الفصل الرابع عشر: بناء الجسد ونموه

لفصل الرابع عشر
بناء الجسد ونموه

هنا تبدأ سلسة التحريضات الأخلاقيّة: "أحرّضكم إذن". لسنا فقط أمام تطبيق بسيط للمبادىء التي قرأناها في ف 1- 3، بل أمام توسّعات جديدة حول علاقة المسيح بالكنيسة، حول المعموديّة والخليقة الجديدة. ونبدأ بنظرة عامة إلى ف 4 حيث تقف منابع الوحدة تجاه الشقاق والهرطقة، حيث تتحقّق الوحدة في ديناميّة من النموّ تصل بنا إلى من هو الرأس، يسوع المسيح.

1- نظرة عامة
ها هو منعطف الرسالة الذي أعلن في المقدّمة. بدأت المباركة فقدّمت لنا ف 1- 3، وجاء التحريض ينعش ف 4- 6. هذه الملاحظة لا تؤثّر على الوحدة الأساسيّة في النصّ: وحدة لاهوتيّة: الله يخلّصنا في مسيحه ويجعلنا من أهل البيت. وحدة أدبيّة: فرغم الاختلافات، ما زال المناخ هو هو. ثم إنه كان للتحريض ذروة مع 2: 10: وخلقنا في المسيح يسوع للأعمال الصالحة التي أعدّها الله من قبل لنسلك فيها". كما سيكون للاحتفال الليتورجي مكانه في 4: 4- 16 حول جسد المسيح. وفي 5: 24- 32 حول أعراس المسيح والكنيسة.
يرد فعل "باراكالو"، أحرّض، بشكل عنوان يفتح الطريق إلى ما يلي. فالتحريض في أف يجمع ميزات خاصة بهذا الفن الأدبي وحسب التقليد البولسي. فالفعل يعني: حرّض، عزّى، شجّع، رافع، دافع، أعان، أعاد الاعتبار إلى شخص. هذا هو المعنى البيبلي مع لغته القانونيّة. هذا هو المعنى في إنجيل يوحنا. فالتحريض يتوجّه إلى جماعة تقبّلت الإنجيل: كيف يستطيع (كيف يجب) هذا الإنجيل أن يتّخذ حياة فيها؟ كيف يصبح كلمة حياة في كل عضو من أعضائها؟
ويرافق فعل "حرّض" الأداة "إذن". هناك شيء سابق كان التحريض نتيجته. فالتعليم الرسولي يواصل إعلان الكتاب المقدّس. كل شيء يبدأ بنجاة وخلاص، بانتزاع المؤمنين من العبوديّات. كل شيء يبدأ بنشيد المباركة والميثاق على الشاطىء الآخر من البحر. بعد أن عبر العبرانيون البحر الأحمر ونجوا من الخطر المحدق بهم، أنشدوا: "الخيل وفرسانها رماهم في البحر" (خر 15: 1). استعاد الربّ شعبه. عاد الشعب إلى الحرية فدُعي إلى الخدمة والعبادة الحقة، دُعي إلى اتباع الربّ. وهذا ما نقوله عن شعب المسيح: نجا في موت يسوع وقيامته، فدُعي إلى السير في الحياة الجديدة. دشنّ الفصح طريقاً، وكانت الكلمة الأساسيّة فيه "سلك، سار" التي تكرّرت خمس مرات في ف 4- 6. "أحرّضكم أن تسلكوا مسلكاً يليق بالدعوة التي ندبتم إليها" (4: 1). "أناشدكم في الربّ أن لا تسلكوا من بعد على غرار الأمم، الذين يسلكون في بطل عقلهم" (4: 17). "اسلكوا في المحبة، على مثال المسيح الذي أحبّكم" (5: 2). "أنتم نور في الربّ، فاسلكوا كأبناء النور" (5: 8). "إحترصوا أن تسلكوا كما يجب (تنبّهوا إلى سلوككم، كيف تسلكون، تنبّهوا إلى مشيتكم). لا مسلك الجهلاء بل مسلك الحكماء" (5: 15؛ رج 2: 2، 10).
أخيراً يتوجّه التحريض إلى الكنيسة "في الربّ" (إن كيريو). نترك منطقة تغطّيها عبارة "في المسيح" (إن كرستو) حيث نحتفل بالتحرّر المسيحاوي، لكي ندخل في خدمة الربّ. هذه الحدود اللغويّة (التي لا تفصل الربّ عن المخلّص) تدلّ على أننا ننتقل من الماضي والحاضر إلى صيغة الأمر (احتملوا بعضكم... اجتهدوا...). إن عبارة "إن كيريو" تؤسّس نظام المسيرة في الحرّية والغفران اللذين نلناهما في المسيح. والإشارة المتكرّرة إلى الربّ (4: 1، 5، 17؛ 5: 8، 10، 17، 19، 20، 22؛ 6: 1، 4، 7، 8، 9، 10، 21، 23، 24) تدلّ على أننا في عالم التحريض والسلطات والعلاقات. وفي فعل التحريض تؤسّس عبارةُ "إن كيريو" (في الربّ) علاقة جديدة تضمّ المحرِّض، المحرّض، التحريض: انتماء مشترك، سلطة معترف بها، حنان وثقة.
أما موضوع التحريض فهو الحياة المسيحيّة. جُعل في إطار المعموديّة، فتوسّع في اتجاهين أساسيين ومتكاملين: تكوين جسد الكنيسة، تحقيق خلقيّة شخصيّة. هذان الخطّان لا يتوازيان، بل يتداخلان الواحد في الآخر، ويمتزجان في تكوين الإنسان الجديد، في تكوين جماعة من الأفراد يشاركون في الوحدة. إن وحدة الكنيسة، والأخلاق، والعلائق الاجتماعية، والالتزام المسيحي، كل هذا سيكوّن لحمة ف 4- 6.
وهكذا ترتبط الفصول الأخيرة بالفصول الأولى، فلا يكل ن لبعضها معنى مستقلّ عن البعض الآخر. هنا يلتقي التحريض مع الارشاد. والرسول لا يقدّم مبادىء ولا شريعة. ولكنه يذكّر المعمدين بمتطلّبات اتحّادهم بالمسيح. وهو لا يني يشهد لنعمة الله التي تخلّص وتغفر. فالمعموديّة هي المرتكز الذي يستند إليه هذا التعليم الذي يريد أن يخمّر العالم.
تأسّست بنية التحريض على المعموديّة، فجاءت بشكل تعارض. عرف سفر التثنية الطريقين. والرسالة إلى أفسس موت المسيح وقيامته. فالكلام واضح بشكل خاص في كو: "فلئن كنتم قد متّم مع المسيح" (2: 20). لا أما وقد قمتم مع المسيح" (3: 1).
بدأ التحريض في 4: 1. ولكن منذ آ 4، تحوّل إلى احتفال وتعليم حول الكنيسة والخدمة في خطّ 1- 3. وإذ أراد الكاتب أن يستعيد أسلوب التحريض في آ 17، إحتاج إلى إشارات خاصة: "إذن"، "في الربّ"، "هذا ما أقول وأشهد"، "أسلكوا".
أما تأليف ف 4- 6 فيبدو كما يلي: بداية الكلام إلى المعمّدين (4: 1- 3). وحدة جسد المسيح ونموّه (4: 4- 16). عودة إلى التحريض: من قبل... منذ الآن (4: 17- 5: 20). متابعة التحريض حول العلاقات الاجتماعيّة الجديدة وسر الكنيسة (5: 21- 6: 9). نهاية التحريض والإشارة إلى أسلحة النور (6: 10- 20). وينتهي كل هذا بالتحيّة وبعض المعلومات (6: 21- 24). ونتوقف بشكل خاص عند ف 4، مع ما فيه من نداء إلى الوحدة والحياة الجديدة في المسيح.

2- بداية التحريض (4: 1- 3)
يبدأ التحريض مع بداية ف 4 ويتوقّف سريعاً. فمنذ آ 4 تختفي صيغة الأمر. كانت: احتملوا، اجتهدوا. فصارت "دعيتم، أعطيت" (آ 4، 7). وقد كانت محاولات لتقسيم 4: 1- 16. الأولى: تحريض على الوحدة (آ 1- 3: وحدة الروح برباط السلام). اعتراف الإيمان (آ 4- 6: الإيمان الواحد). صحّة "الجسد" ونموّه (آ 7- 16: بنيان جسد المسيح). ومع صيغة المتكلّم الجمع (نحن) في آ 7 (أعطيت لكل واحد منا) يبدأ توسّع حول الكنيسة. والمحاولة الثانية تضمّ آ 4- 6 مع ما يلي: إن نموّ جسد المسيح يستند إلى الإقرار بوحدته. وهكذا تكون آ 1- 3 المقدمة، وآ 4- 6 الانتقالة، وآ 7- 16 الموضوع.
في آ 1، بولس هو سجين، هو أسير، كما في 3: 1. واختفت عبارة "أنا بولس". "أسير الربّ"، صارت "الأسير في الربّ". "سلوك يليق". لسنا أمام درجة من الكرامة، بل أمام توافق بين التصرّف والإيمان الذي نعترف به. وهنا توافق مع الدعوة التي وُجّهت إلينا.
أن تسيروا، أن تسلكوا. هذا ما يدلّ على التصرّف المسيحيّ في التقليد البولسيّ واليوحناويّ في خطّ السبعينيّة (هـ ل ك في العبرية): الإنسان يسير على الأرض أمام وجه الربّ (تك 17: 1).
في آ 2، "بكل تواضع ووداعة وصبر" ترتبط بما سبق، بـ "سلك"، فتدلّ على ما يميّز الحياة المسيحيّة. ولكن إذا عدنا إلى التوازي مع كو 3: 12- 13، نربط هذه العبارة بما لحق: إحتملوا بعضكم بعضاً بكل تواضع ووداعة وصبر. وهكذا نكون أمام "تطويبات" العهد الجديد. "طوبى للودعاء" (مت 5: 5). ما قيل في خطبة الجبل عن الملكوت، يُقال هنا عن جسد المسيح مع غياب لفظة "طوبى" (هنيئاً). وهذه الأمور التي هي التواضع والوداعة والصبر توافق تلك التي يُدعى المعمّد إلى أن يلبسها في كو 3: 12: إنها تدلّ على الإنسان الجديد كما تدلّ على المسيح نفسه (مت 18: 4؛ 23: 11- 12؛ فل 2: 3- 8؛ مت 18: 26- 29؛ 1 تس 5: 14؛ روم 9: 22).
في آ 3، الوحدة والسلام. هما مهدّدان دوماً في الجماعة. هذا النداء هو صدى لتوحيد الكون في المسيح (1: 10؛ كو 1: 20) وتوحيد الأمم واليهود في شعب الله الواحد. والعلاقات المتبادلة هي التعبير الأساسيّ عن هذا الكلام. أما الوحدة فهي الوحدة التي يعطيها الروح القدس. فيجب أن نحفظها كما يحفظ التلاميذ كلمة يسوع ووصاياه، على ما يقول يوحنا. تعود هذه العبارة إلى كو 3: 14- 15. في كو، كان الحبّ اللحمة التي تحافظ على المدة. وذُكر السلام فيما بعد. أما في أف فالسلام يُذكر أولاً وهو يلعب دوراً مشعاً في الرسالة كلها. وسيُذكر الحبّ فيما بعد وسيكون الكلمةَ الأخيرة في آ 4- 17: "حتى إذا تأصّلتم في المحبّة وتأسّستم عليها".
المحبّة تمنح السلام. أما هنا فالسلام الذي نحصل عليه يحافظ على الوحدة، ويحيط بالجماعة كما بحزام. ويتفجّر هذا التحريض الأخير كالشرارة فيشعل التوسّع الذي يليه وعنوانه "وحدة جسد المسيح ونموّه" (4: 4- 16).

3- وحدة الجسد ونموّه (4: 4- 16)
أ- دراسة النصّ
في آ 6، في الكل، في كل (منا). يأتي وراء هذه اللفظة "نحن". في جميعنا. أو: "أنتم": في جميعكم. هذا في البازي ومخطوط 09، 012، 18. أما الشكل القصير (بدون الضمير) فهو شكل المخطوطات القديمة. إن الضمير (نحن، أنتم) يحصر حضور الله في المؤمنين. وغياب الضمير يجعل الكلام يتّخذ بعداً أوسع وأشمل فيكون الاله في كل واحد وفي كل شيء.
في آ 7، حذف الفاتيكاني والبازي ومخطوط 09، 012، 020، 024 أل التعريف من أمام لفظة "نعمة". لكل واحد أعطيت نعمة. حينذاك لم نعد أمام النعمة السميا والموهبة المعطاة لكل واحد منا. هذا ما يقودنا إلى قراءة أف في خط روم 12 أو 1 كور 12 حيث يهتمّ بولس بمختلف المواهب الموزّعة على هؤلاء وأولئك لخير الجميع. ولكن يحفظ الـ التعريف (النعمة قد أعطيت) مع البرديّة 46، والسبنائي والإسكندراني،... ويتابع البازي فيُحلّ حرف العطف (كاي) محلّ الأداة "حسب" (كاتا). لا نعود نقرأ: "حسب (على مقدار) موهبة المسيح"، بل تصبح النعمة هي الموهبة وتزول فكرة المقدار.
في آ 9، زاد الفاتيكاني وغيره "بروتون" (أولاً) فدلّ على المراحل، وأغفلت بعض الشهود "ماري" أي الأقسام والمناطق (المناطق السفلى في الأرض). فقرأت فقط "أسافل الأرض".
في آ 13، صارت معرفة ابن الله، "معرفة الله" في 09، 012، وبتأثير من كو 1: 10 (تنموا في معرفة الله) ومن أف 1: 17.
في آ 14، أكمل الإسكندراني العبارة فزاد "الشيطان" بتأثير من 4: 27 (لا تتركوا لإبليس مكاناً) و6: 11 (مقاومة مكايد إبليس)، فصار النصّ: "يقودونهم بالحيلة إلى ضلال الشيطان (أو: إبليس)".
في آ 16، أحلّ الإسكندراني والإفرامي ومخطوط 144 وعدد من المخطوطات الجرّارة والترجمات، "أعضاء" (مالوس) محل "أقسام" (ماروس). كانت: "حسب العمل المناسب لكل قسم". فصارت: "العمل المناسب لكل عضو" (رج 4: 25: "نحن أعضاء بعضنا لبعض").

ب- تحليل النصّ
تأثّر التحريض بما في كو 3: 12 فذكرنا فل 2: 1- 4 حيث التلميحات إلى تمزّقات داخليّة أكثر وضوحاً، وحيث الدعوة إلى الوحدة حملت إلينا المديح الكرستولوجي (فل 2: 5- 11) الذي يحتفل بمسيرة الربّ ويبدو كينبوع كل حياة كنيسته. وهذا ما نجده تقريباً في أف 4 حيث الحضّ على الوحدة يحمل إلينا إعلاناً عمادياً ينشد الإيمان بالله الواحد، بالروح والربّ والآب. ويبدو تأليف هذا المقطع كما يلي:
* تبدو آ 4- 6 صدى للنداء إلى وحدة الإيمان مع تكرار لفظة "واحد". أما آ 5 فتبدو مثلَّثة ومتوازنة: رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة.
* تبدأ آ 7 مع "واحد"، التوسّعَ الذي سيمتدّ دفعة واحدة حتى آ 16. يحيط بهذا المقطع تضمين يلفت الإنتباه. في آ 7 "لكل واحد منا". في آ 16: "لكل واحد، لكل عضو". كما نجد هنا ضمير المتكلّم الجمع (نحن). منذ آ 4 غاب ضمير المتكلّم الجمع (أنتم، بدعوتكم دعيتم) ولن يعود يظهر إلا في آ 17 (فأوصيكم إذن).
* إن المقطع التعليميّ والغنائيّ يجمع التعليم والإنشاد، كما اعتدنا أن نرى في أف. هناك إيراد (آ 8) وتفسيره حسب أسلوب المدارش (آ 9)، ثم إنشاد (آ 10- 11) وصورة عن الجسد في ملء نموّه.
بُني المقطع على فعل "أعطى" (أعطيت النعمة)، وعلى هذا العمود شُيّد البناء، فدلّ البناء على الغائية. في آ 12، نجد ثلاثة تعابير هدفية: لتنظيم القدّيسين، لأجل عمل الخدمة، في سبيل بنيان جسد المسيح. في آ 13: إلى الوحدة، إلى الإنسان البالغ، إلى ملء اكتمال المسيح. في آ 14: لئلا (هينا) تنتزعنا من حالة "الولدنة" فتقودنا إلى ملء النموّ. "لا نكون بعد أطفالاً".
في آ 16، بدا الموصول (الذي) وكأنه يعود إلى المسيح، ينبوع مسيرة البناء الديناميكيّة. ولكنه انطلق من جديد نحو الهدف الأخير وهو "بناء الجسد" كما في آ 12. وترد عبارة "في المحبّة" فتذكّرنا بما في 1: 4، 6؛ 3: 7. إنطلقنا من "أعطى" فوصلنا إلى الهدف (في المحبّة) بفعل حروف الجر وغيرها.
* نلاحظ ما يتعلّق بالعطاء (يرد 10 مرات إسماً وفعلاً). وموضوع العطاء يحمل إلينا الإيراد الكتابي وتفسيره والاستعارتين (البيت، الجسد) اللتين تتبعانه.
* ما وُضع في الهتاف (آ 4- 6)، تم في تفسير مز 68 (آ 7- 10)، ومجمل مشروع الله المسيحاوي يتحقّق في نموّ جسد المسيح الذي هو ثمرة ارتفاع الرأس نتيجة لانتصاره. ومن أجل هذا النموّ تلعب الخدم دوراً حاسماً.

4- الحياة الجديدة في المسيح (4: 17- 32)
أ- دراسة النصّ
في آ 19، جعل النصّ الغربيّ "يئسوا" (كانوا بلا رجاء) بدل "تغرّبوا" بتأثير من 2: 12: بدون مسيح، غرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لكم.
في آ 23- 24، جعل عدد من المخطوطات (برديّة 46، السينائي، الفاتيكاني، البازي) صيغة الأمر بدل المصدر بالنسبة إلى فعل "تجدّد" و"لبس". تجدّدوا، البسوا، بدل "أن تتجددوا، أن تلبسوا". المعنى هو هو وإن تبدّلت الصيغة.
في آ 28، "عاملاً بيديه الخاصتين ما هو صالح". هناك اختلافات. الأولى: تلغي كلمة "الخاصتين". الثانية: جاء "ما هو صالح" (اغاتون) في البداية. الثالثة: مُزجت هاتان الاختلافتان. قد تكون "خاصتين" قد دخلت بتأثير من 1 كور 4: 12: "نتعب عاملين بأيدينا الخاصة".
في آ 29، جعل النص الغربي "الايمان" فصارت العبارة: لبناء الايمان، لا "لبناء المجال" بتأثير من آ 27: "لا تتركوا لابليس مجالاً".
في آ 32، قرأت برديّة 49 والفاتيكاني والبازي والمخطوط 44، "نحن" بدل "أنتم". تدلّ الاختلافة على أن العودة إلى الغفران تبدو كمديح للإيمان كما في 4: 25 ب (نحن أعضاء بعضنا لبعض). هناك من يقرأ: "كما سامحكم الله في المسيح". وهناك: "كما سامحنا الله بالمسيح".

ب- تحليل النصّ
لن نتوقّف هنا عند نهاية ف 4، بل نصل إلى 5: 21. فالكاتب يستعيد في 4: 17 التحريض الذي يمتدّ حتى 5: 22 حيث يتوجّه الرسول إلى فئات خاصة من المؤمنين. فإن 5: 21 يشكّل وصلة تختتم التحريض العام وتدعو المؤمنين إلى الخضوع المتبادل. "كونوا خاضعين بعضكم لبعض في مخافة المسيح".
ترد المجموعة 4: 17- 5: 21 في صيغة المخاطب الجمع (أنتم) وفي الأمر: انبذوا الكذب. كلّموا بعضكم. اسخطوا ولا تخطأوا، كونوا مقتدين بالله. نحن هنا أمام مواضيع تقليديّة من الفقاهة الاخلاقيّة التي عرفها العهد الجديد بطريقة شفهيّة أو مكتوبة، ظهرت آثارها مثلاً في كو وروم.
أولاً: إشارات تسند الكلام
* إذن (أون). في 4: 17 (رج 4: 1)؛ 5: 1، 7، 15: اقول إذن. كونوا إذن... لا تشتركوا إذن... فاسهروا إذن.. نحن هنا في التقليد البولسيّ الأمين لما في الكتاب المقدس: يربط الفرائض بتدخّلات تحرّرية سابقة. يربط شريعة سيناء بتدخّلات سفر الخروج. والأخلاقيّة المسيحيّة بتدخّلات المسيح.
* كما، حسب (كاتوس كاي). في 4: 17، 21، 32؛ 5: 2، 3: لا تسلكوا كما يسلك الأمم. حسب الحقيقة التي في يسوع. سامحوا كما سامحكم (أو: سامحنا) الله. سيروا في المحبة على مثال (كما) المسيح. كما يجدر بالقدّيسين. هذه الأداة تدلّ على ما يدفعنا إلى التصرّف المفروض. نقرأ في روم 15: 7: "إقبلوا بعضكم بعضاً لمجد الله كما قبلكم المسيح". وفي كو 3: 13: "كما سامحكم الربّ، سامحوا أنتم أيضاً". ونجد هذه الأداة بشكل خاص في الإنجيل الرابع. "أحبّوا كما أنا أحببتكم". إنها تدلّ على نموذج الحياة المسيحيّة. فإن "كما" ليست فقط أداة مقابلة، بل هي تحدّد موقفاً وتصرّفاً. أعماله الربّ هي أساس أعمال المؤمن. وحياة الإيمان تخضع لحياة الله.
أوّل "كما" (4: 17) هو سلبيّ: نحن نرفض النموذج الوثني (لا تسلكوا). وسوف نجد الموقف الإيجابي في 5: 3: "كما يليق بالقدّيسين". وما تبقّى (أي: 4: 21، 32...) هو إيجابي، وهو يجعل من الحقيقة والمسامحة والمحبة التي في المسيح ينبوع الحياة (رج 5: 22، 29 وتصرّف المسيح تجاه كنيسته). وهكذا تستطيع "كما" أن تلمّح إلى تعابير أيمانيّة عرفها القرّاء (كما في 4: 20: أما أنتم، فما هكذا تعلّمتم المسيح). في 4: 32، عبارة "كما سامحنا المسيح" (رج كو 2: 13؛ 3: 13) هي إيراد، وهذا ما يدلّ عليه "نحن" الذي لا يرتبط بالتحريض، بل بمديح الإيمان. وهناك تعبير آخر عن الإيمان في 5: 2 مع فعليَ "أحبّ" و"بذل" اللذين اجتمعا في غل 2: 20 (رج روم 4: 25؛ 8: 32).
في انجيل يوحنا تدلّ "كما" على علاقة بين الآب والابن. وهنا يرتبط اللاهوت الخلقيّ بموضوع الاقتداء بالله (هو واضح في 5: 1) والنداء إلى اتّباع يسوع كما في التقليد الإزائيّ. في أف تتعاقب أفعال تتحدّث عن الخلاص: سامح، أحبّ، بذل... وهكذا يبدو عالم الاخلاق نقلاً لعمل الله الخلاصّي عبر التصرّف البشريّ اليوميّ.
* حسب (كاتا، هي قريبة من كاتوس، ومن هوتوس). تدلّ على النوعيّة، على النمطيّة. في 4: 22 نجد "الإنسان العتيق" الذي يقابل "الإنسان الجديد" (4: 24)، الذي خُلق "حسب الله". هنا الاقتداء، وهناك الصورة. إن عطيّة الفصح تندمج مع عطية التكوين والخلق.
* لأن (هوتي). نجد أيضاً ثلاثة اعتبارات تبدأ مع "هوتي". دخلت كبراهين تدلّ على السلطة، فأخذت من تعاليم القدّيس بولس. في 4: 25: "لأنكم أعضاء بعضكم لبعض" (روم 12: 4، 5). في 5: 5: "لأن الفاجرين... يُستبعدون من ملكوت الله" (رج 1 كور 6: 9). في 5: 16: "لأن هذه الأيام شرّ كلها". نجد هنا صدى واسعاً للكرازة الجليانيّة (1 كور 7: 29- 31؛ روم 13: 11- 12؛ 2 تم 3: 1؛ مت 24: 19 ي). في هذه الأمثلة الثلاثة، يعود الكاتب إلى تعاليم غريبة عن نصّ أف، فيُدخل صمامين غريبة عن هذه الرسالة مثل "أعضاء"، "ملكوت".
* ونذكر أيضاً استشهادين من العهد القديم من أجل إثبات سلطة الكاتب. الأول، زك 8: 16: "ليكلّم كل واحد قريبه بالحقّ" (رج أف 4: 25). الثاني، مز 4: 5 (حسب اليوناني): "اسخطوا ولا تخطأوا" (رج أف 4: 26). وهناك في 5: 18 أ تلميح إلى أم 23: 31: "لا تسكروا من الخمر". كما نجد تلميحاً إلى تك 1: 26 في أف 4: 24 عن الإنسان الجديد الذي خُلق حسب الله. وعبارة "لهذا قيل" التي تدخل البرهان الكتابي تجلب في 5: 14 استشهاداً نتساءل إن كان من أشعيا (26: 19) أو من نشيد مسيحيّ. في هذه الحالة الأخيرة، تكون أفسس شاهداً على حقبة جديدة جُعلت فيها عناصر من التقليد أو من الليتورجيا على قدم المساواة مع نصوص العهد القديم.
ثانياً: بنية تناقضيّة
هذه البنية هي خلفيّة التحريض الموجّه إلى المعمّدين حسب تقليد يعود إلى التوراة وموضوع الطريقين (تث 30: 15 ي). في كو، وضع المقطع المقابل زمنين متعارضين: نموت مع المسيح (كو 2: 20- 33)، نقوم مع المسيح (3: 1- 4)، أميتوا إذن (3: 5- 9). إلبسوا (3: 10- 17). أما في أف فموضوع التناقض يبدو متفرّقاً في وجهَيْ الخير والشّر. وها نحن نقدّم عنه بعض العيّنات.
* على مستوى علم الاجتماع: أنتم- الوثنيون. مجموعتان من التصرّف الاخلاقية المتعارضة.
* على المستوى الوجوديّ: الإنسان الجديد- الإنسان العتيق. ما نتركه جانباً وما نلبسه بعد ما أحدثه فينا العماد.
* على مستوى الزمان: فصل بين الماضي من جهة، والحاضر والمستقبل من جهة أخرى، بفضل عبارتين: منذ الآن، فيما مضى.
* على مستوى المكان: "غرباء عن حياة الله"- "في المسيح". هكذا ترتسم منطقة الاستبعاد ومنطقة الدخول.
* على مستوى القيم: الصدق/ الكذب، الطهارة/ النجاسة، الحكمة/ الجهالة، النور/ الظلمة. هنا نلاحظ عبارة لافتة: "لا تعطوا لإبليس مجالاً" (4: 27). وفي 5: 15: "لا حكماء (جهلاء)/ حكماءً". وفي 5: 18: "ممتلئون من الخمر"/ "ممتلئون من الروح". رج 4: 17 (بطل عقلهم، عقلهم الذي لا نفع منه) و4: 23 (تتجدّدوا في صميم أذهانكم). ما يحرّك العقل هو "الباطل" أو "الروح".
ثالثاً: تحريضات أربعة
إختلف الشرّاح على تصميم لهذا المقطع الكبير الذي يبدو واحداً رغم كل شيء.
* إقتراح أول: 4: 17- 32: لا تتصرّفوا مثل الوثنيّين (آ 17- 19؛ آ 20- 24؛ آ 25- 32).
5: 1- 14: سيروا في المحبّة كأبناء النور.
5: 15- 6: 9: "الحكمة المسيحيّة" (آ 15- 20: العبادة الروحيّة؛ 5: 21- 6: 9: العائلة المسيحيّة).
* إقتراح ثان: 14: 17- 5: 14: الحياة المسيحيّة في عالم ليس بمسيحيّ (4: 17- 24؛ 4: 25- 5: 2؛ 5: 3- 14).
5: 15- 6: 9: الحياة المسيحيّة الجماعيّة (5: 15- 20؛ آ 21- 33؛ 6: 1- 9).
* إقتراح ثالث: 4: 17- 24: إزالة كل أثر للحياة الوثنيّة.
4: 25- 33: الوجود الملموس واليومىّ للجماعة.
5: 1- 20: تحريضات أخرى.
* إقتراح رابع: 4: 17- 24: الإنسان العتيق والإنسان الجديد.
4: 25- 32: فرائض سلبيّة وإيجابيّة.
5: 1- 2: الاقتداء بالله.
5: 3- 14: من الظلمة إلى النور.
5: 15- 20: ممتلئون من الروح.
* وكان اقتراح خامس. إعتبر أن أف 4: 17- 5: 20 هي توسّع لما في كو 3: 1- 17 الذي هو النصّ الينبوع الذي يوحّد هذا التحريض الذي ندرس. فسّرت الجماعة تفسيراً خاطئاً تعليم بولس حول الحرّية تجاه الشريعة، فعادت إلى أخلاقيّة لا قاعدة فيها. فكيّف الكاتب تحريض كو على الوضع. حوّل نقيضة الأرضي/ السماوي التي لوّنت تحريض كو إلى نقيضة الوثنيّ/ المسيحيّ التي تتوافق مع أف 2- 3: وهكذا صيغت أمورٌ عمليّة تبرز الرؤية العامة للرسالة.
* وكان اقتراح سادس: تحريض كو وتحريض أف متقاربان، لا بارتباطات أدبيّة وحسب، بل بمرجع فقاهي مشترك. وهذه الفقاهة هي قبل كل شيء أخلاقيّة الانفصال: إنفصال عن الماضي، انفصال عن العالم.
* إقتراح سابع: نلاحظ عودة "إذن" (اون) التي تبدأ التحريضات البولسيّة ويرافقها عادة فعل "سلك" (باريباتاين). نجد هاتين اللفظتين في 4: 17؛ 5: 1؛ 5: 6- 8؛ 5: 15. إنهما تدلاّن على اللحمة بين الفقاهات التقليديّة التي تجمعها أف. فيكون لنا تصميم في تحريضات أربعة:
4: 17- 32: نداء عمْاديّ بأن نخلع الإنسان العتيق لنلبس الجديد.
5: 1- 5: دعوة للاقتداء بالله: ما يجب أن نتخلّى عنه.
5: 6- 14: أبناء النور وأبناء الظلمة.
5: 15- 21: الحكمة والروح تجاه الجهالة والسكر.
كل فقاهة من هذه الفقاهات تنتهي بعبارة تلفت الانظار وتنتمي إلى التعليم أو إلى الليتورجيا. 4: 32: كما سامحكم الله في المسيح؛ 5: 5: استبعاد من ملكوت المسيح والله؛ 5: 14: المسيح يضيء لك؛ 5: 20: باسم ربنا يسوع المسيح. وهكذا نجد في أف أهمّ مواضيع الفقاهة العماديّة: خلع/ لبس. الاقتداء بالله والمسيح. الظلمة والنور. طريق الحكمة/ طريق الجهالة. وتكون النظرة كاملة إذا زدنا المقدّمة (4: 1- 2) مع موضوع الدعوة، و5: 22- 6- 9 الذي يتوسّع في موضوع الخضوع وسلاح الله في حرب الإيمان (6: 10- 18).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM