الفصل الثالث والأربعون: اقبلوا بعضكم بعضاً على مثال المسيح

الفصل الثالث والأربعون
اقبلوا بعضكم بعضاً على مثال المسيح
15: 1- 13

بعد أن تحدّث بولس عن الضعفاء والأقوياء، توقّف عند واجب الأقوياء بشكل خاص. لا لأن حريّتهم تسمح لهم بالتحرّك أو الانحباس داخل عادات سالفة، بل لأن عددهم الكبير يمكّنهم من فرض سيطرتهم على الجماعة كلها. بعد أن تحدّث، عاد يوجز ما قاله ويكرّر ما قرأناه في 14: 13- 21. بل هو عاد إلى 14: 1 فقال: تقع المسؤوليّةُ الأولى على الأقوياء. فهم يحملون عبء المحافظة على التناسق في الجماعة. أما الضعفاء، أولئك الذين لا يشكلون قوّة، فيُطلَب منهم أن يقبلوا الأقوياء كأعضاء كاملين في الجماعة، وإلاّ غاب كلُّ أساس للكلام عن المسؤوليّة المشتركة. فإن كان على المحافظين أن يخفّفوا حكمهم على المتحرّرين، فعلى الأقوياء أن يتنازلوا عن بعض حريّتهم للمحافظة على الروح في الجماعة. هكذا يقبل المؤمنون بعضهم بعضاً. وهم يحتاجون إلى المحبّة. أما المثال فيبقى يسوع المسيح. قبلَ الوثنيين (الأقوياء، الأمم) فمجّدوا الله. وحصر حياته على الأرض في حمل البشارة إلى بني اسرائيل، فشهدوا لأمانة الله لمواعيده. أما الأمم الذين اهتدوا وصاروا الأكثرية في الجماعات التي تأسّست هنا وهناك، فسيكونون الشهود على رحمة الله. فالخلاص الذي نالوه بنعمة من الله، سيناله اليهود، بحيث تطعّم البشريّةُ كلها في شجرة واحدة، ويكون الجميع أعضاء في الجسد الواحد، جسد المسيح الذي هو الكنيسة.

1- تحليل النصّ وبنيته
أ- تحليل النصّ
في آ 2، نقرأ «كل واحد منّا» (هيمون). ولكن 010، 011، 024 وغيرهم جعلوا المخاطب «منكم» (هومون) معتبرين أن بولس يتوجّه إلى قرّائه.
في آ 4، ألغى الفاتيكاني وغيرُه المسبّق «برو»: كا كُتب من قبل، ليكون توافق مع «كتُب» الثاني (إغرافي). لهذا جعل الاسكندرانيّ و044 «برو» أمام «كُتب» الثاني. وأضيف «كل» (بنتا) تحسينا للنصّ فصار: كلّه كُتب. ونقرأ: بواسطة (دِيا) الصبر، وبواسطة العزاء. ألغى عدد من المخطوطات «بواسطة» الثاني، معتبرين أن العبارتين ترتبطان بما في «نون غرافون» (عزاء «الكتب»). في نهاية الآية، أدرج الفاتيكاني «العزاء» فصار النص: رجاء العزاء. وهكذا عاد «العزاء» مرّة أخرى (بواسطة الرجاء).
في آ 7، نقرأ المخاطب الجمع: بعضكم بعضاً. ولكن الفاتيكاني والبازي وغيرهما قرأوا: بعضنا بعضاً. حين يتوجّه بولس إلى الأقوياء في آ 1، يستعمل المتكلّم الجمع. أما هنا فهو يتوجّه إلى جماعات رومة.
في آ 8، استعمل الماضي الناقص لتكون الصيغة كتلك التي قبلها.
في آ 9، دخل «يا ربّ» (كيريي) ليتوافق النص مع مز 8: 50 (أحمدك، يا ربّ). وفي آ 11 ب تحوّل الفعل إلى «إحمدوا» (إبايناساتي) ليتوافق مع مز 117: 1.
في آ 11، أرادوا أن يحسّنوا النصّ، فأضافوا «لاغاي» (قال) ليربطوا بين آ 10 وآ 11. فصارت الجملة: وقال أيضاً.
في آ 13، نقرأ: فليغمركم، فليملأكم (بليروساي): صار الفعل «بليروفوريو» مع «في كل فرح سلام».
ب- بنية النصّ
إن 15: 1- 6 يواصل موضوع ف 14، فيوجز مسؤوليّة الأقوياء (14: 1؛ 15: 1- 2)، ويكون صدى لمبادئ توجّه محبّةَ القريب (15: 2؛ 13: 8- 10). ويعود بشكل صريح إلى المسيح كمثال لنا (25: 3) مع مجموعة من الآيات تُفهَم بالنظر إلى المسيح (15: 3). فوظيفة الكتاب هي أن يمنح التعزية والتشجيع (15: 4). إن التشديد على اعتبار الآخرين اعتباراً إيجابياً (15: 5)، يقدّم التعارض البنيويّ الضروريّ إلى اعتداد اليهود والأمم معاً، بعد أن هوجموا معاً في الاتهام الأول وفي ما يلي (11: 18- 20؛ 12: 16). إن الصلاة، في آ 5- 6، مع سماتها الليتورجيّة، تدلّ على نهاية فكرة. والموازاة مع غل 6: 2، تدلّ على أن بولس يتطلّع إلى خطّ من الإرشاد معروف: «ساعدوا بعضكم بعضاً في حمل أثقالكم وهكذا تُتمّون شريعةَ المسيح» (غل 6: 2). وفي روم 15: 1، 3، 5: نحتمل ضعف اللاقادرين، فالمسيح ما أرضى نفسه... حسب المسيح يسوع. وأخيراً، نلاحظ التدرّج في آ 3- 6: المسيح، المسيح يسوع، ربّنا يسوع المسيح.
إن النداء إلى الاحترام المتبادل (15: 7- 13) يصل بنا إلى الموضوع الرئيسيّ في 14: 1- 15: 6 مع المسيح الذي يُقدَّم أيضاً كمثال نتبعه (آ 7- 8). وفي النهاية، يتكرّر «الرجاء» ثلاث مرات في آ 12- 13 كما في آ 4. غير أن هدف بولس الرئيسيّ هو أن يستعيد موضوعَي المسيح: من جهة، يكفل تواصل مخطط الله إلى المختونين، وأمانة الله لعهد وعد به (آ 8). ومن جهة ثانية، يدلّ على المسيح الذي به فتح الله هذه المواعيد إلى الأمم (آ 9- 12). اختِيرت ألفاظُ آ 8- 9 اختياراً خاصاً لتربط معاً المواضيع المركزيّة في الجدال كلّه: حقيقة الله أو أمانة الله التي «جدّف» عليها الأمم واليهود (1: 18، 25؛ 2: 8؛ 3: 7)، قد برّرت الوعد للآباء (2: 25- 29؛ 4: 9- 22؛ 9: 8، 8- 9). ثم رحمة الله إلى الأمم (9: 15- 18، 23؛ 11: 30- 32). وأخيراً، قُلب أول فشل في تمجيد الله (1: 21).
وما يميّز بولس اليهوديّ الذي دُعي ليكون رسول الأمم، هو سلسلة الايرادات الكتابيّة: عاد إلى كتابات شعبه المقدّسة من أجل الجدال معهم (1: 1- 2) وقد يكون عاد إلى مجموعة نصوص جُعلت في موضوع واحد، كما كان الأمر في ف 9- 11. وقد أخذت من ثلاثة أقسام التوراة العبريّة، أي تورة (أسفار الشريعة)، نبييم (الأنبياء)، كتوبيم (الكتب الباقية). واستعمل الرسول عدداً من الأفعال تعبّر عن المديح.

2- تحليل النصّ الكتابيّ (15: 1- 13)
نجد في آ 1- 13 ثلاثة مقاطع. في الأول (آ 1- 4)، يتطلّع بولس إلى الضعفاء، إلى الأقليّة في الجماعة، إلى الضعفاء في الإيمان، فيدعو نفسَه والأقوياء معه، لكي يراعوا ضعف هؤلاء من أجل البنيان المشترك. في المقطع الثاني (آ 5- 6)، يدعو الرسول مؤمني رومة إلى الاتفاق في الرأي من أجل الشهادة المسيحيّة في الخارج. وفي النهاية (آ 7- 13)، يتطلّع بولس إلى اليهود والأمم. هؤلاء اكتشفوا رحمة الله، وأولئك أمانته. فلماذا لا تقبل الفئةُ الفئةَ الأخرى، مستنيرةً بقدرة الروح القدس.
أ- ضعف الضعفاء (آ 1- 4)
»فعلينا نحن الأقوياء» (آ 1). «أوفايلو». المصدر: يجب، علينا. رج 1 كور 11: 7، 10؛ 2 كور 12: 14 واعتبارات عامّة من قبل بولس. أما هنا فيرتبط بفكر مباشر عمّا فعله المسيح وعن طابع هذا العمل (آ 3؛ 14: 15). رج 15: 27. «نحن». أي الأقوياء وبينهم بولس. تحرّروا من الضعف تجاه الشريعة. هم الأمم الذين قبلوا الانجيل. وقف بولس مع الأمم ومع اليهود المتحرّرين، لا مع أكثريّة اليهود الذين صاروا مسيحيّين وما تخلّوا عن ممارسات الشريعة. «الأقوياء» (ديناتوي). رج 1 صم 2: 10؛ 17: 51؛ 2 صم 1: 25- 27. الأقوياء هم الذين يقدرون أن يسيطروا على الآخرين. من هنا مسؤوليّتهم (حك 6: 6). لسنا أمام قوّة جسديّة، بل أمام تفوّق في المعرفة والفهم حول عمل نعمة الله (2 كور 12: 10؛ 13: 9). ولسنا أمام موهبة خاصّة، بل نظرة إلى ما يراه بولس أساسياً في الانجيل وفي الإيمان. «استانيما» (الضعف). «أدوناتوس». الذي لا قدرة له ولا إمكانيّة. «بستازاين»، احتمل، حمل بصبر، قاسى. حمل حمله. والمؤمن يحمل ثقل الآخرين. «أراسكو» (أرضى). رج 8: 8 (وص موسى 7: 4).
»بل ليعمل كل واحد» (آ 2). التشديد على المسؤوليّة المتبادلة، أمرٌ يُبرزه بولس، وهو ينبع من مفهومه للجماعة كجماعة مواهب، وحيث موهبة الواحد تكون لفائدة الآخرين. «بليسيون»، القريب. رج لا 19: 18 كما ورد في روم 13: 9- 10 وفي غل 5: 14. يستلهم بولس هنا تعليم يسوع ومثالَه (آ 3). «ما يرضي أخاه». إرضاء الانسان أمر لا يرغب فيه بولس (غل 1: 10؛ كو 3: 22؛ 1 تس 2: 4؛ أف 6: 6؛ روم 8: 8). ما يبحث عنه المؤمن هو خير (بشكل عام، أغاتوس) من أجل البنيان (أويكودومي). رج 14: 19. لا بناء الشخص بمفرده، فنكون في إطار الأنانيّة. بل بناء الجماعة ونموّها، ولا سيّما نضوج الاخوة الضعفاء كجزء من جسد المسيح (1 كور 14: 4.)
»وما طلب المسيح» (آ 3). «اراسكاين». رج آ 1. يتطلّع بولس لا إلى التجسّد، بل أولاً إلى المسيح الذي يُنكر نفسه فيخضع للصليب (2 كور 8: 9؛ فل 2: 5- 8). كما يتطلّع إلى رسالة يسوع وآلامه. رج مر10: 43- 45؛ يو 13: 1- 15. «كما كُتب». رج 1: 17. لماذا عاد بولس إلى العهد القديم وما عاد إلى تقليد يسوع؟ ما عرف بولس مدى اطّلاع جماعة رومة على مضمون الأناجيل التي لم تكن كُتبت بعد. ويبقى أن الاستناد إلى الكتب له وزن لا يحمله التقليدُ الشفهيّ. ثم إن ما علّمه يسوع عن الطاهر والنجس لم يكن موضوع توافق (14: 14). عاد بولس إلى مز 69: 9 (حسب السبعينيّة). هذا المزمور يعبّر عن ضيق شخصيّ كبير، فكان له طابع مسيحانيّ في الفكر اليهوديّ. وعاد المسيحيّون إلى هذا المزمور فوجدوا في نوره آلام يسوع وموته. فبعد مز 2؛ 22؛ 110؛ 118، هذا المزمور يرد أكثر ما يرد من نصوص المزامير. رج روم 11: 9- 10. أما الاشارة الأوضح فنقرأها في مر 15: 23، 36؛ يو 2: 17؛ 15: 25؛ 19: 28، 29؛ أع 1: 20. هو المعنى النمطيّ، التيبولوجيّ: ما قيل عن المؤمن المتألّم يقال عن المسيح. فالتعييرات التي بها مُيّز المسيح، وبالتالي الله، قد تكون ضمّت كلاماً عن الله الذي ساوى بين اليهود والأمم. وسقط هذا التعيير على يسوع، لأن تعليمه وموته فتحا الطريق للأمم لينالوا بركة ابراهيم فقط بالإيمان بالمسيح (غل 3: 14).
«وكل ما جاء قبلاً» (آ 4). هذا الشرح ليس امتداداً لما في آ 3، بل يقدّم مبدأ أوسع يبرّر استعمال نصوص الكتاب (رج 4: 23- 24؛ 1 كور 9: 10؛ 10: 11). ينظر بولس إلى الكتاب كلّه. كُتب سابقاً: يرد (ما قبل). غرافو (كتب). رج 1: 2 مع «وعد سابقا». «التعليم» (ديدسكاليا). نجد بعضاً منه في الرسائل البولسيّة. يرد اللفظ في الرسائل الرعائيّة 15 مرة (من أصل 21 مرة في العهد الجديد). رج «ل ل م د» (في العربيّة، تتلمذ). تلمود بابل، سنهدرين 73 أ؛ فيلون، ابراهيم 4. هو معنى قويّ حول الكتاب ككلام الله الحيّ. «على الرجاء». الصبر (هيبوموني) يستلهم آلام البار المتألّم في مز 69، وبالتالي آلام المسيح. «باراكليسيس» (العزاء). رج 12: 8. نناله من الكتب المقدّسة. «إلبيس» (الرجاء). رج 4: 18؛ 5: 4. هي فكرة مماثلة لما في 5: 2- 5؛ مت 8: 24- 25. ولماذا تحدّث بولس هنا عن الرجاء؟ لأن الانجيل الذي يضمّ الأمم واليهود هو بداية تتمّة الرجاء الاسكاتولوجيّ لاسرائيل. وبالتالي، فالتناسق بين اليهود والوثنيّين في الجماعات المسيحيّة الجديدة، هو مَعلَم مهمّ في الطريق إلى ملء كمال هذا الرجاء. وفي آ 7- 13، ستكون عودة إلى الرجاء من أجل التناغم في الجماعة ونكران الذات من أجل البنيان.
ب- اتفاق الرأي (آ 5- 6)
«فليعطكم إله الصبر» (آ 5). نجد هنا شكلَ نشيد ليتورجي. والرسالة تُقرأ في إطار العبادة التي تمارَس في الجماعة. «إله الصبر...». هي بداية مديح (آ 13، 33؛ 16: 20؛ 2 كور 1: 3؛ 13: 11؛ 1 بط 5: 10). والتمني «ليعطكم» يميّز الصلاة. رج 2 تس 3: 16؛ 2 تم 1: 16، 18. «اتفاق الرأي». رج 12: 16. «حسب المسيح يسوع». أي حسب إرادة المسيح (2 كور 11: 17) حسب الروح (8: 4- 5). حسب مثال المسيح. نسير في خطى المسيح كما العبد المؤمن مع سيّده. أو حسب التقاليد المتعلّقة بالمسيح يسوع، هكذا سيروا (أف 4: 24).
«لتمجّدوا الله» (آ 6). «هوموتيمادون»: رأي واحد، تمنٍّ واحد في الجماعة. هو الإطار السياسيّ. أع 12: 20؛ فيلون، موسى 1: 72؛ يوسيفوس، العاديات 15: 277 (في العبريّة: ي ح د). نقرأ هذا اللفظ 14 مرّة في أي، 10 مرات في أع. تحدّث عن «الفم» (ستوما) وعن «العقل» (نوس) فعكس اليقين الذي قرأنا عنه في 10: 8- 10: الإيمان والعبادة هما موضوع تعبير ولا يمكن أن يظلاّ في الداخل. «دوكسازو» (مجّد). رج 1: 21. فاليهود والأمم يؤدّون العبادة التي هي حق الخليقة، وحقّ الخلاص (تضيف الفكرة لتصل إلى الضعفاء والأقوياء). وهكذا عبّر بولس عن الوحدة في لغة العبادة، لا في لغة الرأي (14: 1- 6).
«الله وأبو ربّنا». هي عبارة مميّزة عند بولس (2 كور 1: 3؛ 11: 31؛ كو 1: 3؛ أف 1: 3، 7؛ 1 بط 1: 3). فالله هو إله المسيح. هو إله الصبر والعزاء. وطابع وحي الله عبر المسيح، كأبي ذاك الذي عاش وصلّى وعلّم وتألّم ومات وقام، هو علامة أساسيّة في الإيمان المسيحيّ (1: 3- 4؛ 5: 10؛ 8: 3، 15- 17، 29- 32).
ج- رحمة الله وأمانته (آ 7- 13)
«فاقبلوا بعضكم بعضاً» (آ 7). هذا ما يدلّ على أن بولس يوسّع نداءه إلى كل واحد من أجل قبول متبادل (لا فقط قبول الضعفاء بيد الأقوياء، 14: 1). وما يلي يدلّ على أن بولس وصل إلى الهدف الرئيسيّ في الرسالة كلها: أولويّة اليهود (آ 8) ودخول الأمم في عهد وُعد به ابراهيم (آ 9- 12). هذا لا يؤكّد فقط أن الانشداد بين الضعفاء والأقوياء هو، في قدر كبير، بين اليهود والأمم (كما يقول الشرّاح اليوم). بل يؤكّد أيضاً أن مسألة الطعام والسبوت طرحت سؤالاً: كيف يكون الأمم وارثي العهد؟ وكيف تبدو هذه الجماعة التي لا تتصرّف التصرّف عينه؟ إن بولس يحافظ على القبول المتبادل، رغم تصرّف مختلف.
نقبل بعضنا بعضاً كما قبلنا المسيح. يتحدّث بولس عن المسيح الذي قبلنا. ويقول كيف قبلنا. واضع نفسَه فدعا اليهود والأمم إلى هذه الممارسة. وكل هذا يكون لمجد الله (1 كور 10: 31؛ 2 كور 4: 15؛ فل 1: 11؛ 2: 11).
«وأنا أقول لكم» (آ 8). أنا أعلن، أنا أؤكد. هو إعلان تعليميّ احتفاليّ. جعل ال التعريف أمام المسيح، فتميز عن «مسيح» اليهود الذي صار خادم الختان. شدّد النصّ على الشخص، لا على الشعب الذي به تمّ موعد العهد، وصار دخول الأمم ممكناً. «دياكونوس» (خادم). رج 2 كور 3: 6. هي صورة المسيح الذي أنكر نفسه وصار خادم اخوته اليهود، المختونين (وهذا ما يميّزهم). ندهش حين نرى بولس يشدّد على الشرائع الطعاميّة إلى أن يصل إلى الختان. صيغة الكامل تدلّ على أن يسوع لم يكن فقط خادم الختان خلال حياته على الأرض، بل هو ما زال كذلك حتّى الآن، لا في نتيجة عمله وحسب. ونظر الرسولُ إلى أولويّة اليهود، لا على أنها عامل موقّت لا يدوم طويلاً، بل كعامل يواصل مخطّط الله، اليهوديّ أولاً ثم الأمميّ. «حقيقة (اليتايا) الله» تقابل أمانة الله لعهده. «ليظهر أن الله». «بابايوو»: ثبّت، أكّد. برهان أن وعده ثابت. ثمّ الوعد لابراهيم حين وصل إلى الأمم (غل 3: 14، 22). «وعد الآباء». رج 4: 3؛ 9: 4؛ 2 كور 1: 20- 21.
«أما غير اليهود (الأمم)» (آ 9). قرأنا في آ 8: وأقول إن المسيح. وهنا في آ 9: وأقول إن الأمم. قد يكون هناك تقابل: المسيح صار خادم الختان... أما الأمم فيمجّدون الله لأجل رحمته. في آ 8 «هيبار» من أجل حقيقة الله. وفي آ 9 «هيبار» من أجل الرحمة. صار المسيح خادم المختونين، لا من أجل خلاصهم فقط، بل ليثبّت حقبتَي مخطّط الله الخلاصيّ: اليهودي أوّلاً ثمّ الأمميّ. ترد «اتنوس» (الأمم) هنا للمرّة الأولى بعد 11: 25، فتُثبت الدورَ الأساسيّ للرسالة وسط الأمم، وتستعيد المراحل السابقة في البرهان، في ف 2- 4، وتعدّ الطريق لمخطّطات السفر (1: 5، 13؛ 15: 16، 18، 27؛ 16: 4). يُستعمل اللفظُ ستَّ مرات في الآيات الأربع التالية. «إلايوس» (رحمة) تدلّ على الموضوع الأساسيّ في ف 9- 11. «دوكسازو» (مجّد). ترتبط بأول اتهام في 1: 21، وفي 8: 30 و15: 6. «كما كُتب» (1: 17). بعد ذلك تأتي سلسلة من الايرادات كما في 3: 10 و11: 8. أما الاستشهادات في آ 9- 12، فتستعيد آخر موضوع في آ 8- 9 أ، وتبيّنُ كم وسّع بولسُ الجدال بحيث أدخل الأمم إلى مواعيد شعبه. كل هذا تعبير عن البرّ بالإيمان. «لذلك أسبّح». رج مز 18: 49 (2 صم 22: 50) الذي ورد حرفياً كما في السبعينيّة (ولكن لم يُذكر «كيريي»، يا ربّ). اللافت هو أن الآية لا تجعل الأمم يشاركون في المديح. أتُرى يقرأ المزمور قراءة مسيحانيّة؟ أو أن يهود الشتات يتطلّعون إلى وضعهم بعد أن صاروا مسيحيّين. لهذا، يُذكر داود (آ 9)، الأمم (آ 10- 11)، ثم الاثنان (آ 12)، ولكن إذا كان «في الأمم» يضمّ اليهود والأمم في المديح، فيكون الايراد الأول مقدّمة لسلسلة الاستشهادات.
«وجاء أيضاً» (آ 10). حرفيا: وأيضاً (كاي بالين). تُقرأ مراراً ولا سيّما في إيراد النصوص الكتابيّة. رج 1 كور 3: 20. وجاء حرفيا: وقال (لاغاي) الذي فاعله الكتابُ (غرافي). «إفرحي». رج تث 32: 47 كما في السبعينيّة. يتحدّث نصّ العهد القديم عن وعد الله وأمانته لعهده من أجل شعبه. «الربّ يثأر لدم عبيده، ويردّ الانتقام على أعدائه، ويكفّر عن خطايا شعبه». ولكن اليونانيّ حوَّل العداء إلى تعاطف مع الأمم. أخذ بولس سطراً واحداً من الآية كتعبير عن لاهوته من أجل عهد مع اسرائيل، وانفتح الآن على جميع الذين يؤمنون. «اوفراينو»، فرح. رج غل 4: 27؛ 2 كور 2: 2. إن الفرح الاسكاتولوجيّ حاضر في تث 32: 43 (كما في مز 96: 11؛ اش 44: 23؛ 49: 13؛ رؤ 12: 12؛ 18: 20). هذا يتضمّن أن الأحداث الأخيرة تمّت في اهتداء الأمم.
«وأيضاً: سبّحوا الربّ» (آ 11) (كاي بالين). رج آ 10. الايراد يعود إلى مز 117: 1 كما في السبعينيّة التي هي قريبة من العبريّة. مزمور قصير، ولكنه يتضمّن «ح س د» (الرحمة، الايوس. المحبة) و«ا م ت» (اليتايا): الأمانة، يستطيع الأمم أن يمدحوا الله لرحمته ولأمانته. وصل إليهم المديح، وما حُرم منه اسرائيل.
«وقال اشعيا» (آ 12). «كاي بالين»، وأيضاً. رج آ 10. هنا انتهى بولس مع نبيِّه المفضّل. ذُكر اسمه في 9: 27، 29؛ 10: 16، 20. «فرع من أصل يسى». اش 11: 10 كما في السبعينيّة، بدون البداية: وفي تلك الأيام، التي حلّ محلها يوم الدينونة الأخيرة (2: 5، 16؛ 13: 12؛ 1 كور 1: 8؛ 3: 13؛ 5: 5). اختلف اليونانيّ بعض الشيء عن العبريّ، ولكن ظلّت حاضرةً النظرةُ الاسكاتولوجيّة إلى سلام شامل يعد به أشعيا (11: 6- 10). نشير هنا إلى أن هذا النص يُقرأ في عيد الفصح اليهوديّ. لغة السبعينيّة تسمح بالتفسير المسيحيّ. «جذر» (ريزا) هو لقب المسيح الملك (اش 11: 1- 5؛ سي 47: 22؛ ق رؤ 5: 5؛ 22: 16؛ رج إر 23: 5؛ 33: 5).
«فليغمركم إله الرجاء» (آ 13) (إلبيس). رج 4: 18؛ 5: 4. الله الذي يعطي الرجاء. ونقول: الله موضوع الرجاء. يُذكر الفرح (خارا) والسلام (إيريني) الشقيقتان الرفيقتان كما قيل فيهما. كما يُذكر الإيمان: أساس كل صلاح في الانسان، وهو انفتاح على الله، وثقة لا تحفّظ فيها. «حتّى يفيض» (باريساويو). رج 3: 7؛ 5: 15. إن الفعلين «غمر» و«فاض» يدلاّن على أن بولس في معرض كلامه عن الضعفاء والأقوياء، طلبَ بناء جماعةٍ، فيها يأخذ الواحدُ قريبه إلى الأمام، إلى حريّة تامّة لأبناء الله، داخل عالم جديد من الرجاء. «بقدرة الروح القدس». رج 14: 17؛ 15: 16. هي قدرة الله (1: 16). وهو الروح القدس (5: 5). ويكون الاثنان معاً في 1: 4؛ 15: 19؛ 1 كور 2: 4؛ 12: 9- 10؛ 15: 43- 44؛ 2 كور 6: 6- 7؛ غل 3: 5.

3- خلاصة لاهوتيّة
للمرّة الأولى (آ 1) أعطى بولس لقباً للذين لا يوافقون «الضعفاء». إنهم «الأقوياء». الضعفاء هم من لا قوّة لهم. هذا ما يقول عن «الأقوياء» الذين يثقون بأنفسهم، ويحاولون أن يسيطروا، وقد يسقطون في موقف من اللاتسامح والإكراه، بحيث يحسبون أنفسهم مختلفين عن الآخرين. هم يتحمّلون الضعفاء، ولكنهم لا يحترمونهم. وعى بولس هذه الأخطار، وهو الذي وجّه كلامه إلى كل من يفتخر بحقوقه وامتيازاته. تحدّث عن «الأقوياء» وجعل نفسه معهم (نحن)، ليربح ثقتهم فينال الجواب العمليّ الذي ينتظر. والنصيحة التي يُعطي: ممارسة الضعف مع الضعفاء، والتنكّر للذات، ومحبّة فاعلة للقريب، كمثال للسلوك المسيحيّ. نحتمل ضعف الضعفاء، لا الضعفاء في ضعفهم. عاد الرسول إلى اش 53: 4 وعبد الربّ المتألّم كما في مت 8: 17. هذا يعني أنه لا يوافق هذا الضعف، بل يقبل نتيجة هذا الضعف في تماهٍ مع الذين هم ضعفاء بحيث يصبح ضعفُهم ضعفَه في الخبرة اليوميّة. هناك عدم موافقة على هذا الموقف، الضعف في الإيمان، وتعاطف مع الذين يعيشونه. هكذا لبسَ يسوعُ جسد الخطيئة لكي يدمّره (8: 3).
في آ 2 ذكّر بولس بالمبدأين الكبيرين اللذين يوجّهان حريّة الأقوياء، ويشرُفان على موقفهم وسلوكهم في علاقتهم مع الضعفاء: محبّة القريب (13: 8- 10؛ 41: 15). خير الجماعة (14: 19- 21). فمن «حدّد» نفسه، كما فعل المسيح، عاش في أمور أكره عليها، ولكنه لا يقدر أن يتفلّت منها. وفي الوقت عينه، ما انتظر بولس من الأقوياء أن يرضوا الضعفاء في طريق لا تمييز فيها. فالمهم لا ما يقوله المحافظون أنه يرضيهم، بل خير الجماعة ككلّ، وإفادتها. هذا يعني أن هناك طريقاً للمحافظين يمكن أن تكون سيّئة بحيث لا تفيد الكنيسة. فحبّ القريب يعرف أن يميّز.
وفوق كل هذا، مثال المسيح (آ 3). ما هو ضمنيّ في تعليم يسوع (14: 13- 18)، هو كلام عن موت يسوع «من أجل» هؤلاء الضعفاء أنفسهم (14: 15). أجل، يبقى هو المثال. فإن شاء أن يحتمل عدم الفهم حتّى بذل حياته، فكيف يرفض الذين يفتخرون بقوتهم ويدعون المسيح رباً، أن يضعوا حداً لنفوسهم، أن يحنوا حريّة سلوكهم حين تدفع إخوتهم المسيحيّين إلى السقوط. قوّة أكبر تعني مسؤوليّة أكبر. هنا يصل بولس إلى فهم «القوي» في المسيحيّة: إن قوّة الله تجلّت في الصليب (1 كور 1: 25؛ 2 كور 13: 4). وقوّة الله الكاملة وجدت تعبيراً عنها في ضعف بولس (2 كور 12: 9- 10). والعظمة الحقيقيّة تعرف الخادم اللامستحق وعبوديّة من تخلّى عن قوّته (مر 10: 42- 45). والتعليم الضمني هو: من الوهم أن يحسب القويّ أنه يستقلّ عن الله. ووهمٌ أن يستقلّ عن سائر المؤمنين. فملء قوّة النعمة هي في ضعف ارتباط متبادل بين أعضاء جسد المسيح. وهكذا يتوجّه التعليم إلى الضعفاء أو إلى من يظنّ نفسه قوياً ويحقّ له أن لا يحسب حساب الضعفاء. القوّة لا تعني فقط أن نقبل الآخر كأخ، بل أن نستعدّ لنكون مسؤولين عن حقّه ليتخذ موقفاً مختلفاً عن موقفنا.
وجاء الكتاب المقدّس (آ 4)، فبيّن أن مخطّط الله في تاريخ الخلاص، قد عمل مراراً عبر الضعف والألم. وهكذا تمّ حقاً. هذا يُسند ويشجّع حين نحسّ بحدودنا ونقصنا، فنتأكّد ما يريد الله أن يُنجزه. ما تردّد بولس في وصف السبب الذي لأجله جاء الكتاب كما جاء: ما هو ينبوع معلومات تاريخيّة أو علميّة. الكتاب هو «من أجل تعليمنا». ليُسند إيماننا. ليجدّد رجاءنا. وهكذا تذكّرت جماعة رومة أن كل فكرها (وكلّ عملها) يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الانشداد الاسكاتولوجيّ بين ما حصل الآن في المسيح وبالمسيح، وما لم يحصل بعد فنرجوه.
صلّى بولس (آ 5- 6) من أجل التناسق بين الأفكار ووحدة الرأي لدى قرّائه، من يهود وأمم، من أقوياء وضعفاء، من محافظين ومتحرّرين، من تقليديين ولا تقليديين: هو وقت عظيم من أجل هويّة الكنيسة وفهم الانجيل. ذكّرهم بالصبر والعزاء. أما التناسق الذي يتمنّاه بينهم، فليس عملَهم ولا إنجازهم. هو عمل الله. يُعطى لنا فنتقبّله منه. عندئذ يكون حقيقياً ويدوم. وإذ أضاف «بحسب المسيح يسوع»، أعاد إلى فكرهم أن مسؤولية حبّ القريب المتبادلة تجد مثالها في المسيح، وتظهر كخدمة للربّ. ولا يكتفي بولس بتسامح ضمنيّ أمام الاختلافات، بل يطلب قبولاً متبادلاً نعبّر عنه في العبادة. فشلت البشريّة فما مجدت الله (1: 21). أما الآن فبالامكان أن نمجّد إله وأبا ربّنا يسوع المسيح من أجل مخطّطه تجاه البشريّة، ليجمع اليهود والأمم معاً في مديح لله الواحد.
والنداء إلى تقبّل الآخر (آ 7) يجد صداه في 14: 1 فيصبح تحريضاً للجميع، لا فقط للأقوياء لكي يراعوا الضعفاء. والكلمة الأخيرة في هذا الموضوع ذكّرت المجموعات والأفراد بقبول يسير في خطين: يقبل الضعفاء الأقوياء، ويقبل الأقوياء الضعفاء. قبول متبادل بحسب المسيح. إن وجب على المتحرّر أن يعبّر عن حريّته فيحصرها، فعلى المحافظ أن يقبل الذين يؤمنون بالمسيح، أبا كانوا، دون أن يحاول أن يستبعدهم من الكنيسة.
والمقياس هو قبول المسيح لنا (آ 8). والمثال، قبول مسيح الإيمان. وإذ ذكر بولس أيضاً مثال المسيح (كما في آ 3)، وسّع نظرته إلى ما هو أساسيّ لليهوديّ والأمميّ في مخطّط الله. فالمسيح الذي يبشّر به، هو ذاك الذي قبله اليهوديّ والأمميّ. فليعرف الأمميّ «القويّ»: كما قبلَه المسيحُ الذي كان من نسل يهوديّ (اليهوديّ) عليه أن يقبل اليهوديّ «الضعيف». وهذه أيضاً سمة تاريخ الخلاص: فالمسيح الذي فيه أتمّ الله مخطّطه، كان يهودياً، وكرّس رسالته لخدمة إخوته اليهود. هذا يعني أمانته لاختيار ابراهيم ونسله عبر اسحق ويعقوب. وهكذا يكون تداخل في المعنى بين «إيمان الله» و«أمانة الله» (3: 3- 7). وبما أن يسوع هو يهوديّ فهو خادم المختونين، وهذا يعني أن المواعيد للاباء هي باقية وإن لم تتمّ بعدُ تماماً كاملاً.
وهناك واقع مهمّ أيضاً: تطلّعت رسالة المسيح إلى الأمم (آ 9): جاءوا إلى الإيمان، وكثر عددُهم، فنموا في إطار مخطّط الله الذي هو خالق الجميع. والعودتان إلى مجد الله تعيدان إلى الأذهان سقطة الجنس البشريّ (1: 2،21 3؛ 3: 23،) وما اتخذه الله من تدبير منذ البدء (9: 23) بيد ابراهيم والمسيح (4: 20؛ 6: 4). والآن في مسيرة الإيمان (5: 2؛ 8: 18، 21، 30)، تحوّلت «حقيقة الله» و«مجد الله» تحوّلاً يميّز سقطة البشريّة. ولكن تثبّتت الآن هذه الحقيقةُ وهذا المجد في خدمة المسيح. كما تثبّتت مواعيدُ الله لاسرائيل عبر ابراهيم بأن يكون «وارث العالم» و«أباً لجميع الأمم». وهذا كلّه تمّ في الإيمان (4: 13، 16- 17). هي حقيقة الله الخالق، وذاك الأمين لعهده. فلا فصل بين الخلق والخلاص. فعلى الأمم أن لا ينسوا أنهم دُعوا عبر اليهود. وعلى اليهود أن يعرفوا أن دعوتهم ترافقت مع دعوة الأمم منذ البدء. لا أفضليّة في هذا المجال ولا أولويّة. ليتذكّر الأمم أن يسوع صار خادم الختان. وليتذكّر اليهود أن المسيح القائم من الموت هو ربّ الجميع. ولا يكون مجد الله كاملاً إلاّ حين ينطلق المديح من العالم كلّه.
في آ 10- 12، بل منذ آ 9 ب، يرد الكتاب المقدّس فيجمع الأمم (الوثنيّين) في موضوع المديح. النصّ الأول يشير إلى الشتات اليهوديّ الذي يعترف بالله ويمتدح اسمه وسط الأمم (آ 9؛ مز 18: 49). الثاني والثالث يدعوان الأمم وجميع الشعوب لينضمّوا إلى شعب الله في مديح مشترك (آ 10، تث 32: 43؛ آ11، مز 117: 1). والنصّ الأخير (1 تس 11: 10) يضمّ فكر العالم اليهوديّ عن يسوع، مسيح داود، والمسيح القائم من الموت الذي هو رجاء الأمم (1: 2- 5). انطلق بولس هنا (كما في 9: 25- 26) من لغة العهد القديم التي تتحدّث عن رجاء بسيط على الأممُ، في زمن المسيح الملك (آ 12). وهكذا تتمّ أمانةُ الله لعهده (آ 11)، فيعترف الأمم بهذا الواقع ويخضعون له (آ 10). فوصل إلى حدث المسيح الذي حوّل كل هذا إلى بشريّة مثاليّة (الأمم واليهود) توحّدت في عبادة الاله الواحد وفي رجاء المسيح الواحد.
وجاءت الصلاة الختاميّة (آ 13) كصدى لما في آ 5- 6، غير أنها ركّزت على موضوع الرجاء. لغة غنيّة مع كلام عن الملء، الكلّ، الفيض، الغمر. وذُكرت أهميّةُ الإيمان. وهكذا نعود إلى المواضيع الأساسيّة في البداية. والعبارتان مع «في» (في الإيمان، في قدرة الروح القدس) جمعتا العنصرين الرئيسيّين في لقاء الله بالانسان: قدرة الله تدرك الانسان وتعمل فيه. والانسان يتقبّل. ذاك هو ينبوع رغبتين بشريّتين كبيرتين: الفرح والسلام. ورغم المقاومة المسيطرة والعلامات الناقصة، يفيض ويفيض رجاء أكيد به يُنجز الله ملء قصده الأصليّ في الخليقة وفي دعوة البشريّة، من يهود وأمم.

الخاتمة
جاء كلام الرسول أولاً يدعو الجميع إلى البناء على مثال المسيح. فذاك هو الهدف الأخير. كما طلب الرسول من الأقوياء أن يحتملوا ضعف الضعفاء، وهكذا يدلّون على عيش المحبّة الأخويّة. والوسيلة: يعمل الواحد ما يرضي أخاه. يفضّل الواحد الآخرين على نفسه. وهكذا نكتشف نفوسنا واحداً يحسب مشيئة المسيح فنؤدّي جميعُنا المجد لله. ثم ترك بولس هذه المسألة الخاصة برومة، ووسّع الأفق ليصل إلى حياة الكنيسة ككلّ. فهذه الكنيسة هي جماعة عابدي الله الذين يلتئمون ليمجّدوه. وذكّر المسيحيين أنهم إن راعوا بعضهم بعضاً وتقبّلوا بعضهم بعضاً، فليس تجاوباً مع مثال حياة جماعيّة وحسب، بل لأن الله يقبلنا في يسوع المسيح. قبلَنا وأحبّنا، لأجل مجده، لا بسبب ما نحن عليه، وما نعمله من أعمال. هذا الاله ما قَبِل اليهود وحدهم، بل البشريّة جمعاء. وهكذا تشارك الخليقةُ كلها في رفع آيات الشكر بعد أن هدم المسيحُ كلَّ جدار عداوة، وربط البعيدين بالقريبين، فكان به لنا جميعاً سبيل الوصول إلى الآب في الروح الواحد.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM