المرأة في العهد القديم

المرأة في العهد القديم
إنّ دراسة موضوع المرأة في الكتاب المقدّس يحتّم علينا البحث عن فكر الله الأصيل والتمييز بين ما هو عابر وتقاليد وعادات شعب العهد القديم وأبناء الكنيسة الأولى من جهة وبين المثال الذي يقدّمه الله إلى البشرية من جهة أخرى. ومن الضرورة بمكان أن نتتبع الموضوع في كل الكتاب المقدّس ولا نتوقّف عند نصّ معين دون الباقي. فالمثال الذي يفصح عنه الله لا يتحقّق إلا في الأزمنة الأخيرة المتمثّلة في إنجيل ربّنا يسوع المسيح. وبالطبع ننطلق من وحدة الكتاب المقدّس من حيث أنه ملهم من الروح القدس والله هو المؤلّف الأول للعهدين القديم والجديد، وأعطاه للكنيسة كتاباً مقدّساً. ولكي نعطي حقّ قدرها، لا ننسى دور الكتاب الملهم في الكتاب المقدّس وهو ينتمي إلى مكان وزمان معينين.
من هذا المنطلق وُجب علينا أن نقسم البحث إلى قسمين، في القسم الأول نستعرض الوضع الشرعي والواقعي للمرأة في عالم الكتاب المقدّس عبر التاريخ، وفي القسم الثاني نتوقّف عند المعطيات اللاهوتية الأساسية في العهد القديم.
أولاً: الوضع الشرعي والواقعي للمرأة
لا تختلف عقلية عالم البيبليا عن عقلية العالم القديم إجمالاً بما يخصّ تفوق الرجل على المرأة حتى ولو لم يكن هناك من تمييز أكيد وواضح لهذا المبدأ عند شعب العهد القديم.
1- في القطاع العائلي
أ- العائلة الأبويّة
العائلة في العهد القديم كانت قبلية، تتطلّب أن تكون المرأة من قبيلة الرجل حتى لا تكون متطفلة. فالزواج من امرأة غريبة كان مقبولاً لأنه كان يُعتبر خطراً على الايمان والأخلاق اليهوي (راجع قضاة 3: 6؛ 1 ملوك 11: 1- 8؛ 16: 31- 32؛ خروج 34: 16؛ تثنية 7: 3-4).
يحتّم الطابع الأبويّ للعايلة أن يبقى النسل حسب الخطّ الذكوريّ وليس حسب الخط الأنثوي. والأبناء الذكور، حتى بعد الزواج، يبقون مع زوجاتهم وأبنائهم، في البيت الأبويّ. ويبقى جميعهم تحت سلطة الأب: الزوجة أو الزوجات، الأبناء الغير متزوّجون والمتزوجون مع زوجاتهم وأبناءهم.
ب- تعدّد الزوجات والمساكنة من غير زواج
ما يقوّي أولويّة الرجل في المجتمع هو تعدّد الزوجات الذي كان محدوداً في عصر الآباء (كان ليعقوب زوجتان، راحيل ولَيئة: تكوين 2: 21- 30؛ وكان لعيسو ثلاثة: تكوين 26: 34؛ 28: 9) بينما تكثّف في زمن القضاة والملوك.
كبر أم صغر عدد النساء في بيت الحريم، كان علامة رفاهيّة اجتماعية واقتصاديّة، مما يسيء إلى حقوق المرأة ويضرّ الحبّ الزوجيّ والسلام العائلي، فاتحاً المجال للحسد والخصومة بين الزوجات المتعدّدات (تكوين 16: 4- 5؛ 29: 30- 30: 24؛ صموئيل 1).
منذ القرن السادس ق م. ينتشر أكثر فأكثر نظام الزواج بامرأة واحدة. ويسوع ينهي بشكل واضح ونهائي نظام تعدد الزوجات: كل من طلّق امرأته وتزوّج غيرها فقد زنى، ومن تزوّج التي طلّقها زوجها فقد زنى" (لوقا 16: 18). في مجتمع يقبل بنظام تعدد الزوجات، من المستحيل أن يُقال في الذي تزوّج أنه زنى عندما يتّخذ له زوجة ثانية.
تعدّد الزوجات يعطي المجال لمساكنة من غير زواج، يكون سببها إيجاد النسل. في هذه الحال غالباً ما تسمح الزوجة نفسها بالمساكنة وتكون هذه خادمتها التي لا يحق لها أي علاقة زوجية مع رجل آخر (راجع تكوين 16).
ت- الطلاق
هناك ظلم آخر للمرأة في عائلة العهد القديم وفي زمن العهد الجديد ألا وهو الطلاق الذي يحقّ للرجل وحده إقراره. الكتب التاريخيّة لاتعكي أي مثل واضح عن طلاق حقيقي. التشريع اليهودي يفترض استعمال الطلاق (أحبار 21: 7؛ 14؛ 22: 13؛ عدد 30: 10). يمنع تثنية الاشتراع الطلاق في حالتين (تثنية 22: 12- 19 و22: 13). تثنية 24: 1- 4 يُمنع الذي طلّق زوجته أن يتزوّج منها ثانية إذا بدورها تزوجت من أحدهم وهذا الأخير طلّقها أو توفي. لا تتوفّر المعلومات عن انتشار عادة الطلاق لدى اليهود. ولكن الآية الواردة في تثنية 24: 1: "إذا اتخذ رجل امرأة وتزوجها، ثم لم تنل حظوة في عينيه، لأمر غير لائق وجده فيها، فليكتب إليها كتاب طلاق ويسلّمها إياه ويصرفها من بيته"، هذه الآية أفسحت المجال لتفاسير عديدة لدى علماء الشريعة في زمن العهد الجديد. بالنسبة لشاماي: خلاعة أو أخلاق غير سليمة، بالنسبة لهلّل مجرّد طبخة محروقة؛ بالنسبة لعقيبا: إذا وجد الرجل امرأة أجمل من زوجته. وبما أن البنين يبقون في البيت الأبوي، يحرم الطلاق المرأة مع أبنائها وطبعاً من حبّ زوجها الدائم. هنا يجدر بالذكر النبي ملاخيا الذي ينفرد بتنديد الطلاق، ونبوءته ترجع إلى القرن الخامس ق م. ولما أتى يسوع أعلن بسلطته الالهية عدم انحلال الزواج (لو 16: 18)، لأن ما جمعه الله فلا يفرقه الانسان" (مرقس 10: 9).
ث- الزنى
(أحبار 20: 10 وتثنية 22: 22). يعتبر الزنى إساءة إلى حقّ زوج على زوجته أو خطيب على خطيبته. يزني الرجل، لا فرق إن كان متزوجاً أو أعزباً، عندما يبني علاقة مع امرأة مخطوبة أو متزوجة. تكون المرأة المخطوبة أو المتزوجة زانية عندما تبني علاقة مع أي رجل، متزوجاً أو أعزباً. مما يعني أن الأمانة في الحبّ الزوجي مطلوبة تقريباً فقط من المرأة. وإذا كان من شك في الزنى هناك تشريع يخصّ الاختصاص من المرأة وليس الرجل من الرجل (عدد 5: 11- 31). ولكن يسوع سوف يعلّم أن الأمانة تلزم الزوج والزوجة على السواء: "من طلّق امرأته وتزوّج غيرها فقد زنى عليها. وإن طلّقت المرأة زوجها وتزوّجت غيره فقد زنت" (مرقس 10: 11).
تعدد الزوجات والمساكنة الشرعية والطلاق والمفهوم الخاص للزنى هو أمورتبرّر على أساس الأولويّة المطلقة لحقوق العائلة والنسل على الحقوق الفردية. لذلك كانت النساء تُحرم من الإرث حتى لا تتقلّص أملاك العائلة تدريجياً مع انتساب المرأة إلى عائلة مختلفة. ولذلك أيضاً كان الأب يتدخّل بسلطته عند اختيار العريس لعروسه، كما تبرّر هذه الأمور شريعة أخي الزوج (تثنية 25: 5- 10).
ج- الحبّ قبل وخلال الزواج
ولكن رغم كل ما ذكرناه من عقلية قبلية لدينا أمثال في الكتاب المقدّس عن حبّ حقيقي يسبق الزواج ويهيأ له. لدينا مثل وحيد عن مبادرة امرأة في الحبّ وهو ما يُذكر عن مكيال، ابنة شاوول التي "أحبّت داوود" (1 صموئيل 18: 20). كما أحبتّه بعد الزواج (18: 28) وخلّصته من الموت (19: 11- 17). بالنسبة للرجل ترد المبادرة في عدة أمثال من الكتاب المقدّس. هكذا مثلاً بالنسبة ليعقوب الذي أحبّ راحيل ابنة خاله (تكوين 29: 17- 19)، فيقبل أن يخدم أباها لابان سبع سنوات للزواج منها، "وكانت هذه كأيام قليلة من حبّته لها" (تكوين 2: 20)؛ وبعد خدعه لابان له يقبل أن يخدمه سبع سنوات أخرى للزواج منها (تكوين 29: 27- 28). وهذه قصّة طوبيا الذي أحبّ سارة، حباً شديداً، وهي من نسل ابيه، وعلق بها قلبه (راجعطوبيا 6: 19). وهناك أمثلة عديدة عن حبّ يدوم بعد الزواج أيضاً: إسحق أحبّ امرأته رفقة (تكوين 24: 67) وألقانا الذي أحبّ حنّة رغم أنها لم تلد له أبناء وكان يعزّيها هو بنفسه قائلاً: "يا حنّة، ومالك باكية ومالك لا تأكلين، ولماذا يكتب قلبك.؟ ألست أنا خيراً من عشرة بنين؟" (1 صموئيل 8).
2- في القطاع الاجتماعي
لا يتغيّر الوضع بالنسبة إلى المرأة إذا انتقلنا من المجال العائلي إلى المجال الاجتماعي. تبقى قاصرة تحت وصاية الأب أو الزوج الذي يحق له أن يقبل وأن ينقض نذورها كما يتبيّن لنا في عدد 30: 4- 17.
في الحقبات القديمة كان للمرأة بعض الحرية الاجتماعية. تخرج من البيت دون غطاء على رأسها، تتكلّم مع الرجال في المجتمع، تذهب لستقي الماء من البئر، تقود الخراف إلى بئر لتشرب، وتلتقط السنابل وراء الحصادين (راجع سفر راعوت).
في الفترة اليونانية والرومانية تتغيّر الأمور لتصبح المرأة أكثر انغلاقاً، خاصة بين عامة الناس. لا يسمح لها الخروج بدون غطاء على الرأس وأن تتكلّم مع أي كان في الشارع (كتوبوت 7: 6). لا تستطيع أن تذهب إلى المدرسة للتعلّم ولا للتعليم (سوتاه 3: 4).
ولكن يجدر بالذكر الكثير من النساء اللواتي لعبن دوراً مهماً، سلباً أو إيجاباً، في تاريخ الخلاص. مريم النبيّة، أخت هارون، تنشد للرب وت}لّف جوقة مع النساء للترتيل والرقص (خروج 15: 20- 21). دبوّرة النبيّة، زوجة لفيدوت، كانت تقضي لشعبها مثل باقي القضاة (قضاة 4). يقومون بدور سلبي ضدّ عبادة الربّ مثل إيزابيل زوجة أحاب (1 ملوك 16: 29- 34) وعتليا زوجة زوجة يورام وأم أحزيا (راجع 2 ملوك 11). وفي المقابل لدينا يهوديت وإستر بطلتين لعبتا دوراً مهماً لخلاص الشعب في روايات حكمية.
ومن خلال هذا الاستعراض السريع لوضع المرأة نستنتج أن المجتمع بسبب بنيته الأبوية ترك المرأة في مستوى أدنى بالنسبة للرجل. وفي خضم هذه الرؤية الاجتماعية يطلّ علينا نور الوحي الالهي ليعطينا المفهوم اللاهوتي للانسان وبالتالي للمرأة.
ثانيا: النظرة اللاهوتية للمرأة في العهد القديم
في دراسة هذا الموضوع البيبلي، كما في كل المواضيع، لا يمكن أن ننسى تعليم الكنيسة. العهد القديم له دور تربوي بالنسبة للمسيحي رغم نقص الكمال فيه وصفته التحضيرية للعهد الجديد. كما علينا أن نأخذ الكتاب المقدّس كوحدة فلا نقرأ النصوص دون وضعها في المسار الخلاصي ومركزه المسيح.
1- "على صورة الله كمثاله" (تكوين 1: 27)
خلق الله الانسان (الآدم) ذكراً وانثى. النصّ واضح بالنسبة إلى مساواة الرجل والمرأة في مخطّط الخالق. هذا ما أراده الله والوضع لا يتغيّر إلا بعد الخطيئة. الانسان، ذكر وأنثى، خُلق على صورة الله حتى إذا ما عاش في شركة وحوار معه، مثّل سيادته على كلّ المخلوقات. من الجدير بالذكر أن رواية الخلق الأولى تذكر الفرق على المستوى الجنسي لا الاجتماعي فلا تقول إن الله خلق الرجل والمرأة بل خلقهما ذكراً وأنثى، بحيث أن الازدواجية الجنسية هي في جوهر "الأدم". وبما أن الله خلق الانسان باختلافه الجنسيّ نستطيع أن نستنتج المساواة التامة بين الرجل والمرأة من حيث الكرامة. المرأة مثل الرجل لها دور سياديّ تجاه سائر المخلوقات خلق الآدم، ذكراً وانثى، على صورة الله، لذلك هناك مساواة في الدعوة والرسالة بين الرجل والمرأة.
2- "بنى من ضلعه" (تكوين 2: 22)
ينفرد هذا النصّ في الكتاب المقدّس، لا بل يبدو أنه الوحيد من نوعه مقارنة مع الأدب المشرقيّ القديم، في رواية أصل المرأة. الكاتب الملهم يشدّد على كرامة المرأة من خلال سياق النصّ في مراحل ثلاثة. أولاً عندما يفكّر الربّ الإله أنه لا يحسن أن يكون الانسان وحده (2: 18)، ثانياً عند مرور الحيوانات أمام الانسان دون الوصول إلى الغاية المرجوة (2: 19- 20)، وأخيراً خلق المرأة. الانسان، الرجل والمرأة، هو بطبيعته أعلى من الحيوانات. أما المساواة في الطبيعة والكرامة فيعلّمها الكاتب المقدّس من خلال "بناء" المرأة من ضلع رجل. وبهذا يريد أن يفسّر التجاذب الجنسيّ وعنى كلمة "إيشه" (مرأة) من المصدر "إيش" (رجل).
4- "فلأصنعنّ له عوناً يناسبه" (تكوين 2: 18)
في الرواية الأولى للخلق رأى الله أنّ ما صنعه هو حسن. في تكوين 21: 8 يقول الله أنه لا يحسن أن يكون الانسان وحده. على الانسان أن يحيا في مجتمع يناسبه. والجماعة الأساسية هي العائلة. الرجل وحده ناقص، يحتاج لأن يكمّل ذاته من خلال المرأة، فهي "عون يناسبه". وكذلك المرأة تبقى ناقصة ولا تكتمل إلا بالرجل. التعليم اللاهوتي للنص يريد أن يبيّن أيضاً معنى الزواج إذ "يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته، فيصيران جسداً واحداً". هكذا يكون لدينا شركة بين كائنين متساويين بالطبيعة والكرامة ويعرف كل منهما أن اختلاف الآخر يغنيه ويكمّله. في الزواج يحقّق الرجل ذاته من خلال المرأة وكذلك المرأة أمام الرجل.
5- "وعرفا أنهما عريانان" (تكوين 3: 7)
لا يجب أن ننسى الطابع الحكمي واللاهوتي للنصّ الذي من خلاله يريد الكاتب الملهم تفسير أصل الواقع المعاش وطبيعة الأمور. هناك خطيئة ارتكبت في البدايات من قبل الابوين الاولين. موضوع الخطيئة هو محاولة معرفة الخير والشر بدون الله. فصار لهما الخير شراً والشر خيراً. وبهذا فقدا السعادة باستقلالهما عن الله واحتلّ الواحد منهما مكان الله في حياة الآخر، ذلك الذي بمحبتّه وهب الواحد للآخر وكان حجر أساس لاتحادهما. أما نتيجة ذلك الخطأ الفادح هو فقدان السعادة والانسجام والسلام مع الله ومع الذات ومع الشريك: "فعرفا أنهما عريانان" (تكوين 3: 7). وبدل السلام والمحبة بين الشريكين حلّ التسلّط الأنانيّ على الآخر وسيادة القويّ على الضعيف: "إلى رجلك تنقاد أشواقك وهو يسودك" (تكوين 3: 16).
6- "وأخطبك إلى الأبد" (هوشع 2: 21)
في البدتيتن رسم الله للبشر مثالاً زوجياً وجاءت الخطيئة لتشوّهه. هع وبعده إرميا وحزقيال وأشعيا الثالث يطرحون مثالاً آخر كنموذج أصليّ يفوق الأول بكثير، بطله الربّ الاله ولا يصير إلى كماله إلا في آخر الأزمنة. انه رمز الخطوبة الذي يصوّر علاقة الربّ بشعبه من خلال الواقع الزواجيّ.
بالمقارنة مع صورة العهد، يحمل الرمز الزواجي بين الرب وشعبه بعد الحبّ والحنان في الواقع كأنه محصور بالشرعية القانونيّة. إنه حبّ الزوج الذي يبحث عن العطاء بدل الأخذ. حبّ جيّاش حتى البطولة التي تعرف الغفران والأمانة رغم كلّ الصعوبات. وبالمقابل الزوجة التي تمثّل اسرائيل، هي ضعيفة وتقع بسهولة في تجربة الخيانة. وفي نهاية الأمر يحمل هذا الرمز معنى الحبّ الذي لا يصل إلى غايته إلا بالمصالحة والعلاقة الشخصية التي لا تُحدّ.
الرمز الزواجي لدى الأنبياء ومضمونه علاقة الربّ بشعبه ومن خلاله بالبشرية جمعاء، لابدّ إلا أن يوحي بالاحترام الكبير الذي يكنّه شعب العهد القديم للمرأة. وهذا ما نتأكد منه في صورة صهيون التي تتمخّض حتى تلد بينها (أشعيا 66: 7)، صهيون والدة الأمم: "كلّ إنسان وُلد فيها" (مزمور 87: 5). لذلك تزداد شخصية المرأة تقديراً من خلال تشخيص الحكمة مثل امرأة (حكمة 8: 1- 9 وسيراخ 24). هذا ما يتّضح لنا بنوع خاص عندما تُعطى صورة الأم إلى الربّ نفسه:
"أتنسى المرأة رضيعها
فلا ترحم ابن بطنها؟
حتى ولو نسيت النساء
فأنا لا أنساك" (أشعيا 49: 15).
(راجع اشعيا 66: 13؛ مزمور 131: 2؛ سيراخ 4: 10).
7- "حلدة النبية" (2 ملوك 22: 14)
رغم استثنائهم من الكهنوت، لا تعيش المرأة على هامش العبادة خارج الجماعة المقدّسة. فهي تشترك الاحتفالات والأعياد، تقدّم الذبائح والنذور. بعض النساء يخدمن كحارسات عند باب خيمة الموعد (خروج 38: 8؛ صموئيل 2: 22) ويحضّرن الأنسجة والأدوات المقدّسة للهيكل وربّما كان لهنّ دور في الصلوات والاحتفالات في الهيكل كالترميم والتطوافات وما شابه.
يعطي الكتاب المقدّس لقب "نبيه" إلى خمس نساء: مريم أخت موسى (15: 20)، دبورة (قضاة 4: 4)، نوعاديا النبية الدجّالة (نحميا 6: 14)، زوجة أشعيا 8: 3) وحلدة (2 ملوك 22)، إمرأة شلوخ بن تقوة بن حرحاس، حافظ الثياب. حلدة عاصرت النبي إرميا وكان لها دور مهم في الاصلاح الديني الذي قام به يوشيا اللك. وأخيراً نذكر نبوءة يوئيل الذي يؤكد أن الهبة النبوية سوف تُلهم النساء أيضاً في العصر المسيحانيّ (يوئيل 3: 1- 2).
8- "حبيبي لي وأنا له" (نشيد 2: 16)
في نشيد الأناشيد تظهر كطرامة المرأة ومساواتها مع الرجل من خلال قصيدة حبّ بين عروسين شابين. لمرات ثلاث تعبّر العروس عن انتماء واقتصار حب الحبيب لها: "حبيبي لي وأنا له" (2: 16؛ راجع 6: 9 و7: 11). بهذا تتأكد وحدة الرباط والمساواة بين الحبيب والحبيبة، بين الرجل والمرأة. لا بل تظهر واضحة ديمومة هذا الرباط من خلال حبّ دائم (راجع نشيد 8: 6- 7). نحن أمام تطوّر مهم فيما يخصّ وضع المرأة في المجتمع والذي ينيره تقدّم الوحي الإلهي. لدينا تقدير واضح للعلاقة الشخصية والمحبّة والمساواة بين الرجل والمرأة في الرباط الزوجيّ.
العلاقة الزوجيّة الممثة في هذا السفر تعبّر عن تصوّر سليم للعلاقة بين الرجل والمرأة. هذا التصوّر الذي لا بد أنه قد اغتنى بخبرة وإيمان شعب الله عبر عبر تاريخ الخلاص، تنطلاقاً من البدايات في جنة عدن مروراً بخبرة العهد بين الله وشعبه والذي لا يكتمل إلا في زمن العهد الجديد.
خاتمة
تعليم العهد القديم عن المرأة غني ويساعدنا مثل المربي للوصول إلى ملء الوحي بيسوع المسيح وبشارة العهد الجديد. مثل يسوع يجدر بنا الانطلاق من المفهوم اللاهوتي للانسان وبالتالي للمرأة، لنميّز إرادة الله وخطّته في الخلق والخلاص وبين ما هو نتيجة للشر والخطيئة وقساوة القلب.
متساوية بالطبيعة والكرامة مع الرجل. خُلقت المرأة على صورة الله كمثاله لتكون مع الرجل مندبة للخالق على كلّ المخلوقات. هي شريك متساو مع الرجل في الرباط الزوجيّ وفي المجتمع. بالخطيئة التي ارتكبتها، بمسؤولية متساوية مع الرجل، تتنكّر لوضعها كخليقة فتتعكّر العلاقة مع الرجل.
تأتي رمزية الزواج بين الله وشعبه لتصلح ما تهدّم مانحة للمرأة مثالاً تتبعه يفوق الأول ويتحقّق جزئياً في نشيد الأناشيد.
على الصعيد الديني تُستثنى المرأة من الكهنوت ولكن يُعطى لها هبة فائقة ألا وهو النبوءة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ المصادر، يتبيّن لنا تطوّر في احترام وتقدير المرأة. كالتطوّر من امرأة تكمّل الرجل (تكوين 2) إلى امرأة متساوية مع الرجل من حيث أنها خلقت على صورة الله، كمثاله (تكوين 1).
مع يسوع نصل إلى ملء الوحي فنشهد تحولاً كبيراً بالنسبة للمرأة. لا يسعنا هنا سوى التذكير بأن تعليم العهد القديم لا يكتمل فهمه إلا على نور العهد الجديد. وحده القائم من بين الأموات أوحى لبولس بالمساواة بين الرجل والمرأة أمام الله: "فليس هناك يهودي ولا يوناني، وليس هناك عبد أو حرّ، ذكر وأنثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح" (غلاطية 3: 28).

الأب نجيب ابراهيم الفرنسيسكاني


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM