الفصل الرابع والثلاثون: يوم الرب، يوم الراحة

الفصل الرابع والثلاثون
يوم الرب، يوم الراحة

حين نعود إلى النصوص القديمة نرى أن كلمة سبت تعني الانقطاع عن العمل من أجل هدف ديني، تعني الراحة من المتاعب اليومية لنتكرّس لعمل سام. وممارسة يوم الراحة قديمة جداً في الشريعة. نقرأ في الوصايا التي أعلنت على جبل سيناء: أذكر يوم السبت، يوم الراحة، لتقدّسه. إنه مكرّس للرب، فلا تكرّسه، فلا تخصّصه لشيء آخر. ويتابع النص: في ستة أيّام تعمل وتصنع (تنهي) جميع أعمالك، ما عليك أن تفعله في هذه الأيام الستة. أما اليوم السابع فهو سبت، فهو راحة للرب، وراحة تقدّمها للرب الهك. في هذا اليوم، لا تصنع عملاً لك. أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك والمهاجر الذي في مدينتك. لا تعمل عملاً لك، عملاً يدرّ لك ربحاً. فيوم السبت ليس لك، بل هو للرب، فلا تستعمله لك. وقد يمكنك أيضاً أن تستعمله للقريب.
وتفصّل الوصية: من يرتاح؟ الجميع، حتى البهيمة أكانت ثوراً أو حماراً، والخادم في البيت والخادمة، يحقّ لهما الراحة في يوم الراحة، أكان ذلك السبت بالنسبة إلى اليهود، أو الأحد بالنسبة إلينا. والمهاجر، والعامل الغريب! ألا يحقّ له أن يرتاح كغيره ليرفع عقله وقلبه إلى الله. الحيوان يلتصق بالأرض ولا يرفع رأسه. أمّا الانسان فيرفع رأسه ويتوجّه بصلاته إلى الذي خلقه. ما قيمة ستة أيام نعمل فيها إن لم يتوجّها اللهُ باليوم السابع ويباركها. فإن عملنا سبعة أيام شابهنا البهائم، بل كنا أقل من البهائم، والرب يدعوها إلى الراحة معنا.
والعبد والامة. لم يكن لهما حق بالراحة في العالم القديم. هما خُلقا للعمل كالآلة. لا، هذا، لن يكون، يقول الرب. راحة الرب هي للجميع. لا أرتاح أنا إلاّ إذا ارتاح أخي وجاري وقريبي والغريب الذي يقيم في دياري.
ويقدّم لنا الكتاب المقدّس المثال الذي نقتدي به. هو الله بالذات. خَلق الكونَ في ستة أيام. ولكنّه استراح في اليوم السابع. لا شكّ في أن الله لا يحتاج إلى ستة أيّام، ولا إلى ستّ ساعات ليخلق الكون. هو يخلقه بلحظة. قال للأرض: كوني فكانت. ولكن الكاتب الملهم أراد أن يعطينا أمثولة ودرساً. إذا كان الله استراح في اليوم السابع، فماذا تفعل أنت؟
قال الكتاب: وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل واستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدّسه (كرّسه، خصّصه) لأنه فيه استراح من جميع عمله.
كان السبت عند الساميين الأقدمين يوماً خاصاً يحرَّم فيه كل عمل. وكل عمل فيه يحمل الشؤم والنحس. وستشدّد الشرائع القديمة على هذا التحريم فتعاقب بقساوة من يعمل عملاً يوم السبت. قال موسى: "في ستة أيام تعمل أعمالك، واليوم السابع يكون لكم مقدّساً (سبت عطلة وراحة) للرب. كل من يعمل فيه عملاً يُقتل" (خر 35: 3). ولقد طُبقت هذه الشريعة على رجل يجمع حطباً يوم السبت: رُجم بالحجارة (عد 15: 32). يحرَّم على الانسان أن يشعل ناراً في بيته، أن يهيّئ طعاماً. هو يوم راحة تامة. يوم نعطّل فيه، نبقى بلا عمل، نضيّعه علينا وعلى أشغالنا. ولكنّنا نربحه من جهة أخرى، نربحه لنا ولنفوسنا، نربحه للرب، نخلي قلوبنا من كل هم، فيملأها الله بحضوره.
استراح الله يوم السبت، فكملت الخليقة في يوم الراحة هذا. جاء اليوم السابع يضع حجر الغلق في بناء الكون. كان الكون ناقصاً فكمل في اليوم السابع. وسيشدّد الأنبياء على أن هذه الراحة تحقّق مواعيد الله في النهاية. قال إرميا: احتفظوا لأنفسكم أن تحملوا حملاً في يوم السبت وتدخلوا به من أبواب أورشليم. في هذا اليوم لا تحملوا حملاً ولا تعملوا عملاً بل خصِّصوا هذا اليوم لي. فإن حفظتم السبت جلس الملوك والرؤساء على عروشهم. وتُسكن أورشليم إلى الأبد ولا تُهدم. وقال أشعيا (58: 13 ي): "إن امتنعت عن العمل في هذا اليوم المقدّس، تجد النعيم في الرب، أحملك في مركبة إلى أعالي الأرض، أطعمك ميراث يعقوب أبيك".
كان يوم السبت يوم نحس يجب أن نكفّ فيه عن العمل، نعطله، ولكن الوحي الكتابي أعطاه مضموناً لاهوتياً. أوّلاً، هناك بُعد الرحمة بالناس والرأفة بهم. يقول النص الكتابي: لا تظلم الغريب. فأنتم كنتم غرباء وتعرفون حال الغريب. ثم يتابع في ستة أيام تعمل وفي اليوم السابع ترتاح لكي يستريح ثورك وحمارك، لكي يتروّح ابن أمتك (أي العبد الذي في بيتك) والغريب. لكي ينتعش، ليستعيد أنفاسه. فالانسان الذي لا يرتاح ليس بانسان، ليس على صورة الله. أجل، أراد الله أن تتأمّن الراحة الأسبوعية للانسان. لهذا نقرأ في سفر التثنية (5: 12- 15): أذكر أنك كنت عبداً في أرض مصر فحرّرك الله. فعليك أنت أن تحرر الانسان من عبودية العمل يوم السبت. أخرجك الرب من هناك بيد قديرة وذراع ممدودة. لهذا أمرك أن تحفظ يوم السبت.
والهدف الثاني تحدّثنا عنه: في يوم السبت تمَّ عملُ الله. صار كاملاً. ونحن لا تكون أعمالنا كاملة أن لم يقدّسها يوم الراحة الذي هو الأحد بالنسبة إلينا. والهدف اللاهوتي الأخير: السبت هو علامة العهد بين الله وشعبه. هنا نتذكّر أن كلمة قدّس تعني أيضاً في العبرية: خطب، تزوج. وهكذا صار السبت في التقليد اليهودي عروس الله وخطيبته. يستقبل المؤمن هذا اليوم بفرح منذ مساء الجمعة فيقول: تعال، يا صاحبي، أمام العروس ولنستقبل وجه السبت.
هنا نتذكّر كلام الرب لموسى (خر 31: 12- 17): احفظوا سبوتي أي أيّام راحتي، لأنّها علامة بيني وبينكم مدى أجيالكم، وهكذا تعلمون أني أنا الذي يقدّسكم، وهكذا نفهم التهديد: من دنَّس السبت فعمل فيه عملاً، يكون وكأنه خان العهد، خان الله. لهذا يقول النص: من عمل عملاً يوم السبت يُقتل قتلاً. إحفظوا السبت لأنّه مقدّس. من خرقه يُقتل قتلاً. كل من يعمل فيه عملاً يخرج من الجماعة ويقتل. لا شك في أننا أمام شريعة قاسية. ولكن قساوتها تدل على أهمية حفظ يوم الرب الذي هو يوم الراحة من هموم الأرض، وتكرُّس لله وللقريب. نكرّسه لنجلس مع أفراد العائلة، نصلي معًا، نفرح معاً، نقيم معاً.
وهذه الراحة التي يدعونا اليها الرب في يوم من أيام الأسبوع، هي السبت عند اليهود والأحد عند المسيحيين. هذه الراحة هي مشاركة الانسان في راحة الله. قال الرسول: نحن المؤمنين ندخل في راحة الله. إنّ لشعب الله راحة مثل راحة الله في اليوم السابع، لأن من دخل في راحة الله يستريح من أعماله كما استراح الله. من أعماله. فلنبذل جهدنا من أجل الدخول إلى تلك الراحة (عب 4: 1- 11).
من راحة مادية إلى راحة روحية. من يوم نحس إلى يوم بركة. من عبء ثقيل إلى نير ليّن وحمل خفيف. من يوم السبت إلى يوم الأحدً، هذا هو معنى الوصية: قدّس يوم الرب.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM