الفصل التاسع: الثالوث وسر الخلاص

 

الفصل التاسع
الثالوث وسر الخلاص
تبدو روم بادىء ذي بدء كتعليم عن سّر الخلاص (سوتيريولوجيا) كما نقرأ في 1: 16- 17. وفي هذا الفصل وفي الفصول التي تتبعه سنقوم بدارسة إجمالية عن العلاقات بين السوتيريولوجيا والكرستولوجيا (التعليم عن يسوع المسيح) والثالوث الأقدس. بعد هذا نتوقّف عند المسائل التالية: الحياة الجديدة لدى المسيحي والأقانيم الإلهية الثلاثة (ف 1- 8). المسيح آدم الجديد وعبد الله المتألّم، وتضامننا مع المسيح ومع آدم (5: 123- 21). الوجه الشامل والوجه الشخصي لدراما الخلاص. حياة الجماعة الكنسيّة ومثلّث الإيمان والرجاء والمحبة. تاريخ الخلاص بمراحله المختلفة مع اعتبارات حول مسيرة مخطّط الله في العالم. ونبدأ بنظرة إجمالية حول السوتيريولوجيا (التعليم عن الخلاص) وسّر الثالوث الأقدس.

1- تعابير إيمانية
إن التعليم اللاهوتي في روم يرتكز على تأكيدات كرستولوجية مهمّة جداً. والقسم الكبير منها هو في الأصل تعابير إيمانية في الكنيسة الأولى، أفعال إيمان قبل "نؤمن" مجمع نيقية.

أ- 1: 3- 4: "إنجيل الله الذي سبق فوعد به على ألسنة أنبيائه في الكتب لمقدسة عن ابنه، المولود بحسب الجسد من ذرّية داود، المقام بحسب روح القداسة في قدرة الله بقيامته من بين الأموات، يسوع المسيح ربنا".
نحن هنا أمام بشرى، أمام خبر سارّ: يعلن الله ابنه في العالم. يرسله إلى العالم ليقيم ملكوته. والطابع الجديد للإنجيل يعني قبل كل شيء شخص يسوع المسيح. كانت النبوءات في العهد القديم قد تحدّثت عن حب الله وغفرانه للبشر. والآن قد تمّت كل هذه المواعيد في يسوع. لهذا قال بولس عن نفسه في آ 2: إنّ الله فرزه لكي يحمل إلى البشر، إلى الوثنيين كما إلى اليهود، الإنجيل الذي أعلنه الأنبياء في القديم.
إن آ 3- 4 تستعيد فعل إيمان يبرز في توازن تام. يسوع، بحسب الجسد، قد خرج، قد وُلد من ذرية داود. وحسب الروح (القدس)، قد أُقيم ابن الله بالقدرة، بقيامته من بين الأموات. نحن هنا أمام الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية في المسيح. كما نحن أيضاً أمام وجهتين من وضع يسوع المسيح: قبل الفصح، ضعف الجسد ووضاعته. وبعد الفصح، دخول إلى ملء القدرة الإلهية. أكّد بولس هنا ان يسوع هو في وضعه البشري ابن الله (أنت ابني الحبيب، في العماد). وسيؤكّد لاهوته في 9: 5 (المسيح، إله مبارك إلى الدهور). أما في القيامة، فقد أُقيم يسوع ابن الله: لقب جديد ومسيحاني. مهمته أن يشرك المؤمنين في بنوّته الإلهية (8: 29؛ غل 4: 5- 7)، ويمارس وظيفته كربّ الأحياء والموتى (14: 9). هنا نقول: ليست القيامة هي التي جعلت يسوع ابن الله. ولكن في القيامة رفعه الله بشكل سامٍ جداً وأعطاه المجد والقدرة. كانت بنوّته خفية فصارت ظاهرة للعالم.

ب- 4: 24- 25. "نحن المؤمنين بالذي أقام، من بين الأموات، يسوع ربنا، الذي أسلم لأجل زلاّتنا، وأُقيم لأجل تبريرنا". هنا يعود النصّ إلى أش 53: 6، 12 حسب اليوناني. "كلّنا ضللنا كالغنم. كل واحد ضلّ في طريقه. والرب أسلمه عن خطايانا... لهذا سيرث الكثيرين ويقاسم الأقوياء الغنائم، لأنه سلّم نفسه إلى الموت. وأحصي بين العصاة وحمل خطايا الكثيرين وأسلم بسبب خطاياهم".
إنّ التبرير هو مشاركة أولى في حياة المسيح القائم من الموت (6: 4؛ 8: 10). إن بولس لا يفصل موت يسوع عن قيامته. في العهد القديم، الله يبرّر حين يدين (مز 9: 9: يدين العالم بالبر ويحكم على الأمم بالإستقامة). في العهد الجديد سيدين في اليوم الأخير (2: 5). وحين نقول إنه "يبرّر" بواسطة المسيح (3: 24)، فنحن نعني أنه يهب عطية البرّ والقداسة بالنظر إلى الإيمان وحده (1: 17)، لا إلى أعمال الناموس (3: 27؛ 7: 7).
هنا نقرأ في الخط عينه 8: 32: "هو الذي لم يشفق على ابنه الخاص، بل أسلمه عنا جميعاً، كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء"؟ نحن هنا في جوّ ذبيحة إسحق (تك 22: 16) وفي خط أش 53: 6: "أسلمه الله من أجل خطايانا".

ج- 5: 8- 9: "وأما الله فقد برهن على محبّته لنا بأن المسيح قد مات عنا ونحن بعد خطأة. فكم بالأحرى، وقد برّرنا الآن، نخلص به من الغضب". في هذا الخطّ نقرأ غل 2: 20: "إني أحيا في الإيمان بابن الله الذي أحبني وبذل نفسه عنيا. بهذه الصورة أشار بولس إلى صليب يسوع، وإلى موقف الذين يجعلون هذا الصليب بلا فائدة لأنهم يظنّون أنهم يتبرّرون بواسطة الشريعة الموسوية.
ويقول بولس في أف 5: 2: "أسلكوا في المحبّة على مثال المسيح الذي أحبّكم (أحبّنا) وبذل نفسه لأجلنا، مقدّماً نفسه لله ذبيحة رائحة طيّبة". يعود بنا هذا إلى خر 29: 18؛ مز 40: 7؛ حز 20: 41.
ونقرأ من روم أيضاً 10: 9 كفعل إيمان في كنيسة رومة (أو: كورنتوس، من حيث كتبت روم): "إن اعترفت بفمك أن يسوع هو ربّ، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من بين الأموات، فإنك تخلص". إن تعلّق القلب الداخلي يقابل إعلان الإيمان الخارجي كما تمّ في المعمودية، بفم المؤمن أو بفم من تلا عنه "قانون الإيمان".
الإيمان هو العمل الذي به يسلّم الإنسان ذاته إلى الله الذي هو وحده صاحب الخلاص في يسوع المسيح. والإيمان هو جواب على بُشرى الخلاص التي أعلنها المبشّرون. هو لا يستند إلى الحكمة البشرية، ولا إلى شخصية الرسل، بل إلى قدرة الله. الإيمان الذي هو تعلّق العقل بالإنجيل هو في الوقت عينه خضوع الإنسان لله والطاعة لوصاياه.
في روم 10: 9 نرى خصوصاً أن اعتراف الإيمان يلزم الإنسان كله، نفساً وجسداً، عقلاً وروحاً. فعلى الفم أن يعبرّ عما في القلب. وعلى الأعمال أن تدلّ على تعلّقنا بالمسيح تعلّقاً يصل بنا حتى التضحية بحياتنا: نفعل كما فعل هو.

2- المسيح ابن الله والروح القدس
أ- المسيح
في هذه النصوص ولا سيما في 1: 3- 4 نتعرّف إلى الكائن الأزلي، يسوع المسيح ابن الله، في تواضع وجوده البشري، وفي ارتفاع ناله في سرّه الفصحي. نحن نكتشف هنا ثلاثة تأكيدات رئيسية.
* التأكيد الأول
المسيح هو منذ الأزل "ابن الله" في المعنى الحصري. لا شكّ في أن تسمية "ابن الله" عنت في التوراة الملك الذي يتبنّاه الله يوم يعتلي العرش. والشعب هو ابن الله على ما قيل في هوشع: من مصر دعوت ابني. أما هنا فلفظة الإبن تقوله أكثر من العهد القديم ولا تنطبق إلا على شخص واحد هو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. هذه البنوّة قد اكتشفها بولس على طريق دمشق في وحي وصل إليه في بداية حياته مع يسوع.
* التأكيد الثاني
في وقت محدّد في التاريخ، أخذ ابن الله الطبيعة الإنسانية، صار بشراً (من لحم ودم). تدلّ كلمة "جسد، بشر" هنا كما في يو 1: 14 على الطابع المائت والسريع العطب الذي يرافق الطبيعة البشرية. ولا تدلّ إطلاقاً على الخطيئة. صار ابن الله بشراً في خطّ السلالة الداودية. ماذا وضعنا جانباً هذا القول الذي يربط الكرستولوجيا بالتاريخ، فالرسول لن يتحدّث كثيراً عن يسوع بحسب الجسد، ولا عن المسيحانية الداودية.
* التأكيد الثالث
تجاه ضعف الجسد (البشرية) هناك قدرة روحية وسّرية. "أُقيم، جعل" كما في أع 10: 42؛ 17: 3: جعل بقيامته ابن الله المرتدي بالقدرة (1 كور 15: 43؛ 1 تس 1: 5؛ مر 9: 1). حسب روح القداسة. أو: حسب روح التقديس. قد تدلّ الكلمة على الروح القدس. أو بالأحرى نحن أمام "شيء" يتعلّق بالمسيح (أي: الطبيعة الإلهية). هو يمتلكه منذ الأزل. وبعد ذلّ حياته على الأرض، عاد إشراقه بفضل قيامته من بين الأموات. وهناك من قال: إن المسيح أُقيم، بقيامته، روحاً مقدِّساً، بحيث إن الحياة التي ينقلها إلى البشر هي مشاركة في حياته السماوية.
ونعود إلى 9: 5. إذا قرأنا رسائل بولس نجد عادة أن الإسم الإلهي للمسيح هو "الرب" (كيريوس). أما لفظة "الله" (تيوس) فهي محفوظة للآب. ولكن في 9: 5 يسمّي بولس يسوع "الله". نجد هذا النصّ في خاتمة تعداد امتيازات إسرائيل: التبنّي، المجد، العهود، الإشتراع، العبادة، المواعيد، الآباء. وينتهي التعداد بجملة فسّرت تفسيرين رئيسيين. الأولى: "منهم (من بني اسرائيل) خرج المسيح بحسب الجسد (أي فيما يخصّ الطبيعة البشرية). وهذا المسيح هو فوق كل شيء إله مبارك إلى الدهور". الثاني: يجعل وقفة بعد "بحسب الجسد". ويجعل من الباقي مجدلة تتوجّه إلى الله الآب: "ليكن الله الذي هو فوق كل شيء مباركاً إلى الدهور". هناك ما يسند التفسير الأول: إن مجدلات بولس ترتبط عادة بما يسبق (1: 25؛ 2 كور 11: 31؛ غل 1: 5). إن مسيرة الفكرة تصل بنا بشكل طبيعي إلى تمجيد المسيح الذي هو ذروة امتيازات شعب إسرائيل: فهذه الإمتيازات هي عظيمة جداً، لأن المسيح ليس فقط إنساناً، بل يمتلك الطبيعة الإلهية. ثم إن التعارض بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية في المسيح، أمرٌ معروف في الرسائل البولسية.

ب- الروح القدس
في العهد الجديد، كما في مجمل القديم، يُعرض الروح القدس على أنه قوة إلهيّة، لا على أنه شخص بالمعنى الحصري للكلمة. ولكن هناك مواضع تبدو شخصية الروح القدس فيها واضحة، ولا سيّما عند القديم بولس الذي يقدّم لنا التعليم الثالوثي عن الروح القدس. ماذا تقول روم في هذا المجال وخصوصاً ف 8؟ يبدو الروح ككائن شخصي يقيم في المسيحيين (8: 9، 11)، يحرّكهم بنشاطه (8: 11، 14)، يشهد لأرواحهم أنهم أبناء الله (8: 16). يأتي إلى معونة ضعفهم، وإذ يحضر فيهم يتشفّع من أجلهم بأنّات لا توصف (8: 26). هذا الروح الذي هو في الوقت عينه روح الله الآب (8: 9، 14)، وروح المسيح أو روح الإبن (8: 9؛ 8: 15؛ ق غل 4: 6: "روح ابنه")، لا يسكن في المؤمنين إلاّ إذا سكن الإبن فيهم. أما إذا غاب فهذا يعني أن الإبن غائب (8: 9- 11). وهذا يعني اتحاداً لا ينفصم بين الروح والابن. ومع ذلك يبقى التمييز بين الابن والروح واضحاً. لا يسمّى الروح أبداً ابن الله. ولا ينسب إليه الرسولُ النشاط الفدائي الذي قام به يسوع على الأرض. وسوف نرى فيما بعد أن العبارتين البولسيتين "في المسيح" و"في الروح"، ترتبطان ارتباطاً وثيقاً ولكنهما ليستا مترادفتين.

3- النشاط الإلهي
حين حدّثنا كتّاب العهد الجديد، ولا سيما بولس ويوحنا، عن الله، لم يحاولوا أن يكشفوا لنا كائنه الحميم، بل نشاطه الخارجي الحرّ، وبالأخص عمل الخلاص من أجل البشر. ولكن عبر هذا العمل، هم يقولون لنا بعض الشيء عما هو الله في ذاته، عمّا هم الآب والابن والروح القدس في ذاتهم. إن الرسول يعلّم أن المسيح هو ابن الله في المعنى الحصري. ويفهمنا أيضاً أن الروح القدس هو أيضاً في قلب الثالوث. هذا الروح الذي هو للآب والابن، الذي يكمّل عملهما التقديسي فيتيح لنا جواب الأبناء على نداء الله بعطاء حرّ من قبلنا. "فإن جميع الذين يقتادهم روح الله هم أبناء الله" (8: 14).
قدّمت روم بشكل عابر معطيات كرستولوجية وثالوثية، ولكن لهذه التعابير أهميتها، وقد لعبت دوراً كبيراً في توسّع اللاهوت. ففي استكشاف سّر الثالوث، فُتحت طريقان مختلفتان: مسيرة الوحي البيبلي الذي شدّد على الله الواحد، فرفض تعدّد الآلهة. مسيرة ثالوثية الأقانيم (أو: الأشخاص). انطلقت واحدة من وحدة الجوهر الإلهي ثم تأمّلت في الأقانيم الثلاثة (خطّ الآباء اللاتين، ولا سيّما القديس أوغسطينس). وانطلقت الثانية مباشرة من وحي العهد الجديد حول الأقانيم الثلاثة الإلهية فوصلت إلى جوهر الله الواحد (خطّ الآباء اليونان). خطّان شرعيان. ولكن يبدو أن خطّ الآباء اليونان هو أقرب إلى لاهوت القديم بولس الذي ربط (في روم) تبرير المسيحيين وتقديسهم بكل من الأقانيم الإلهية: بدأ مع الآب، ثم ابن الله المتجسّد وآدم الجديد، وأخيراً الروح القدس. ومهما يكن من أمر، ففي روم كما في سائر أسفار العهد الجديد، يتعلّق إعلان الخلاص بفكرة دقيقة عن كيان الله (الآب والابن والروح القدس) الذي هو ينبوع عمل الخلاص.

4- تعليم عن الخلاص
ولكن يبقى أن تعليم روم هو في جوهره تعليم عن الخلاص، سوتيريولوجيا. وهذه السوتيريولوجيا تتركّز على المسيح، لأن المسيح هو في نظر بولس المحبوب الأول. فالآب يرسم في المسيحيين صورة ابنه "ليكون بكر إخوة كثيرين" (8: 29). ويتمّ التوافق مع صورة الابن على هذه الأرض بفضل تحوّل داخلي متدرّج (2 كور 3: 18). ولن ينتهي إلاّ في مجيء الابن (1 كور 15: 49).
أبرز بعض الشرّاح التوجه السوتيريولوجي في روم، ولكنه حصر نظرته في المؤمنين وحدهم. قال: توخّت روم أن تبيّن قوة الله في خدمة الذين آمنوا بالإنجيل، وأن هذه القوة تخلّصهم. ولكن يبدو أن الرسول يطرح السؤال في أبعاده الواسعة. كتبت روم في ذروة رسالة بولس، وساعة كان مهتماً بتوحيد المسيحيين الآتين من العالم اليهودي والمسيحيين الآتين من العالم الوثني، وبحَمْل الإنجيل إلى حدود الإمبراطورية (15: 14- 29). كتبت فنفحتها روحُ المسكونية وروح الوحدة: إن هدف مخطّط الله هو خلاص الجنس البشري وتوحيده كله في الإيمان بالمسيح.
ولكن، أي خلاص نعني؟ مع أن العهد القديم لم يجهل وجهة الشمولية والوجهة الروحية، إلا أن الخلاص ظلّ محصوراً في شعب الله وحده، وظلّ على المستوى السياسي والزمني. أما الفكرة المسيحية للخلاص كما تسلّمها بولس من الجماعات الأولى فكانت في نجاة من الخطيئة، تقدّم لجميع البشر بواسطة المسيح. وهناك سمتان تميّزان السوتيريولوجيا الخاصة ببولس: تشديد على الإيمان. إبراز الطابع المسكوني للتعليم المسيحي. في 1: 16 نقرأ: اليهودي أولاً ثم اليوناني. هذا يعني البشرية كلها (كما نقول: السماء والأرض، يعني الخليقة كلها). إن عبارة "أولاً" تدلّ على أولوية زمنية. إنطلق يسوع من العالم اليهودي، وكذلك فعل الرسل لكي يصلوا إلى العالم الوثني.
فالناس يخلصون بتعلّقهم بتدخّل الله الحاسم بواسطة شخص يسوع وعمله. فالرسول لا يميل بنظره دقيقة واحدة عن المخلّص: ففيه يتأمّل البشرية كلها، وهذا ما يتيح له أن يراها، في الوقت عينه، في ضعفها الذي لا شفاء منه بدون النعمة، وفي سموّ دعوتها الفائقة الطبيعة. فالصور المتعاقبة عن الخطيئة الشاملة (1: 8- 3: 20 ثم 5: 12- 21 ثم 7: 7- 25) تخضع خضوعاً وثيقاً للعروض السوتيريولوجية التي تليها فتعطيها ملء مدلولها. وبعبارة أخرى، إن "الإنجيل" الذي أعلنه بولس "كقوة الله لخلاص كل من يؤمن" (1: 16)، لا نفهمه في العمق إلا إذا تعرّفنا مسبقاً إلى شقاء البشرية (على المستوى الخلقي) المحرومة من المسيح. "يا لي من إنسان شقي! من ينقذني من جسد الموت هذا؟ الشكر لله بيسوع المسيح ربنا" (7: 24- 25).

خاتمة
كيف بدت براهين بولس وعودته إلى الكتاب المقدّس؟ إن الروح الذي يلهمه يختلف كل الإختلاف عما عند الرابانيين. إلتفتوا هم إلى الماضي، إلى عطية الشريعة الموسوية المكتوبة، وربطوا بها كل تجديد في الشريعة الشفهية المتناقلة. أما بولس فعاش في المستقبل، أي في المسيح. في العهد الذي دشّنه المسيح، في الأزمنة الجديدة التي كان العهد القديم تهيئة لها وصورة. تسلّم بولس وديعة العهد القديم، فرأى فيها لا قاعدة إيمانه الذي يأتيه من المسيح، بل المربيّ الذي هيأ ملك الحكمة الإلهية وعمل الشاهد الأمين الذي هو يسوع المسيح.
مع القديس بولس لسنا أمام مفكّر بنظرات عامة ومجرّدة. بل أمام صوفي حمله عالم الروح فاستند إلى خبرة دينية خارقة عاشها على طريق دمشق، وحاول طوال حياته أن يعبرّ بكلمات البشر عمّا لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM