الفصل الثاني والأربعون: مسؤوليّة الأقوياء

الفصل الثاني والأربعون
مسؤوليّة الأقوياء
14: 13- 23

موضوع ف 14، علاقةُ الأقوياء بالضعفاء، والضعفاء بالأقوياء. الأقوياء يحتقرون الضعفاء لأنهم سجناء نظرتهم التقليديّة التي تدلّ على قلّة إيمانهم. والضعفاء يدينون الأقوياء، ويعتبرونهم خارج الإيمان لأنهم تركوا بعض الممارسات التي يعتبرها الضعفاء ضروريّة. واجبات متبادلة داخل الجسد الواحد، داخل كنيسة المسيح في رومة، مع مثال يُنير الطريق للجميع، هو المسيح الذي مات وعاد إلى الحياة ليكون ربّ الأحياء والأموات. هذا الذي يسود الكون، يدعو الجميع إلى الاحترام المتبادل. ذاك كان كلام بولس بشكل عام. بدأ فتوجّه إلى الضعفاء ليخرجهم من نظرتهم الضيّقة ويمنعهم من دينونة الآخرين. وها هو في آ 13- 23 يلتفت إلى الأقوياء الذين هم مسؤولون عن اخوتهم مع نصيحة قويّة سنجد مثلها في 1 كور: لا تجعل أخاك يسقط. لا تكن سبب هلاك لأخيك. تلك هي المحبّة الأخويّة التي تسيطر على هذا القسم الارشادي في روم، والتي تعمل من أجل البنيان، لا من أجل الهدم. وما الذي يوجّه المسيحيين من ضعفاء وأقوياء؟ هو الإيمان.

1- دراسة النصّ وبنيته
أ- دراسة النصّ
في آ 14، نقرأ «في حدّ ذاته». عدد من المخطوطات قالت، بواسطته، أي بواسطة المسيح، محاولةً تحسين النصّ.
في آ 16، نقرأ في البداية «إذن» (أون). ولكن عدداً من الشهود ألغوا هذه الأداة، إذ رأوا النفي (مي) في آ 15 ب وفي آ 20 بدون «أون». ولكن حذفها يضرّ ببنية النصّ. ونقرأ ضمير المخاطب مع «خيرك» (أو: خيركم). غير أن عدداً من المخطوطات تجعل ضمير المتكلّم (خيرنا) مع «هيمون» بدل «هومون».
في آ 18، نقرأ «مثل هذه» (المفرد). كان تصحيح بدّلَ المفرد إلى جمع ليضمّ ما قيل في آ 17 ب. ونقرأ «قبول الناس». غير أن عدداً من المخطوطات ومنها الفاتيكاني و011،لم يرضوا عن رضى الناس لسلوك المسيحيين (مثل هذا الرضى يعارض مت 5: 11؛1بط 4: 14)، فقالوا: للناس الذين رضيَ الله عنهم.
في آ 19، «وهكذا نطلب»: الصيغة الاخباريّة. وهناك الصيغة الافتراضيّة «لنطلب». وهكذا نكون أمام إرشاد يحثّ المؤمنين على العمل. ونقرأ «والبنيان». أرادت مخطوطات غربيّة أن تحسّن النصّ، فأضافت «وليحافظ» على البنيان. هكذا يكون التوازن ظاهراً.
في آ 20، عاد السينائي إلى آ 15 وقرأ «أبولوي» بدل «كاتالوي» (دمّر في الحالين). كما عاد إلى تي 1: 15 وأضاف «للأطهار» فصار النص: طاهر للأطهار، لا طاهر فقط.
في آ 21، في وقت قديم، أضيفت العبارة: «أو يتشكّك أو يضعف» في نهاية الآية.
في آ 22، نقرأ «الإيمان الذي لك». هذا يعني اسم الموصول، كما في السينائي والفاتيكاني. ولكن الترجمات تلغيه فيصبح النص: «هل لك إيمان؟ إحفظه لنفسك». ونقرأ: «قدّام الله». غابت العبارة من السينائيّ.
في نهاية آ 23، ترد المجدلة التي نقرأها في 16: 25- 27، في 020 (رومة) وفي 044 (جبل أثوس) وفي النصّ البيزنطيّ. وهنا وبعد 16: 23 في الاسكندراني وفي 025، وفي النسخة الأرمنيّة وبعض المخطوطات الجرارة. يبدو أن وضع المجدلة بعد 14: 23، يدلّ على رغبة في تقصير نص روم. رج 16: 25- 27 والدراسة.
ب- بنية النصّ
تتوجّه آ 13- 23 بشكل رئيسيّ إلى موقف الأقوياء (15: 1) مع استعمال لفظ «كرينو» (دان) في آ 13 التي تشكّل انتقالة. وهكذا يكون الارشاد في ثلاثة أقسام. آ 13- 15: اعتبر أخاك الصغير. آ 16- 18: إحسب حساب الذين في الخارج. آ 19- 21: اهتمّ ببناء الكنيسة. كل قسم يبدأ بالأداة «أون» (اذن): إذن، لا يحكم بعضكم على بعض (آ 13). إذن، لا تعرّض ما هو خير (آ 16). إذن، لنطلب ما فيه السلام (آ 19). ويكرّر بولس نفسه ليشدّد على مسؤوليّتهم. إن آ 13- 23 تدور حول آ 14 وآ 20 ب (ما عادت تعمل شريعة الأطعمة النجسة). ولكن التشديد هو على المحبّة (آ 14 ب، آ 20 ج). وجاءت بنيةُ التصالب فقوّت الهدف اللاهوتيّ. وإذ كررت النصح جعلت المسؤوليّة الكبرى على الأقوياء.
13 أ 22- 23
13 ب 21
14 20 ب
15 20 أ
16- 18 19
وهناك سمات حول «كرينو» (دان) في آ 22- 23 (كما في آ 13)، وصدى لتعليم يسوع في آ 13، 14، 15، 17. أما 22- 23 فتعودان بنا إلى بداية ف 14.
آ 1 آ 22
آ 2 أ آ 22 أ
آ 3 آ 22 ب.

2- تحليل النصّ الكتابيّ (14: 13- 23)
سبق وحدّدنا الأقسام الثلاثة في هذا المقطع: الأخ الصغير (آ 13- 15). إن أسأتَ إليه لا تكون سالكاً طريق المحبّة. ثمّ: الشهادة المسيحيّة (آ 16- 18). سيجدّف على اسم الله بسببنا. وأخيراً: بناء الكنيسة (آ 19- 23). إن كان القويّ عثرة لأخيه الصغير، فهو يعمل عمل الهادم لا عمل الباني.
أ- الأخ الصغير (آ 13- 15)
«فلا يحكم بعضنا على بعض» (آ 13). يبدو أن الارشاد يتوجّه إلى الفئتين مع «إذن» (أون) كخاتمة لما في آ 10- 12، مع فعل «كرينو» (دان) الذي يميّز الموقفين. رج آ 3، 10؛ مت 7: 1. هو انتقال من المتكلّم الجمع إلى المخاطب الجمع (أن تحكموا). لا ولكن. نلاحظ استعمال «كرينو» مرّتين في الآية الواحدة. رج 1 كور 7: 37؛ 2 كور 2: 1. لا نحكم على بعضنا، بل نحكم على نفوسنا أن لا نكون. «بروسكوما»، رج 9: 32 (حجر عثرة). «سكاندلون» (شك). رج 9: 33. ارتبط اللفظان بعبادة الأوثان في الفكر اليهوديّ. رج خر 23: 33؛ 34: 12 (نج 2: 11- 12، 17)؛ قض 2: 3؛ 8: 27؛ مز 106: 35؛ هو 4: 17 حسب السبعينيّة؛ صف 1: 3 حسب سيماك؛ حك 14: 11. لسنا هنا على مستوى عبادة الأوثان، بل بالأحرى قريبين من اش 8: 14 (روم 9: 33؛ 1 بط 2: 8). في قض 12: 2 هناك شك أمام أكل طعام الأمم (مز سل 4: 23؛ مد 16: 15). في روم 9: 33، هناك شك في فشل اليهود بأن يعرفوا المسيح.
«وأنا عالم ومتيقّن» (آ 14). تشديد مثلث: عالم، متيقن، في الربّ. هذا يعني أن «هوتي» (آ 5) قويّة جداً. رج غل 5: 10؛ فل 1: 25؛ 2: 24؛ 2 تس 3: 4. هو يقين بولس الكامل حول كل طعام للضعفاء، بحيث يدعو الأقوياء إلى التعليم التالي. «بابايسما» (تيقّن). رج 8: 38. ذُكر اسم يسوع لارتباط هذا القول بزمن رسالة يسوع على الأرض. وذُكر اسم الربّ من أجل فهم في الروح. هي سلطة الرب يسوع الانسان الاله كما في بداية روم.
«لا شيء نجس». أي ما من طعام. «كوينوس»، نجس. هذا يعني أننا ما زلنا في إطار يهوديّ. (ط م ا، في العبريّة). لا 10: 10؛ حز 22: 26؛ 44: 23. كل هذا يعكس الاهتمام بالطهارة في الحقبة المكابيّة وما بعدها. رج 1 مك 1: 47 (رفض الطعام النجس)؛ مر 7: 2، 5 (شرح كلمة «نجس»). هكذا تبقى طهارة الشريعة. رج يه 12: 7؛ يوب 3: 8- 14؛ مز سل 8: 12- 22؛ نج 3: 5؛ وثص 12: 19- 20. هكذا تحدّد الجماعةُ نفسها وتتميّز عن الآخرين. ذاك هو تصرّف الضعفاء الذي يطلبون الاستناد إلى أعمال خارجيّة، ولا يستسلمون كلياً لانجيل الربّ، انجيل الحريّة. «ولكنه يكون نجساً». حسبَ (لوغيزستاي). لسنا أمام رأي بسيط، بل أمام اعتقاد يقينيّ يرتبط بحقيقة الله. لا يطلب بولس إلغاء شريعة الطاهر والنجس، بل وضع الأساس الذي عليه مثلُ هذا التمييز يُنظَر إليه في الجماعة المسيحيّة. ما هي حدود تفصل بين مجموعتين، بل تعبير عن الحريّة داخل جماعة تضمّ مختلف الاتجاهات.
«فإذا أسأت إلى أخيك» (آ 15). «بروما» (طعام). يُستعمل مرّتين في آ 15، ومرة واحدة في آ 20 (1 كور 8: 8،13). في آ 17: بروموس. «الأخ» (أدلفوس). رج 14: 10. نلاحظ المخاطب المفرد، وقوّة الكلام الذي يتوجّه إلى الشخص. إلى كل واحد من «الأقوياء» (آ 20). «ليبايستاي» (حزن لأنه سقط). رج 1 صم 29: 4؛ 2 صم 13: 21؛ 2 مل 13: 19. لا يتوقّف بولس مع هذا الفعل عند شعور موقت بل عند جرح يُصيب ضميرَ الضعيف. «أغابي» (المحبّة). رج 12: 9. هي الكلمة المفتاح في القسم الارشاديّ. «باريباتيو»، سلك. هو السلوك اليوميّ. رج 6: 4. هناك سلوك في المحبّة ينتمي إلى سلوك في الروح، مقابل سلوك حسب الجسد أو حسب النظرة البشريّة (8: 4؛ 1 كور 3: 3؛ 2 كور 10: 2- 3؛ غل 5: 16؛ 1 يو 2: 10). يحافظ بولس على الانشداد بين الحرية الشخصيّة (اليقين، آ 5، 14 أ- 22- 23) وممارسة الحريّة عبر المحبّة. رج أف 5: 2 حيث المسيح هو مثال هذا الحبّ.
«فلا تجعل من طعامك». «أبوليمي»: أهلك. هو الدمار الاسكاتولوجيّ تجاه تبرير في الدينونة الأخيرة. عاد بولس إلى أمانة للعهد تُحدّدُ حياةَ اليهوديّ التقيّ. وإن لم يحيَ، يجعل نفسه خارج العهد ويخسر المشاركة في مصير اسرائيل الأخير. رج المشناة، سنهدرين 4: 5: «إن سبّب أحد الهلاك لنفس واحدة في اسرائيل (لا نجد «في اسرائيل» في بعض النصوص) يجعله الكتاب وكأنه سبّب الهلاك للكون كلّه». ويرى بولسُ الضعيفَ الذي اقتنع رغماً عنه، أنه إن أكل الطعام النجس وما حافظ على السبت، انقطع عن العهد وحكم على نفسه بالهلاك الأبديّ. فمثلُ هذا المؤمن قد يتخلّى عن إيمانه بالمسيح وعن عضويّته في جسد المسيح. رج 14: 23؛ 1 كور 8: 10- 12. المسيح مات لأجله (5: 6). فهل طعامُك أكثر أهميّة من حياة المسيح.
ب- الشهادة المسيحيّة (آ 16- 18)
«إذن، لا تعرّض» (آ 16). هنا تظهر لغةُ العهد مع «جدّف» (بلاسفيميو). يجدّف الأمم حين لا يُقرّون بموقف مميّز لاسرائيل أمام الله. «اغاتون»، الخير. بركات عهد الله (البرّ، الخلاص، رج 8: 28؛ 10: 15)، وليس فقط حريّة ينعم بها «الأقوياء». ونقرأ ضمير المخاطب «هومون» (أنتم). كلام يتوجّه إلى جميع قرّاء الرسالة من أقوياء وضعفاء. «يجب أن لا يجدّف الذين في الخارج» على الإيمان بسبب تصرّف المسيحيّين إلى أيّة فئة انتموا. هكذا لا يقع الأقوياء في خطيئةٍ وقعَ فيها الضعفاء (اليهود) حين افتخروا بالشريعة.
«فما ملكوت الله طعام وشراب» (آ 17). «باسيلايا» (ملكوت). يُستعمل اللفظ في عبارة مثل «ورث الملكوت». رج 1 كور 6: 9- 10؛ 15: 50؛ غل 5: 21؛ أف 5: 5؛ يع 2: 5. بالنسبة إلى تقليد يسوع، رج مت 5: 5؛ 19: 29. وهناك عودة إلى المستقبل الاسكاتولوجيّ (1 تس 2: 12؛ 2 تس 1: 5؛ كو 4: 11؛ 2 تم 4: 1، 18. وكلام عن ملكوت الله الاسكاتولوجيّ والحاضر في 1 كور 15: 24؛ كو 1: 13. أما ما يوازي آ 17 هنا، فهو 1 كور 4: 20 (ملكوت الله ليس في الكلام، بل في القوّة). هذا يعني أن عبارة «ملكوت الله» كانت في التقليد المسيحيّ الأول. خاف أن يذكرها بولس لئلاّ يُظنّ أنه يثير القلاقل (أع 17: 6- 7؛ مر 15: 26 وز؛ يو 18: 33- 37). حيث الأناجيل الإزائيّة شدّدت على الملكوت (105 مرات تجاه 7 مرات عند بولس)، شدّد بولس على البرّ (57 مرة تجاه 7 مرات عند الازائيّين) وعلى الروح (110 مرات تجاه 13 مرّة عند الازائيين).
في الواقع، يعكس استعمالُ بولس تشديداً على تقليد يسوع، مماثلاً لما في الأناجيل: سيادة الله الاسكاتولوجيّة تجلّت منذ الآن في الحاضر، وخصوصاً بواسطة طرد الشياطين (مت 12: 28= لو 11: 20) والمشاركة في المائدة (لو 14: 12- 24= مت 22: 1- 10). هناك نقطتان لافتتان من الاتصال. الأولى، في الحالين هو نشاط الروح القويّ الذي يُعتبر التجلّي الأخير لسيادة الله. هذا ما يميّز فكر بولس في انشداد اسكاتولوجيّ. الروح كعربون الميراث الذي هو الملكوت (1 كور 6: 9- 11؛ غل 4: 6- 7؛ أف 1: 13- 14). والروح بالنسبة إلى يسوع (وإلى بولس) هو حضور الملكوت في ملء تمامه، في المستقبل. الثانية، شبّه يسوع الملكوت بوليمة. غير أن بولس اعتبر أننا لا نتكلّم عن الملكوت في لغة الطعام والشراب (ليس أكلاً ولا شرباً). ولكن الأمر ليس كذلك. فمثَلُ يسوع حول الوليمة، ردٌّ على الفريسيين والاسيانيين الذين يهاجمون التلاميذ. رج لو 14: 13، 21؛ ق نج 2: 3- 9. وردُّ بولس جاء مماثلاً لهذا الردّ. هكذا يكون تعليمُ بولس في خط تعليم يسوع، دون أن يكون حرفياً.
«بروسيس»، فعل الأكل. «بوسيس»، فعل الشرب. لا يقوم الملكوت حين نأكل ونشرب، بل حين نعيش البرّ والسلام. لا يرتبط الملكوت بهذين الفعلين. «ديكايوسيني» (البرّ). يُستعمل هنا للمرة الأخيرة في روم: قوّةُ الله التي تجدّد المؤمن وتُسنده بنعمة منه تعالى (1: 17؛ 8: 10). وهكذا تكون آ 17 المركز اللاهوتي لما في ف 12- 15. إن الله يؤهّلنا لسلوك حسب الروح، حسب المحبّة (آ 15). «السلام» (ايريني). أولى عطايا الله في إطار الانشداد الاسكاتولوجيّ، كما هو في «البرّ» وفي «الروح». «فرح» (خارا): ثقة بأن الله يُسندنا حتى في الاضطهاد (مت 5: 12؛ روم 5: 3- 5؛ 2 كور 7: 4؛ 1 تس 1: 6؛ 1 بط 1: 6). «في الروح القدس». يمكن أن نربط العبارة فقط بالفرح، كما يمكن أن نربطها بالبرّ والسلام والفرح. في الروح، أي بقوّة الروح. فالمسيحيّة حياة فائقة الطبيعة نحياها في الروح القدس.
«فمن خدم المسيح» (آ 18). «إن توتو»، في هذا المجال. رج 1 كور 11: 22؛ 2 كور 8: 10، «خدم» (دولاواين). رج 1: 1؛ 6: 16؛ 7: 6؛ 12: 11. نحن هنا في تقليد يسوع مع تحديد المشاركة في الملكوت بلغة العبوديّة والخدمة. كل هذا يجعلنا في الجماعات المسيحيّة الأولى. رج مر 9: 35 وز؛ 10: 42- 44 وز. «اوارستوس» (مُرضٍ). رج 12: 1. «دوكيموس» ما هو مقبول بين الناس. هذا ما يعارض الاستعمال في العهد الجديد (16: 10؛ 1 كور 11: 19؛ 2 كور 10: 18؛ 13: 7؛2 تم 21: 5؛ يع 1: 12). نقرأ في 1: 28؛ لا يليق، ما لا يُقبل في المجتمع (أدوكيسموس). غير أن بولس يتطلع إلى سلوك الناس ذوي الارادة الصالحة، الذين يرون أعمال المؤمنين فيمجّدون الله.
ج- بناء الكنيسة (آ 19- 23)
«فلنطلب إذن» (آ 19). «أرا أون»، فاذن. رج 5: 18. «نلاحق السلام». عبارة معروفة في المسيحيّة الأولى. رج 2 تم 2: 22؛ عب 22: 14؛ 1 بط 3: 11. ق مز 34: 14 الذي يرد في 1 بط 31: 1. «ديوكو»، لاحق. رج 9: 30. رج آ 17: كيف يكون لنا سلام مع الله إن كنا منقسمين. «والبنيان» (أويكودوميس). صورة البناء صورة إيجابيّة في العالم اليونانيّ كما في العهد القديم. رج إر 12: 16؛ 31: 4؛ 28: 33... ويستعملها بولس في شكل خاص (15: 20؛ 1 كور 3: 9- 10؛ 2 كور 10: 8؛ 13: 10). يُبنى اليهود والأمم معاً (أف 2: 19- 21؛ 1 بط 2: 5). فعملُ البناء هو المقياس من أجل علاقات متبادلة وارتباط المؤمنين في ما بينهم (15: 2؛ 1 كور 8: 1؛ 10: 23؛ 1 تس 5: 11؛ أف 2: 22؛ 4: 12، 16، 29). يطلب بولس من الجماعة أن تطلب الخير، أن تبني نفسها، أن تنمو عدداً، وتنمو في التناسق والتوافق (أع 9: 31؛ 20: 32). أن لا يحتقر الأقوياء الضعفاء. وأن لا يدين الضعفاء الأقوياء.
«لا تهدم عمل الله» (آ 20). عاد بولس إلى المخاطب المفرد في كلام يتوجّه إلى «الأقوياء» (آ 15). «كاتالواين» (هدم). يقابل «أويكودوماين» (بنى) في آ 19. رج مر 13: 2 وز؛ 14: 58 وز؛ 15: 29 وز؛ 2 كور 5: 1؛ غل 2: 18. «كل شيء طاهر». هو قول مأثور يُطلقه «الأقوياء». ولكن هذا لا يعني أنه لم يُوجد إلاّ في رومة، وإن كانت وصلت بعضُ الأصداء إلى بولس. «كاتاروس» (طاهر). يقابل «كوينوس» (نجس). وهناك أيضاً «اكاتوروس» اللاطاهر. رج لا 10: 10؛ حز 22: 26. أما الكلام هنا فعن الطعام الطاهر (تك 7: 2- 3، 8؛ 8: 20؛ لا 4: 12؛ 6: 11؛ 7: 19؛ عز 6: 20؛ ملا 1: 11). ونصل إلى الأنبياء (اش 52: 11؛ 64: 6؛ حز 4: 13؛ هو 9: 3؛ حج 2: 14). رج يه 10: 5؛ 12: 9؛ 1 مك 1: 48؛ مز سل 8: 12، 22؛ وص لاوي 15: 1؛ 16: 4- 5؛ فيلون، الشرائع الخاصة 4: 106؛ يوسيفوس، أبيون 1: 357.
«ولكن من السوء». هل يتكلّم بولس إلى الأقوياء أم إلى الضعفاء؟ بالنسبة إلى أولئك، هناك آ 21 مع «عثرة» تسبّب الإساءة إلى الضعفاء. بالنسبة إلى هؤلاء، هناك التوازي مع آ 14 (إن آ20 ب تستعيد آ 14 ب)؛ 1 كور 8: 7، 10- 11. يعني أن الضعيف يأكل فيسيءُ. يصبح ذا ضمير سيّئ. أما نحن فنختار الموقف الأول. يتوجّه بولس إلى الأقوياء الذين قد يكونون سبب عثرة.
«ومن الخير» (آ 21). «كالوس» (حسن). رج 12: 17. ومن أجل التعارض بين الخير والشرّ (كالوس، كاكوس). رج 7: 18- 19، 21؛ 12: 17. «من الخير». رج 1 كور 7: 1، 8، 26؛ عب 13: 9، واستعمل بولس صيغة الماضي الناقص ليدلّ على أن امتناع الأقوياء يكون موقتاً، لا يدوم ما مُنع أكل اللحم (خر 12: 8؛ عد 111: 8) ولا شرب الخمر (تث 7: 13؛ 11: 4. تدخل الخمر في الاحتفال بالفصح). رج مر 14: 23- 25 وز؛ يو 21:- 11. قد نكون أمام لحم وخمر قُدِّما أمام الآلهة قبل أن يُباعا في السوق (دا 1: 13- 1 6؛ وص رأوبين 1: 10؛ وص يهوذا 15: 4؛ المشناة، عبودا زارا 2: 3؛ 5: 2). ويُذكر الأخ أيضاً (آ 10، 13، 15). كما في 9: 32- 33، نحن أمام عثار بعائق يقف أمامنا. يضغط القويّ على الضعيف فيظنّ أنه خطئ. وهنا ضغط الأكثريّة (الأمميّة) على الأقليّة (اليهوديّة).
«فاحتفظْ واحفظ» (آ 22). عاد بولس إلى المخاطب المفرد، وبالتالي إلى الأقوياء. «احتفظ لنفسك». طبّق على نفسك. هذا الإيمان الذي لك أمام الربّ، هو شأن خاص بك. فيجب أن لا يؤثّر على الآخرين بحيث يسيء إليهم. إيمان «القوي» غير إيمان «الضعيف» (الذي يرتبط ببعض العادات). «فهنيئاً» (مكاريوس). رج 4: 7- 8. ويعود فعل «حكم، دان» (كرينو). هنيئاً لمن لا يحكم على نفسه حين يعتبر أنه يقوم بعمل التمييز. سعادة القويّ تغيب، لا حين يحكم عليه الضعيف، بل حين يحكم هو على نفسه. وقد يحكم حين يكون حجرَ عثار لأخيه.
«أما الذي يرتاب» (آ 23) (دياكرونيماي). رج 4: 20. لا يرد هذا الفعل إلاّ في هاتين المرتين في روم. تجاه ثقة غير مشروطة بالله نعبّر عنها في الصلاة (مر 11: 23= مت 2121:؛ يع 1: 6؛ يهو 22). مع صيغة الغائب المفرد، نعود إلى «الضعيف». إن أكَل، اعتبرَ أنه تجاوز العهد. وصيغة الكامل تدلّ على أن تأثير عمله ما زال حاضراً وما تراجعَ عنه. ويشير بولس أيضاً إلى يقينه بأن حكم الله يتبع عملاً لا يعبّر عن ارتباط الخليقة بالخالق (1: 19- 32). «لا يعمل هذا عن إيمان». أي ارتباط المؤمن بالله. لسنا فقط أمام استنتاج ثانوي نستخلصه من الإيمان. رج 1: 19 ي حيث رفضُ الطاعة خطيئةٌ ضدّ مجد الله. «ما لا يكون عن إيمان هو خطيئة». والإيمان هو الارتباط بالله، هو جوابنا على نداء الله. هنا نتذكّر ما قاله الانجيل الرابع حول خطيئة اليهود: لأنهم لم يؤمنوا. أجل، يبقى المسيح المقياس لكل انسان. فلا أجعل من إيماني قاعدة لآخرين يريدون أن يخدموا المسيح. فالضعيف يريد الجميع مثله، بحيث ينظرون نظرته.

3- خلاصة لاهوتيّة
مع آ 13 نتوجهّ نحو الأقوياء (صيغة المتكلّم). يحكم الضعيفُ على موقف المتحرّر، فيحتقر المتحرّرُ ذاك الذي يحافظ على الطرق القديمة (آ 3، 10)، وحين يعي «القوي» تفوّقه، يحسب نفسه باراً، وبالتالي يحكم على الضعيف. لهذا ينبّه بولس الفئتين من إصدار الأحكام. هناك عثرة لليهود، في النظرة التقليديّة، فيحسبون أن المسيح (9: 33) هو تحرير من الشريعة. هو من ينهي الشريعة. ففهمٌ خاطئ للشريعة وللطريق التي بها تصل الشريعة إلى البرّ، يقود إلى «أعمال الشريعة» (9: 32). هذا ما يميّز الممارسة اليهوديّة فتبتعد عن الله (الأطعمة، السبوت). وهناك وضع آخر: صار المسيح حجر عثرة في طريق شعبه (9: 33). ومن يجعله كذلك؟ الأقوياء، الأمم، بتعاملهم مع الشريعة وكأنها ألغِيت (بعد أن حصرها اليهود في بعض الممارسات). هذا يعني أننا نستولي على دور يُتمّه الله وحده. هو وحده الديّان في النهاية (آ 10- 12).
وكان بولس واضحاً (آ 14) حين أعلن أن لا شيء نجس في ذاته. أنا متيقن. قاله هنا وسوف يقوله في آ 20. هكذا أخرج نظرتَه إلى تاريخ الخلاص من الإطار اليهوديّ، وتطلّع إلى الخليقة ككلّ. لا قبل موسى فقط، بل قبل نوح (تك 9: 4- 5). فالحقبة الجديدة تعكس الأولى التي لم تجعل حدوداً واضحة بين اليهوديّ والأمميّ، بين المقدّس والعادي (أو النجس). لهذا لا بدّ من عودة إلى الارتباط بالله وحده، لا بتقاليد وطنيّة. ما عاد بولس إلى سلطة يسوع ليجعل كلامه لافتاً، لا سيّما وأن اهتمامه بهذا القول لم يصل إلى الجذريّة الانجيليّة (مت 15: 11). غير أن بولس تأكّد أن تعليم يسوع هذا يعطي مبدأ نهائياً يُلغي كلّ شكّ.
إذن، لا بدّ من توضيح العلاقة بين الكتاب المقدّس والتقليد الوطنيّ اليهوديّ. لهذا دعا بولس «الأقوياء» لكي يعيشوا في ضوء مبادئهم، لا أن يقبلوا بمبادئ محدّدة مسبقاً. وما تراجع بولس في قوله أن التمييز بين الطاهر والنجس يُبعد الانسان عن المسيح. غير أنه يقبل بأن هذا التمييز ما زال يعمل بالنسبة إلى البعض. هو لا يحاول أن يُقنع الاخوة الضعفاء. مع أنه جعل نفسه مع الأقوياء. فهو يتبع النصيحة التي عبّر عنها في آ 1، ويقدّم رأيه. وأن لا يتبع أعضاء الجماعة هذا الموقف، جعله يطلب من الأقوياء أن يأخذوا بعين الاعتبار إخوتهم.
ومع أن الموقف اللامتحرّر عند المحافظين أمرٌ يؤسف له (آ 15)، لأنه يدلّ على ضعف في الإيمان، فعلى الواعين تحرّرهم أن يراعوا في موقفهم إخوتهم المحافظين هؤلاء. أما الكلمة المفتاح فهي المحبّة: لتحدَّد علاقتُك مع أخيك بالمحبّة. والمسيح هو نموذجها. والأخ هو انسان مات المسيح من أجله. وكما دلّ المسيح على حبّه حين راعى الضعيف وعمل من أجله (5: 6؛ 8، 3)، كذلك يفعل الأقوياء. إذا كان المسيح بذل حياته من أجل الضعفاء، هل نتوقّف بعد عند الطعام والشراب؟ حين يتصرّف الأقوياء بتحرّر، يسيئون في العمق إلى اخوتهم، بل يجعلون حياتهم في خطر، يدمّرونها. وهكذا يدافع بولس عن الضعفاء، عن التقليديّين، على مثال المسيح الذي لا يكسر القصبة المرضوضة ولا يُطفىء الفتيلة الذابلة (مت 12: 20).
ذاك كان اعتباراً أول. وهناك اعتبار آخر (آ 16) يجعله بولس أمام المسيحيّين المتحرّرين (الأمم) في رومة: ما هو تأثير سلوكنا على الذين ينظرون إلينا من اللامؤمنين: ألا يجدّفون؟ جماعة صغيرة تسيء إلى أحد أعضائها، تدلّ على ضعفها في الدلالة على جسد المسيح. وهكذا لا يسيء «القويّ» إلى الأخ «الضعيف» وحسب، بل يسيء أيضاً إلى الحريّة المسيحيّة، إلى الانجيل، وإلى قضيّة المسيح ككلّ. وإذ يظنّ أنه فوق الجميع ونال ما لم ينَلْه الآخرون، يسقط في خطأ الذين احتقروا إخوتهم (2: 23- 24؛ 11: 18- 20).
وإذ أراد الرسول أن يشرح هذه النصيحة (آ 17)، ردّد في مسامع المؤمنين كلاماً يعود إلى المسيح، وردّدته الجماعاتُ المسيحيّة الأولى: «ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً». هنا نتذكّر جواب يسوع إلى الصادوقيّين الذين اعتبروا الحياة الأخرى شبيهة بهذه الحياة. عرف قرّاء روم أن تعليم يسوع وممارسته لا يرتبطان بقواعد حول الطعام والشراب. الأهمّ هو العلاقات الشخصيّة. هو قبول الواحد للآخر. هو المسؤوليّة عن الآخر أمام الربّ. هو الحياة في كنف النعمة (آ 4). هذا ما يقود إلى السلام المتبادل، ويمنح الفرح الذي نختبره بقيادة الروح. هذا ما يؤثّر على الذين في الخارج. إن كان على الضعفاء أن لا يكونوا متطلّبين في الممارسة الطعاميّة، كأنها تجلٍّ لقواعد جوهريّة من عند الله، فعلى الأقوياء أن يفعلوا مثلهم بحيث يُعلنون أن لا علاقة لهم بهذه الممارسة، وبالتالي يحتقرونها. الحرية في الروح تقوم، لا في أن نتجاهل هذه القواعد فحسب، بل أن نمارسها إن كانت تدلّ على علاقتنا بالله. وحدها الحرية التي فيها ننكر ذواتنا، والتي تمنعنا من التمتّع بكل ما أعطانا الله من أجل الآخر، هي حريّة روح المسيح.
ويعود بولس (آ 18) فيذكِّر المؤمنين أن القرار في هذا الموضوع لا يرتبط بهم وحدهم. فيجب أن يخضع سلوكهم دوماً للمسيح الربّ. فالقارئ الرومانيّ يعرف أن العبد الذي يعمل النهار كلّه، لا يعمل عمله، ولا يعمل ما يروق له. هنا يتذكّر المؤمن أنه عبد المسيح، يعمل من أجل الربّ (آ 4، 6). ذاك هو النموذج لمن يريد أن يرضي الله ويكون مقبولاً لدى الناس. أما الذي يطالب بحقوقه، فهو يدوس على شعور الآخرين ويكون لهم حجر عثرة. ذاك ما كانه يسوع في رسالته مع الضعفاء (المرضى، الخطأة، المهمّشين)، وهي رسالة قادته إلى الموت من أجلهم. فمن أراد أن يخدم الربّ يتبع هذا النموذج (6: 17) الذي نجده في التقليد (كو 2: 16). فيسوع هو الربّ الذي يوجّه حياتنا كل يوم (آ 8،6، 18)، مع نظرة إلى الله الذي يحاسب كل انسان كأعماله (آ 6، 10، 18).
ومع أن الرسول أوضح هذه النقطة بما فيه الكفاية (آ 19)، إلاّ أنه عاد إليها من زاوية ثالثة. على المتحرّر أن يعي مسؤوليّته، لا فقط بالنسبة إلى المحافظ، ولا بالنسبة إلى الذين من الخارج وحسب، بل بالنسبة إلى الجماعة نفسها. من أجل هذا، لجأ بولس إلى مفهومين غنيّين. أن يكون الواحد عضواً مسؤولاً في جسد المسيح، في رومة، هذا يعني العمل من أجل «السلام»، الذي ليس فقط تجنّب الحزازات والتعارضات، ولا راحة فطريّة فرديّة تصل بنا إلى الأنانيّة، بل عملاً إيجابياً من أجل العلاقات الروحيّة والاجتماعيّة. ويعني أيضاً بناء علاقات متبادلة من أجل الكنيسة (هذا يعارض البحث عن خيري الشخصيّ في أمور العبادة طالباً المغفرة عن خطيئتي أنا). أن ننتمي إلى بناء المسيح، يعني أن نعيش كجزء من هذا البناء، فنرتبط ارتباطاً متبادلاً بالنعمة. وهكذا يُوجَد البناء وينمو. ومع حسّ الأقوياء بحرّيتهم. إلاّ أنهم يلبثون مرتبطين بالضعفاء، أكثر ممّا يرتبط الضعفاء بهم.
ما نتطلّع إليه (آ 20- 21) ليس فقط الخلاص الأبديّ للانسان الضعيف (آ 15)، بل عمل الله، الكنيسة، التي يمكن أن تدمَّر من جرّاء عمل حرّ غير مسؤول. لهذا، كرّر بولس قولاً مأثوراً: كل شيء طاهر. يعني أستطيع أن أفعل كلّ شيء، وهذا أكبر إنكار للحريّة. ففي العلاقات البشريّة، يكون الكلام عن قاعدة مطلقة أمراً خطراً. فسلوك الانسان يأخذ في الحسبان الظروف الخاصة (هذا ما فعله المسيح). وفي ممارسة الحريّة الشرعيّة، يراعي وضعَ أخيه بحيث يكون الخيرُ للاثنين، وتُبنى الكنيسة التي ينتميان إليها كلاهما. لهذا جعل بولس ازاء «كل شيء طاهر»: حريّة مقيّدة، بحيث لا يسقط بطعامي وشرابي أخي المؤمنُ، ويضيع طريقَ التلمذة.
ويُطرح السؤال: ما العلاقة بين الحريّة المسيحيّة والمحبّة؟ هنا (آ 22- 23) يقدّم بولس شرعة الحريّة: إقرار أساسيّ بأن الحريّة تنبع من الإيمان. هذا الموضوع المركزيّ في عرض بولس كله، لم يأتِ عن طريق الصدفة. اعترف «الأقوياء» (أقلّه على مستوى الطعام والسبت) أن هذا السلوك هو تعبير مباشر عن ثقة غير مشروطة بالله، وارتباط به، لا فرض على الله. هذا هو الخطر الذي كان «الضعفاء» فريسة له. تلك هي الخطيئة التي سقط فيها اليهود حين ارتبطوا «بأعمال الشريعة» التي تميّزهم كيهود. غير أن الحريّة تبقى مشروطة بالمحبّة. فالحريّة في مفعولها هي تعبير عن الرحمة أكثر منه عن الإيمان. وهذا هو الخطر الذي صار «الأقوياء» فريسة له، الخطيئة التي تميّز البشريّة الساقطة. هنا لا ننسى أن ننظر إلى الإيمان كخبرة مع الله، كارتباط واعٍ به، لا كتوافق على تحديدٍ نردّده مثلاً في قانون الإيمان.
ولا بدّ من الاقرار بأن الحريّة تعني التنوّع. فالحريّة المسيحيّة طيفٌ يضمّ عدداً من الخيارات: لا يتمسّك بها كلها شخص واحد. بل يمكن أن تكون في جماعة مسيحيّة دون أن تدمّر وحدتها. حدّثَنا ف 14 كيف يفهم بولس العمل في جسد المسيح الذي تحدّث عنه في 12: 3- 8. فإن لم تُقبَل الامكانيات المختلفة، لا وجود لحريّة حقيقيّة. وإذ يكلّم بولس «الأقوياء»، فهو واعٍ لوجود «الضعفاء» في الجماعة عينها: يدعوهم لكي يقبلوا أن ممارسة مختلفة ممكنة، دون تجاوز الإيمان الذي يوحّد الجميع.

الخاتمة
قرأنا في هذه الآيات القسم الثاني من التعليم عن العلاقة بين مجموعتين، بين إتجاهين في جماعة رومة، وفيه كلام عن الأطعمة وتأثيرها في الحياة الدينيّة. كان مبدأ عام وجّه السلوك العمليّ، ثم كلام عن النجس. بعد ذلك، انطلقت الفقاهة حول المحبّة بين المسيحيّين في وضع التعامل مع الأطعمة. وانتهى المقطع بكلام عن الإيمان الذي هو الموضوع الجوهريّ في روم. هذا الإيمان يعلّمنا كيف نتعامل مع اخوتنا بحيث لا نُهلك بطعامنا ذاك الذي مات المسيح من أجله. كما يعلّمنا أن نتصرّف بالرحمة، نحن الأقوياء، تجاه الضعفاء. لهذا نتشبّه بالله كالأبناء الأحبّاء.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM