من علّم الطير أن يطير ويخلق؟ لا أحد. بل الطيران جزء من طبيعته. ومن جعل هذه الألوان الجميلة فيها؟ الله الذي يلبس زنابق الحقل لباسًا لم يصل إليه سليمان في كلّ مجده (مت 6: 9).

[24] ما إن طارت الطيور من الماء حتّى أخذت تغرّد، وأنشد كلُّ سرب لحنًا خاصًّا به، فكوّنت أصواتُها حفلة موسيقيّة (الحجل، السنونو...). من لا يدهش من جمال أصواتها وتنوّع ألوانها الشبيهة بالزنور والحجارة الكريمة؟ حضورُها ملأ الفراغ الذي تحت الشمس. طارت وحلّقت قدر ما استطاعت، ثمّ عادت إلى الأرض.

[25] على الأرض وجد الطير الطعام المهيَّأ له في اليوم الثالث، وذلك قبل أن يُخلق لهذا، هم لا يهتمّون بما يأكلون ولا بما يشربون (مت 6: 25) منذ ذلك اليوم فالله يعتني بجميع خلائقه. فما أن يتكوّن الطفل في حشا أمّه، يُهيَّأ له الحليب (اللبن) طعامًا. وحين يكبر يكون له الخبز طعامًا من سنابل الحقل.

[26] جاء التشبيه بين الجنين الذي في بطن أمّه. يُعدّ له الحليب قبل أن يولَد. وبين الطير الذي هُيّئ طعامه قبل أن يتكوّن.

[27] توقّف السروجيّ عند اليوم الخامس وما فيه من حسن وجمال. ألوان العصافير وألوان الزهور. فالطاووس تجاه السوسن وسائر الزهور. لا تشبع العين، كما لا تشبع الأذن من سماع الأصوات الحلوة والأنغام.

[28] وكان تشبيه في نهاية هذا المقال حول اليوم الخامس. الطير يحلّق في الهواء ولا شيء يُسنده "سوى قدرة الله" والأرض معلَّقة باللاشيء. فالقدرة الإلهيّة تثبّتها مكانها مع ساكنيها. لقد أعطى الله السمك أن يعيش في المياه، والطير أجنحة يسبح بها في الهواء. فالجميع ينتظرونه كما قال مز 104: 27، لأنّه يعطي الجميع طعامهم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM