الفصل الثاني عشر: بولس وسر المسيح

الفصل الثاني عشر
بولس وسر المسيح
3: 1- 7

يتميّز ف 3 بالنبرة الشخصيّة. فالذي يكتب هو بولس، سجين المسيح. وقد كلّف بأن يعلن (يلقي الضوء، يوضح) كل اتّساع مخطّط الخلاص الذي يجمع في جسد واحد اليهود والوثنيّين المرتدّين. وإذ أراد الرسول أن يكشف حبّ المسيح الذي لا حدود له، أشركنا في صلاته الرسوليّة: أحني ركبتيّ أمام الآب. وينتهي ف 3 كله بمجدلة: "المجد في الكنيسة وفي المسيح يسوع، إلى جميع الأجيال والى دهر الدهور. آمين".

1- نظرة عامة
ينقسم ف 3 إلى جزئين. وكل جزء يبدأ بـ "لذلك" (آ 1، 14). أما الجزء الأول فيذكّرنا بحالة بولس كسجين، وينتهي بالإشارة إلى البعد الرسولي لآلامه. "لا تتراخوا (لا تيأسوا) بسبب الآلام التي احتملها من أجلكم: إنها مجدكم". أما موضوع هذا الجزء، فهو سّر المسيح كما أعلن لبولس.
منذ بداية أف حاول بولس أن يحدّد هذا الواقع الذي هو سّر الله، الذي يعطي كل نشاطه الرسولي معناه، الذي يشير إلى تجمّع المؤمنين في الإيمان الواحد. هذا ما قام به في "المباركة" (1: 3- 14) حيث رسم الخطوط الكبرى لمخطّط الله. استفاد من المناسبة التي قدّمتها له صلاة التوسّل التي تلت صلاة الشكر، فشدّد على بعض وجهات هذا المخطّط، بعد أن عارضتها الجماعات التي كتب إليها هذه الرسالة: سيادة المسيح (1: 15- 23). مجانيّة الخلاص (2: 1- 10). مصالحة الجميع في المسيح، يهوداً ووثنيّين (2: 11- 22).
واستعدّ الرسول أن يختم كلامه بطلبة من أجل الوثنيين. غير أنه أحسّ بالحاجة إلى أن يحدّد دوره كرسول في قلب مخطّط الله تجاه البشر (3: 1- 13). بدأ بولس صلاته، ولكنه توقّف فجأة. فهؤلاء المسيحيون الذين لا يعرفهم شخصياً، قد علموا بارتداده في الماضي، وبسجنه الآن، وهما حدثان يرتبطان الواحد بالآخر في تاريخ رسالته. ولكن هل يقدرون أن يفهموا المعنى الحقيقيّ لهذا الارتداد وهذا السجن؟ ومع ذلك، فحياته لا معنى لها إلاّ بالوثنيّين ومن أجل الوثنيّين. بدأ صلاته "من أجلكم، أيها الأمم"، ثم توقّف (3: 1).
ظهر وجه يسوع من جديد، كما ظهر معه للحظة واحدة الطابع الرسائلي مع صيغة المتكلّم المفرد. نقرأ في 3: 1: أنا بولس... وفي 3: 8: أنا أصغر جميع القدّيسين... وفي 3: 14، أحني (أنا) ركبتيّ ساجداً.
"أنا بولس" تعود إلى كو 1: 23 وتدلّ على أنّ الرسول يشدّد على سلطته. نقرأ في 1 تس 2: 18: "ولهذا أردنا أن نجيء إليكم وخصوصاً أنا بولس". وفي غل 5: 2: "فأنا بولس أقول لكم". وفي 2 كور 10: 1: "أنا بولس أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه". وفي فلم 19: "أنا بولس أوفي، وهذا أكتبه بخط يدي". وقبل أن يقوم بولس بفعل العبادة يحدّد النعمة التي أعطيت له.
"سجين المسيح يسوع". هي عبارة نجدها في فلم 1، 9؛ 2 تم 1: 8. هذا ما يشير إلى وضع صاحب الرسالة. وهذا ما جعل الشرّاح يجعلون أف بين رسائل الأسر (أو: السجن). عبارة أقوى من "سجين بسبب المسيح". فهي تدلّ على تماثل عميق بين المرسل وربّه (فل 1: 3)، المسيح سجين مع بولس. بولس سجين مع المسيح، وبالتالي هو في السجن من أجله. ومع أنّه في القيود فهو يرتبط به كما لا يرتبط بأي شخص آخر.
غير أنّ سجن بولس (نجد تلميحات فقط في 3: 13؛ 6: 20) يرتدي بُعداً آخر: بولس هو سجين المسيح من أجلكم، أيها الأمم. نجد أداة "لأجل" (هيبر) التي تدلّ على آلام عبد الله من أجل شعبه. وهذا ما يذكّرنا بدم المشيح المهراق "لأجلكم". ما أتمّه يسوع من أجل إسرائيل يوصله بولس إلى الأمم.

2- "النعمة التي وهبها الله لي" (3: 2- 4)
نحن في كل هذا المقطع أمام "بولس في خدمة الإنجيل". فلا معنى لشخصه ولحياته إلاّ في رسالته. فالمسيحيّ ليس ذلك الذي يحقّق مثالاً بشريّاً محدّداً، بل ذاك الذي يستلهم الروح فيستنبط حياته انطلاقاً من مهمّة تنبع من إيمانه.
هذا ما يقوله بولس في آ 2: "سمعتم كيف منح الله لي النعمة التي أعطيتها لأجلكم". فالدعوة والرسالة يرتبطان ارتباطاً وثيقاً: رسالته تقع في خطّ إيمانه الذي هو نعمة وقرار حرّ. حين أدركه الربّ على طريق دمشق، تركه يمسك به. ومنذ ذلك الوقت، هو يسعى لكي يمسك بالآخرين (فل 3: 12- 13). إستولى عليه المسيح فحرّره من كل الخاصّانيّات، من الخطيئة والشريعة والموت، وعليه أن يعلن المسيح بالروح العائش فيه، أن يعلنه في الجماعات، لا إنساناً من الماضي وحسب، بل ذاك الذي هو الربّ القائم من الموت والحاضر اليوم في كنيسته.
إن شخص الرسول وعمله هما جزء لا يتجزّأ من تدبير الخلاص. إنّ الله يحتاج إلى البشر من أجل الكشف عن السّر الذي هو تاريخ متواصل يتوجّه إلى هدف (1: 1؛ 3: 9). إن كان بولس وضع نفسه في المقدّمة، فليس بسبب سلطته الرسوليّة ولا بسبب استحقاقاته الشخصيّة، بل بسبب المدلول الذي أعطاه الله لشخصه في مسيرة مخطّط الخلاص: إنه نبيّ من أجل الأمم على مثال إرميا. إنه "القائد" الذي يحمل همّ جميع الكنائس. الكاهن الذي يقدّم "باكورة" ارتداد الأمم كذبيحة يرضى عنها الله.
ويوضح أنّ هذه النعمة، أي حضور المسيح الفاعل بروحه، ليست لأجله، بل "لأجلكم". وسيوضح في آ 8 أن هذه النعمة هي "أن يعلن للوثنيّين غنى المسيح الذي لا يُستقصى". إنّ حدث دمشق أعطى معنى جديداً لحياته. لقد وعى بولس الطابع الخارق والعجائبيّ للحدث. يتحدّث عن "وحي" (كشف) وكل إليه "بسماع الكلمة" وقبول الرسالة. نحن أمام معرفة غريبة عن المعرفة الطبيعيّة. معرفة تفترض الإيمان.
تتحدّث كو 1: 25 عن تدبير الله. هذا التدبير يدلّ على الطريقة التي بها يتابع الله تنفيذ مخطّطه الفدائي. أما "الوحي" فله ثلاثة معانٍ رئيسية في العهد الجديد: (1) مجيء يسوع في المجد (1 كور 1: 7؛ 2 تس 1: 7). (2) الوحي الرسوليّ المتعلّق بالإنجيل وبدعوة حامله (غل 1: 12، 16؛ رج روم 16: 25). (3) الوحي النبويّ الذي يتعلّق بهذه الوجهة أو تلك من وجهات مشيئة الله والطاعة المسيحيّة (1 كور 14: 6؛ غل 2::). أما هنا، فنحن أمام المعنى الثاني، أي الوحي الرسوليّ.
من هذا اللقاء مع الربّ الذي كشف له عن نفسه وسلّم إليه رسالة، وُلدت معرفة السّر. هذا أمر تحدّث عنه بولس وهو لا يتوقّف عنده. يكفي أن نعلم أنّ السّر ليس تعليماً باطنياً، بل إظهار مخطّط الله في البشر وفي الكون. على المستوى الماديّ، السّر هو إعادة بناء كلّ شيء بضمّ جميع البشر وكل شيء تحت سلطة قائد واحد هو المسيح. إن السّر هو مخطّط الله الأزلي الذي كان في الماضي خفياً على البشر وقد كُشف الآن في الكنيسة بواسطة الرسول. ترى أف أنّ السّر قد تمّ في يسوع المسيح فأعلنه الرسول: نداء الوثنيّين إلى الخلاص. مصالحة اليهود والأمم وقد اجتمعوا في جسد واحد... السّر هو الموضوع الخاص بإنجيل بولس والمرتبط بدعوته الفريدة وسط الرسل. ما قالته الرسالة في 2: 11- 22، ها هي تستعيده في 3: 1- 13 مركّزة على شخص بولس.
غير أنّ معرفة هذا السّر ليست معطية تقدّم لنا بدون جهد. إنه يفترض فهماً وإدراكاً متواصلاً. هذه المعرفة تفترض وعياً لحبّ الله، ومسيرة إيمان متيقّظ في حياة تُعطى للرب يوماً بعد يوم.
نقرأ في آ 3: "كما كتبت لكم بإيجاز من قبل". هناك ثلاثة أجوبة. إما هناك تلميح إلى رسالة سابقة؟ إما هناك تعليم سابق؟ إما أن يكون هذا المقطع جاء من رسالة أخرى وأقحم هنا؟ ولكن لا جواب يفرض نفسه.
وفي آ 4 نقرأ: "بإمكانكم إذا قرأتم أن تعرفوا كيف أفهم سّر المسيح". هنا يأتي فعل القراءة كما في 1 تس 5: 27 (أناشدكم بالربّ أن تقرأوا هذه الرسالة) وكو 4: 16 (وبعد قراءة هذه الرسالة عندكم). فالأقسام الليتورجية تنشد. والتحريضات تدعو إلى الطاعة. أما هنا فيُدعى القرّاء إلى مشاركة الرسول في المعرفة التي نالها والتي حملتها أف.

3- سرّ كُشف للرسل (3: 5)
لقد وعى بولس الطابع التدريجيّ لإعلان السّر كما وعى بشكل خاص ما كان قبل المسيح وما كان بعد المسيح، والجديد الذي حمله المسيح. هنا نجد ثلاثة أزواج متعارضة تميّز الحقبتين الكبيرتين في تاريخ الوحي بالسّر.
"الأجيال السابقة". نحن أمام عبارة بيبليّة تدلّ على مسيرة الزمان. يقابلها "الآن" التي تدلّ على الزمن الحاضر، وتدلّ بشكل خاص على الوجهة الإسكاتولوجيّة لهذا الوحي، على طابعه الحاسم والنهائي بحيث تحتفظ لنا "الآن" بكل قيمتها.
ويزيد بولس على معطية الزمن تمييزاً في الأشخاص. إنّ عبارة "بني البشر" هي بيبليّة وقد استعملت في الليتورجيا لتبرز فقر الإنسان تجاه الله القدير. إنها تدلّ هنا على المسافة الموجودة بين البشر والسّر الذي لا يستطيعون أن يدخلوا فيه بقواهم الخاصة. فالمعنى الأخير للإنسان وللبشريّة يأتي من خارج العالم، من الله الذي صار مخلّصهم. في هذا المجال تجلّى في الماضي وهو يتجلّى اليوم "للرسل القدّيسين وللأنبياء" التي عملوا في خدمة الإنجيل وبناء الجماعة المسيحيّة (2: 20؛ 4: 11).
كان بولس يتحدّث في الماضي عن معرفة. وها هو الآن يحدّد ظهور السّر كوَحي في الروح. إنّ الإنجيل لا يستطيع أن يكون تعليماً بشرياً. لا يمكنه أن يكون إلا تجلّياً ديناميكياً لقدرة الله بالروح.
أشار بولس إلى شخصه وإلى دوره. وكان كلامه في صيغة المتكلّم المفرد (أنا: كيف أفهم)، وسيعود إلى هذه الصيغة في آ 7 مع ذروة تبدأ في آ 8. ولكن قبل ذلك، سيستند إلى الحلقة الرسوليّة (آ 5- 6). وهكذا نصل إلى أهداف الرسالة.
سيُعلن مضمون السّر في آ 6 (الوثنيّون هي في المسيح)، وتنفيذه في آ 7 (جعلني الله خادماً). أما آ 5 فتعلن أهله وجذوره. تحدّثنا عن التعارض بين الماضي والحاضر. ولكن هناك تعارضاً آخر بين: أخفى وكشف. في أساس هذا التعارض نجد عالم الجليان الذي يقول بأنّ الوقائع الأخيرة تبقى مخفيّة في الله. وكأنه يحتفظ بها لكي تظهر في أوانها. ونفهم فعل "أخفى، كشف" في المجهول الإلهي. الله هو من يخفي قصده. الله هو من يكشفه لقدّيسيه. وهو يعمل في الرسالة نفسها فينتقل الوحي إلى الجماعة كلها.
إنّ التعارض بين زمن الجهل وزمن الوحي الذي يعود في شكل آخر في آ 9، ينطلق من كو 1: 26 ويتوسّع فيه في خط أسفار العهد الجديد. رج 1 كور 2: 6 (هناك حكمة نتكلّم عليها)؛ روم 16: 25 (السّر المعلن الذي بقي مكتوماً)؛ أع 14: 16 (ترك جميع الأمم تسلك طريقها).
نحن هنا أمام وضع جديد ينقطع عن الوضع السابق. وقد أسند بولس يقينه المتعلّق بالرسالة بين الوثنيّين، على وحي ناله من الله حين ظهر له القائم من الموت (غل 1: 15- 16)، وثبّته تفسير العهد القديم ولاسيّما في الوعد لإبراهيم. ويُسأل: على من خفي هذا السّر؟ الأجيال الأخرى (أو: السابقة) أو بنو البشر (أي البشر). الأجيال الأخرى هي الأجيال التي سبقت الجيل المسيحي الأول. أما البشر فهم بالدرجة الأولى الأمم. ويُسأل أيضاً: لمن أعلن هذا السّر؟ للجماعة كما يقول 1: 9. لبولس كما يقول 3: 1- 3، 8. في 3: 5 لم يعد بولس وحده. في آ 7، سيسمّى خادماً لا رسولاً. ولكن من الواضح أنّ السّر الذي أعلن للقدّيسين لا يختلف عن سّر المسيح الذي فهمه بولس (آ 4). وفي آ 5 نعرف أنّ ما قاله بولس قد ناله الرسل والأنبياء. فالصراع الذي قام به بضراوة ضدّ كنائس أخرى من أجل ملء قبول الوثنيّين (رج غل 1: 1 ي) يجد شرعيّته هنا.
إنّ ذكر الرسل والأنبياء يتضمّن عنصرين أساسيين في وضع الرسالة. فإعلان السّر لا يشكّل مسيرة متواصلة. فعمل الله العظيم عرف زمنين: زمن تنفيذه في المسبح. زمن ظهوره في المسيح. زمن ظهوره بواسطة الرسل. والزمن الثاني: إن الرسل والقدّيسين يقفون مباشرة وراء الجماعة. سلطتهم هي خدمة الكلمة ونقل الرسالة (ف 4). وهم لم ينالوا تفويضاً ولا خلفوا أحداً قبلهم.
وهكذا نكتشف موضوع ف 2: نجد بجانب وحي إنجيل المسيح وموته وقيامته، نجد وحياً يتعلّق بحمل هذا الإنجيل: هو سّر على أنّه تدبير إلهي. وهو سّر على أنه وحي لواقع خفي. نفّذه بولس وكفله الرسل والأنبياء. فالإنجيل والسّر لا ينفصلان، كما لا ينفصل الروح عن المسيح، كما لا تنفصل الخليقة الجديدة عن القديمة، والرسول عن النبي، وبولس عن سائر الرسل. هذا ما تثبته آ 6.

4- الوثنيّون هم شركاء (3: 6- 7)
إذ أراد بولس أن يفهمنا السّر الذي تمّ في المسيح، حدّده في وجهة تلامس قلبه كيهوديّ وتؤسّس رسالته: فشعب الله المدعوّ والمجموع (جمعه الله) لا يتألّف فقط من اليهود، بل من جميع البشر. وخلاص المسيح يضمّ اليهود والوثنيّين في جسد واحد، يضمّ البشرية كلها. هذا ما يدلّ على الملء الذي حمله يسوع ليحرّرنا من كل خاصّانيّة.
إنّ قبول الوثنيّين يطرح في النظام اليهوديّ المكرّس عدداً من الأسئلة الأخلاقية والعبادية والاجتماعية سيشدّد عليها بولس، لأنّ موقفه بدا ثورياً بل مشكّكاً لأعضاء الشعب المختار. وتوسّع في كلامه عبر ثلاثة أقوال.
* القول الأول: الوثنيّون يشاركون في الميراث نفسه. كان ميراث شعب الله في الأصل أرض كنعان. وهي ستبقى في يد البقيّة الباقية من المؤمنين (تث 28: 6 ي؛ حز 45- 48). إنّ الأرض الموروثة هي سّر حضور الله وعلامة حمايته ورحمته وأمانته. ولكن من خلال هذا الامتلاك، يبقى الميراث الحقيقيّ الله والاتحّاد بالله (إر 10: 6). إذن، صار الميراث مشاركة في ملكوت الله. والمسيح الذي هو بقيّة إسرائيل الحقيقيّ هو الوارث الوحيد لكل هذه الأمور (عب 1: 2؛ فل 2: 9). وبروح الربّ صار المؤمنون وارثين مع المسيح (8: 14- 17). وشارك الوثنيّون في هذا الميراث بالإيمان بالمسيح. فنالوا مع المسيحيّين المتهوّدين سلطاناً بأن يُخضعوا كل شيء للمسيح، فيُخضع هو بدوره كلَّ شيء للآب فيكون الله كلاً في الكلّ (1 كور 15: 20- 28).
* القول الثاني: عرف بولس أنّ هذا الواقع المقبل يجد استباقاً له في واقع الكنيسة. فيستعيد صورة عزيزة على قلبه (كو، أف) هي صورة الجسد. الله هي جسد المسيح، والملء الذي يملأه هو (1: 25؛ كو 1: 24). وهو الرأس الذي يؤمّن للجسد النموّ والوحدة (1: 24؛ كو 1: 1؛ 2: 19). وهكذا لا معنى للانفصال بين اليهود والوثنيّين في شعب الله الجديد، حيث الواقع الوحيد يبقى بأن نكون أبناء الله.
* القول الثالث: نعمَ الوثنيّون أيضاً بالوعد. فلوُجود إسرائيل أساس فريد لا يُنقض، هو وعد الله الذي برز في أشكال متنوّعة: في مواعيد الآباء (تك 12؛ 13؛ 15). في تكوين الشعب (خر 19: 5؛ 24: 8). في المواعيد لداود (2 صم 7). في الإعلانات النبويّة. في المسيح قال الله "نعم" لكل مواعيده، وفيه أتمّها (2 كور 1: 20). وفي نظر بولس، توجّه الوعد إلى الإيمان (روم 4: 13، 16). إذن نعمَ به الوثنيّون هم أيضاً منذ آمنوا. أما الوسائل فهي: "بالمسيح يسوع" الذي هو الوارث ورأس الجسد وتحقيق كل المواعيد. "بواسطة الإنجيل" الذي هو بشرى حضور الله الفاعل بروح المسيح القائم من الموت.
وهكذا صار الوثنيّون مشاركين في الميراث، مشاركين في الجسد، مشاركين في الموعد. لقد صاروا أعضاء في الكنيسة، مشاركين للمسيح ولمجده ولفعل شكره. ويتأسّس هذا السّر في المسيح الذي هو موضع المباركة وأداتها، موضع المصالحة وأداتها. في ف 2، فهمنا أنّ كل الذين شاركوا في موته وفي حياته صاروا أعضاء كاملين في شعب الله، على المستوى الشخصي (2: 1- 10) وعلى المستوى الجماعيّ (2: 11- 22). وركّز ف 3 هذا الكلام على سلطة الوحي التي نالها الرسل.
أجل صار الوثنيّون مشاركين "بفضل البشارة" (الإنجيل). بفضل الكرازة الرسولية التي تكشف السّر وفي الوقت عينه تحقّقه. في روم 1: 16- 17 شكّل الإنجيل وحي مخطّط الله الأخير. والآن لعب السّر هذا الدور وصارت وظيفة الإنجيل بأن توصله إلى العالم.
وتعود بنا آ 7 إلى دور بولس كخادم الإنجيل، كما تعود إلى عبارات قرأناها في آ 2. فمع النعمة كانت القدرة كما قالت كو 1: 29، وهكذا نعمَ الرسول بهذين الوجهين مِن العمل الإلهي: "بالنعمة التي وهبها لي، وبفعل قدرته".

خاتمة
وهكذا برزت وحدة كل الذين دُعوا لكي يؤلّفوا جد المسيح الواحد. فالوثنيّون دخلوا في الميراث الذي "أعطي" في الأصل لليهود. وصاروا أعضاء في الجسد الواحد. وشاركوا في الموعد الواحد. كانت أف 2: 12 قد تحدّثت عن استبعاد الوثنيّين من شعب الله. فتحدّثت روم 8: 17 عن الذين يشاركون المسيح في الميراث: شاركوه في آلامه وسوف يشاركونه في مجده. وتوسّعت غل في موضوع المؤمنين بيسوع المسيح: هم أبناء إبراهيم الحقيقيّون، وبالتالي هم الوارثون. "إذا كنتم للمسيح فأنتم نسل إبراهيم ولكم الميراث حسب الموعد" (غل 3: 29). وصار الوثنيّون مشاركين في الجسد الواحد بفضل المعموديّة التي تدخلنا في جسد المسيح وتحيينا بروحه الواحد. "أنتم جسد واحد وروح واحد مثلما دعاكم الله إلى رجاء واحد" (4: 4). لسنا أمام جسد يتألَّف من فئتين تلتحمان وتتلاصقان. بل أمام جسد واحد يدخل فيه اليهود والوثنّيون على قدم المساواة بفضل الإيمان بالمسيح وسماع كلام البشارة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM