القسم الرابع

القسم الرابع

رؤية الغابة والكرمة
35 (1) فمضيتُ أنا باروك إلى المكان المقدّس، وجلست بين الخرائب، فبكيت وقلت:
(2) "يا عينيّ، كونا كعيون ماء
وياجفني عينيّ ينبوع دموع!
(3) فكيف أقدر أن أبكي كفاية على صهيون،
وكيف أحزن كفاية على أورشليم؟
(4) ففي هذا الموضع الذي أسجد فيه الآن
قدّم عظيم الكهنة في الماضي تقدمات مقدّسة
وقرّب دخان العطور برائحتها المرضيّة.
(5) أما الآن، فتبدّل فخرنا إلى تراب،
وأشواق نفوسنا إلى غبار"!
36 (1) حين قلتُ هذا، نمت هناك ورأيت في الليل رؤية: (2) غابة غُرست في سهل تحيط به الجبال العالية بقممها الصخريّة. (3) وتجاه هذه (الغابة) انتصبت كرمة يجرى تحتها ينبوع هادئ. (4) غير أن هذا الينبوع وهل إلى الغابة، فتحوّل أمواجًا قوية، وغمرت الأمواج هذه الغابة وقلبت جميع الجبال التي تحيط بها. (5) فانخفضت عظمة الغابة وانحطّت قمّة الجبال. وصار هذا الينبوع قويًا جدًا بحيث لم يترك شيئًا من هذه الغابة الواسعة سوى أرزة فريدة. (6) ولما قلب هذه الشجرة أيضًا. ودمَّر واقتلع هذه الغابة الواسعة من جذورها فما ترك فيها شيئًا بحيث لم يُوجد موضعها، جاءت هذه الكرمة مع الينبوع بسلام وهدوء غظيمين. فبلغت إلى موضع غير بعيد عن الأرزة، فقُرِّبت إليها الأرزة التي قُلبت. (7) نظرت فرأيت أن الكرمة فتحت فاها وتكلّمت. فقالت للأرزة: "أما أنت الارزة التي بقيت من الغابة الشرّيرة. فالشرّ لا الخير، كان يتواصل بيديك ويتمّ طوال كل هذه السنين. كنت سيّدة على كل ما لا يخصّك، وما أشفقت على ما يخصّك. (8) مررت سلطانك على جميع الذين ابتعدوا عنك، وأمسكت بشباك كفرك جميع الذين اقتربوا منك. تشامخت في نفسك دائمًا وكأنه يستحيل اقتلاعك. (9) أما الآن فتسارع زمنك وجاءت ساعتك. (10) فامضي أنتِ أيضًا أيتها الأرزة، على خطى الغابة التي مضت أمامك، وكوني غبارًا معها وليختلط ترابكما. (11) نامي الآن في القلق، وارتدي في العذاب، حتّى يأتي زمنك الأخير الذي فيه تأتين أيضًا ليزداد عذابك عذابًا".
37 (1) بعد هذا، رأيت تلك الارزة تحترق والكرمة تنمو. فهي وكل ما يحيط بها صارت حقلاً مليئًا بالزهور لا تذبل. أما أنا فاستيقظت ونهضت.
38 (1) فعلّيت وقلت: "أيها الرب سيّدي. أنت تنير في كل زمن أولئك الذين يسيرون في الفهم. (2) شريعتك حياة، وحكمتك استقامة. (3) فعرّفني مدلول هذه الرؤية. (4) فأنت تعلم أن نفسي تنكبّ في كل وقت على شريعتك وأني ما ابتعدتُ منذ أيامي الأولى عن حكمتك".
مدلول الرؤية
39 (1) فأجاب وقال لي: "يا باروك، هذا هو مدلول الرؤية التي رأيتها. (2) حين رأيت غابة واسعة تحيط بها جبال عالية ووعرة، فهاك تفسيره (3) ها تأتي أيام تدمَّر فيها تلك المملكة التي دمّرت صهيون. وتخضع لتلك التي تأتي بعدها. (4) ولكن بعد زمن، ستدمَّر هذه (المملكة) أيضًا، وتجيء مملكة ثالثة تسود أيضًا في وقتها ثمّ تدمَّر. (5) بعد هذا، تجيء (مملكة) رابعة تكون سلطتها قاسية وأقسى من (سلطة) (الممالك) الأخرى التي سبقتها. فتحكم أزمنة طويلة مثل غابات السهل وتسود أزمنة، وترتفع أكثر من أرزات لبنان. (6) بها تُخفى الحقيقة. وبقربها يلتجئ جميع الذين تنجّسوا بالكفر، على مثال الوحوش التي تلتجئ وتنساب إلى الغابة. (7) وهذا يحصل حين تُكشف أولويّة مسيحي الذي يشبه الينبوع والكرمة حين يُكشف، يقتلع جماعتها العظيمة. أما الأرزة المرتفعة التي رأيتها، والتي لبثت وحدها في هذه الغابة، والكلمات التي سمعت الكرمة توجّهها إليها، فإليك تفسيره:
40 (1) "الرئيس العظيم الذي يظلّ في ذلك الوقت على قيد الحياة، ساعة يدمَّر جمهور جماعاته، يُقيَّد ويؤخذ إلى جبل صهيون. فيتهمه مسيحي بكل كفره، ويجمع أمامه كل أعمال جماعاته. (2) ثم يقتله ويحمي بقيّة شعبي الذي يُوجد عند ذاك في الموضع الذي اخترته. (3) وتدوم أولويّته إلى الأبد، إلى أن ينتهي عالم الفساد وتتمّ الأزمنة التي أُعلنت. (4) تلك هي الرؤيا (التي رأيتها)، وذاك هو مدلولها".
أهمية نهاية الحياة
41 (1) فأجبت وقلت: "لمن يكون هذا ولأي عدد من الناس؟ ومن يستحقّ أن يعيش في ذلك الزمن؟ (2) سأقول في حضرتك كل فكري، وسأسألك عمّا في خاطري. (3) فها أنا أرى الكثيرين من شعبك الذين ابتعدوا عن عهودك وألقوا بعيدًا عنهم نير شريعتك. (4) ولكني رأيت أيضًا آخرين تخلّوا عن باطلهم ولجأوا إلى جناحيك.
(5) فما الذي يحصل لأولئك، وكيف يتقبّلهم الزمن الأخير؟ (6) أترى يُوزن زمنهم باعتناء ويُدانون حسب الاتجاه الذي يميل به الوزن"؟
42 (1) فأجاب وقال لي: "سأريك هذا أيضًا. (1) أمّا ما قلته "لمن يكون هذا ولأي عدد من الناس" (أجيبك): إن الذين آمنوا يصيبهم خير أنبئ به، والذين هزئوا يصيب عكس هؤلاء (3) . أما ما قلت عن الذين اقتربوا وعن الذين ابتعدوا، فإليك التفسير: (4) فالذين خضعوا أولاً ثمّ ابتعدوا لكي يمتزجوا بنسل الشعوب الممزوجة يأتي زمنهم أولاً ويُدان من العلاء. (5) أما الذين بدأوا بالجهل ثم عرفوا الحياة وامتزجوا بنسل الشعب المنفصل يأتي وقتهم بعد ذلك ويدان من العلاء.
(6) فترث الأزمنة الأزمنة، والأجيال الأجيال، ويتقبّل بعضهم بعضًا. وفي النهاية يُقابل كل شيء حسب قياس الأزمنة وحسب ساعات أجيالها. (7) فالفساد يمسك الذين يخصّونه، والحياة الذين يخصّونها، ويُدعى التراب فيقال له:
"رُدَّ ما لا يخصّك، وقدِّم كل ما احتفظت به لزمانه".
43 (1) وأمّا أنت يا باروك، فوجّه قلبك لما قيل لك، وأفهم ما أُريت، لأنك تمتلك تعزيات عظيمة مدى الدهر. (2) فتمضي من هذا المكان، وتعبر هذه الأمكنة التي تستطيع أن تراها الآن. وتنسى كل الأمور الفاسدة، ولن تتذكّر أولئك الذين هم وسط الموتى. فامضِ ومُر شعبك، ثمّ تعالَ إلى هذا المكان وهُم بعد ذلك خلال سبعة. عندئذ أجيء إليك وأكلّمك".
خطبة للشيوخ.
44 (1) فمضيتُ أنا باروك ، وجئتُ إلى شعبي. ودعوت ابني البكر، وجدليا صديقي، وسبعة من شيوخ الشعب وقلت لهم:
(2) "ها أنا ماضٍ إلى آبائي
حسب طريق الأرض كلها.
(3) أمّا أنتم فلا تحيدوا عن طريق الشريعة،
بل اتبعوها وعلّموا الشعب المتبقّى
ألاّ يحيد عن وصايا القدير.
(4) فترون برَّ ذاك الذي نخدم،
وأن خالقنا لا يحابي الوجوه.
(5) أنظروا ما حصل لصهيون،
وما أصاب أورشليم!
(6) فدينونة القدير تجلّت
وطرقه المستقيمة لا تُفحص.
(7) إن لبثتم أفعال وأقمتم في مخافته،
إن لم تنسوا شريعته،
تكون لكم أزمنة خير،
وترون عزاء صهيون.
(8) فما هو الآن ليس بشيئ.
ولكن ما سيأتي يكون عظيمًا جدًا.
(9) فكل ما يفسر يزول،
وكل ما يموت يمضي،
وكل الزمن الحاضر يُسلم إلى النيسان،
فلا يذكرون هذا الزمن الحاضر
الذي تنجّس الآن بالشرور.
(10) فالذي يجري الآن يجري باطلاً،
والذي ينجح الآن يسقط سريعًا ويُذلّ.
(11) ما سيأتي نرغبه
وما سيحصل بعد نرجوه
(12) هناك زمن لا يعبر،
ويأتي جيل يدوم مدى الدهر:
هو عالم جديد لا يقود إلى الفساد
أولئك الذين دخلوا بدايته،
(عالم) لا يشفق على الذاهبين إلى العذاب،
بل يقود إلى الهلاك أولئك العائشين فيه.
(13) فالذين يرثون هذا الزمان المذكور،
لهم ميراث الزمن الموعود
(14) فهم قد هيّأوا كنوز الحكمة،
ووُجدت عندهم مخازن الفطنة،
وما ابتعدوا عن الرحمة،
وحفظوا حقيقة الشريعة.
(15) لهم يُعطى العالم الآتي،
أما مسكن الآخرين كلّهم ففي النار.
45 (1) "فأنتم شجّعوا الشعب قور المستطاع. فهذا العمل هو عملنا. (2) فإن علمتوهم منحتموهم الحياة".
46 (1) حينئذ أجاب ابني وشيوخ الشعب قائلين:
"إلى أي حدّ يريد القدير أن يذلّنا
حتى يختطفك منّا بسرعة؟
(2) سنكون حقًا في الظلمة
ولن يكون نور للشعب المتبقّى.
(3) فأين نستطيع بعد أن نطلب الشريعة؟
ومن يمكنه أن يتميّز لنا الموت والحياة"؟
(4) فقلتُ لهم:
"لا أقدر أن أقاوم عرش القدير!
ولكن لا يعدم إسرائيل من حكيم.
ولا نسل يعقوب من ابن الشريعة.
(5) فهيّئوا فقط قلوبكم لطاعة الشريعة
وللخضوع للحكماء، والفهماء، في مخافة (الله).
وأعدّوا لنفوسكم لئلاّ تبتعدوا عنهم.
(6) فإن صنعتم هذا،
تأتيكم المواعيد التي أعلنتها لكم،
ولن تسقطوا في العذاب
الذي شهدت به لديكم".
(7) غير أني لم أعلمهم كما (لم أعلم) ابني بأني سأخطف.
47 (1) لما هممت بالخروج والاستئذان منهم، مضيتُ قائلاً لهم: "ها أنا ماضٍ إلى حبرون، لأن القدير يرسلني إلى هناك". (2) فمضيتُ إلى المكان الذي فيه جاءت إليّ كلمة الله. فجلستُ هناك وصمتُ سبعة أيام.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM