الفصل العاشر: مبادرة الاب

 

الفصل العاشر
مبادرة الاب

ندخل في الحديث عن حياة المسيحي الجديدة والثالوث الأقدس حسب روم 1- 8. ننطلق من سّر الثالوث، ونتوقف في هذا الفصل عند مبادرة الآب تاركين لفصلين لاحقين الحديث عن الحياة في المسيح، ثم الحياة في الروح.

1- الثالوث الأقدس
إن العبارات الثالوثية في الرسائل البولسية هي عديدة ومتنوّعة. والحالات العديدة التي فيها يذكر الله (الآب) والابن (الرب، يسوع المسيح) والروح القدس معاً، أمر يلفت النظر. هناك أولاً 1 كور 12: 4- 6: "لا جرم أن المواهب على أنواع، إلا أن الروح واحد". وأن الخدم على أنواع، إلاّ أن الرب (يسوع المسيح) واحد. وأن الأعمال على أنواع إلا أن الله (الآب) واحد، وهو ويعمل كل شيء في الجميع". وهناك 2 كور 13: 13: "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله (الآب)، وشركة الروح القدس معكم أجمعين". في النصّ الأول جاء الروح في الدرجة الأولى، وفي النصّ الثاني، الابن. الأقانيم الثلاثة متساوية. والنصوص تبدأ تارة مع الآب، وتارة مع الابن، وطوراً مع الروح القدس.
ونعود إلى روم 5: 1- 5: "فإذ قد برّرنا بالإيمان فنحن في سلم مع الله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به أن ندخل إلى هذه النعمة التي نحن مقيمون فيها... إن محبّة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه". في المسيح يسوع أعطينا السلام الذي هو الخير المسيحاني الأسمى، وليس فقط استعداداً من استعدادات النفس. أما النعمة التي نقيم فيها فهي الوضع الجديد للمؤمن الذي تبرّر مجاناً في يسوع المسيح، فصار خليقة جديدة. نجد في هذا النصّ الآب والمسيح (الابن) والروح القدس.
أما في 14: 17- 18 فنجد الآب والروح والمسيح. "لأن ملكوت الله ليس أكلاً ولا شرباً، بل هو برّ وسلام وفرح في الروح القدس. فمن يخدم المسيح على هذا النحو، فهو مرضيّ لدى الله، ومحمود لدى الناس". وفي 15: 16: المسيح، الآب، الروح: "لأكون خادماً للمسيح يسوع لدى الأمم، وأقوم بخدمة انجيل الله المقدسة حتى يكون قربان الأمم، وقد تقدّس بالروح القدس، مرضياً لدى الله". وفي 15: 30: المسيح، الروح، الآب: "بيد أني أسألكم، أيها الإخوة، بربنا يسوع المسيح وبمحبّة الروح، أن تجاهدوا معي بالصلاة إلى الله لأجلي". نجد هنا تشديداً على الصلاة من أجل نجاح العمل الرسولي. وفي 8: 11 نجد: الروح، المسيح، (الله) الذي أقام المسيح من بين الأموات. "وإن كان روح الذي قام يسوع من بين الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح يسوع من بين لأموات يحيي أيضاً أجسادكم المائتة بروحه الساكن فيكم".
إن الصيغة الثالوثية في الحياة المسيحية تقدّم رسمة القسم العقائدي في روم (ف 1- 8). وهكذا نجد عند بولس ما يقابل التعليم السامي في التقليد الإنجيلي: الخطب بعد العشاء السري كما ترد في الأناجيل الرابع، حيث تبرز البنية الثالوثية في الحياة المسيحية. ونتوقف خصوصاً في يو 14 حيث نجد مرتين (14: 1- 7؛ 14: 8- 27) ذكراً للأقانيم الثلاثة، الآب والابن والروح القدس.
لا تذكر الأقانيم في الترتيب عينه لدى القديس بولس. ولكن هذا لا يعني أن الشخص يلعب دور الشخص الآخر. فبنية روم 1- 8 تتجاوب مع الوظيفة الخاصة بكل شخص. أولاً، الآب. ثم الابن. ثم الروح. مع العلم أننا أمام وجهات مختلفة لعمل خلاص واحد وحيد. ونذكر هنا ما يقوله اللاهوت: أعمال الثالوث في الخارج لا تنقسم. فالعمل الفدائي الذي أتمّه المسيح يصوّر لنا ثلاث مرّات في روم 1- 8 (رج غل 3: 1- 6: 10): مرة أولى بالنسبة إلى الآب (3: 21- 5: 11). ومرّة ثانية في علاقة بالمسيح الذي هو آدم الثاني (5: 12- 7: 6). ومرة ثالثة في ارتباط مع عطيّة الروح القدس (ف 8).

2- مبادرة الآب
نتأمل هنا في مبادرة الآب في التبرير المجاني للبشر. هذا يتمّ بالإيمان وبفضل عمل المسيح الفدائي. فمبادرة العمل الخلاصي محفوظة كلها للآب. هذا ما نكتشفه في الجزء الأولى من القسم العقائدي (1: 18- 5: 11)، ولاسيما في نصّ أساسي (3: 21- 31) سنتوقّف عنده الآن بشكل خاصّ.

أ- نظرة عامة
إن العهد الجديد (ولاسيّما مار بولس) يستعيد التوحيد كما أعلنه العهد القديم. كتب بولس في 3: 30: "لأن الله واحد وهو يبرّر. ق مع 1 كور 8: 6 (لنا إله واحد، الآب)؛ غل 3: 20 (أما الله فواحد)؛ 1 تس 1: 9 (لتعبدوا الله الحي). ولكننا نلاحظ وجود شيء جديد ومهمّ: فإله التوراة الواحد الذي ليس جوهراً مجرّداً كما يقول الفلاسفة، بل شخص هي، يقدّم الآن على أنه "أبو ربنا يسوع المسيح" (روم 15: 6؛ 2 كور 1: 3). في روم 15: 6، قرأ مجمل الشرّاح النصّ على الشكل التالي: "الله وأبو ربنا يسوع المسيح". ولكن البعض يفضل: "الله (الذي هو) أبو ربنا يسوع المسيح".
إن لفظة "تيوس" تكاد تدلّ دوماً على الآب. أشرنا أعلاه إلى شواذ في 9: 5 وتطبيق اللفظة على المسيح (رج تي 2: 13؛ يو 1: 1، 18؛ 20: 28؛ 1 يو 5: 20). يتحدّث النصّ عن بشرى الخلاص، أي انجيل المسيح (موضوعه المسيح، 15: 19؛ 1 كور 9: 12)، وإنجيل الله الآب (الآب هو صاحبه، 1: 1؛ 15: 16؛ 1 تس 2: 2، 8، 9). والنعمة المعطأة للبشر هي ولا شكّ نعمة المسيح (16: 20؛ 1 كور 16: 23). ولكنها تبل كل شيء نعمة الله (الآب). رج 3: 24؛ 5: 15؛ 1 كور 1: 4؛ 3: 10. أجل، ركّز بولس تعليمه على شخص المسيح، ولكن لا يجب أن ننسى أيضاً تركيزه على الله الآب في عمل الخلاص.
عرفت الجماعة الأولى الصلاة إلى المسيح. أما عند بولس فهي تتوجّه بشكل لا يكاد يتغيرّ إلى الله الآب: نجد فعل الشكر لله الآب في 1: 8؛ 7: 25 (بواسطة يسوع المسيح)؛ 16: 4. والطلب إلى الآب في 10: 1؛ 15: 30 (رج 1: 10: المعنى الضمني). ونزيد على ذلك التسميات في 1: 7؛ 15: 13، 33 والمجدلات في 1: 25؛ 16: 25- 27. في 1: 6: "مدعوّي يسوع المسيح". ولكن هناك من يقرأ: والمدعوين بواسطة يسوع المسيح" أي: الذين دعوا بواسطة الله الآب يخصّون يسوع المسيح ويعيشون متحّدين معه. فالله الآب هو الذي يدعو البشر. هذا ما نقرأه في 8: 30 (إياهم دعا)؛ 9: 24 (نحن الذين دعاهم)؛ 1 كور 7: 15، 17، 18، 20- 21؛ غل 1: 6؛ 5: 8، 13...
في روم 8: 29- 30، نجد سلسلة الأعمال الإلهية التي تقود الإنسان إلى الخلاص النهائي: عرف، حدّد، دعا، برّر، مجّد. كل هذا يفعله الآب.

ب- 3: 21- 31
ونتوقف الآن بشكل خاصّ عند تبرير الخطأة كما تصوره مقطوعة 3: 21- 31، التي تربطه في الوقت عينه بمبادرة الآب والعمل الفدائي الذي قام به المسيح وفعل إيمان الإنسان. فكيف تتوافق هذه المعطيات بعضها مع بعض؟
إن التبرير الذي هو مرحلة حاسمة في الزمن داخل نوايا الآب الخلاصية منذ الأزل، يقوم في عبور من وضع الخاطىء إلى وضع حياة الصداقة مع الله. وهو يُنسب دوماً إلى الآب في الدرجة الأولى. ونقول الشيء عينه عن المصالحة، هذا الموضوع الذي بدأه بولس في 2 كور 5: 18- 20 وتابعه في روم 5: 10- 11. في العالم الهليني، حيث ينبع هذا الموضوع، تبدو المصالحة عودة إلى التوافق بين شخصين عدوين أو شعبين متحاربين. ويكون ذلك بتحوّل العواطف والعلاقات المتبادلة. أما بولس فيجعل من المصالحة مسيرة يكون فيها لحبّ الله (الآب) كل المبادرة فيصالح الخاطىء الذي لم يعمل بعد عملاً صالحاً. في 2 كور 5: 18- 19 (الذي ينير روم 5: 10- 11). الفعل هو في صيغة المعلوم. فحسب 2 كور 5: 19: الله هو الذي يصالح في نفسه العالم في يسوع المائت على الصليب.
في روم 3: 24، يقدّم التبرير كنتيجة نعمة الله، وحنانه الرحوم، ويشدّد على المجانية المطلقة. في 3: 21 يعطى التبرير كـ "تجلي" برّه الخلاصي (رج 3: 5 مع فعل يشدّد على البرهان والظهور الخارجي). وهذا الفعل عينه نجده في 5: 8 (برهن على محبته) حيث تقدّم الجلجلة (بشكل لم نكن نتوقعه، وفي معنى لافت) كبرهان عن حبّ (الذي لا يُفهم) الآب نفسه لبشر أعلنوا في 5: 6: "ضعفاء، كافرين". "لقد برهن الله على محبته لنا بأن المسيح مات عنا ونحن بعد خطأة فكم بالأحرى، وقد برّرنا الآن بدمه، نخلص به من الغضب" (5: 8- 9). الله هو الذي يحبّنا في يسوع المائت على الصليب. وهكذا ننال الفداء في المسيح يسوع (3: 24). أما اللفظة المستعملة فتدلّ على نجاة نحصل عليها بعد أنّ تدفع "الفدية". هذه اللفظة نجدها مراراً عند القديس بولس: روم 8: 23؛ 1 كور 1: 35؛ أف 1: 7، 14؛ 4: 30؛ كو 1: 14؛ عب 9: 15؛ 11: 35. فالفداء في العهد القديم هو نجاة تتمّ بيد الرب من عبودية مصر أو من أسر بابل أو من عبودية الخطيئة. من الواضح أن الرسول يتطلّع إلى النجاة من الخطيئة (4: 7، 8؛ 1 كور 15: 3؛ كو 1: 14) والى المؤمن الذي ينعم بالنجاة منذ الآن (3: 21: وأما الآن). غير أن روم 8: 23- 24 تؤكد أن النجاة لا تكون تامة إلا في نهاية الأزمنة.
إن موضوع العبودية والتمرّد معروف لدى قرّاء بولس. وجاء موضوع "الفداء" في أشعيا الثاني فعبرّ عن الخلاص من مصر ومن المنفى. واستعمل بولس "اشترى، افتدى" (1 كور 6: 20؛ 7: 23؛ غل 3: 13؛ 4: 5) ليدلّ على أن المسيحي تحرّر من عبودية الخطيئة والموت وصار خاصة الله. وإن اشير إلى "الثمن" (1 كور 6: 20؛ 7: 23)، فلكي يدلّ على ما كلّف هذا الفداء. لم يتردّد الآب في تسليم ابنه (روم 5: 8؛ 8: 32). أما الثمن فهو دم المسيح.
إذا أردنا أن نفسّر تفسيراً صحيحاً مختلف العبارات البولسية المتعلّقة بعمل المسيح الفدائي، وجب علينا أن نوحّد (ونلقي الضوء) هذه العبارات بمعطية رئيسية سنعود إليها فيما بعد حين نفسّر 5: 12- 21: إن ابن الله تضامن بإرادته الحرة مع البشرية الخاطئة بواسطة تجسّده الفدائي. فإذا كان المسيح حسب 3: 25 ذبيحة تكفير عن ذنوبنا، فقد دفع الدين عنا. فهو ليس بشخص غريب يفتدينا ويدفع ديوننا (هذه طريقة خاطئة لفهم الفداء). بل هي البشرية تتخلّص من دينها بواسطة ممثلها الذي يحملها في ذاته. وإذا كان حسب 4: 25 قد أسلم المسيح من أجل خطايانا، وإذا كان حسب 1 كور 5: 21 قد صار خطيئة لأجلنا (رج غل 3: 13)، فنحن لا نفهم هذا الكلام وكأن بريئاً يحلّ محلّ الخطأة: فالعقاب شيء شخصي وهو لا يعود عقاباً إذا سقط على شخص آخر. لهذا يجب أن نرى في مثل هذه النصوص تعبيراً عن شيء عظيم أراد المسيح بموجبه، وهو كلي البراءة والطهارة، أن يتحد مع البشر الخاطئين.
حين نتأمّل في عمل المسيح الفدائي، كما يراه رسول الأمم، يجب أن نحافظ على طابعه كتكفير عن الخطايا. ولكن لا يجب أن ننسى من جهة أخرى، أن هذا التكفير يقدّم لنا في جوهره كسّر حبّ: حبّ مجاني لدى الله الذي يهبنا ابنه (3: 24؛ 5: 5- 8؛ 8: 39؛ أف 1: 3- 6؛ 2: 7). وحبّ الابن للآب، وتعلّق حرّ بمخطّطه. ليكفّر عن خطيئة آدم ونسله (5: 19؛ فل 2: 8). وأخيراً، حبّ المسيح لإخوته الذين فتح أمامهم الكنوز الإلهية (14: 7- 8؛ 15: 2- 3؛ 2 كور 8: 11؛ غل 2: 20).
يرى الشرّاح عامة في روم 3: 22 فكرة تقول إن الآب جعل من المسيح ذبيحة تكفيرية من أجل خطايا البشرية. ولكن هناك تفسيرين مختلفين للكلمات الأولى في هذه الآية. الأول: "عُرض على الأنظار ورشّ بالدم بيد عظيم الكهنة في يوم التكفير العظيم". يرى عدد من الشرّاح هنا تلميحاً إلى أداة الكفارة التي كانت توضع على تابوت العهد. ولكن العدد الأكبر يرون أن هذا التلميح مشكوك فيه، فيفهمون أن الآب "أعدّ المسيح ليكون الضحية الذبائحية التي تقدّم عن خطايانا". نحن نأخذ بالتفسير الثاني الذي يعطي الفعل (أقام) معناه المعروف في سائر نصوص العهد الجديد (1: 13؛ أف 1: 9). وهو معنى يثبته مخطّط الآب الخلاصي (8: 28؛ 9: 11؛ أف 1: 11؛ 3: 11). ثم هل يعقل أن يرمز إلى المسيح الكاهن والضحية في ذبيحة الجلجلة، إناء عبادي جامد يعود إلى الليتورجيا القديمة؟
إن الآب يبرّر الخطأة بفضل الإيمان. هي عبارة تتكرّر مراراً في 3: 22، 25، 26، 28، 30 وفي ف 4 بمناسبة الحديث عن تبرير ابراهيم المثالي بالإيمان، كما ترد في 5: 1: إن يسوع قد أخذ على عاتقه قضية الخطأة (رج 3: 24). بالإيمان الذي هو عطية الشخص للمخلّص، يربط الخطأة مصيرهم بمصير يسوع وينعمون بثمار ذبيحته. لا تبرير بدون إيمان (ولو ضمني) بالمسيح. سنعود فيما بعد إلى مسألة تبرير الوثنيين الذين لم يسمعوا إطلاقاً بالوحي البيبلي ولا بالمسيح، فندرس 2: 12- 16.
هناك عبارات غير متوقعة: "الإيمان بيسوع المسيح" (3: 22). "الإيمان بيسوع" (3: 22)؛ رج غل 2: 16 (مرتين)، 20؛ 3: 22؛ فل 3: 9. نحن لا نتحدّث عن إيمان لدى يسوع المسيح، ولا أمانة وتوافق مع مخطّط الآب الخلاصي (يقرأون: إيمان يسوع، بدون حرف الجرّ). بل نقول: الإيمان الذي موضوعه يسوع المسيح. ففي 3: 22- 26، هناك تعارض بين الشريعة الموسوية، وإيمان (الإنسان) بيسوع المسيح. نحن هنا على مستوى الإتحاد التام مع يسوع المسيح. مع أن البر الذي يُعطى للخاطىء يشترط الإيمان، إلا أنه يبقى هبة مجانية من الآب. ليس الإيمان هو سبب البرّ. بل هو فعلة بها يستقبل الإنسان البرّ ويستسلم له. هو الإستعداد الأخير الذي يتيح للإنسان أن "يتملّكه". لهذا، فالإيمان نفسه لا يفلت من عمل الله، لأن الإنسان الساقط لا يستطيع أن ينفتح على حبّ الله إذا كان متروكاً وحده، إن لم تُعنه قدرة الله (7: 7- 25؛ 1 كور 2: 14؛ أف 2: 8- 9). إذا كان الإنسان يتبرّر بالإيمان، فهذا لا يعني أنه مستحقّ هذا التبرير، وكأن الإيمان جاء منه، هذا الإيمان الفاعل وغير المنفصل عن المحبّة. إن استبعاد الأعمال (كما يقول 3: 28) يسري مع التبرير الأول، ويرافق اعتداد اليهود المتكبرّين بأن لهم حقّاً على الله في علاقاتهم معه. إذا كنا لا نتبرّر إلا إذا اتممنا الشريعة الموسوية يكون الله إله اليهود وحدهم، لا إله البشر جميعاً (3: 29- 3).
إن التبرير الذي منحه الله، لا يلغي فقط الوضع الخاطىء بل يميل إلى وضع حدّ لحالة الشقاء لدى الناس "المحرومين من مجد الله" (3: 22). المجد هنا يعني إشعاع وظهور الكائن الإلهي المتسامي. خُلق الإنسان على صورة الله، ولكنه بخطيئته تعرّى من هذا الإشعاع. وبالمسيح الفادي و"ربّ المجد" (1 كور 2: 8) و"صورة" الله الكاملة والحكمة الإلهية (2 كور 4: 6) يعود إلى البشر المبرّرين هذا الإشعاع الإلهي. ويعود إليهم بشكل ناقص في زمن التبرير (هم لا يستطيعون أن يتحملّوا كل هذا المجد على الأرض). في العهد القديم أعطي المجد الذي أشّع على وجه موسى خلال ظهور سيناء، أعطي على أنه ميزة جوهرية تُحفظ لعهد الكمال. وفي روم 8: 29- 30 كان التمجيد آخر الأعمال التي يتضمنها مخطّط الآب الخلاصي. والمسيحيون ينتظرونه خلال وجودهم على الأرض كما يقال في 8: 18، 21: "وإني لأحسب أن آلام هذا الدهر الحاضر لا يمكن أن تقابل بالمجد المزمع أن يتجلّى فينا... الخليقة ستُعتق من عبودية الفساد إلى حرّية مجد أبناء الله". هذا المجد حاضر منذ الآن في المسيح القائم من الموت، وبشكل من الأشكال في المسيحي (2 كور 3: 18؛ 4: 17). وأنه لم يظهر بعد. والإنسان الذي نال الوحي لا يستطيع أن يتصوّر بهاء هذا المجد المقبل الذي سيدرك أيضاً الخليقة كلها.

خاتمة
كل شيء يبدأ مع الآب. وكل شيء يعود إليه. صلاتنا نرفعها إلى الآب. إيماننا هو تعلّق بالآب. تبريرنا مصدره الآب وإن كان بواسطة ابنه يسوع. وفي النهاية، تمجيدنا هو آخر عمل يقوم به الآب من أجل المؤمنين. يدعو، يبرّر، يمجّد. لقد نظمّ الآب كل شيء لمجد يهيّئه لمختاريه، وهو مجد دُعوا إليه بالإيمان فتبرّروا في العماد، ولبسوا منذ الآن هذا المجد الذي سيتجلّى في نهاية العالم.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM