الفصل الخامس: ظروف كتابة الرسالتين

الفصل الخامس
ظروف كتابة الرسالتين
رسالة أولى هي رسالة من القلب إلى القلب. شأنها شأن فل. تلك هي 1 تس التي هي أول أسفار العهد الجديد التي وصلت إلينا. رسالة فيها نصائح أب لأولاده. كُتبت في وقت مبكر. ربّما في نهاية سنة 50. وكتبت من كورنتوس. رسالة تجيب على قلق أهل تسالونيكي حول مجيء الربّ. في هذا الخطّ عينه جاءت 2 تس لتردّ على بعض المتحمّسين الذين تركوا الحياة اليوميّة منتظرين في الكسل وحياة التطفّل نهاية الأزمنة وعودة الربّ في المجد. وتبقى الأسئلة المطروحة حول نسبة 2 تس إلى بولس، حول إمكانيّة كتابتها إلى تسالونيكي. كل هذا نعود إليه الآن وفي ما بعد. ونبدأ بالرسالة الأولى.
9- متى وأين كتبت 1 تس
كُتبت 1 تس في كورنتوس خلال الرحلة الرسوليّة الثانية. ولنا في ذلك سند متين ودقيق ليس فقط من أجل تاريخ تدوين هذه الرسالة، بل من أجل توالي الأحداث في حياة بولس الرسول. فسفر الأعمال يشهد أنه خلال إقاسة بولس في كورنتوس، شكاه اليهود إلى القنصل غاليون (أع 18: 12). وهناك حدث أخر يساعدنا، هو وصول أكيلا وبرسلكة إلى كورنتوس (أع 18: 2).
أ- زمن قنصليّة غاليون
سنة 1894- 1895، نشر اسكندر نيكستكي مدوّنة محفوظة في متحف دلفي في اليونان. وتبعه إميل بورغيه سنة 1905. نحن أمام رسالة وجّهها إلى مدينة دلفي الامبراطور كلوديوس الذي ردّ على تقرير لغاليون، قنصل أخائية، حول خلافات حدود بين دلفي والقرى المجاورة.
غاليون (لوفيوس يونيوس غاليون) هو ابن أنايوس سنيكا، مدرّس البيان، والأخ الأكبر للفيلسوف سنيكا، معلّم نيرون. حين عاد سنيكا من المنفى سنة 49، كان غاليون قد تسلّم عدة وظائف عامّة بعد أن تبنّاه عضو مجلس الشيوخ لوقيوس يونيوس غاليو (فسميّ باسمه وترك اسم سنيكا) سنة 32 ق. م. إشتهر بوداعته واعتداله. كانت صحته سيّئة. في أيام نيرون، وإذ أراد أن ينجو من الموت، خضع للامبراطور. هذا ما يرويه تاقيتس.
منذ سنة 27 ق. م.، صارت أخائية مقاطعة شيوخية، أي ترتبط مباشرة بمجلس الشيوخ. لهذا، يحكمها قنصل يعيّن بالقرعة، وتدوم ولايته سنة واحدة.
ونعود إلى المدوّنة التي تعود إلى المناداة السادسة والعشرين (كان المنادي يعلن بما يأتي في مثل هذا القرار). والمناديات تُحسب بالنظر إلى الانتصارات التي حازها الامبراطور أو قوّاده. متى حصلت المناداة السادسة والعشرون؟ نحدّد تاريخها بالمناداتين اللتين سبقتاها وبالمناداة التي تلتها. نجد مدوّنتين تعودان إلى المناداة السابعة والعشرين التي كانت قبل الأول من آب سنة 52. ونعرف أيضاً إنطلاقاً من مدوّنة "كيس" في كارية أن المناداة السادسة العشرين توافق جزئياً السنة الثانية عشرة لكلوديوس، والتي تمتدّ من 25 كانون الثاني سنة 52 إلى أول آب 53. أما المناديات الثانية والعشرون والثالثة والعشرون والرابعة والعشرون والخامسة والعشرون فقد حصلت سنة 52. هذا يعني أن المنادة 26 التي وُجد نصّها في دلفي قد حصلت في بداية سنة 52.
هذا من جهة. ومن جهة ثانية، كان القنصل يتبدّل في بداية الربيع. وقد أمر طيباريوس المختارين بالقرعة أن ينطلوا في غرّة قمر حزيران. أنما كلوديوس فأرسلهم في غرة قمر نيسان. وهكذا يكون غاليرن قد وصل إلى أخائية في بداية شهر حزيران.
ولكن تبقى أمامنا إمكانيّتان. الأولى، قد يكون غاليون تولىّ حكم أخائية من 1/6/51 حتى 1/6/52. والثانية، من 1/6/52 حتى 1/6/53. ولكن بما أن رسالة كلوديوس هي قبل 1/8/52، وإذا قلنا بأن ولاية غاليون كانت سنة 52- 53، يبقى له فقط شهران (من 1/6 إلى 1/8، 52) أما إذا قلنا بأن ولايته كانت سنة 51- 52، فقد تكون رسالة كلوديوس دوّنت بين 25 كانون الثاني وأول حزيران 52. وهكذا يجدن من المعقول أن غاليون كان قنصل أخائية من حزيران 51 حتى حزيران 52. وقد مثل بولس أمامه بين هذين التاريخين.
ب- أكيلا وبرسكلة
أخبرنا أع 18: 11 أن بولس أقام سنة ونصف السنة في كورنتوس. وبعد تلك الحادثة، أقام أياماً عديدة، أياماً كافية، وربّما أياماً قليلة (أع 19: 20، 23؛ 27: 7). ونحسّ أن بولس، بعد هذه الصعوبات، فعل كما فعل في فيلبي وتسالونيكي وأفسس (أع 20: 11). ترك المدينة لئلاّ تزداد الحالة سوءاً. إذن، إن أقام بولس سنة ونصف السنة في كورنتوس، وإذا كان الاتهام حصل قبل أول حزيران سنة 52، فهذا يعني أن بولس عمل في كورنتوس من نهاية خمسين حتى منتصف 52. وهكذا تكون 1 تس قد دوّنت في القسم الأول من سنة 51.
وهذه السنة 51 ترافق قرار كلوديوس الذي طرد اليهود من رومة سنة 49. بعد هذا القرار، جاء أكيلا وبرسكلة إلى كورنتوس حيث التقى بهما بولس وأقام يعمل معهما. وهكذا يحتاج الزوجان بعض الوقت لكي ينظّما أمورهما في كورنتوس ويستقبلا بولس في دارهما.
وهكذا تكون 1 تس قد دوّنت سنة 51. كما أنها أرسلت من كورنتوس لا من أثينا على ما نجد في بعض المخطوطات وعند تيودوريتس وبلاجيوس. حين قال الأقدمون ما قالوا تأثّروا بما في 1 تس 3: 1: "آثرنا أن نبقى في أثينا وحدنا".
2- لماذا دوِّنت 1 تس
حين نقول إن 1 تس دوّنت سنة 51 وأرسلت من كورنتوس (فنستعيد نظريات أخرى تحيلنا إلى الرحلة الرسولية الثالثة: مات كثيرون، 4: 13؛ اشتهر إيمان تسالونيكي، 1: 7- 9، ولك هذا يتطلّب بعض الوقت)، نتّخذ موقفاً من المناسبة التي فيها كُتبت الرسالة، والهدف من كتابتها.
أ- المناسبة
إن مناسبة إرسال 1 تس هي عودة تيموتاوس بعد زيارته لهذه الجماعة. كان بولس قد أرسله إلى هناك، لأنه ما عاد يحتمل أن يكون مقطوعاً عن هذه الكنيسة، التي أسّسها وأجبر على تركها بعجل. حاول مراراً أن يعود إليها، فعاقه الشيطان، كما يقول. بما أنه لا يستطيع هو ولا سلوانس أن يذهبا بسبب عداوة اليهود، أرسل تيموتاوس ليتفقّد حال الجماعة. تفقّدها وعاد؟ ويبدو أنه لم يحمل رسالة منها.
ما كانت مهملة تيموتاوس؟ تشجيع الاخوة، وتقويتهم، وتحريضهم على الثبات لئلاّ يتزعزع إيمانهم (1 تس 3: 2- 3). خاف بولس على جماعته. و"تنبّأ" لها بالاضطهاد: هناك فرح الروح، ولكن هناك أيضاً المضايق الكثيرة (1: 6). وعرف من خبرته كم يبقى الإيمان مهدّداً.
وعاد تيموتاوس حاملاً أطيب الأخبار. أعلن أن إيمان التسالونيكيين ومحبّتهم ورجاءهم هي ثابتة. وأن تعلّقهم ببولس لا يضاهيه إلاّ تعلّق بولس بهم. كل هذا أعطى الرسول فرحاً كبيراً وعزاء عميقاً (3: 6- 9). ذاك كان تقرير تيموتاوس. ومخاوف بولس لا أساس لها. وكل شيء يسير على ما يرام.
هنا نفهم المديح الذي يكيله بولس لأهل تسالونيكي في بداية الرسالة كما في قلب الرسالة. أي إيمان، أي حبّ، أي رجاء (1: 3)! الربّ هو الذي اختاركم (1: 4). صرتم قدوة لعدد من المسيحيّين (1: 7). "أنتم أملنا وفرحنا وإكليل فخرنا" (2: 19). أنتم تمارسون على أكمل وجه وصيّة الربّ العظمى، وصيّة المحبّة الأخويّة (1: 9؛ 4: 9). وتجاه هذا الشعور العام، نفهم من تيموتاوس أن إيمان الجماعة تنقصه الدقّة في بعض النقاط (3: 10). فإن كان بولس قد رغب في العودة إلى تسالونيكي، فلأن القلق قد سيطر على الجماعة، ولأن هناك تعاليم لا بدّ من إعطائها بعد.
ب- الهدف
هنا يطرح الشرّاح ثلاثة أسئلة: هل كانت رسالة بولس جواباً على كتاب جاءه من أهل تسالونيكي؟ هل أراد بولس أن يحذّر الجماعة من أعداء إيمانهم؟ هل قدّم بولس دفاعاً عن نفسه؟
* جواب على رسالة
اعتبر بعض الشرّاح في غاية القرن التاسع عشر أن بولس أراد أن يردّ على رسالة وصلت إليه سن أهل تسالونيكي. ففي 3: 6 نجد: "تذكروننا بلا انقطاع". وفي 2: 13: "نحن أيضاً لا ننفكّ نشكر الله" (مثلكم). وتتكرّر لفظة "تعلمون".
وكانت براهين أخرى في هذا المجال. الأول: أداة "في ما يخصّ" (4: 9؛ 13، 5: 1). الثاني: يشير بولس مرتين أنه لا يحتاج إلى أن يغضب في الموضوع الذي يتوسّع فيه. الثالث: في 4: 9، ينتقل بولس فجأة من شجب اللا أخلاقيّة إلى الحديث عن المحبّة الأخويّة. وبما أن الرسالة التسالونيكية جاءت من رؤساء الجماعة، فبولس توجّه إليهم بشكل خاص (5: 27).
وهكذا يجعل الشّراح نظرتهم كما في 1 كور: وصل إلى بولس تقرير شفهيّ حمله تيموتاوس. ووصلت إليه رسالة خطيّة. لا شكّ في أن تيموتاوس أخبر بولس بالوضع في تسالونيكي. أما في ما يخصّ الرسالة، فالبراهين تبقى غير مقنعة.
* تحذير الجماعة
لسنا أمام ردّ على الرسالة، بل على وضع يفرضه موقفاً: تحريض وتشجيع وتقوية المسيحيّين، لأن إيمانهم ما زال في نشأته ولأن الأعداء أقوياء. فالحرب هي بين الله وإبليس الذي هو في أساس الاضطهاد والتضليل (3: 5). تعيش الجماعة محنة قاسية، والأخطار التي تهدّدها تولد من إيمانهم. فالإيمان المتطلّب يفرض العفّة والمحبّة الأخويّة. وهذا الإيمان الذي يتحدّث عن وحدة الله (1: 9)، عن قيامة الموتى (4: 13)، عن الخضوع لمشيثة الله (4: 3) ولسلطة رسوليّة حي في النهاية سلطة بشريّة، سلطة الكنيسة (5: 12)، يتعارض مع الأفكار المعروفة في حذا العالم الروماني واليوناني في هذا العالم الوثني.
وتُولد الأخطار من ظروف التبشير. فاليهود عارضوا رساله بولس، والوثنيّون أيضاً (أع 17: 5- 9). وذهاب بولس ورفاقه زاد البلبلة في العقول والقلوب. ثم إن الاضطهادات لم تتوقّف بعد ذهاب الرسول.
* دفاع بولس
يُطرح السؤال: هل دافع بولس عن نفسه؟ من هم أعداؤه؟ حين نقرأ ف 2، تتوجّه أفكارنا في إتجاهات مختلفة. قال الآباء اليونان: دافع بولس عن نفسه ضد شخص يزعم أنه رسول. وتحدّث آخرون عن مسيحيّين متهوّدين. وبما أن تيموتاوس حمل أخباراً طيّبه عن هذه الجماعة، قيل إن بولس يدافع عن نفسيه ضدّ الدعاية اليهوديّة، أو ضدّ خصوم وثنيين. نحن نفهم كل هذا، لو كانت الرسالة تتحدّث عن خطر ما. ولكن لا خطر في الوقت الحاضر. ويقول 3: 5- 6 إن مخاوف بولس حول إيمان الكنيسة وتعلّقها برسولهـا، كانت مجرّد مخاوف، ولا أساس لها في الواقع.
فلماذا نحاول أن نجد في 1 تس ما نجده في 1 كور أو 2 كور؟ لكل رسالة خاصيّتها. ويبدو في النهاية أن هدف 1 تس هو التحريض والتشجيع في الصعوبات، والتحذير لئلاّ يعود المؤمنون إلى ما اعتادوا إليه حين كانوا يعيشون في الوثنيّة.
3- ظروف 2 تس
تبدو 2 تس قريبة من 1 تس في أفكارها، بل في زمن كتابتها والموضع الذي دوِّنت فيه. وها نحن نقدّم الاتجاه العام، ونتحدّث عن الأشخاص الذين وُجّهت إليهم، وننهي بالمناسبة والهدف.
أ- الاتجاه العام
إن المعلومات التي تعطينا إياها 2 تس، لا تدلّ على تبدّل عميق بين ظروف 1 تس و2 تس. فبولس وسلوانس وتيموتاوس هم معاً (1: 1). وتُذكر الفضائل الإلهيّة الثلاث، الإيمان والرجاء والمحبّة (1: 3- 4). والأمل بعودة يسوع واجتماعنا به يحتفظ بمكانة كبيرة في الاهتمامات المسيحيّة (2: 1). ويظهر من جديد الخارجون عن القاعدة المسيحيّة الذين لا يريدون أن يعملوا بأيديهم (3: 11؛ رج 1 تس 4: 11).
ولكن يبدو أننا نستطيع أن نميّز حركتين. الأولى، لا يتحدّث الكاتب عن نفسه ولا عن كرازته الأولى، ولا عن عواطفه بين ارتداد التسالونيكيّين وزمن تدوين الرسالة. لا نجد في 2 تس "تفجّر العواطف" كما في 1 تس، كما لا نجد هذه الصداقة الحميمة التي تربط المرسِل بالمرسَل إليهم على غرار ما في 1 تس.
إن 2 تس هي أقصر من 1 تس. ولها هدف خاص: لم يأتِ بعدُ يومُ الرب (2: 2). ويحدّث الرسول قرّاءه عن افتخاره بإيمان المؤمنين ومحبّتهم (1: 4)، عن صلواته المتواصلة لكي يجدهم "إلهنا" جديرين بدعوتهم (1: 11). هو يسمّيهم "الاخوة أحبّاء الربّ" (2: 13) ويتمنّى لهم العزاء في القلوب والثبات في كل عمل صالح ولى كل قول صالح (2: 17).
في الحركة الثانية تبرز أمور عديدة مميّزة عمّا في 1 تس. فالإيمان يفيض، والمحبّة تنمو. والصبر يُمارس في الاضطهادات والمضايقات التي لا تزال حاضرة. هنا يحسّ بولس بالحاجة إلى أن يهنّئ المؤمنين من أجل تصّرفهم، ويشجّعهم مذكّراً إياهم بالدينونة الاتية لكي تعاقب المضطهدين. ثم يبدو أن الانتظار الاسكاتولوجيّ يمرّ في أزمة: فهناك مجموعة تعتبر أن يوم الربّ قد جاء، وأن ليس لنا بعدُ أن ننتظر شيئاً (2: 1). في 1 تس كنا نرجو وننتظر، أما هنا فنؤكّد. إن 2 تس ترفض سلطة القائلين إن هذا الحدث العظيم قد حلّ. "لا تكونوا سريعي التزعزع في أذهانكم، ولا ترتاعوا من وحي أو كلمة أو رسالة كأنها منّا، على أن يوم الربّْ قد جاء" (2: 2).
ب- قرّاء الرسالة
إلى من توجّهت هذه الرسالة؟ جاء من يقول في بداية هذا القرن إنها وُجّهت إلى جماعة مسيحية متهوّدة (ما زالت ترتبط باليهوديّة وشرائعها لا سيّما على مستوى الختان وشرائع الطهارة!. ما هي أسس هذا القول؟
إعتبروا أن الخلافات وُجدت كما في غل 2: 11- 14: بين المسيحيّين المتهوّدين وبين المسيحيّين الأمميّين. ولما طلب بولس في 1 تس أن تقرأ هذه الرسالة، فقد فهموا أن عدداً منهم لأن يسمعها. ولكن هذا البرهان يبقى ضعيفاً. كل ما يريد بولس أن يقوله هو أنّ هذا التعليم عزيز على قلبه. فيجب أن يسمعه الجميع.
في 2 تس 2: 13- 14 كتب بولس: "أما نحن فيجب علينا الشكر لله بلا انقطاع من أجلكم، أيها الإخوة أحبّاء الربّ، لأن الله قد اختاركم من البدء ليخلّصكم بتقديس الروح والإيمان الحقّ، وإلى هذا دعاكم بإنجيلنا". من البدء، أي منذ الأزل. إن بولس يقابل خيار الله بالنداء بالإنجيل. ونحن نقرأ في أف 1: 4 ما يوازي هذا الكلام: "اختارنا فيه من قبل إنشاء العالم". ولكن بعضهم زاد كلمة التسالونيكيين فاعتبر أن اليهود هم باكورة كنيسة تسالونيكي... ولكن أع يقول لنا إن اليهود الذين ارتدوا كانوا قلّة قليلة بالنسبة إلى اليونانيّين والنساء الشريفات.
وهناك برهان ثالث: استندت 2 تس إلى منابع الاسكاتولوجيا اليهوديّة، فاستقت الكثير من عالم العهد القديم. فاستعمال لفظة "الربّ" وتذكّر "المجد" المسيحاني (1: 5- 12)، والحديث عن الحقّ في المطلق (2: 10، 12، 13)، وعن التقاليد (2: 15)، وعن الشكر، كل هذا يجعلنا أمام جماعة أخرى. ولكن بولس قدّم أيضاً تعليماً عن النهاية في 1 تس. ثم إن عدداً من المرتدين اعتادوا أن يؤمّوا المجمع يوم السبت، وبالتالي أن يسمعوا الأسفار المقدّسة. لهذا، لجأ بولس إلى هذه الأسفار عينها ليقدّم برهانه حول المجيء.
بالإضافة إلى كل هذا، نتذكر أن 1 تس و2 تس قد توجّهتا إلى "كنيسة التسالونيكيين" لا إلى جماعة خاصة. ثم، لماذا نقول إن المتهوّدين وحدهما تطلّعوا إلى يوم الرب؟ فذاك تقليد عرفه كل أعضاء الجماعة.
ج- مناسبة الرسالة وهدفها
ننطلق من مسلّمات ثلاث: إن 2 تس دوّنت بعد 1 تس. أرسلت إلى الجماعة التي إليها أرسلت 1 تس. أبرزت بعض الأوضاع التي نجدها في 1 تس. بعد هذا نتحدّث عن مناسبة 2 تس وهدفها. ونتساءل: لماذا كتبت 2 تس؟
* تحذير المؤمنين
في بداية ف 2 نقرأ بوضوح عن مناسبة الرسالة وهدفها. طلب بولس من المؤمنين أن لا يضطربوا، بل يظلّوا هادئين حول انتظار مجيء الربّ واجتماعنا به. وحاول في كلامه أن يوضح الأمور ويهدئ العقول والقلوب. إذن، هناك أناس مخضوضون في تسالونيكي وهم يسيئون إلى الجماعة. فتوجّه بولس إلى المؤمنين ودعاهم إلى الحذر: "لا يخدعنّكم أحد بوجه من الوجوه" (2: 3).
ظنّ هؤلاء أن الربّ قد بدأ مجيئه الثاني وأنه يختفي في مكان من الأمكنة. كيف عرف المقلقون هذا الأمر؟ جاءهم وحي من الروح القدس. وقدّموا رسائل منسوبة إلى بولس. وقد أصاب الرسول: لم يأتِ بعدُ يوم الربّ. فهناك حدثان يعلنان عن مجيئه: حضور رجل الاثم والجحود.
* ردّ على تساؤل
بعد التحذير من "المعلّمين الكذبة"، يأتي الردّ. وصلت إلى بولس معلومات من تسالونيكي: "قد بلغنا أن فيكم قوماً يسلكون في الفوضى" (3: 11). وصل إلى بولس تقرير شفهيّ حول الاضطهادات، حول ثبات الكنيسة. وصوّر له هذا التقرير بلبلة المؤمنين بسبب ما يمال حول المجيء. كما عرف بولس أن بعض الاخوة لا يعيشون حسب القاعدة المسيحيّة، يعيشون في الكسل ويريدون أن "يأكلوا خبزهم" على حساب الاخرين. هذا ما يعارض تعليم الرسول ومثلَه.
هل نربط بين سلوك هؤلاء الكسالى وانتظار المجيء، وهل نقول إن المبلبلين هم أنفسهم أولئك الذين يرفضون أن يعملوا؟ لا يقرّب بولس بين الفئتين في 2 تس 3: 6- 15 ولا في 1 تس 4: 11- 12.
هنا نطرح سؤالاً أخيراً: متى كتبت 2 تس؟ لا نجد في الرسالة شيئاً محدّداً. فالعوان يقول لنا إن المرسلين الثلاثة ما زالوا معاً. وسفر الأعمال يجعلنا نفهم أننا ما زلنا في كورنتوس. قلنا إن 1 تس دوّنت في بداية سنة 51. يبقى أن نعرف العلاقة بين 1 تس و2 تس لنحدّد زمن تدوين 2 تس.
إن التشابهات بين الرسالتين جعلت الشرّاح يقفون في فئتين. فئة أولى تقول إن 2 تس دوّنت في الوقت الذي فيه دوّنت 1 تس، فجاءت الواحدة بلهجة أبوية والثانية بلهجة سلطوية آمرة. أو إن الزمان بين الاثنين قصير بدليل ما جاء في 2 تس 2: 5: "ألا تذكرون أني كنت أقول لكم دْلك وأنا بعد عندكم"؟
والفئة الثانية تعتبر أن الرسالة جاءت متأخرة. ربّما سنة 80. وقد دوّنها أحد تلاميذ بولس منطلقاً من أفكار 1 تس ومشدّداً على بعض منها. رأى أن الوضع الذي تعيشه كنيسته هو هو الذي عرفه بولس وكتب فيه، فلماذا لا يستعيد الأفكار عينها فيكون كلامه صدى لكلام رسول الأمم.
خاتمة
بدا الاتفاق شبه أكيد بأن 1 تس دوّنت في كورنتوس سنة 51، وأرسلت إلى تسالونيكي لكي تشجّع هذه الكنيسة الفتية التي تركها الرسول على عجل، التي تعرف الاضطهادات من اليهود ومن الوثنيين. فاليهود يعادونها لأنهم أحسّوا بوجود جماعة "تشبه" جماعتهم وقد تزاحمهم في إعلان التعبّد لله الواحد، بل تهدّد جماعتهم. والوثنيّون "رأوا" في كرازة بولس حديثاً عن "ملك" غير قيصر، وهذا ما يهدّد أمن المدينة ويجعل سلطة رومة تشكّك في ولاتها للامبراطوريّة. أما 2 تس، فالخط التقليديّ يعتبر أنها كتبت بضعة أشهر بعد 1 تس. أن بولس كتبها وأرسلها إلى تسالونيكي. ولكن الخط الثاني الذي بدأ يتوسّع يعتبر أن 2 تس دوّنت حوالي سنة 80 بيد أحد تلاميذ بولس وقد تكون أرسلت إلى تسالونيكي أو غيرها. فلا يُعقل أن يكتب بولس الأمور عينها في حقبة لا تتعدّى بضعة أشهر. وهنا نقول سواء كتب بولس الرسالة أو كتبها أحد تلاميذه، سواء وجّهت إلى تسالونيكي أو إلى كنيسة أخرى، فهي كلمة الله التي تتوجّه إلينا الآن. هذا ما نؤمن به ونترك للعلماء أن يبحثوا عن الإطار الحياتيّ الذي فيه دوّنت 2 تس. مثل هذا الاطار يساعدنا على قراءتها في الاطار الذي نعيشه اليوم.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM