دراسة في رؤيا إبراهيم

دراسة في رؤيا إبراهيم

التصميم
تتضمن رؤيا إبراهيم قسمين متميّزين. في القسم الأول (1- 8) نقرأ عن إبراهيم ابن تارح صانع الأصنام الذي ارتدّ إلى الإله الخالق. وينقسم القسم الثاني (9- 31) جزئين. يصوّر الجزء الأول (9: 1- 15؛ 1) ذبيحة إبراهيم ولقاء يوئيل مع عزازيل. ويورد الجزء الثاني (15: 2- 29: 19) رؤية رآها إبراهيم حين صعد إلى السماوات على جناحي حمامة برفقة رئيس الملائكة يوئيل. وبشكّل ف 30- 31 وحي الله لإبراهيم خلال عودته إلى الأرض.
قد يكون القسم الأول وُجد بمعزل عن القسم الثاني. أما القسم الثاني الذي يلمحّ إلى القسم الأول في 10: 13؛ 25: 1؛ 26: 2- 3، فقد عرف القسم الأول. هنا نشير إلى أن مخطوطات تضمّنت القسم الأول وما تضمّنت القسم الثاني.
الفن الأدبي
لا تدخل رؤيا إبراهيم كلها في الفن الجلياني. فالقسم الأول يرتبط بعالم المدراش. فحكاية إبراهيم مدمّر الأصنام تتجذّر في الها غادة (الاخبار) اليهوديّة القديمة كما في يوب (12: 12). وعمل إبراهيم الذي استعاده المؤرّخون المسيحيون، سيجد توسيعًا له في المدراش (برشيت ربا 38: 13). بل في القرآن الكريم (21: 59؛ 37: 91).
أما القسم الثاني فهو يرتبط بالعالم الجلياني. حين يصعد إبراهيم إلى السماء ينال وحيًا عن تاريخ العالم. ولكننا في الواقع أمام مدراش على تك 15: 9- 11.
سلم يعقوب ورؤيا إبراهيم
سلّم يعقوب مدراش حول تك 28: 12 ذات رنّة جليانيّة. نعرف الكتاب في نسختين سلافيتين. يعقوب يشبه إبراهيم (2: 3). يأتي من فندانة في سورية (ف 3). في رؤ ابر، فيقسم تاريخ العالم إلى اثنتي عشرة ساعة (29: 2، 7- 8، 11). وكذلك نقول عن السلّم التي شاهدها يعقوب (سلّم يعقوب 4): "السلّم التي رأيتها مع اثنتي عشرة درجة، ووجهين بشرييّن يتبدّل شكلهما في كل درجة ، تمثّل الدهر الحاضر. فالدرجات الاثنتا عشرة هي حقبات هذا الدهر. والوجوه الأربعة والعشرون، هي ملوك الشعوب الشريرة في هذا الدهر" وتتحدّث رؤا اب عن "أربعة مداخل" (29: 2، 7- 8، 11). ونقرأ الشيء عينه في سلّم يعقوب: "هؤلاء يقفون ضد شرّ نسلهم، ويجعلون هذا الموضع قفرًا بأربعة أبواب بسبب خطايا نسلهم. فباسم الآباء يُبنى معبد في هيكل اسم إلهك وإله آبائك. وبسبب إغضاب أبنائك، يكون قفرًا حتى المدخل الرابع في هذا الدهر، لأنك رأيت أربعة وجوه" (8 آ سلّم يعقوب 4). وأخيرًا، النشيد الذي ينشده إبراهيم (17: 8- 18) يُقابل مع صلاة يتلوها يعقوب. "أيها الرب، إله آدم و...أيها الرب، إله إبراهيم وإسحاق أبي وجميع الذين يسلكون أمامك في البرّ. أيها القدير الجالس على الكروبيم وعلى عرش النار المجيد، يا صاحب العيون الكثيرة كما رأيتك في حلمي. أنت تمسك الكروبيم ذوات الأربع وجوه. أنت تحمل السرافيم ذوات العيون العديدة. أنت تمسك كل الدهر في قدرتك، ولا يحمل شيء. لقد ثبتّ السماوات لمجد اسمك، وبسطت على غمام السماء، السماء التي تمتدّ تحتك. تحت السماء تجعل الشمس تتحرّك وتجعلها لا تفي في الليل لئلاً تُحسَب ربهًا. أقمت على السماوات طريق القمر والنجوم وأنميت (القمر) وأنقصته. وأمرت النجوم بأن تمرّ فلا تُحسب هي أيضًا آلهة. أمام وجه مجدك (وجهك المجيد) يسيطر الخوف على السرافيم ذوات الأجنحة الستّة التي تفتح بأجنحتها يديها ورجليها وتطير بواسطة الجناحين الباقيين وتنشد... أيها العلي، أنت الذي لك اثنا عشر وجهًا الذي تحمل عيونًا كثيرة، الذي أنت من نار، الذي نظره مثل البرق. يا قدوس، قدّوس، قدّوس، قدّوس. ياه، يهوه، يهوئيل... أيها الملك الأزلي والقدير والقوي والعظيم جدًا. أيها الرحيم والمبارك، يا من تملأ بمجدك السماوات والأرض والبحر والغمار وكل الأدهار. اسمع النشيد الذي أرفعه نحوك. امنحني الطلب الذي أوجهه إليك، وأعطني تفسيرًا لحلمي، لأنك إله قدير وقويّ ومجيد، وإله قدّوس. با ربّي ويا ربّ آبائي" (سلّم يعقوب 2).
وهكذا تنتمي رؤ أب وسلّم يعقوب إلى مدرسة واحدة.
وص أب ورؤ أب
اعتبر هذان الكتابان قريبين الواحد من الآخر. الشخص الرئيسي فيهما هو إبراهيم كما رُسم من جديد في التقليد. ولكن يبقى أن وص أب تبقى أصيلة بالنسبة إلى رؤ أب. تأسّس الكتابان على تفسير لما في تك 12: 1. أعطت الوصيّة للنص البيبلي معنى استعاريًا (عليك أن تخرج الآن من عالم الباطل هذا، عليك أن تترك جسدك (وص أب أ 1: 7). أما رؤ إبراهيم فتلفت النظر بالتفسير الحرفي: "أخرج من بيت أبيك ومن بيتك. مثلاً تُقتل أنت أيضًا في خطايا بيت أبيك" (8: 3). اقتربت الوصية في تفسيرها من مدرسة فيلون التي جعلت من الأمر الذي تلقّاه إبراهيم، نداء يوجّه إلى النفس لتترك الجسد: "أراد الله أن ينقّي النفس البشريّة، فبدأ وأعطاها نقطة انطلاق على طريق الخلاص الذي تمّ: لتنرك ثلاثة مجالات الجسد والحواس والكلمة المقالة" (الهجرة 2). بل إن هذا الخروج من الجسد، يقول في نظر فيلون، النفس إلى الانخطاف والرؤية. وحسب وص أب، دُعي أبو الآباء إلى أن يخرج من جسده ليُقبل في مشاهدة الكون (وص أب ب 7: 19؛ أ 9: 7 - 8). وتورد وصيّة إبراهيم مطوّلاً كيف أن إبراهيم الذي أخذه الملاك جبرائيل، رأى من أعلى السماء موضع الدينونة والكون كله (وص أب ب 10- 14؛ أ 10- 14). هذه السفرة السماويّة هي في الواقع مهلة أعطاها الله لإبراهيم قبل موته، وها هي أبدًا رؤية سماويّة.
أما في رؤ أب، فالوضع أكثر تشعبًا. عرف الكاتب تقليدًا قريبًا من ترجوم نيوفيتي (حول تك 15: 17) وكتاب عزرا الرابع (3: 14) ورؤيا باروك السريانية (4: 4) وفيه يرى إبراهيم رؤية ساعة الذبيحة في تك 15: 17. انطلق الكاتب من تفصيل يقول إن اليمامة والحمامة لم تذبحا، فاعتبرهما مطية توصل إبراهيم وياوئيل إلى السماء على أجنحتهما (15: 2). نقرّب هذا الكلام من تفسير فيلون الذي رأى في الطيرين رمزًا إلى طيران العقل عبر الأفلاك (ف يرث الالهيات 126: 230- 234). وهكذا يجمع كاتب رؤ أب خبر رؤية إبراهيم بين الحيوانات وخبر صعوده إلى السماوات.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM