الفصل الخامس والثلاثون: من السبت إلى الأحد

الفصل الخامس والثلاثون
من السبت إلى الأحد

اعتاد الشعب اليهودي أن يقدّس السبت، أن يكرّسه للراحة والصلاة. يجتمعون في الهيكل في احتفال مقدّس، يجتمعون اجتماع العيد. هناك دعوة مقدّسة (لا 23: 3) ونداء إلى الصلاة المشتركة في المجمع، إلى قراءة الأسفار كعلامة لتجديد الشعب. وكانت الأمانة للسبت قوية إلى حدّ أن جماعة الاتقياء تركوا الناس يقتلونهم ولم يرفعوا سلاحاً لئلا ينجّسوا السبت (1 مك 2: 32- 39).
ومارس يسوع شريعة السبت. فهو في ذلك اليوم يذهب إلى المجمع ويستفيد من المناسبة لكي يعلن الانجيل. يروي القديس لوقا ما حدث ليسوع في الناصرة يوم السبت: دخل المجمع على عادته وقام يقرأ... وبعد أن أغلق الكتاب قال: اليوم تمّت هذه الكلمات... وشفى يسوع أناساً يوم السبت. فهذا اليوم خُلق لتمجيد الله. ولهذا استفاد يسوع منه ليمجّد أباه. شفى الأعمى منذ مولده، والمخلّع الذي أمضى في فراشه 38 سنة، وصاحب اليد اليابسة.
ولكن يسوع سيبيّن للفريسيين المتشدّدين أن السبت ليس غاية بل هدف. أن السبت هو للانسان، لا الانسان للسبت. وأن واجب الرحمة والمحبة يتفوّق على ممارسة السبت بصورة حرفية ومادية. شفى يسوع المرأة المحدودبة، فغضب رئيس المجمع وقال للحاضرين: عندكم ستة أيام يجب العمل فيها. فتعالوا واستشفوا، لا في يوم السبت. فأجابه الرب: يا مراؤون! أما يحلّ كلُّ واحد منكم رباط ثوره أو حماره من المعلف ويأخذه ليسقيه؟ وهذه امرأة من بنات ابراهيم، أما كان يجب أن تُحل من رباطها يوم السبت؟
اعتبر يسوع أنه عندما يَعمل الخير يوم السبت فهو يقتدي بالآب السماوي. دخل الآب في راحته بعد أن أنهى عمل الخلق. ولكنه ما زال يوجّه الكون ويدّبره، ويمنح البشر الحياة. وهكذا يفعل يسوع أيضاً فيقول: أبي يعمل في كل حين وأنا أعمل مثله (يو 5: 17).
وسار تلاميذ يسوع على خطى معلّمهم. فحافظوا على السبت. تحاشوا الذهاب إلى قبر يسوع قبل طلوع فجر الأحد. واستفادوا من اجتماعات السبت ليعلنوا البشارة. هذا ما فعل بولس مع رفيقه في انطاكية بسيدية: دخلا المجمع يوم السبت وجلسا، وطلب إليهما رئيس المجمع أن يتكلّما، فقال بولس: يا بني اسرائيل (أع 13: 14 ي).
ولكن لم يمضِ وقت طويل إلا ويصبح يوم العبادة المسيحية اليوم الأوّل من الأسبوع، لا اليوم السابع. يوم الرب لدى المسيحيين صار الأحد لا السبت، لأنّه يوم القيامة. لم يجتمع بولس مع أهل ترواس مساء الجمعة، بل مساء السبت. وفي اليوم الأوّل من الأسبوع، اجتمعوا لكسر الخبز (أع 20: 7). ويحّدثنا عنه يوحنا في رؤياه. هو يوم الرب أو اليوم الرباني.
وما كان اليهود يعملونه يوم السبت، نقله المسيحيون إلى يوم الأحد. ففي اليوم الأوّل من الأسبوع، أي يوم الأحد، تُجمع الصدقات للمحتاجين (1 كور 16: 2). وفي يوم الأحد تتمّ الليتورجيا الالهية. لا ننسى أن لقاء الرب بتلميذَي عمّاوس كان يوم الأحد: حدّثهما في الطريق ثم كسر معهما الخبز، أي احتفلا بسر الافخارستيا. ولقاء الرب مع التلاميذ في انجيل يوحنا تم في أحد أول، ولم يكن توما معهم. وفي أحد ثان أظهر جراحاته لتوما. اليوم الأوّل من الأسبوع هو يوم اجتماع الرب مع تلاميذه. يوم اجتماع الكنيسة. ففي اليوم الأوّل من الأسبوع ظهر القائم من الموت. وفي اليوم الأوّل من الأسبوع، حلَّ الروح القدس على التلاميذ في عيد العنصرة.
وهكذا حلّ الأحد تدريجياً محلّ السبت في ممارسة الكنيسة. في هذا الاطار صار السبت رمزاً وصورة. كما أن الفصح اليهودي ترك المكان فحل محلّه الفصحُ المسيحي، وكما أن عيد العنصرة المسيحي حلّ محل عيد الحصاد والأسابيع السبعة، هكذا حلّ يوم الأحد محل يوم السبت. كان البشر يرتاحون فيدلون على راحة الرب في اليوم السابع. ولكن يسوع قد دخل في هذه الراحة الالهية بقيامته، ووعدنا بالدخول معه إلى راحته. حينئذ يكون السبتُ الحقيقي، تكون الراحةُ الحقيقية التي فيها يرتاح الناس من تعبهم على مثال الله الذي ارتاح من أعماله. نبدو وكأننا نعيش سبتاً طويلاً وراحة طويلة ستجد كمالها في الأحد الأخير، في يوم الرب الأخير ساعة تنادي الكنيسة عروسها: تعال أيّها الرب يسوع.
سمّى المسيحيون يوم الأحد في البداية: أوّل الأسبوع، ليلة السبت. وفي القرن الثاني سينتشر الاسم الذي قرأناه في سفر الرؤيا (1: 10): يوم الرب، اليوم الرباني. وذلك بالنسبة إلى يسوع الرب القائم من الموت.
وتحدّث الشرق عن "يوم الشمس". وقال المسيحيون: نعطي هذا اليوم اسم الشمس لسبب غير سببكم. ففي اليوم الذي يسمَّى يوم الشمس يجتمعون كلّهم من المدن والقرى في مكان واحد. هذا ما يقوله يوستينوس ابن نابلس في فلسطين، وسيُسمّى هذا اليومُ أيضاً يوم القيامة.
وهكذا بدا يوم الأحد كنظام مسيحي أصيل ومستقل. فيسوع قد قام من بين الأموات في ذلك اليوم وظهر لتلاميذه المجتمعين (لو 24: 36 ي). وهكذا صار يوم الأحد يوم الجماعة، يوم يتوافد فيه الاخوة المسيحيون فيتقاسمون خيراتهم. وفي سفر الرؤيا، نعيش ليتورجيا سماوية هي تجلٍّ لليتورجيا احتفل بها المؤمنون الذين يقاسون الاضطهاد.
وطلب تعليم الرسل من المسيحيين أن يكرّسوا الخبز ويقدّموا ذبيحة الشكر في يوم الرب. ويحدّثنا يوستينوس في دفاعه عما كان يُفعل في ذلك اليوم: يقرأون الأناجيل وكتب الأنبياء. وبعد القراءة تتلى عظة لتنبيه المؤمنين وتحريضهم على العمل بهذه التعاليم الجميلة.
لا، لم يولد الأحد من صراع بين العالم اليهودي والعالم المسيحي. وليس الأحد نتيجة تنظيم الجماعة المسيحية على غرار الجماعة اليهودية التي لها سبتها. وليس الأحد امتداداً للسبت الذي بدأ يوم الجمعة مساء. الأحد يوم أصيل. هو يوم الرب. واذا كان شعب العهد القديم يعيّد يوم الرب من خلال انتصارات موقتة. فيوم الرب لنا هو يوم الانتصار الأعظم والوحيد، يوم القيامة.
منذ بداية القرن الثاني بدأت الكنيسة في انطاكية تتخلى عن يوم السبت باسم حرية أبناء الله (كو 2: 17). ولكن يوم السبت ظل حاضراً حتى القرن الخامس. مع الامبراطور قسطنطين جُعل يوم العطلة الأسبوعية يوم الأحد. ولهذا منع مجمع اللاذقية المؤمنين من حفظ يوم السبت في القرن الخامس.
حل العهد الجديد محل العهد القديم، والخلاص النهائي محل الخلاص الموقت. وحل السبت محل الأحد، لأنّ قيامة يسوع التي نحتفل بها يوم الأحد تجعلنا ننتظر مجيئه الثاني.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM