الفصل السادس والثلاثون أكرم أباك وأمك

الفصل السادس والثلاثون
أكرم أباك وأمك فيطول عمرك

تشكّل وصية اكرام الوالدين حلقة تربط أفعال العبادة لله بطرق معاملة القريب. وهي تبدو بشكل ايجابي، لا بشكل سلبي. سبق الوصية الرابعة، اكرم أباك وأمك، نداءٌ أوّل يدعونا إلى الايمان بالله والاتكال عليه ومحبته. ونداء ثانٍ يقول: لا تحلف باسم الله باطلاً. ونداء ثالث: قدّس يوم الرب. يوم الرب مكرّس للرب، فلا تستعمله لأي شيء آخر. وبعد الوصية الرابعة، ترد تلك التي تمنعنا من القتل والسرقة والزنى: لا تقتل، لا تسرق، لا تزن. أما وصية اكرام الوالدين فتقول بصورة ايجابية: أكرم أباك وأمك. وحين تتحدّث عن هذا الاكرام فهي لا تضع له حدوداً. ثم إن هذا الاكرام يرتبط بذلك الذي نقدّمه إلى الله. فالوالدان هما أساس حياتنا بعد الله. هما المعلّمان لنا والمرافقان لنا والمهتّمان بنا. علاقتنا بهما علاقة اللحم والدم، وعلاقة الأبوّة والأمومة، وعلاقة الفكر والعقل والايمان. معهما نتعلّم أوّل كلمة نرفعها إلى الله. معهما نتعرّف كيف نتعامل مع الناس. منهما نأخذ التقاليد والعادات التي تدخلنا في المجتمع. نحتاج إلى مال فأمنا وأبونا هما هنا. نحتاج إلى نصيحة هما هنا. نحتاج إلى عناية خاصة، إلى تضحية. هما هنا.
أكرم أباك وأمك... تتوجّه هذه الوصية إلى الصغار والكبار. لا شكّ في أن الصغير يحاول أن يتبع والديه، أن يسمع لهما، أن يتبع مشورتهما. والكبير يكرم والديه خاصة عندما يكبران في السن ويحتاجان إلى عناية. هنا تأتي الوصية بشكل سلبي أو هي تحمل تحذيراً وتهدّد بالعقاب.
قال سفر الأمثال: من لعن أباه وأمه انطفأ سراجه وسط الظلمات. وعن اللعنة يقول سفر المزامير: أحبّ اللعنة فأدركته. ما أراد أن يبارك فابتعدت عنه البركة. أهلُنا هم الذين يحملون الينا البركة. فإن حملنا اليهم اللعنة استحققنا كل عقاب.
ويبرز أيضاً سفر الأمثال موقف الانسان الذي يزدري بوالديه ويحتقرهما. "الانسان الذي يستهزئ بالأب ويرفض الطاعة الواجبة للأم تفقأ غربان الوادي عينه وتأكله النسور". ويتابع كلامه: "اسمع لأبيك الذي ولدك، ولا تستهن بأمك اذا شاخت".
وستكون أسفار الشريعة قاسية بالنسبة إلى الأبناء الذي يعاملون والديهم معاملة سيّئة. من ضرب أباه وأمه فليُقتل قتلاً. من لعن، سب، شتم أباه وأمه فليُقتل قتلاً. العقاب قاس وهو على قدر الاكرام الواجب للوالدين. كيف يتجاسر الواحد أن يشتم والديه ويضربهما؟ من يفعل مثل هذا يكون مريض الجسم أو مريض العقل. وربما مريض النفس وشريك الخطأة واللصوص. هذا ما يقول الكتاب.
وهناك حالة يحدثنا عنها الكتاب المقدّس: الوالد المتمرّد الذي يرفض أن يسمع لوالديه ويطيعهما. يحاولان أن يعيدانه إلى طريق الصواب، وإلاّ يقدمانه أمام محكمة الشيوخ الذين يحكمون عليه بالاعدام. نجد في حياة الاقديسين ما قالته ملكة فرنسا لابنها: أفضِّل يا ابني أن أراك ميتاً على أن ترتكب خطيئة واحدة مميتة.
فالأهل مسؤولون عن أولادهم. يحاولون أن يردّوهم إلى الطريق المستقيم. وهم الذين ينقلون الشريعة وكلام الله من جيل إلى جيل. أخذوه من والديهم ويقدّمونه إلى أولادهم. قال موسى: اجعلوا كلماتي هذه في قلوبكم. علّموها لبنيكم. تقولونها لهم إذا جلستم في بيوتكم أو مشيتم في الطريق، وإذا نمتم واذا قمتم، أي قبل نيامكم وبعد نهوضكم من النوم. وهكذا تكثر أيامكم، (تطول حياتكم) وأيام بنيكم على الأرض.
أجل، إذا حمل الوالدون كلام الله طالت أيامهم. واذا سمع الأبناء لوالديهم طالت أيامهم. هنا نلتقي بالوصية الرابعة: أكرم أباك وأمك لكي يطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب الهك. هذا ما قاله الرب لموسى على الجبل. فالمجازاة هي في البداية مادّية. يكون عمرك طويلاً. ترافقك البركة. تزداد خيراتك في أرض تقيم فيها ولا يطردك منها أحد. ولكن أبعد من الأرض المادية، هناك عطية أخرى هي رضى الله علينا. فاذا كانت الأرض فردوس جنة بسبب حضور الله فيها، فالأرض التي يعطيها الرب لا تكون مادّية فقط. فالسعادة أبعد من طعام وشراب، وحياة الانسان لا تقوم فقط بخبز نأكله، بل بحفظ كلام يخرج من فم الله.
أكرم أباك وأمك. والنص الأصلي يقول: مجّد أباك وأمك. أي بيّن أهميّتهما. لهما وزن في عين الله. فليكن لهما وزن في عينيك. هما أداة في يد الله. هما شريكان لله في إعطاء الحياة. اذن، هما عظيمان في نظر الرب. فليكونا عظيمين في عينيك وخاصة يوم لا تحتاج اليهما، بل يحتاجان هما اليك. الفريسيون والكتبة اخترعوا ذريعة لئلا يساعد الابن والديه: يقدمان الأموال الضرورية لحياتهما إلى الهيكل، وهكذا يعيقهم القانون من إعانة والديهما. وذرائعنا اليوم كثيرة لكي ننسى والدينا، لكي نهملهما، أو لا سمح الله لكي نعاملهما معاملة سيّئة وننسى البركة التي يحملانها لنا ولو كانا شيخين، وحتى بعد موتهما. فهما حاضران معنا، والأب لا يترك ابنه والأم لا تتخلى عن ابنتها. كل هذا يدعونا إلى اكرام والدينا، إلى محبتهم، إلى احترامهم، إلى الاهتمام بهم، إلى اعتبارهم بركة لنا حتى على المستوى المادي.
هنا يدعونا يشوع بن سيراخ لنفهم الوصية المتعلّقة بالوالدين.
يا بَني، اسمعوا لنصائح أبيكم، واعملوا بها لكي تخلصوا
فالرب يكرم الأب في أولاده، ويثبت حق الأمم على بنيها
من أكرم أباه كفّر عن خطاياه، ومن عظّم أمه كان كمن يجمع الكنوز
من أكرم أباه سُرَّ بأولاده، وفي يوم صلاته يستجاب له.
من عظّم أباه طالت أيامه، ومن أطاع الرب أراح أمّه.
هذه الوصية نداء من الله إلى الأبناء. وردت في العهد القديم ورددها العهد الجديد. شدّد يسوع على أهمية إعانة الوالدين خاصة في حاجتهما. وقال القديس بولس في خط سفر التثنية: أكرم أباك وأمك. تلك أول وصية يرتبط بها وعد وهو: لتنال خيراً وتطول أيامك على الأرض.
وهذه الوصية هي أيضاً نداء من الله إلى الوالدين. قال مار بولس أيضاً: وأنتم أيّها الآباء، لا تثيروا غضب أبنائكم، بل ربّوهم حسب وصايا الرب وتأديبه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM